الرئيسية الريادة عبقرية التسويق الشعبي: دروس من الباعة المتجولين

عبقرية التسويق الشعبي: دروس من الباعة المتجولين

كيف نسج الباعة المتجولون قصصاً تسويقية مؤثرة من خلال نداءاتهم الشعبية، والدروس المستفادة عن أهمية الإبداع والتواصل الفعّال

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

"أصابيع الببو يا خيار"، ليست مجرَّد عبارةٍ أعجبتنا أو أضحكتنا حين سمعناها في أحد أعمال البيئة الشَّاميَّة، بل هي أسلوب التسويق البدائي الأوَّل، الذي استخدمه الباعة في التسويق لمنتجاتهم، حين كانت الشَّركة عبارةً عن عربة خضارٍ، وصاحب العمل مضطرٌ؛ لأن يكون المدير والبائع والمسوِّق والمحاسب أيضاً.

كان بائع الخيار يحاول ترغيب الزَّبائن للشراء، عبر تشبيهه الخيار بأنَّه مثل أصابع "الببو" أي الطّفل الصَّغير، في إشارةٍ منه إلى أنَّ الخيار ما يزال غضَّاً طريَّاً، الأمر في هذا التَّشبيه ليس عابراً، إذ إنَّ البائع استخدم تقنيَّات التسويق قبل اكتشافه إيَّاها بطريقةٍ أكاديميَّةٍ.

شاهد أيضاً: انتهى التسويق عبر المؤثرين، وبدأ التسويق عبر صناع المحتوى 

نداءات تسويقية مضحكة

اعتمد كثير من الباعة المتجوّلين الذين يتواجدون في الحارات أو الأسواق المكتظَّة على النداءات التسويقية المضحكة؛ لمداعبة زبائنهم بخفَّةٍ في محاولةٍ لجذبهم، ويصبُّ هذا الأسلوب في خانة التسويق العاطفي، الذي يستهدف إثارة المشاعر المختلفة لدى الزبائن، وبالتَّالي من الممكن أن تظفرَ بالزَّبائن لمجرَّد أنَّك تضحكهم. ومن أمثلة تلك النداءات الطريفة: [1]

  • نداء باعة السَّمك: لسا بدمو عايش، كنايةً عن أنَّه ما يزال طازجاً.
  • نداء بائع المهلبيَّة: مهلبيَّة بتاكلا العجوز بتقلب صبيَّة.
  • نداء باعة الدُّرَّاق: لا تشلحو بيشلح لحالو، كنايةً عن سهولة تقشيره.
  • نداء باعة الثُّوم: ولا عزِّة الجارة يا ثُوم، حيث اعتادت الجارات استعارة الثُّوم في حال فُقد عند إحداهنّ، وهنا يحاول البائع اللَّعب على وترٍ غايةٍ في الأهميَّة، وهو التَّذكير بأهميَّة شراء هذه المادة.
  • تروحي نتف يا ملوخيَّة: لأنَّ أوراق الملوخيَّة أساساً تحتاج إلى قطعٍ من السَّاق قبل عمليَّة الطَّهي.

نداءات تسويقية تربط المكان بالسلعة

استغلّ العديد من الباعة المتجوِّلين على امتداد العالم العربي -وذلك على بساطتهم- شهرة بعض الخضار والفواكه التي ترتبط جودَتها بمكان زراعتها؛ لترغيب الزَّبائن بشرائها، على سبيل المثال يقول البائع المتجوِّل في سوريا: سلموني يا بصل، كنايةً عن مدينة السلمية في محافظة حماة، وهي مدينةٌ شهيرةٌ بإنتاج أشهر أنواع البصل المرغوب في الطَّبخ.

يقوم البائع المتجوّل من خلال هذه النّداءات بالتسويق العاطفي، الذي وكما ذكرنا سابقاً، يهدف إلى إثارة المشاعر لدى الزَّبائن، مثل: مشاعر الفرح أو الحنين أو الإثارة، ما يمكن أن يُعزِّز الشُّعور بالتَّعاطف ودفع الزَّبائن للشِّراء، مثلاً، حين يسمع ابن الصَّعيد في مصر نداء البائع المتجوّل: الفول الصّعيديّ، ستثار داخله مشاعر الحنين ما يدفعه إلى شراء المنتج.

ومن الأمثلة المشابهة في دول مصر وسوريا والكويت: [1]

  • داراني يا عنب، كناية عن منطقة داريا.
  • أبيض حمصي للمكدوس، وهو يستخدم لترغيب الزَّبائن بالباذنجان المنتج في مدينة حمص، وهي الأكثر جودةً لصنع المكدوس.
  • الفول الصَّعيديّ، كناية عن الصَّعيد المصريّ.
  • الرُّمان المنفلوطي، والتين البرشومي، والبطيخ البباوي، الشَّمَّام البسوسي.
  • بهمشيري يا عنب، التي كانت تقال في أسواق الكويت خمسينيات القرن الماضي.
  • تنكسيري يا بصل، فريدوني يا بطيخ.
  • خليلي يا عنب، كناية عن مدينة الخليل الفلسطينيَّة التي تنتج أفضل أنواع العنب.
  • طبراني يا سمك.
  • يافاوي يا برتقال، كناية عن مدينة يافا الفلسطينيَّة.

نداءات تسويقية ذكية تستخدم التشبيه

بعض الباعة ابتكروا أسلوباً ذكيَّاً جدَّاً في التَّسويق لمنتجاتهم، وذلك من خلال تشبيه سلعةٍ رخيصة الثَّمن، بأخرى ذات سعرٍ مرتفعٍ، أو إيجاد القاسم المشترك بين أحد أنواع الفواكه وبين أحد أنواع الحلويَّات اللَّذيذة، في محاولةٍ لخلق صورةٍ داخل ذهن الزَّبون تدفعه للشِّراء.

ويتقاطع هذا الشَّكل من أشكال تسويق الباعة الجوَّالين، مع تقنيَّة تسويق حرب العصابات إلى حدٍّ ما، وهو أسلوبٌ إعلانيٌّ يعتمد عنصر المفاجأة لجذب الجماهير المستهدفة، من خلال عرضٍ غير تقليديٍّ ومبتكرٍ وصادمٍ أحياناً، مثل:  [2]

  • لوز يا بامية.
  • لوبيا يا فجل.
  • رمان يا طماطم.
  • راحة يا يافاوي.
  • خوابي العسل يا بطيخ.
  • موز يا كوسا.
  • حرير يا يبرق.
  • أسود كماية يا باذنجان.
  • طعمية كباب.

نداءات تسويقية تستند على معلومة طبية

لم تأتِ عبارات نداء الباعة الجوَّالين من فراغٍ، فكلُّ عبارةٍ كانت تستند على عنصر جذب معينٍ، مع استخدام لغةٍ بسيطةٍ ونغمةٍ موسيقيَّةٍ خلال الأداء؛ لتحقيق عناصر الجذب كاملةً، وبعض تلك النِّداءات كانت تلعب على وتر الحاجة للتَّداوي، ومن المعروف أنَّ لكلّ نوع خضرواتٍ أو فواكه دورٌ في العلاج الشَّعبيّ لبعض الأمراض، وهو الأمر الذي استغلَّه بعض الباعة في نداءاتهم، مثل: الشوندر استوى وللسعلة دوا.

من الواضح أنَّ هذا الأسلوب يرتكز على طريقة التَّسويق العاطفيّ أيضاً، حيث يثير مشاعر الخوف من الأمراض، أو يذكِّر بحاجة الشَّخص لهذا النَّوع من العلاج، ما قد يدفعه للشراء.

شاهد أيضاً: شركة SellAnyCar.. الشركة التي غيّرت مفهوم شراء السيارات 

نداءات تسويقية لمدح البضائع

استخدم الباعة الجوَّالين العديد من العبارات الفريدة لمدح بضائعهم، وعلى الرَّغم من أنَّها كانت تقريباً واحدةً، إلَّا أنَّ نبرة الصَّوت وطريقة الأداء، كانتا تلعبان دوراً حاسماً في لفت أنظار الزَّبائن.

تتقاطع هذه النِّداءات مع استراتيجيَّة التسويق الفيروسي، الذي يستهدف الانتشار بسرعةٍ، مثل النَّار في الهشيم، وحين يستخدم البائع المتجوِّل نداء: بغبارو يا خوخ، فهو يعطي انطباعاً بأنَّ بضاعته طازجةٌ، ما يسهم بأن يجمع الجارات أنفسهنّ، ويخبرن بعضهنَّ للذَّهاب ورؤية المنتج، في تعبيرٍ واضحٍ عن التسويق الفيروسي، ومن تلك العبارات: [3]

  • بغبارو يا خوخ، كناية عن أنَّ الخوخ طازجٌ قادمٌ من الشَّجرة مباشرةً.
  • ظريف يا كوسا.
  • ينادي بائع القتَّة: غضَّة وطريَّة يا عروسة البستان.
  • الدهب بالعلب؛ وتستخدم حين تكون البضاعة موضوعةً في العلب.
  • تمر النَّبي بركة.
  • بشاكير كتان أصليَّة، بتنزلا عالبحرة بتنشف، والخمسة بمية، لفلو يا ولد.
  • العين بدا تاكل، يعمي عين الما بتفرق، ويقال في حال وجود من يعرض ذات البضاعة لكنَّها دونها بالجودة.

نداءات تسويقية واثقة

مع كثرة المنافسة داخل السوق الواحد، لوجود العديد من الباعة الذين يبيعون المنتجات ذاتها، لجأ بعضهم لابتكار طرقٍ جديدةٍ في التسويق، مثل الظُّهور بمظهر الواثق من المنتجات، حيث تتمُّ دعوة الزَّبائن لتجريب المنتجات قبل شرائها، مثل:

  • عالسكّين يا جبس.
  • عالدَّواق قرب وجرب عالدَّواق.
  • ينادي بائع الكسيبة: كلا سيرج ياحلوة وعالدواق؛ والكسيبة نوعٌ من أنواع الحلاوة الطّحينيَّة سمراء اللُّون.
  • حمار وحلاوة على السَّكين.

نداءات تسويقية مرتبطة بالمواسم والفصول

لعب بعض الباعة على وتر الحاجة للمونة خلال المواسم، وباتوا يسوّقون لمنتجاتهم على هذا الأساس، حيث ينبّهون إلى بداية الموسم، أو إلى قرب انتهائه، وتتقاطع هذه الطَّريقة مع استراتيجيَّة بناء الثّقة التي تستخدمها بعض الشَّركات لجذب الزَّبائن، خصوصاً حين تكون تجربة المنتج مجانيَّةً، وغالباً فإنَّ الزَّبون سيشتري حتَّى لو لم يشعر بالرّضا الكامل، انطلاقاً من فكرة الخجل من ترك المنتج بعد تجربته، مثل:

  • العدس يا موّانة.
  • آخر أيامك يا مشمش.

شاهد أيضاً: 6 نصائح تسويقية من الخبراء لتبقى على اطلاع في عام 2024

أما أحد أكثر النداءات التسويقية ذكاءً، تلك التي كانت تستخدم خلال الفصول، خصوصاً في فصل الصَّيف، حيث يتمُّ التَّرغيب بالمنتجات من خلال إظهار مزاياها في إبعاد الحرّ، مثل:

  • ينادي بائع العرق سوس: يا حرّانين يا مشوبين.
  • بيطفّي الشُّوب يا خيار.
  • خيارنا بارد واللّيلة شُوب.
  • ما بخلّي عالقلب نار يا خيار.

لقد أبدع الباعة المتجوّلون خلال القرن الماضي في التسويق والترويج لمنتجاتهم، مستخدمين اللُّغة والنَّبرة الصَّوتيَّة كوسيلة جذبٍ، معتمدين بالدَّرجة الأولى على أسلوب التسويق العاطفي، ربَّما يمكن تطوير هذا الأسلوب واستغلاله في التسويق اليوم، على اختلاف الزَّمن والوسائل، حيث تشكّل السوشيال ميديا اليوم، المكان الرَّئيسيّ لتسويق غالبيَّة المنتجات؛ لذا لن ينفع معها خروج بائعٍ متجوّلٍ، وهو ينادي: بليله بلبلوكي وبالليل سلقوكي وبنهار باعوكي.

لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: