ريادة الأعمال المستدامة: الأهمية والتحديات
دور ريادة الأعمال في تعزيز التنمية المستدامة ومواجهة التغيرات المناخية في المنطقة العربية
تُمثّل ريادة الأعمال المستدامة أهمّيةً قصوى في المنطقة العربيّة، لاسيما في دول مجلس التّعاون الخليجيّ، التي تحاول زيادة مشاريع الاستدامة ودعمها، لما لها من أهمّيةٍ بالغةٍ ليس على المستوى المحليّ فحسب، بل على المستوى العالميّ، حيث يجب تضافر الجهود بين البلدان للحدّ من التّغيرات المناخيّة وظاهرة الاحتباس الحراريّ، وهذا لا يُمكن أن يحدثَ دون تعزيز أهداف الاستدامة ودمجها في الأعمال بشكلٍ نزيهٍ.
ريادة الأعمال والتنمية المستدامة
تستطيع ريادة الأعمال أن تلعبَ دوراً بارزاً، في تعزيز أهداف التنمية المستدامة التي تُركّز في جوهرها على حماية الموارد الطّبيعية من أجل المستقبل، بالتّوازي مع العمل على تطوير المجتمعات والإنسان والأعمال الاقتصاديّة، وهذا قد يبدو صعباً نوعاً ما.
لكن بالمقابل، إنّ ريادة الأعمال يُمكن أن تبتكرَ طرقاً جديداً لحماية الموارد والحفاظ على البيئة من التّلوث، كما ينظر إليها بوصفها حافزاً قويّاً للتّغيير الإيجابي، فهي لا تُعزّز النّمو الاقتصاديّ فحسب، إنّما تلعب دوراً محوريّاً في تمكين الأفراد من عيش حياةٍ مستدامةٍ. أي، باختصارٍ تجمع بين ريادة الأعمال والتنمية المستدامة علاقةٌ تكافليّةٌ يُمكن استثمارها لحماية الكوكب. [1]
دور رواد الأعمال في تعزيز التنمية المستدامة
يتّسع دور رواد الأعمال في تعزيز التنمية المستدامة يوماً بعد يوم، حيث يشمل عالم ريادة الأعمال الممارسات الاجتماعية والبيئية إلى جانب العامل الاقتصادي، وهو ما يجعل من رواد الأعمال كياناتٍ مؤثّرةٍ في مجتمعاتهم. ويمكن لرواد الأعمال تعزيز التنمية المستدامة من خلال: [2]
- بناء مجتمعاتٍ مرنةٍ: حين يبدأ رواد الأعمال مشاريعهم الخاصّة، يساهمون في خلق فرص عملٍ وتحفيز النمو الاقتصادي المحليّ، ما يُوفّر أساس الحياة المستدامة التي يُمكن من خلالها أن يعيلَ الأفراد أنفسهم وعوائلهم.
- الابتكار من أجل مستقبلٍ مستدامٍ: حيث يسعى رواد الأعمال بشكلٍ مستمرٍّ إلى إيجاد الحلول الإبداعيّة للمشاكل والتّحديات، فمن الابتكارات الصّديقة للبيئة إلى حلول الطّاقة المتجدّدة، تحتلّ مشاريع ريادة الأعمال مكانةً رائدةً في تشكيل مستقبلٍ أكثر استدامةً.
- تمكين الأفراد: تُمكّن ريادة الأعمال الأفراد من السّيطرة على مصائرهم، من خلال بدء أعمالهم التّجاريّة الخاصّة، ما يساهم في الرّفاهيّة العامّة للأشخاص.
- زيادة الوعي البيئي: تُعطي المشاريع الرّياديّة الأولويّة للمسؤوليّة البيئيّة، حيث يتم تصنيع المنتجات الصديقة للبيئة، والعمل على تقليل البصمة الكربونيّة، وهذا ما يتوافق مع الهدف الأساسيّ في العيش المستدام.
- المرونة والتّوازن بين العمل والحياة: توفّر ريادة الأعمال وسيلةً فريدة للأفراد لإعادة تعريف التّوازن بين العمل والحياة، وهو ما يُعزّز الرّفاهية العامّة للسّكان.
- التنويع الاقتصادي: إذ تساهم ريادة الأعمال في التّنويع الاقتصاديّ من خلال طرح أفكارٍ وصناعاتٍ جديدةٍ، فالاقتصاد المتنوّع يكون أكثر مرونةً في مواجهة التّحديات، ممّا يُقلّل الاعتماد على قطّاعاتٍ محدّدةٍ، ويُعزّز هذا التّنويع استدامة المجتمعات، ويُعزّز القدرة على التّكيف والاستقرار على المدى الطّويل.
- تشجيع المسؤولية الاجتماعيّة: يتبنّى معظم رواد الأعمال المسؤولية الاجتماعية كقيمةٍ أساسيّةٍ، سواء من خلال الأعمال الخيريّة، أو المشاركة المجتمعيّة، ويعتبر هذا الالتزام حاسماً في تعزيز الحياة المستدامة.
يمكن القول إنّ ريادة الأعمال تبرز كلاعبٍ رئيسيٍّ في الرّحلة نحو الحياة المستدامة، فهي تخلق تأثيراً مضاعفاً يفيد الأفراد والمجتمع والبيئة.
شاهد أيضاً: أبرز الشركات الصناعية المستدامة في العالم العربي
الفرق بين الأعمال المستدامة وريادة الأعمال المستدامة
رغم أنَّ المصطلحين يستخدمان بشكلٍ متبادلٍ غالباً، لكن الفرق بين الأعمال المستدامة وريادة الأعمال المستدامة دقيق جداً، ويكمن في: [3]
الأصل والتركيز
يُمكن للشّركات التّقليديّة القائمة أن تتبنّى ممارساتٍ مستدامةٍ وتطوّر الأعمال المستدامة، لكنّ ريادة الأعمال المستدامة تقوم في جوهرها أساساً على إنشاء المشاريع المستدامة.
الابتكار والمخاطر
الابتكار والرّغبة يدفعان ريادة الأعمال المستدامة لتحمل المخاطر في سبيل تحقيق الاستدامة وأهدافها، لكن الأعمال المستدامة ورغم أنّها قد تتبنّى ممارساتٍ مبتكرةٍ، إلّا أنّ استراتيجيتها غالباً ما تقوم على دمج الاستدامة في عمليّاتها الحاليّة عوضاً عن بناء شركةٍ جديدةٍ مختصّة بها.
النطاق والتأثير
ريادة الأعمال المستدامة تبدأ برؤيةٍ كليّةٍ وواضحةٍ حول الأثر البيئيّ الذي تريد تحقيقه، وتُصمّم المشاريع بناءً على ذلك التّأثير، لكن الأعمال المستدامة، ورغم أنّها تهدف إلى إحداث أثرٍ إيجابيٍّ، إلّا أنّها تتّجه للتّركيز أكثر على تقليل التّأثيرات السّلبيّة ضمن نطاقها الحاليّ.
المرونة والتكيف
غالباً ما تتمتّع ريادة الأعمال المستدامة بالمرونة الكافية لتغيير أعمالها استجابةً للمتغيرات، التي يُمكن أن تشملَ تحديّاتٍ جديدةٍ للاستدامة، كذلك الحال فإنّ الأعمال المستدامة ربّما تتكيّف، إلّا أنّها تبقى داخل قيود أسواقها ومنتجاتها ورغبتها بتحقيق الأرباح.
باختصار، يُمكن القول إنّ ريادة الأعمال المستدامة قادرةٌ على إحداث تغيّيرٍ إيجابيٍّ كبيرٍ، والخوض في مشاريع لتحسين رفاهيّة السّكان والكوكب، وهو الدّور الذي تقوم به الأعمال أو الشّركات المستدامة، لكن ضمن منطق مصالحها وسوقها.
مفهوم ريادة الأعمال المستدامة
بدأ استخدام مفهوم ريادة الأعمال المستدامة عام 2000، ويعني تحقيق الابتكارات المستدامة التي تستهدف السّوق الشّامل، وتعود بالنّفع على معظم أفراد المجتمع، يوجّه هذا المفهوم نحو الفرص ويُهدف إلى توليد منتجاتٍ وخدماتٍ وتقنيّاتٍ جديدةٍ تُقلّل من الآثار السّلبية على البيئة والمجتمع وتُساهم بتحسين نوعيّة الحياة ورفاهها.
يتميّز روّاد الأعمال المستدامون، بأنّهم لا يسعون إلى تحقيق الأرباح من أعمالهم فقط، إنّما من أهم أهدافهم الرّئيسيّة تحقيق تأثيرٍ إيجابيٍّ على المجتمع والبيئة، وهنا يبرز التّحدي الأكبر، كيف أكون رائد أعمال يُريد تطوير أنشطته التّجارية وتحقيق الأرباح، وفي الوقت ذاته عليّ التّركيز على الاهتمام بالبيئة والمجتمع، وهنا يبرز دور العامل الأخلاقيّ الذي من المفترض أنّه يحكم عالم ريادة الأعمال المستدامة.
أهمية ريادة الأعمال المستدامة
تكتسبُ ريادة الأعمال المستدامة أهمّيةً كبيرةً، من ناحية قدرتها على إحداث التّأثير الإيجابيّ في حياتنا على الكوكب، وتكمن أهمّيتها أيضاً في أنّها: [4]
- تعمل على خلق مستقبلٍ مستدامٍ، رُغم تحديّات استنزاف الموارد والتّغيرات المناخيّة.
- تؤثّر إيجاباً على البيئة، وبخلاف الأعمال التّجاريّة التّقليديّة التي تُركّز على الأرباح، فإنّ ريادة الأعمال المستدامة تُركّز على إدارة أعمالها بطريقةٍ أقلّ ضرراً على البيئة.
- تحمل هاجس المسؤولية الاجتماعيّة، وتساعد على خلق فرص عملٍ، وتقوم بالعمل الخيريّ.
- تؤدّي إلى المرونة الاقتصاديّة، كونها تُقلّل الاعتماد على الموارد النّادرة والأسواق المتقلّبة.
- الشّركات التي تتبنّى ريادة الأعمال المستدامة، تكتسب ميّزةً تنافسيّةً، مع ازدياد البحث بين المستهلكين عن الخدمات والمنتجات صديقة البيئة
مع كل تلك المزايا، ربّما حان الوقت لتبنّي ريادة الأعمال المستدامة وإدراك أهمّيتها لتحقيق النّجاح.
أهم مبادئ ريادة الأعمال المستدامة
إذاً، وبعد ذكر فوائدها وتأثيرها، ما هي أهمّ مبادئ ريادة الأعمال المستدامة؟ في الحقيقة هناك العديد من المبادئ التي تنطلق منها، والتي تُركّز على تعزيز أهداف الاستدامة بشكلٍ رئيسيٍّ، مثل: [5]
- الالتزام ببيئة عملٍ آمنةٍ وصحيّةٍ مع تشجيع الموظّفين على الابتكار.
- احترام المسؤوليّة البيئيّة والتّأكد من الحفاظ على البيئة بكل مراحل العمل.
- جعل المجتمعات أماكن أفضل للحياة والأعمال التّجاريّة.
- تشجيع الآخرين، سواء كانوا مورّدين أو عملاء أو موظّفين على تحسين أداء الاستدامة الخاصّ بهم.
- الاستدامة أولويّة عمل للمنظّمة بكلّ المراحل.
- تتمتّع المنظّمة بالشّفافية والمساءلة بشأن أدائها في الأمور التي تهمّ الآخرين.
- تلبية احتياجات الغدّ من خلال الابتكار.
إنّ تبنّي نهج ريادة الأعمال المستدامة، يُمكن أن يقودَ العالم للنّجاة من المخاطر البيئيّة والتّغيرات المناخيّة، ويساهم بشكلٍ فعّالٍ في تحسين رفاهنا وحياتنا، كذلك رفاه أولادنا وحياتهم على كوكب الأرض.
