الرئيسية المال دروس من الاثنين الأسود: كيف تتعامل الشركات مع الانهيارات المفاجئة؟

دروس من الاثنين الأسود: كيف تتعامل الشركات مع الانهيارات المفاجئة؟

حين تنهار الأسواق فجأة وتفقد مليارات الدّولارات خلال ساعاتٍ، يتحوّل الحدث إلى درسٍ عالميٍّ يجبر الحكومات والشّركات على تطوير استراتيجيّاتٍ صلبةً لمواجهة الصّدمات الماليّة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

شهد العالم في التّاسع عشر من أكتوبر عام 1987 ما عرف لاحقاً باسم الاثنين الأسود، وهو اليوم الّذي انهارت فيه أسواق الأسهم على نحوٍ مفاجئٍ، لتفقد بورصة وول ستريت ومعها الأسواق العالميّة مليارات الدّولارات خلال ساعاتٍ معدودةٍ. وقد شكّل هٰذا الحدث نقطة تحوّلٍ كبرى في مسار الاقتصاد العالميّ، فأصبح نموذجاً يستشهد به عند الحديث عن الأزمات والانهيارات المفاجئة؛ فلم يكن الاثنين الأسود مجرّد واقعةٍ عابرةٍ، بل مثّل درساً قاسياً أجبر الشّركات والحكومات والمستثمرين على إعادة التّفكير في كيفيّة التّعامل مع الصّدمات الماليّة غير المتوقّعة. ومنذ ذٰلك الحين، ظلّت الشّركات تستلهم من تجربة هٰذا الانهيار، إلى جانب أحداثٍ مماثلةٍ كالثّلاثاء الأسود وأزمة الرّهن العقاريّ عام 2008، لتطوّر استراتيجيّات مواجهةٍ أكثر صلابةً ومرونةً.

ما هو الاثنين الأسود ولماذا يعد حدثاً فاصلاً؟

جاء الاثنين الأسود نتيجة مزيجٍ معقّدٍ من المضاربات المفرطة، والاعتماد المتزايد على أنظمة التّداول الآليّ، إلى جانب تراجع الثّقة في الأسواق. فقد انهارت بورصة نيويورك بنسبةٍ تجاوزت 20% في يومٍ واحدٍ، وهو أكبر هبوطٍ يوميٍّ في تاريخها حتّى اليوم؛ فلم يكن الأمر مجرّد تقلّبٍ طبيعيٍّ، بل كان انهياراً شاملاً أحدث حالة ذعرٍ جماعيٍّ بين المستثمرين. ومنذ تلك اللّحظة، صار مصطلح الاثنين الأسود مرادفاً للانهيارات المفاجئة، ومؤشّراً على خطورة الاضطرابات غير المتوقّعة الّتي يمكن أن تضرب الاقتصاد العالميّ بين ليلةٍ وضحاها. [1]

استراتيجيات تساعد الشركات على التعامل مع الانهيارات المفاجئة

في ظل دروس الاثنين الأسود وما تبعه من أزماتٍ كبرى، برزت مجموعةٌ من الاستراتيجيّات العمليّة الّتي تمكّن الشّركات من الصّمود أمام الانهيارات المفاجئة والتّكيّف مع التّقلبات الحادة.

تنويع الاستثمارات

تدلّ تجربة الاثنين الأسود على أنّ الاعتماد على قطاعٍ واحدٍ أو مصدر دخلٍ وحيدٍ يجعل الشّركات أكثر عرضةً للانهيارات المفاجئة. فحين يتهاوى قطاعٌ كاملٌ، مثل التّكنولوجيا أو البنوك، تنهار معه المؤسّسات المرتبطة به مباشرةً. ومن هنا، يبرز التّنويع كخطّ دفاعٍ أوّل، إذ يتيح توزيع الاستثمارات بين قطاعاتٍ مختلفةٍ مثل العقارات والطّاقة والسّلع الأساسيّة، إضافةً إلى تنويعها جغرافيّاً بين أسواقٍ محلّيّةٍ وأخرى عالميّةٍ. وهٰذا النّهج لا يقلّل فقط من حجم الخسائر المحتملة، بل يمنح الشّركة مرونةً أكبر لامتصاص الصّدمات. ولعلّ التّجربة خير برهانٍ؛ ففي أزمة 2008، استطاعت المؤسّسات الّتي استثمرت في الذّهب أو الأصول الآمنة تقليص خسائرها، ما جعل التّنويع ضرورةً استراتيجيّةً لا مجرّد خيارٍ إضافيٍّ.

