الأسواق في نهاية العام: هل ننتظر النمو أم الانكماش؟
حين تدخل الأسواق منعطفها السّنويّ الحرج، تتقاطع حركة التّضخم والسّياسات النّقديّة مع توقّعات المستثمرين، فيتأرجح المشهد بين فرص نموٍّ محتملٍ ومخاوف انكماشٍ تدريجيٍّ
تدخل الأسواق في نهاية العام مرحلةً شديدة الحساسيّة تمتزج فيها التّرقّبات بالتّحليلات الدّقيقة، إذ تتقاطع المؤشّرات الاقتصاديّة العالميّة مع توقّعات المستثمرين حول الوجهة المقبلة للاقتصاد: هل يسير نحو النّموّ أم ينزلق إلى الانكماش؟ ويكتسب هٰذا التّوقيت أهميّته لأنّه يمثّل لحظة تقييمٍ شاملةٍ للأداء السّنويّ، وفي الوقت نفسه بوّابةً مبكّرةً لما سيأتي في العام التّالي. ومع تشابك العوامل بين معدّلات التّضخّم والسّياسات النّقديّة وحركة رؤوس الأموال، يصعب الجزم باتّجاهٍ واحدٍ واضحٍ، غير أنّ ملامح المشهد الرّاهن توحي بأنّ الأسواق تقف على حدٍّ فاصلٍ بين تفاؤلٍ حذرٍ وتشاؤمٍ محسوبٍ.
قراءة في المشهد الاقتصادي العالمي
تظهر الأسواق في نهاية العام تبايناً لافتاً في ديناميكيّتها بين القطاعات الاقتصاديّة المختلفة. ففي بعض الفترات، ينعش موسم العطلات والإنفاق الاستهلاكيّ الطّلب الكلّيّ ويحرّك عجلة المبيعات والتّجارة، بينما في أخرى يطغى الحذر فيتراجع الإنفاق وتتباطأ الاستثمارات. ويؤدّي التّوازن بين هٰذين النّقيضين دوراً حاسماً في رسم المسار العامّ للأسواق.
ولأنّ البنوك المركزيّة تمسك بخيوط السّياسة النّقديّة، فإنّ قراراتها تحدث صدى مباشراً في الأسواق. فعندما تلمّح هٰذه البنوك إلى تخفيف القيود أو تخفيض الفائدة، يتدفّق التّفاؤل إلى المستثمرين وتنتعش مؤشّرات الأسهم والسّندات. أمّا إذا واصل صانعو القرار سياسة التّشديد النّقديّ، فإنّ المخاوف من الانكماش الاقتصاديّ تتزايد وتنعكس على حجم التّداول والاستثمار.
الأسواق في نهاية العام: هل ننتظر النمو أم الانكماش؟
حين تصل الأسواق في نهاية العام إلى ختام دورتها السّنويّة، يطفو السّؤال الجوهريّ: هل ننتظر نموّاً يعيد الحيويّة ويضخّ السّيولة في الاقتصاد، أم نحذر من الانكماش الّذي يقيّد الطّلب ويكبّل النّشاط التّجاريّ؟ ويبدو أنّ الاتّجاه الحاليّ يميل إلى نموٍّ معتدلٍ أكثر من إلى الانكماش الحادّ، رغم بقاء المخاطر قائمةً في بعض القطاعات والمناطق.
فمن زاوية النّموّ، يؤكّد تقرير “مورغان ستانلي” 2026 Economic Outlook: Moderate Growth أنّ الاقتصاد العالميّ يسير نحو نموٍّ ثابتٍ نسبيّاً، مع توقّع تراجع معدّل النّموّ إلى 3% في عام 2025 وبلوغه نحو 3.2% في 2026–2027، مدعوماً بارتفاع إنفاق الأسر واستثمارات الشّركات في تقنيّات الذّكاء الاصطناعيّ، إلى جانب تراجع التّضخّم الّذي يتيح للبنوك المركزيّة تخفيف سياستها النّقديّة. ويدلّ هٰذا الاتّجاه على أنّ الأسواق في نهاية العام مرشّحةٌ لمناخٍ أكثر دعماً للنّموّ من التّراجع. [1]
ولكن في المقابل، تكشف بيانات S&P Global Market Intelligence عن أنّ مؤشّر طلبيّات الصّادرات الجديدة (PMI) بقي تحت مستوى 50 لمدّة ثمانية أشهرٍ متتاليةٍ حتّى مطلع 2025، ممّا يدلّ على استمرار الانكماش الطّفيف في التّجارة العالميّة رغم تراجع حدّته نسبيّاً. وبالتّالي، يبقى احتمال الانكماش قائماً، خصوصاً في القطاعات المرتبطة بالتّجارة والتّصدير. [2]
وبين هٰذين المعنيين، يتّضح أنّ الأسواق في نهاية العام تميل إلى نموٍّ خفيفٍ إلى معتدلٍ من دون أن تغادر دائرة الحذر. ومع ذٰلك، قد تسجّل بعض القطاعات انكماشاً موضعيّاً إذا تراكمت الضّغوط، كارتفاع أسعار الطّاقة أو ضعف الطّلب الخارجيّ أو استمرار تشديد السّياسات النّقديّة. ومن ثمّ، ينبغي على المستثمرين وصنّاع القرار أن يحافظوا على مرونةٍ عاليةٍ في استراتيجيّاتهم، وأن يراقبوا مؤشّراتٍ حسّاسةً مثل التّضخّم والبطالة وطلبيّات التّصدير، لأنّ التّحوّل نحو الانكماش يمكن أن يحدث بسرعةٍ إذا تزامنت العوامل السّلبيّة.
التوقعات المستقبلية: بين التفاؤل والتحفظ
تتوزّع السّيناريوهات المستقبليّة لأداء الأسواق في نهاية العام بين احتمالين رئيسيّين. أوّلهما سيناريو النّموّ المعتدل، الّذي يفترض أن تتراجع فيه معدّلات التّضخّم تدريجيّاً، وأن تبدأ البنوك المركزيّة بتخفيف سياستها النّقديّة، ممّا يعيد النّشاط إلى الأسواق. وثانيهما سيناريو الانكماش، الّذي قد يتحقّق إذا ظلّت الفائدة مرتفعةً وواجهت الشّركات صعوباتٍ تمويليّةً وتراجع الطّلب العالميّ.
ويرجّح كثيرٌ من المحلّلين بقاء المشهد مزيجاً من الحالتين: نموٌّ بطيءٌ في قطاعات التّكنولوجيا والطّاقة النّظيفة، يقابله انكماشٌ في العقارات والصّناعات الثّقيلة. وسيتوقّف الاتّجاه النّهائيّ على قدرة الاقتصادات الكبرى على تحقيق توازنٍ دقيقٍ بين السّيطرة على الأسعار ودعم الإنتاج من دون إشعال موجة تضخّمٍ جديدةٍ.
كيف يتصرف المستثمرون في هذه المرحلة؟
يعيد المستثمرون في نهاية العام توزيع محافظهم الاستثماريّة وفق توقّعات المرحلة المقبلة، فيميل الحذرون إلى الاحتفاظ بالنّقد أو الأصول الآمنة، بينما يتّجه آخرون إلى الأسهم الدّفاعيّة أو قطاعات الطّاقة والبنى التّحتيّة باعتبارها أقلّ عرضةً للتّقلّبات. وفي الوقت نفسه، يزداد الإقبال على السّندات الطّويلة الأجل لتأمين عوائد ثابتةٍ تحافظ على القيمة في حال تباطؤ السّوق، بينما يغامر بعض المستثمرين بالدّخول في قطاعات التّكنولوجيا والذّكاء الاصطناعيّ والطّاقة المتجدّدة، سعياً لالتقاط فرص النّموّ المقبلة مع بداية العام الجديد.
الخاتمة
تقف الأسواق في نهاية العام عند مفترقٍ دقيقٍ بين النّموّ والانكماش، إذ تتشابك العوامل النّقديّة والاقتصاديّة لتصنع مشهداً متغيّراً لا يخلو من المخاطر. ومع ذٰلك، تظهر التّجارب التّاريخيّة أنّ مرونة الاقتصادات وقدرة الشّركات على التّكيّف تمثّلان صمام أمانٍ فعليّاً ضدّ الرّكود العميق. ولذٰلك، يتوقّع أن يحمل العام القادم فرصاً لنموٍّ معتدلٍ أكثر من تهديداتٍ لانكماشٍ شاملٍ، بشرط أن تحسن الاقتصادات الكبرى إدارة التّوازن بين ضبط التّضخّم وتحفيز الإنتاج. وفي النّهاية، يبقى الحذر الواعي والقراءة المتأنّية للمؤشّرات هما الرّكيزتين الأساسيّتين لاتّخاذ قراراتٍ استثماريّةٍ رشيدةٍ مع اقتراب نهاية كلّ عامٍ.
شاهد أيضاً: ما الذي ينتظر الأسواق العربية في مطلع 2026؟
-
الأسئلة الشائعة
- ما العوامل التي تحدد اتجاه الأسواق في نهاية العام؟ يتحدد اتجاه الأسواق عبر مزيج من العوامل تشمل معدلات التضخم، وسياسات البنوك المركزية المتعلقة بأسعار الفائدة، وحركة رؤوس الأموال، ومستوى الطلب الاستهلاكي، إضافة إلى مؤشرات التجارة العالمية مثل طلبيات الصادرات وحجم الإنفاق الحكومي. تفاعل هذه العناصر معًا هو ما يرسم مسار السوق بين النمو أو الانكماش.
- ما القطاعات الأكثر تأثراً في نهاية العام؟ عادة تتأثر قطاعات التجزئة، والطاقة، والتكنولوجيا، والعقار بشكل مباشر. فالتجزئة ترتفع مع الإنفاق الموسمي، بينما تتقلب أسعار الطاقة تبعًا للطلب العالمي، أما التكنولوجيا فتعتمد على التوقعات المستقبلية، والعقار غالبًا يتأثر بأسعار الفائدة والتمويل.