الرئيسية التنمية لماذا يراهن القادة العظماء على الأفكار الغريبة؟

لماذا يراهن القادة العظماء على الأفكار الغريبة؟

لا يولد التّميّز من التّكرار، بل حين يجرؤ القادة على خوض المغامرات غير التّقليديّة، ويمنحون الأفكار المجنونة فرصةً لتغيير قواعد اللّعبة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

رأي الخبيرة أندريا أولسون، الرئيسة التنفيذية لشركة "برغماديك" (Pragmadik)، نُشر أوّلًا على منصة (Inc.com).

قد لا يخطر ببالك، وأنت تُحدّق في "وحش جيلا" (Gila monster) -تلك السّحلية الصّحراويّة السّامة بطيئة الحركة- أنّها قد تمثّل حجر الأساس لمستقبل علاج داء السّكريّ. ولكن، الواقع أن مركّب "سيماغلوتايد" (Semaglutide)، المكوّن النّشط في دواء "أوزيمبيك" (Ozempic)، استُلهم من هرمونٍ موجودٍ في سمّ هذا الكائن العجيب. لسنواتٍ، انكبّ العلماء على دراسة آليّة التّمثيل الغذائيّ لدى وحش جيلا، لفهم كيفيّة ضبطه لمستويات السّكر في الدّم بين وجباته النّادرة. بحثٌ يبدو خارجاً عن المألوف، أليس كذلك؟ وربّما رآه بعض القادة في عالم الأعمال مجرّد شغفٍ بيولوجيٍّ لا جدوى منه. ولكن، من رحم هذا الكائن الغريب وُلد ابتكارٌ صيدلانيٌّ بقيمة مليارات الدّولارات.

فوضى الابتكار هي مسار الإبداع

نادراً ما تولد الابتكارات من طرقٍ مرسومةٍ بعنايةٍ أو من هياكل تنظيميّةٍ صارمةٍ؛ إنّها ثمرة تصادمٍ خلّاقٍ بين عوالم مختلفةٍ من المعرفة، والتّجارب، والتّخصّصات، يشعل شرارة الإبداع الحقيقيّ. ولا تُستدرج تلك الشّرارة بتجنيد صفوفٍ متراصةٍ من المتخصّصين ذوي السّير المتشابهة والخلفيّات المألوفة، بل باستقطاب من يفكّر خارج الصّندوق، من يقرأ خارج السّائد، ومن يعيش خارج القالب، أولئك الذين لم يتردّدوا ربّما في الغوص سنواتٍ في دهاليز الزّواحف الصّحراويّة.

استقطاب المواهب من أفق التنوع المعرفي

لقد لمحت الدّيناميكيّة ذاتها في قصّة اختراع شاشة اللّمس؛ فالتّقنية الحسّاسة للمس لم تنشأ في وادي السّيليكون كما يظنّ كثيرون، بل بدأت في ستينيّات القرن العشرين على يد إي إيه جونسون في مؤسّسة "الرادار الملكية البريطانية" (Royal Radar Establishment)، عندما كان يعمل على تطوير أنظمةٍ لمراقبة حركة الطّائرات. لم يكن هدفه آنذاك تطوير أجهزةٍ إلكترونيّةٍ استهلاكيّةٍ، بل تصميم واجهاتٍ تحقّق السّلامة والكفاءة في بيئةٍ لا تحتمّل الخطأ. ومع مرور الزّمن، تجاوز هذا الابتكار غايته الأصليّة، ليجد طريقه إلى هواتفنا الذّكيّة.

لا تتحقّق مثل هذه القفزات من خلال فرقٍ ظلّت غارقةً في نفس التّخصّص لعقدٍ أو أكثر؛ فالشّركات تعلن رغبتها في الابتكار، لكنّها كثيراً ما تقيّده بقيودٍ ضيّقةٍ، وتقيسه بعائدٍ ربعيٍّ صارمٍ، إذ يُقال "فكّر خارج الصندوق"، ولكن بشرط أن يبقى الصّندوق محقّقاً للعائد.