إدارة المخاطر المالية

أظهر الاثنين الأسود أنّ غياب إدارة المخاطر يمكن أن يؤدّي إلى خسائر مدمّرةٍ في غضون ساعاتٍ قليلةٍ. لهٰذا السّبب، طوّرت الشّركات أدواتٍ متقدّمةً للتّحوّط من تقلّبات الأسواق. ومن أبرز هٰذه الأدوات عقود التّحوّط ضدّ أسعار العملات والفوائد، والمشتقّات الماليّة الّتي تقلّل من الانكشاف المباشر على الخسائر. وعلاوةً على ذٰلك، اعتمدت المؤسّسات أنظمة مراقبةٍ فوريّةٍ ومؤشّرات إنذارٍ مبكّرٍ لرصد أيّ اضطراباتٍ محتملةٍ، ما يتيح لها التّدخّل السّريع قبل تفاقم الأزمة. وإنّ إدارة المخاطر لا تقتصر على الحدّ من الخسائر، بل تعطي الشّركة جرأةً أكبر لاتّخاذ قراراتٍ استثماريّةٍ محسوبةٍ، لأنّها تدرك أنّها تملك القدرة على مواجهة أيّ انهيارٍ مفاجئٍ.

بناء احتياطيات نقدية

تبيّن خلال الاثنين الأسود أنّ الشّركات الّتي امتلكت سيولةً نقديّةً كافيةً نجت من الانهيار، بينما سقطت تلك الّتي اعتمدت على القروض القصيرة الأجل. فالاحتياطيّ النّقديّ يعمل كشبكة أمانٍ تمكّن المؤسّسة من دفع الرّواتب وسداد الالتزامات والاستمرار في العمل حتّى في أصعب الظّروف، خصوصاً عندما يتوقّف التّمويل الخارجيّ أو ترتفع أسعار الفوائد. ولهٰذا، صار تخصيص جزءٍ من الأرباح لبناء صندوق طوارئ ممارسةً أساسيّةً لدى المؤسّسات النّاجحة. وهٰذه السّياسة لا تحمي الشّركة من الإفلاس الفوريّ فحسب، بل تمنحها القدرة على استغلال الفرص الّتي قد تظهر وسط الفوضى، كشراء أصولٍ بأسعارٍ منخفضةٍ أو التّوسّع في أسواقٍ جديدةٍ.

التخطيط لسيناريوهات متعددة

أجبرت أحداث الاثنين الأسود الشّركات على الاعتراف بأنّ المفاجآت جزءٌ أصيلٌ من دورة الاقتصاد. ولذٰلك، باتت المؤسّسات تضع خططاً متكاملةً لسيناريوهاتٍ مختلفةٍ، من بينها خسارة نسبةٍ كبيرةٍ من السّوق أو تعطّل سلاسل التّوريد أو حتّى فقدان ثلث العملاء في وقتٍ قصيرٍ. وإنّ الهدف من هٰذا التّخطيط ليس التّنبّؤ بالمستقبل بدقّةٍ، بل الاستعداد بمرونةٍ لاختياراتٍ متعدّدةٍ. ويترجم هٰذا عمليّاً في شكل اختبارات ضغطٍ دوريّةٍ وإستراتيجيّاتٍ بديلةٍ جاهزةٍ للتّنفيذ. ولعلّ التّجربة خلال جائحة كورونا دليلٌ واضحٌ، إذ نجحت الشّركات الّتي اعتمدت هٰذا النّهج في التّكيّف سريعاً عبر التّحوّل إلى العمل عن بعدٍ أو تعزيز قنوات التّجارة الإلكترونيّة. كما أنّ التّخطيط المسبق يمنع الارتباك والفوضى، ويجعل المؤسّسة أكثر قدرةً على الصّمود.

التواصل الفعال مع المستثمرين والعملاء

تظهر الانهيارات الماليّة أنّ فقدان الثّقة قد يكون أخطر من الخسائر نفسها؛ فعندما يعتقد المستثمرون والعملاء أنّ الشّركة تخفي الحقائق أو تتهرّب من المواجهة، ينسحبون سريعاً ويضاعفون الأزمة. ومن هنا، تبرز أهمّيّة التّواصل الشّفاف والفعّال. فتصدر الشّركات بياناتٍ منتظمةً توضّح فيها تأثير الأزمة على عمليّاتها وخططها للتّعافي، وتفتح قنواتٍ مباشرةً لطمأنة المساهمين والعملاء. ولا يحافظ هٰذا التّواصل فقط على السّمعة، بل يعزّز أيضاً مكانة المؤسّسة بعد تجاوز الأزمة، لأنّ النّاس يتذكّرون دوماً من كان صادقاً معهم في أصعب الأوقات، بل إنّ بعض المؤسّسات خرجت من الأزمات أكثر قوّةً؛ لأنّها نجحت في بناء روابط ثقةٍ راسخةٍ مع أصحاب المصلحة. [2]

الخلاصة

أثبت الاثنين الأسود أنّ الأسواق الماليّة شديدة الهشاشة، وأنّ الاستعداد لمفاجآت الانهيارات لم يعد خياراً بل ضرورةً. ومنذ ذٰلك اليوم، تعلّمت الشّركات أنّ الأزمات ليست استثناءً، وإنّما جزءٌ من الدّورة الاقتصاديّة الّتي تعيد تشكيل قواعد اللّعبة. وبفضل هٰذه التّجارب، تبنّت المؤسّسات استراتيجيّاتٍ أكثر صلابةً تقوم على التّنويع، وإدارة المخاطر، وبنـاء الاحتياطيّات، والتّخطيط المسبق، والتّواصل الفعّال. واليوم، لا ينظر إلى الاثنين الأسود كذكرى ماساويّةٍ فحسب، بل كمرجعٍ حيٍّ يوجّه الشّركات في سعيها نحو البقاء والنّموّ وسط بيئةٍ عالميّةٍ متقلّبةٍ؛ فالاستعداد المسبق هو الخطّ الفاصل بين الانهيار والنّجاة، وبين التّراجع والانطلاق نحو آفاقٍ جديدةٍ.

  • الأسئلة الشائعة

  1. ما أبرز القطاعات التي تتأثر سريعاً عند حدوث انهيارات مفاجئة مثل الاثنين الأسود؟
    تتأثّر القطّاعات الماليّة والبنكيّة أوّلاً لأنّها مرتبطةٌ مباشرةٌ بحركة الأسواق، يليها قطّاع التّكنولوجيا الذي يعتمد على ثقة المستثمرين، ثم العقارات والسّلع الفاخرة. وبينما القطّاعات الأساسيّة مثل الغذاء والطّاقة غالباً ما تكون أقلّ عرضةً للانهيار السّريع.
  2. هل يمكن أن تشكل الأزمات المالية مثل الاثنين الأسود فرصة للنمو؟
    نعم، تستغلّ بعض الشّركات الأزمات لشراء أصولٍ بأسعارٍ منخفضةٍ أو لإعادة هيكلة أعمالها. كما يمكن أن تكون الأزمة فرصةً للابتكار وفتح أسواقٍ جديدةٍ، خاصّةٍ للشّركات التي تتمتّع بمرونةٍ عاليةٍ واستعدادٍ مسبقٍ.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: