الرئيسية الابتكار من الطفولة إلى النضج: خارطة نمو الشركات

من الطفولة إلى النضج: خارطة نمو الشركات

القفز فوق مراحل تطوّر الشّركة لا يختصر الطّريق، بل يؤجّل المشكلات، ويمنع الفريق من التّعلّم العميق الذي يصنع الاستقرار لاحقاً

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

منذ عشرين عاماً، تعلّمت درساً من أهمّ الدّروس في مسيرتي المهنيّة. كُنتُ في بداياتي كمستثمرٍ، وكان أحد عملائي، وهو رئيسٌ تنفيذيٌّ مخضرمٌ وواسع الخبرة، يسعى للاستثمار في شركةٍ ناشئةٍ تُظهر مؤشّرات نموٍّ سريعةً وجذّابةً. قدّمت له نصيحتي حينئذٍ بأنّ الوقت غير مناسبٍ للدّخول في هذا الاستثمار، واقترحت عليه أن ينتظر قليلاً، فوافق على ذٰلك.

وبعد مرور بضعة أشهرٍ، ارتفع سهم تلك الشّركة بشكلٍ كبيرٍ وغير متوقّعٍ. شعرت وقتها بالحرج الشّديد بسبب نصيحتي السّابقة، لكنّني كنت أعلم أنّ عليّ أن أبلّغه بما حدث، مهما كلّفني الأمر. توقّعت أن يغضب أو يشعر بخيبة أملٍ؛ لأنّني منعته من اقتناص هٰذه الفرصة. ولٰكن على عكس توقّعاتي، قابل الخبر بهدوءٍ تامٍّ. كانت كلماته: "هٰذا الارتفاع غير منطقيٍّ، ولن يستمرّ. فقط انتظر، عاجلاً أم آجلاً سيعود السّهم للانخفاض، ويملأ الفجوة".

وكما توقّع تماماً، عاد السّعر لاحقاً إلى مستواه السّابقفي تلك اللّحظة، أدركت حقيقةً لا تقبل الشّكّلا توجد طرقٌ مختصرةٌ لزيادة قيمة الشّركات؛ فكلّ مرحلةٍ من مراحل النّموّ ضروريّةٌ، ولا يمكن القفز فوقها، دون أن تتسبّب في مشاكل لاحقةٍ، وسيتوجّب عليك عاجلاً أو آجلاً الرّجوع للخلف لتصحيح تلك الفجوات.

صحيحٌ أنّ الشّركات تختلف فيما بينها من حيث طبيعة المنتجات أو الخدمات الّتي تقدّمها، وكيفيّة إدارتها وتشغيلها، واستراتيجيّاتها وأسلوب تنفيذها، ولٰكن جميع الشّركات تنمو باتّباع نفس المراحل الأساسيّة الخمسوإذا حاولت أيّ شركةٍ تجاوز واحدةٍ من هٰذه المراحل بهدف تسريع النّموّ؛ فستواجه حتماً تحدّياتٍ صعبةً، وقد تواجه بنتائج ضعيفةٍ أو حتّى انتكاساتٍ تجبر القادة على التّراجع لإعادة تصحيح المسار.

يحتاج الرّضيع إلى رعايةٍ دقيقةٍ ومتابعةٍ مستمرّةٍ ليبقى على قيد الحياة وكذٰلك الشّركات النّاشئة تحتاج في بداياتها إلى رعايةٍ مركّزةٍ وإشرافٍ دقيقٍ. ثمّ مع مرور الوقت، تتطوّر هٰذه الشّركات، وتدخل مراحل شبيهةً بمراحل النّموّ البشريّ: من الطّفولة إلى المراهقة، وصولاً إلى النّضج، حيث تتشكّل هويّتها ورؤيتها بشكلٍ واضحٍ.

يمكننا تصنيف مراحل نموّ الأعمال اعتماداً على عدد أعضاء الفريق، إذ يعدّ حجم الفريق مؤشّراً رئيسيّاً يعبّر عن مدى تطوّر البنية التّحتيّة للشّركة، وحجم قاعدتها من العملاء، ومستوى الإيرادات. وتقسّم المراحل على النّحو التّالي:

  • مرحلة الانطلاق (Startup): من 1 إلى 5 موظّفين
  • مرحلة النّموّ الأوّليّ (Grow-up): من 6 إلى 15 موظّفاً.
  • مرحلة التّسارع (Speed-up): من 16 إلى 80 موظّفاً.
  • مرحلة التّوسّع (Scale-up): من 80 إلى 250 موظّفاً.
  • مرحلة القوّة والاستقرار (Power-up): أكثر من 250 موظّفاً.

لا توجد وصفةٌ سحريّةٌ أو طريقٌ مختصرٌ لتوسيع الأعمال؛ فكلّ مرحلةٍ من هٰذه المراحل ترافقها تحدّياتٌ خاصّةٌ بها، وتتطلّب نوعاً معيّناً من المهارات القياديّة. وإذا فشل القادة في تحديد المرحلة الّتي تمرّ بها شركاتهم، فإنّهم قد يعتمدون على هياكل تنظيميّةٍ أو استراتيجيّاتٍ لا تناسب تلك المرحلة، ممّا يؤدّي إلى نتائج عكسيّةٍ.

كما أنّ الانتقال من مرحلةٍ إلى أخرى قد يصاحبه ما يعرف بـ"وادي الموت"، وهو المصطلح الّذي صاغه فيرن هارنيش، مؤلّف كتاب "التوسيع المدروس" (Scaling Up) – ويقصد به المرحلة الّتي تشهد فيها الشّركة ركوداً أو تراجعاً مؤقّتاً أثناء تحوّلها من مرحلة نموٍّ إلى أخرى، وتلك فترةٌ حرجةٌ يجب أن يتنبّه لها القادة، ويتعاملوا معها بوعيٍ وخبرةٍ.

وقد لخّص مارشال غولدسميث، أحد أبرز المدرّبين في عالم الأعمال، هٰذه الحقيقة بجملةٍ شهيرةٍ: "ما أوصلك إلى هنا، لن يوصلك إلى هناك". فلكلّ مرحلةٍ متطلّباتٌ مختلفةٌ، وتحتاج إلى فريقٍ يمتلك المهارات والخبرة الّتي تتناسب مع تلك المتطلّباتولن يتحقّق النّجاح إلّا من خلال استراتيجيّةٍ دقيقةٍ، تصمّم بعنايةٍ للتّفوّق على المنافسين، إلى جانب تنفيذٍ منضبطٍ يعتمد على عمليّاتٍ واضحةٍ ومحدّدةٍ تتناسب مع المرحلة الحاليّة للشّركة.

تبدأ القدرة على اتّخاذ القرارات الصّحيحة بفهمك للمرحلة الّتي تمرّ بها شركتك. وقد يبدو هٰذا أمراً بسيطاً للوهلة الأولى، لكنّه في الحقيقة من أكثر الأمور الّتي يساء فهمها في عالم القيادة والإدارةلذٰلك، يجب على كلّ قائدٍ أن يستوعب هٰذا الدّرس الجوهريّلا توجد طرقٌ مختصرةٌ للنّموّ في عالم الأعمال.

وإذا حاولت القفز على المراحل، فستفوّت أهمّ مراحل التّعلّم والتّطوّر، وستواجه لاحقاً ثغراتٍ يصعب سدّهاالتّعرّف على الفجوات في رحلة النّموّ، ومعالجتها في وقتها، هو ما يمكّنك من توسيع أثر شركتك وتقليل الانتكاسات الّتي قد تعيقك.

عندما تكون مستثمراً بحقٍّ، أو قائداً حقيقيّاً، فإنّك ستجد الدّافع الّذي يدفعك للسّهر طويلاً في ليالي التّخطيط، ولمواجهة التّحدّيات دون تردّدٍ، وللتّقدّم رغم العقبات الّتي تعترض طريقك.

إنّها رحلةٌ شاقّةٌ، وهٰذه هي الحقيقة الّتي يجب تقبّلها، حيث تحتاج شركتك إليك بكامل طاقتك: عقلاً وقلباًولٰكن في المقابل، هناك مكافأةٌ حقيقيّةٌ تنتظرك في كلّ مرحلةٍ.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: