الرئيسية الريادة الأسئلة تصنع القادة: قوة الفضول في قيادة الابتكار والنمو

الأسئلة تصنع القادة: قوة الفضول في قيادة الابتكار والنمو

حين يسيطر الفضول على طريقة التّفكير، تتحوّل الأسئلة البسيطة إلى أدواتٍ قويّةٍ للابتكار، وتصبح ثقافة التّعلّم المستمرّ سلاح القادة نحو التّميّز والنّموّ المستدام

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.

يقول المثل: "الفضول قتل القطة"، أي أنّ الفضول قد يقود إلى المتاعب، لكن عالم اليوم المليء بالاضطرابات والتّقلّبات يجعل كثيراً من القادة يتردّدون في طرح الأسئلة. وفي خضمّ هذه الفوضى، يكتفون أحياناً باتّباع «أفضل الممارسات» والبروتوكولات، والالتزام بما ورثوه من دروب التّاريخ. ومع ذلك، كما يُنسب إلى أينشتاين: "لا يمكننا حلّ مشاكلنا بنفس التّفكير الذي استخدمناه عند ابتكارها".

يتجاوز الفضول كونه مجرّد سمةٍ شخصيّةٍ فريدةٍ؛ فهو مهارةٌ معرفيّةٌ راسخة الجذور في علم الأعصاب، وقادرٌ على أن يتحوّل إلى قوّةٍ خارقةٍ يملكها القائد. فحين نشعر بوجود فجوةٍ بين ما نعلمه وما نحتاج معرفته، يشتعل نظام المكافآت في الدّماغ، مطلقاً دفقةً من الدوبامين. هذا الشّعور بالفضول لا يمنحنا المتعة فحسب، بل يسرّع ويعمّق عمليّة التّعلم، ويعزّز من قدراتنا الإدراكيّة. إنّه شعورٌ إيجابيٌّ، خالٍ من أيّ شعورٍ بالذّنب، ويقدّم أثراً بالغ الأهميّة على مسار الأعمال والنّجاح المؤسّسيّ. ورغم أنّ الفضول فطريٌّ بطبيعته، إلّا أنّ التّدريب المنهجيّ وتهيئة البيئة الملائمة يمكن أن يقوّيا عضلات الفضول لدى القائد، فتتنامى قدرته على الاستكشاف واتّخاذ قراراتٍ أكثر حكمةً.

مبررات الأعمال لطرح سؤال «لماذا؟»

لا يرفع الفضول مستوى السعادة فحسب، بل يمثّل أيضاً دافعاً قويّاً يقود إلى النّجاح القياديّ والتّجاريّ بعدّة مساراتٍ:

  • تشجيع الابتكار: يحفّز الفضول المؤسّسات وروّاد الأعمال على الإبداع والتّجديد؛ فلم تولد إمبراطوريّة "سبانكس" (SPANX) في غرفة اجتماعاتٍ رسميّةٍ، بل بدأت بسؤالٍ بسيطٍ طرحته سارة بلاكلي: "لماذا لا توجد ملابس داخليّة صالحة للارتداء تحت البنطال الأبيض؟" هذا الفضول دفعها إلى قصّ قدم جوربٍ ضيّقٍ، وفي لحظة تجربةٍ جريئةٍ، بزغت فكرةٌ بمليار دولار. قائد راضٍ عن الوضع الرّاهن وربما مكتفٍ بما هو موجودٌ، كان ليكتفي بارتداء الجينز فقط.
  • تأمين مستقبل الشّركة: عندما تسلّم ساتيا ناديلا قيادة "مايكروسوفت" (Microsoft)، أحدث تحوّلاً جذريّاً في ثقافة الشّركة، محوّلاً ثقافة «أعرف كلّ شيء» القاسية إلى ثقافة «أتعلّم كلّ شيء» المتواضعة والمتفتحة على الاستكشاف. دفع هذا الانتقال من اليقين الجامد إلى الفضول البنّاء الشّركة نحو تبنّي الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، فارتفع شأن منصة "أزور" (Azure) لتصبح عملاقاً تقنيّاً، وساهم ذلك في تجاوز تقييم الشّركة حاجز الثّلاثة تريليونات دولارٍ. بالمقابل، تجاهل القادة اللّامعون لكن غير الفضوليين في "بلاك بيري" (BlackBerry) الابتكار، متمسّكين بلوحات المفاتيح التّقليديّة، بينما العالم كان يتحوّل سريعاً إلى الشّاشات اللّمسيّة. وقد أسفر نفس غياب التّساؤل والاستكشاف عن إخفاق شركاتٍ بارزةٍ أخرى مثل: "كوداك" (Kodak) و"بلوكباستر" (Blockbuster) و"ياهو" (Yahoo).
  • تقليل معدّل دوران الموظّفين: يغادر الموظّفون غير المتفاعلين بيئات العمل الّتي لا تحفّزهم، ويكلّف استبدالهم الشركات أعباءً ماليّةً ضخمةً. وتشير تقديرات مؤسّسة "غالوب" (Gallup) إلى أنّ ما يُعرف بـ«ضريبة الدّوران» قد تصل تكلفتها إلى 200% من راتب المدير لاستبداله. ومع متوسّط مغادراتٍ طوعيّةٍ سنويّاً يبلغ 13.5%، يتحوّل هذا الأمر إلى مشكلةٍ محتملةٍ بقيمة تريليونات الدّولارات داخل الولايات المتّحدة وحدها؛ فالثّقافة القائمة على الفضول تعدّ سلاحاً استراتيجيّاً لمواجهة هذا التّحدّي؛ فعندما تُعامل الأسئلة كأصولٍ ثمينةٍ بدلاً من كونها مصدر إزعاجٍ، فإنّها تُعزّز الأمان النّفسيّ وتشعر الموظّفين بالتّقدير والاحترام. على سبيل المثال، عندما اعتمد الرّئيس التّنفيذيّ لشركة "نوفارتس" (Novartis)، فاس ناراسيمهان، فلسفة «فضوليّ، ملهم، بلا قيود» مدعومة باستثماراتٍ كبيرةٍ في التّعلّم، شهدت الشّركة انخفاضاً في معدّل دوران الموظّفين ليصل إلى ثلاثة أرباع المتوسّط الصّناعيّ.

3 سمات لثقافة الشركة التي تفتقر إلى الفضول

قبل أن تحلّ المشكلة، يجب رؤيتها؛ فثقافات الشّركات منخفضة الفضول تتميّز ببعض السّمات المشتركة:

  • عبادة الكفاءة: حين يتحوّل السّعي إلى السّرعة والنّتائج المتوقّعة إلى هوسٍ أعمى، يُخنق شغف الاستكشاف وتُجهض بوادر الابتكار. فكم من الوقت نمضيه في حساب مؤشّرات الأداء والتّسويق بدلاً من صناعة القيمة وبنائها؟ وعندما يُفرض علينا تبرير كلّ دقيقةٍ بثمرةٍ معروفةٍ سلفاً، يتلاشى المجال لما يسميه جيف بيزوس «التجوّل»؛ ذاك الجانب العفويّ غير الفعّال ظاهرياً، لكنّه التّوازن الضّروريّ لفرط التميّز التشغيليّ. فإذا غدت عبارة «هذا ليس ضمن الخطّة» لازمةً متكرّرةً في أروقة عملك، فاعلم أنّك تُقيم شعائر عبادة الكفاءة على مذبح الاكتشاف.
  • اجتماعات أحادية الجانب: هل الاجتماعات منتدىً للحوار الحقيقيّ أم منصّة لخطاباتٍ فرديّةٍ؟ عندما تُعامل الأسئلة كمقاطعاتٍ، فإنّك لا تملك ثقافة اجتماعٍ بل ثقافة أحاديّاتٍ.
  • الخوف من الظّهور بمظهر الجاهل: هو أشدُّ أعداء الفضول فتكاً؛ إنّه ذلك الصّمت الثّقيل الّذي يخيّم عقب سؤالٍ يبدو بديهيّاً، أو ذلك التردّد الّذي يكبّل صاحب فكرةٍ نصف مكتملةٍ خشيةَ أحكامٍ متعجّلةٍ. وحين ينصرف النّاس إلى إثبات كفاءتهم بدل السّعي لتوسيع مداركهم، يئدون روح المغامرة ويغلقون أبواب الاكتشاف.

تقييم الفضول في شركتك

يمكن لهذه الأسئلة الخمسة أن تكشف كيف يُعالج الفضول داخل ثقافة مؤسستك:

  • ماذا حدث للأشخاص المشاركين في مشروعٍ فشل رغم حسن النّية؟ يكشف هذا السّؤال عن عمق الأمان النّفسيّ. في "بيكسار" (Pixar)، تُعقد اجتماعات ما بعد الفشل بلا لومٍ، لتشخيص المشكلات وليس لمعاقبة المدير. إذ يُنظر إلى الفشل كبياناتٍ قيّمةٍ، لا كحاجزٍ مهنيٍّ.
  • صف كيف تنتقل فكرة غير تقليديٍّة من الشّرارة إلى مشروعٍ مموّلٍ، وأين عادةً تتعثر؟ تخلق بعض الشّركات متاهةً بيروقراطيّةً خفيّةً تمنع التّجربة، بينما توفّر شركاتٌ مساراً لتجارب سريعةٍ ومنخفضة التّكلفة تعتمد على رؤى العملاء وأفكار غير تقليديّةٍ.
  • تذكر آخر مرّة طرح فيها أحد سؤالاً كشف فجوةً في معرفته، كيف قُبل؟ يقيس هذا ما إذا كانت ثقافتك تركّز على إثبات الكفاءة أم على التّعلّم المتواضع الّذي يتطلّب قبول الضّّعف كشرطٍ للنّموّ والتّطوّر.
  • كيف نخصّص الموارد للمشاريع الاستكشافيّة البحتة؟ تكشف الميزانيّة النّوايا الحقيقيّة؛ إذا كانت كلّ الموارد مخصّصةً لعوائد قصيرة الأجل مضمونةٍ، فإنّ الاستكشاف يتحوّل إلى مجرّد واجبٍ غير مموّلٍ.
  • حدّثني عن مرّة اختلف فيها موظّفٌ مبتدئ مع قائدٍ كبيرٍ في اجتماعٍ، كيف كان الجو؟ يشكّل هذا اختباراً للأمان النّفسيّ عبر هرم السّلطة؛ فإذا لم يتمكّن النّاس من قول الحقيقة للقادة، ستظلّ الأفكار مقصورةً على أصحاب المناصب الأعلى أجراً.

كيف تصبح قائد الفضول؟

يحتاج القائد العظيم، الّذي يرسّخ ثقافة نموٍّ مستدامةً، إلى مهاراتٍ متعدّدةٍ، لكنّها تبدأ دائماً بطرح الأسئلة أكثر ممّا يقدّم الإجابات. امنح الآخرين الحقّ في فعل الشّيء نفسه؛ ففي ظلّ تحوّلات التّكنولوجيا والسّياسة والاقتصاد، يكمن مفتاح النّجاح التّجاريّ في يد أولئك الفضوليّين المستمرّين في التّساؤل.

في عالم الأعمال، لم يقتل الفضول أحداً، لكن الخطر الحقيقيّ يكمن في الرّاحة القاتلة للرّضا عن الوضع الرّاهن.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 6 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: