القيادة الاستثنائية: 6 دروس تصنع الفارق الحقيقي
حين يسعى القائد للتّميّز، تتحوّل التّحديّات إلى محرّكاتٍ للنموّ والإبداع عبر الالتزام العميق واستثمار الطّاقة والمهارات بذكاءٍ

هذا المقال متوفّر باللّغة الإنجليزيّة هنا.
لا تُقاس القيادة العظيمة بالمناصب أو الألقاب، بل بقدرة القائد على ترك الشّركة أفضل ممّا وجدها، سواء في أفرادها أو حضورها أو أرباحها؛ فوضوح الرّؤية والعمل اليوميّ الهادف، المبنيّ على قيمٍ صلبةٍ، هو ما يخلق حالةً دائمةً من الزّخم تقود نحو النّتائج المنشودة، وهذا ما يميّز القيادة الاستثنائية عن غيرها. وخلال أكثر من 15 عاماً من عملي مع قادةٍ في أعلى المستويات، أدركت أنّ القادة العظماء نادرون حقّاً. وهنا أشارك 6 دروسٍ اكتسبتها من رحلتي الشّخصيّة في القيادة، إلى جانب ما علّمته وتعلّمته من شبكة عملائي عبر 5 قاراتٍ.
الدرس الأول
القانون الأهمّ في القيادة الاستثنائية الّذي أعلّمه لكلّ قائد فريقٍ، وخاصّةٍ في الإدارة العليا، هو أن يقود نفسه أوّلًا. يحمل كثيرون ألقاباً قياديّةً، ولكن قلّة هم من يمتلكون العزيمة والاستمراريّة للصّعود إلى القمم النّادرة للقيادة الحقيقيّة. البداية دائماً من الدّاخل، أي استعداد القائد للنّظر إلى المرآة قبل النّظر إلى الآخرين. وكثيراً ما أقول إنّ النّاس اليوم يبذلون جهداً أكبر في وظائفهم مقارنةً بتطوير أنفسهم، والسّبب هو كمّ المشتتات الّتي تحاصرنا في عالمنا الحديث. لذا يحتاج الأمر إلى نيّةٍ واضحةٍ والتزامٍ عميقٍ بالعمل على الذّات أكثر، أو على الأقلّ بقدر العمل على الوظيفة؛ فتنمية الذّات، سواء على مستوى الفكر أو المهارات أو الاستراتيجيّات، يجب أن تكون "الأولوية الأولى" لك ولفريقك في كلّ عامٍّ. وتشمل مجالات التّطوير الأساسيّة الهويّة الشّخصيّة، ومهارات التّواصل والتّأثير، وإدارة الوقت والمهامّ، وغيرها. فالاستثمار في تطوير الذّهنيّة والمهارات هو النّشاط الأكثر تأثيراً الّذي يمكن أن يقوم به القائد.
الدرس الثاني
يدرك القادة الاستثنائيّون أنّ النّجاح يعشق السّرعة. نعم، الصّبر مطلوبٌ، والاستعجال غير منتجٍ، لكن السّرعة غالباً ما تجلب النّجاح. كما أنّ الإحساس بالعجلة يخلق زخماً قادراً على قلب مسار الأعمال خلال عامٍ كاملٍ. وأنا من أشدّ المؤمنين بالعمل المكثّف ضمن فتراتٍ قصيرةٍ أسّميها "مواسم"؛ فبعد الصّيف مثلاً، يبدأ جميع أصحاب الأداء العاليّ موسماً يمتدّ 90 يوماً من سبتمبر حتّى نوفمبر، للاستفادة من فترة نشاطٍ اقتصاديٍّ قويّةٍ، وإنهاء العامّ بقوّةٍ، والاستعداد لدخول عام 2027 بزخمٍ بدلاً من مقاومة الجمود.
يحقّق العمل المكثّف والمركّز، حتّى لو كان على حساب الحياة الاجتماعيّة مؤقّتاً، نتائج أفضل بكثيرٍ من السّلوك اليوميّ الفاتر والبطيء. كما يساعد العمل وفق مواسم محسوبةٍ مع محاسبةٍ صارمةٍ القائد على كسر العادات القديمة، والبحث عن طرقٍ أكثر فعاليّةً لإنجاز المهامّ. أمّا المشتّتات اليوميّة الّتي تضعف التّركيز، فهي العدو الأوّل للأداء المستمرّ، بينما يساهم موسم 90 يوماً في القضاء عليها بالكامل. وبعد كلّ موسمٍ قويٍّ، يستعيد القائد طاقته، ويُعيد ترتيب مساره استعداداً للمرحلة التّالية.
شاهد أيضاً: القيادة الريادية: ما هي صفات القائد العصري؟
الدرس الثالث
القيادة الاستثنائية رؤيةٌ قبل أيّ شيءٍ؛ فأصحاب الرّؤية يقولون "نعم" أوّلاً ثم يجدون الطّريق لاحقاً. إنّهم لا يتهوّرون، لكنّهم يعرفون إمكاناتهم ويثقون بها. أنصح جميع عملائي التّنفيذيين أن يقودوا وفق الرّؤية لا وفق الواقع. القيادة بالرؤية تعني إعادة خلق الإلحاح، وطرح الأسئلة الصّحيحة، والسّعي وراء الوضوح، والتّصرّف انطلاقاً من اليقين؛ فالقادة أصحاب الرّؤية يطرحون أسئلةً أفضل، ويتجنّبون الاستنتاجات المبكّرة، ويبقون منفتحين على رؤىً لا يصل إليها غيرهم ممن يغلقون الأبواب سريعاً. هذه القدرة على البقاء فضوليّين وتحديد أهدافٍ بعيدة المدى هي ما يتيح تحقيق أهداف 10 سنواتٍ في أقلّ من خمس. كما أنّ القادة أصحاب الرؤية يبنون ثقافاتٍ مؤسسيّةً قائمةً على القيم والشّخصيّة، ليصبحوا بذلك صنّاع تغييرٍ حقيقيّينٍ داخل أيّ منظّمةٍ. والنّاس بطبيعتهم ينجذبون ليتبعوا أصحاب الرّؤية.
الدرس الرابع
دع أفعالك تتحدّث عنك؛ فالقائد الّذي يسعى إلى ترك بصمةٍ كبرى في مجاله، وإحداث أثرٍ حقيقيٍّ في علامته التّجاريّة وأعماله، يجب أن تسبقه سمعته كمنفّذٍ قبل حضوره؛ فأن تكون معروفًا كـ "منجز" يجذب الأشخاص المناسبين للبقاء إلى جانبك. الأقوال رخيصةٌ، لكن الأفعال المتواصلة تخلق اليقين، واليقين هو ما يحرّك المؤشّرات. حين تثبت أنّك قائدٌ يفعل ما يقول، يصبح النّاس قادرين على الإيمان بالرّؤية والانضمام إليك يوميّاً لتنفيذ المهمّة. والنّاس يريدون قائداً صاحب رؤيةٍ، نعم، لكن أيضاً قائداً يعتمد عليه؛ هذا في جوهره مسألةٌ تتعلّق بالشّخصيّة. وتعريفي للشّخصيّة في أيّ علاقةٍ، سواء شخصيّةٍ أو مهنيّةٍ، هو استعدادك وقدرتك على تنفيذ الرّؤية والقيم الّتي تعلن أنّك تتمسك بها.
الدرس الخامس
أكبر خطأ يرتكبه القادة هو الاعتقاد بأنّ لديهم الوقت، والأسوأ اعتقادهم أنّ الوقت يساوي المال. الحقيقة أنّ الوقت أثمن بما لا يقارن؛ فحين تنفق يوماً، تقلّ أيامك واحداً، أمّا المال فيمكنك أن تجنيه أضعافاً مضاعفةً. على القائد أن يستردّ وقته عبر الاستثمار في حلولٍ تنجز المهامّ الأكثر تأثيراً؛ فالقائد رفيع المستوى والمؤدّي الفائق يجب أن يكرّس وقته لأهمّ ٥% من المهامّ الّتي تحقّق النّتائج، بينما يجب تفويض أو التّخلّص من الـ ٩٥% المتبقية.
إضاعة الوقت في "القليل من كلّ شيءٍ" خطأٌ فادحٌ، وينطبق الأمر نفسه على المالكين والمؤسّسين الّذين يتحولون إلى مشغّلين يوميين ويفقدون نفوذهم، واسترجع وقتك لتتمكّن من التّركيز على ما يحقّق أفضل النّتائج، واستثمر في تطوير الذّهنيّة والمهارات لسدّ الفجوة بين ما تعرفه وما لا تعرفه بعد، وبين ما تفعله وما لم تبدأ في فعله بعد، ممّا سيوصلك أسرع إلى حيث تريد أن تكون.
الدرس السادس
الانتظار ليس استراتيجيّةً، بل وصفةٌ مؤكّدةٌ للخسارة. والتّأجيل يقتل الصّفقات، ويضعف الثّقافة المؤسّسيّة، ويُفقد الفرق زخمها. ومع ذلك، كثيرٌ من الشّركات تعيش وهم "لدينا متّسع من الوقت"، فيكرر قادتها عباراتٍ مثل: "عد إليّ في يناير" أو "تحدث معي في سبتمبر". هذه ليست إدارة وقتٍ، بل عقليّةٌ متساهلةٌ لا مكان لها في بيئة أعمال تُبنى على المنافسة الشّرسة وكسب الحصّة السّوقيّة.
يتطلّب النّجاح اليوم سرعة الإيقاع؛ فالتّواصل مع العميل اليوم أفضل من الغد، والاجتماع مع الفريق هذا الأسبوع أنفع من تأجيله للشّهر المقبل، والاستثمار في القادة وصقل مهارات الفريق يجب أن يبدأ الآن لا لاحقاً. ببساطةٍ، الأعمال لا تنتظر، والزّمن لا يرحم، ومن يتأخّر يخسر.
عن الكاتب
آيدان أوبراين (Aidan O’Brien) مستشارٌ استراتيجيٌّ عالميٌّ، ومرشدٌ تنفيذيٌّ، ومتحدّثٌ رئيسيٌّ، قدّم أعمالاً تحوليّةً لما يقارب مليون شخصٍ حول العالم، من بينهم فرق مبيعاتٍ في دولة الإمارات العربيّة المتّحدة تحقّق إيراداتٍ سنويّةً تتجاوز 50 مليون يورو، كما عمل مع شركات "فورتشن 500" (Fortune 500) وشركات مبيعاتٍ مباشرةً بمليارات الدّولارات، إضافةً إلى شركاتٍ ناشئةٍ عالية النّموّ في خمس قاراتٍ.