في الحقيقة، يبدو الابتكار في مراحله الأولى مشوّشاً، غير مألوفٍ، بل وربّما غير منطقيٍّ. فقد يُعتبر تكريس باحثٍ سنواتٍ طويلةً لدراسة سحليّةٍ سامّةٍ إهداراً للموارد، حتّى يتجلّى هذا الجهد في نهاية المطاف دواءً يُحدث تحوّلاً جذريّاً في حياة الملايين. وكذلك، قد يُنظر إلى إتاحة الفرصة لشخصٍ لتجربة فكرةٍ تبدو غريبة الأطوار على أنّها مضيعةٌ للوقت، إلى أن تتبلور تلك الفكرة وتتحوّل إلى أساسٍ متينٍ لخطّ إنتاجٍ جديدٍ يفتح آفاقاً واسعةً.

تقدير التنوع في الاهتمامات والخبرات: مفتاح الإبداع الحقيقي

إذا كُنت قائداً حقيقيّاً، فابدأ بتقدير التّنوّع الفكريّ وتميّيزه. وظّف الكيميائيّ الّذي درس الفلسفة جزئيّاً، وأتاح الفرصة للمسوّق الّذي يقضي عطلاته في بناء روبوتاتٍ مصنوعةٍ بشغفٍ وحبٍّ. استمع إلى المحلّل الهادئ الّذي ينهل من أدب الخيال العلميّ ويتحدّى افتراضاتك الرّاسخة. هذه ليست مجرّد اهتماماتٍ جانبيّةٍ، بل هي موادٌ خامٌّ خصبةٌ للإبداع الخلّاق؛ فالإبداع لا ينبثق من العمق التّخصّصي وحده، بل من التّزاوج بين ما تعرفه وبين ما لم يخطر ببال أحدٍ غيرك.

ولا يمكن أن يتحقّق ذلك إلا في بيئةٍ تمنحهم الحريّة الحقيقيّة للاستكشاف والتّجريب، ليس فقط بنسبة 20% من وقت العمل أو في فعاليّات هاكاثون سنويّةٍ، بل كجزءٍ أصيلٍ من ثقافة المؤسّسة؛ فالفضول والاستطلاع لا يجب أن يكونا امتيازاً عرضيّاً، بل أولويّة مستمرّة لا تتجزّأ.

فكم من أنظمتكم تحفّز هذه الروح وتغذّيها؟ كم مرّة شجّعت على التّصادم البنّاء بين الفرق المختلفة؟ ومتى كانت آخر مرّةٍ مدحت فيها موظّفاً، ليس فقط لإنجازٍ محدّدٍ، بل لأنّه تبنّى فكرةً بدت غريبةً أو مختلفةً بعض الشّيء؟

إن كان الجواب قليلاً ونادراً، فأنت بذلك تغفل اللّحظة القادمة الّتي تحمل في طيّاتها تغيير العالم بأسره؛ فالابتكار لا يطرق الأبواب مرتدياً بدلةً وربطة عنقٍ، بل يأتي متنكّراً بزيٍّ غريبٍ غير مألوفٍ. والمهمّة ليست في ترويض هذا الابتكار أو تقنينه، بل في إدراك أنّ العبقريّة كثيراً ما تتّخذ أشكالاً وأزياءً غير تقليديّةٍ، وبناء ثقافةٍ ترحّب بها بكلّ حفاوةٍ واحتفاءٍ.

عن الكاتبة
أندريا أولسون، الرّئيسة التّنفيذيّة لشركة "برغماديك" (Pragmadik)، تستمدُّ رؤاها من عمليِّةٍ طويلةٍ قادتها نحو فهم كيف أنّ تبنّي الأفكار الاستثنائيّة -ورغم غرابتها- يُشكّل مفتاحاً للابتكار الحقيقيّ.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: