الرئيسية تكنولوجيا كيف يمكن للقادة غير التقنيين دفع فرقهم التقنية نحو النجاح؟

كيف يمكن للقادة غير التقنيين دفع فرقهم التقنية نحو النجاح؟

ليس شرطاً أن تُجيد كتابة الشّيفرة لتقود فريقاً يغيّر اللّعبة؛ المهم أن تجيد فكّ شيفرة التّواصل

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

في أوساط الشّركات النّاشئة، حيث يعجّ المشهد بالمبرمجين ومهندسي البرمجيّات، كثيراً ما تسري في الأذهان صورةٌ نمطيّةٌ تفترض أنّ من يمسك بمقود القيادة هو الخبير الّذي نشأ وتربّى في حضن التّقنيّة. إلّا أنّ هذه القاعدة، رغم سطوتها، لا تصمد طويلاً أمام واقعٍ يعجّ بنماذج معاكسةٍ؛ واقعٌ يقف فيه قادةٌ لا صلة لهم بالبرمجة أو الهندسة الرّقميّة، ومع ذلك يحرزون النّجاح تلو النّجاح في قيادة فرق التّقنيّة. 

لننظر إلى أمثلةٍ واقعيّةٍ: بن سلبرمان، الّذي شارك في تأسيس "بينترست" (Pinterest)، وستيوارت باترفيلد، العقل الّذي شارك في ولادة "سلاك" (Slack)؛ كلاهما لم يتسلّح في رحلته بالأدوات التّقنيّة، بل نهل من معين الرّؤية الواسعة للأعمال واستشراف احتياجات العملاء، وتميّز بقدرةٍ لافتةٍ على انتشال المشكلات من جذورها، وتجنّب الوقوع في فخّ التّكرار داخل "فقاعات التّقنيّة" المغلقة. 

غير أنّ هذا الطّريق محفوفٌ بمعضلاتٍ لا تبوح بها التّجارب من الوهلة الأولى، وقد واجهت بعضها بنفسي؛ فكيف لقائدٍ لم يقتحم عوالم البرمجة أو يلمّ بخفايا الشّيفرات، أن يمسك بزمام مهندسين لا ينطقون إلّا بلغة الشّيفرة؟ وكيف يفرض رؤيته دون أن يغرق في طلاسم المصطلحات التّقنيّة؟ وكيف يدير حواراً بنّاءً مع من يفكّرون عبر البنى والمنطق البرمجيّ، فيما هو يجنح إلى الحلم والرّؤية والاستراتيجيّة؟ 

إنّها فجوةٌ حقيقيّةٌ، تتّخذ هيئة التباسٍ مزمنٍ بين من ينظرون إلى الصّورة الكاملة ويلاحقون الرّؤية، ومن ينقّبون في التّفاصيل التّقنيّة ويفكّكون التّعقيد إلى هياكل وأكوادٍ وأطرٍ ممكنةٍ. 

 وليس من الغريب أن يترتّب على هذه الفجوة اضطرابٌ في التّفاهم، وخللٌ في ترجمة الأهداف إلى أفعالٍ، بل وأحياناً انهيارٌ في المعنويّات حين تتراكم الإخفاقات وتتعثّر المسارات. 

ومع أنّ التّحدّي جسيمٌ، إلّا أنّ تجاوزه ليس بالمستحيل، بل هو رهنٌ بقدرة القائد على تشييد جسر التّواصل، أن ينصت ويشرح ويعيد تفكيك اللّغة التّقنيّة إلى أفكارٍ يمكن للعقل غير التّقنيّ أن يلمّ بها. 

فلنخض في أعماق هذا الفارق، عبر أربع محطّاتٍ أساسيّةٍ تمثّل نقاط الاحتكاك الكبرى بين القادة غير التّقنيّين وفرق التّقنيّة، ولنتأمّل في حلولٍ عمليّةٍ قد تمهّد الطّريق لجسور التّفاهم الحقيقيّ. 

الضّياع في التّرجمة 

إحدى المطبّات الشّائعة أنّك وفريقك التّقنيّ لا تتحدّثان اللّغة نفسها. أنت تتكلّم بلغة الأعمال، فيما هم يتحاورون بمصطلحاتٍ تقنيّةٍ. إنّهم متمكّنون جدّاً في معجمهم المتخصّص، وقد لا يلحظون كيف تربك شروحاتهم أصحاب المصلحة غير التّقنيّين، ممّا يؤدّي إلى سوء تفاهمٍ، وإضاعةٍ للوقت، وإبطاء عمليّة اتّخاذ القرار. 

إنّه أمرٌ محبطٌ وغير ضروريٍّ، ولكنّه، بشكلٍ صادم، أمرٌ شائعٌ جدّاً. 

في كتاب "الشّركة النّاشئة المرنة" (The Lean Startup - ذا لين ستارت أب)، يسلّط رائد الأعمال والكاتب "إيريك ريس" الضّوء على أهمّيّة التّواصل الفعّال في خلق رؤيا مشتركةٍ. يؤكّد أنّ بناء لغةٍ مشتركةٍ بين الفرق التّقنيّة وغير التّقنيّة هو أمرٌ حيويٌّ للنّجاح. بدون ذلك، ستعاني الفرق حتماً من العدم الفعّاليّة، وتباين الأهداف، وسوء الفهم. 

ولكن، أليس هذا أسهل قولاً من فعلٍ؟ 

المفتاح هو أن تعمل باستباقيّةٍ على تغذية ثقافة التّوضيح الواضح منذ البداية. بدلاً من الاكتفاء بعباراتٍ غامضةٍ مثل "هذا أمرٌ صعبٌ تقنيّاً"، عليك أن تتعمّق أكثر. ماذا يعني ذلك حقّاً؟ هل هو مستحيلٌ، أم يستغرق وقتاً طويلاً، أم أنّه ممكنٌ فقط إذا وجدت موارد إضافيّةٌ؟ 

للمصطلحات التّقنيّة مكانها في الاجتماعات، ولكن لا مكان لسوء الفهم. هنا يمكن للسّرد أن يساعد. إنّ إنشاء معجمٍ مشتركٍ للمطوّرين وأصحاب المصلحة غير التّقنيّين يضمن أن يكون الجميع على درايةٍ واضحةٍ. كما أنّ تشجيع استخدام الوسائل البصريّة مثل المخطّطات، والرّسوم التّوضيحيّة، والنّماذج يمكن أن يجعل الأفكار المعقّدة أكثر قابليّةً للفهم. 

عندما يحسن الفريق التّواصل، يستطيع تحديد المشاكل وحلّها بسرعةٍ أكبر، فتتسارع وتيرة إنجاز المشاريع. إذ يشجّع التّواصل المنفتح على تبادل الأفكار، ممّا يجعل اجتماعات الوقف السّريعة لمدّة عشر دقائق أداةً قيّمةً لبناء ثقافة الوضوح والتّعاون. 

بين مطرقة الإنجاز وسندان الإرهاق 

من السّهل أن تقع في فخّ توقّع تنفيذٍ سريعٍ من فريقك التّقنيّ، ولكن كيف تعرف إذا كنت ترهقهم فعلاً، أم أنّهم يستغلّون فجوة معرفتك ويقصّرون في العمل؟ 

يعدّ التّمييز بين حدّي المبالغة في تكليف الفريق، وبين حدّي عدم الفعاليّة، تحدّياً حقيقيّاً. فلكلّ فريقٍ حدود طاقة. وتكرّر التّأخير، وارتفاع نسبة الأخطاء، وفقدان الحماس، كلّها قد تكون مؤشّراتٍ مبكّرةٍ على أنّ فريقك يعاني من فرط الحمل، ولكنّها قد تكون أيضاً دليلاً على غموض الأولويّات أو سوء إدارة الوقت. 

وللتّغلّب على ذلك، من الضّروريّ أن تكون لديك رؤيةٌ واضحةٌ لكيفيّة تتبّع التّقدّم، وتمييز علامات تحمّل الحمل الزّائد. استخدم أدوات التّعقّب الرّشيقة، مثل تحليل زمن الدّورة، وتحديد حدود العمل قيد التّنفيذ (WIP)، لتساعدك في تتبّع حمل الفريق بشكلٍ مرئيٍّ، وتحديد عنق الزّجاجة، وتقييم القدرة في الوقت الفعليّ. هذا سيساعدك على تجنّب توقّعاتٍ غير واقعيّةٍ، ويشجّع وتيرة عملٍ أكثر استدامةً. 

كذلك، تشجع هذه الممارسات الرّشيقة على نهجٍ أكثر تدرّجاً، ممّا يساعد على توزيع العمل بشكلٍ أعدل، وإدارة القدرة بفعاليّةٍ أفضل، ليظلّ الفريق مركّزاً، ولا يعاني فرط الإرهاق، ويضمن نجاحاً على المدى الطّويل. 

التّكلفة الحقيقيّة للحلول السّريعة 

إنّه مشهدٌ مألوفٌ: مؤسّسٌ غير تقنيٍّ يقترح تغييراً يبدو ضئيلاً، فيقابله فريق التّقنيّة برفضٍ أو استياء. يشعر كلا الطّرفين أنّه غير مفهومٍ أو مقدّرٍ. 