أهم مشاريع ريادة الأعمال المستدامة في المنطقة العربية
تحتضن الدّول الخليجيّة أهمّ مشاريع ريادة الأعمال المستدامة في المنطقة العربيّة، حيث تولي دول الخليج خصوصاً، الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية أهمّيةً بالغةً للاستدامة والمشاريع المستدامة، وتُشجّع عليها وتمنح مزايا ودعماً كبيراً لروّاد الأعمال المستدامين. وفيما يلي بعض نماذج مشاريع ريادة الأعمال المستدامة:
شركة FortyGuard
تحاول شركة FortyGuard النّاشئة، التي تحتضنها دولة الإمارات مواجهة التغيرات المناخية، من خلال العمل على تحديد وتبريد المناطق السّاخنة، بينما يعمل فريقها التّكنولوجي على تطوير الحلول ومواجهة ارتّفاع درجات الحرارة التي تُعتبر حاسمةً لناحية التّغيرات المناخيّة السّريعة.
شركة Digital Petroleum
شركة Digital Petroleum السعودية للحلول الرّقميّة، التي تعمل على تقنين عمليّات اتّخاذ القرارات في الصّناعات النّفطية، باستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث تقوم بدمج البيانات والتّحليلات بهدف اتّخاذ قراراتٍ أكثر كفاءةً، وتوفّر الطاقة ما يؤدّي إلى تقليل الانبعاثات الكربونيّة واستهلاك المزيد من المياه.
شركة Seramic
تعمل شركة Seramic، على إعادة تدوير النّفايات الصّلبة الصّناعية وتحولها إلى مواد أوليّة لصناعة السيراميك، المصنوع بنسبة 100% من نفايات الصّناعات الثّقيلة التي تمت معالجتها لإعادة تدويرها.
تساهم هذه الشّركة ومقرّها دولة الإمارات العربية، في توفير الموارد الطّبيعية والحفاظ عليها للمستقبل، كذلك إلغاء نقلها من أماكنها إلى المعامل، ما يؤدّي إلى اختصار الوقود اللّازم للنّقل، وبالتّالي تقليل البصمة الكربونيّة.
تلك نماذج قليلةٌ جداً من مشاريع ريادة الأعمال المستدامة التي باتت الدول العربية، توليها أهمّية بالغة ًوغالباً ستزداد تلك الأهمّية، بعد التّطرف المناخي الذي حصل الشتاء الماضي والفيضانات التي اجتاحت عدّة دولٍ، مثل: الإمارات وسوريا، وسبّبها الرّئيسي التّغيرات المناخيّة.
ما هي التحديات التي تواجه ريادة الأعمال المستدامة؟
للأسف ورغم أهمّيتها، فإنّ التّحديات التي تواجه ريادة الأعمال المستدامة كثيرةٌ ومتنوّعةٌ، وبالعموم يُمكن تصنيفها في ثلاث فئاتٍ رئيسيّةٍ: بيئيّة، واجتماعيّة، واقتصاديّة. [6]
التحديات البيئية
تشمل التّحديات البيئيّة الحاجة إلى إيجاد طرقٍ مستدامة للحصول على المواد وإنتاج السّلع والتّخلص من النفايات، وهذا ما يتطلّب من الشّركات أن تعيدَ تفكيرها بكامل عمليّاتها، في مهمّةٍ يُمكن أن تكونَ شاقّةً جدّاً.
التحديات الاجتماعية
ضمان معاملة الموظفين بشكلٍ عادلٍ، وجعل ظروف العمل آمنةً، وإنتاج سلعٍ بشكلٍ أخلاقيٍّ، من التّحديات الكبيرة والصّعبة خصوصاً في سلاسل التّوريد العالميّة.
التحديات الاقتصادية
كيف يُمكن تحقيق الأرباح مع ضمان تحقيق الأهداف الاجتماعيّة والبيئيّة؟ سيكون الأمر صعباً نوعاً ما، خصوصاً أنّ الممارسات المستدامة يمكن أن تتسبّب بتكاليف أكبر.
تمثّل التّحديات الأساسيّة التي تواجه ريادة الأعمال المستدامة عقباتٍ هائلةً، لكنّها بالمقابل تُمثّل أيضاً فرصاً للنّمو والابتكار والتّأثير الإيجابيّ في المجتمع.