تكمن المشكلة الرّئيسيّة في اختلاف الأولويّات. من جهةٍ، تعتبر الحداثة السّريعة والانقلاب على الأعراف قاعدةً في الصّناعة التّقنيّة، وهناك ضغطٌ دائمٌ لمواكبة المنافسة. إذ يتوجّب على قادة الفرق أن يحقّقوا النّتائج بسرعةٍ. ولكن، في المقابل، يجب أن تكون التّغييرات قابلةً للتّوسّع، وآمنةً، قابلةً للصّيانة والدّيمومة. فحتّى أبسط التّعديلات، إذا أُجريت في الوقت الخاطئ، قد تتسبّب في تكلفةٍ فادحةٍ، وتؤدّي إلى ما يعرف بـ "الدّين التّقنيّ"، وهو ما يبطّئ عمليّة التّطوير على المدى الطّويل. تظهر الأبحاث أنّ الشّركات تدفع تكلفةً إضافيّةً تتراوح بين 10 و20 بالمئة لمعالجة هذا الدّين، فضلاً عن أيّ تكاليف أخرى تتحمّلها المشاريع. لا عجب أنّه يلقّب بـ "قاتل الشّركات النّاشئة الصّامت". 

ولردم هذه الهوّة، يجب على أصحاب المصلحة غير التّقنيّين أن يتّخذوا نهجاً أكثر تساؤلاً. بدلاً من الضّغط للحصول على حلٍّ سريعٍ، عليهم أن يطرحوا أسئلةً تساعدهم على تصوّر الحجم والتّعقيد المرتبطين بالحدث. إنّ استخدام أطرٍ تحليليّةٍ كمصفوفة الأثر مقابل الجهد يمكن أن يساعد في تقييم إمكانيّة التّغييرات، وضمان أن يؤخذ بعين الاعتبار كلٌّ من المنظور التّقنيّ ومنظور الأعمال. 

مخاطر الإفراط في الاعتماد 

إذا وجدت مهندساً مهريّاً تثق به، قد يكون من المغري أن تعتمد عليه بشدّةٍ في دفع المشروع إلى الأمام، خاصّةً إذا كنت تحسّ بشيءٍ من القلق بسبب نقص خبرتك التّقنيّة. ولكنّ الافراط في الاعتماد على شخصٍ أو فريقٍ واحدٍ يحدّ من فرص التّعاون والابتكار. 

تثبت دراساتٌ عديدةٌ أنّ المشاريع الّتي تعتمد بشدّةٍ على فردٍ واحدٍ تكون أكثر عرضةً للفشل. في تقرير "وضع عمليّات التّطوير 2023" (State of Dev Ops - ستايت أوف ديف أوبس) الصّادر عن شركة "غوغل" (Google)، تمّ تسليط الضّوء على أنّ أعلى الفرق أداءً هي الفرق عبر التّخصّصات. إنّ الاعتماد على فردٍ أو فريقٍ واحدٍ يعرّضك لفقد مزايا نهج الحلّ المتعدّد الزّوايا. 

الحلّ بسيطٌ: ابن فريقاً متوازناً. احرص على توظيف خبراء تقنيّين يمتلكون خبراتٍ متنوّعةٍ، لضمان أن تتولّى كلّ جانبٍ من المشروع أيدٍ متخصّصةٍ تملك مهارة التّنفيذ. هذا سيقلّل أيضاً من خطورة وجود نقاط فشلٍ واحدةٍ، ويعزّز بيئةً أكثر ترابطاً ومناعةً وتعاوناً. 

ردم الفجوة بالتّواصل الواضح 

ليس من الغريب أن يقود مؤسّسون غير تقنيّين فرقاً تقنيّةً ناجحةً بكلّ معنى الكلمة. على أعلى المستويات، استفاد برايان شيسكي من خبرة شريكه التّقنيّة في تأسيس "إيربي إن بي" (Airbnb). أمّا ريد هوفمان، فبنى "لينكد إن" (LinkedIn) على فهمه لقيمة توظيف فريقٍ تقنيٍّ قويٍّ، والتّحسين المستمرّ بمراجعة المخرجات، لا على خبرةٍ تقنيّةٍ صرفةٍ. وهو ذاته ما فعله ستيوارت باترفيلد الّذي، على الرّغم من عدم انغماسه التّقنيّ، أنشأ منتجاً أصبح ظاهرةً واسعة الانتشار هو "سلاك". آلاف الفرق التّقنيّة، إن لم تكن مئات الآلاف، في جميع أنحاء العالم تدار اليوم بقيادة خبراء غير تقنيّين. 

إنّه أمرٌ صعبٌ، لكنّه ممكنٌ. 

إذا أردت أن تبني منتجاً عظيماً، فأنت بحاجةٍ إلى فريقٍ عظيمٍ، وذلك يتطلّب تواصلاً عظيماً. كما أكّدنا سابقاً، فإنّ الامور ليست بهذه السّهولة؛ كلا الطّرفين سيظلّ يفترض أموراً عن معرفة وتوقّعات الآخر، ممّا يؤدّي إلى سوء فهمٍ وتباينٍ في الأهداف. 

وبصفتك مؤسّساً غير تقنيٍّ، أو قائد فريقٍ، يقع عليك عبء غرس ثقافة التّواصل والشّرح. يجب عليك أن تطرح الأسئلة الصّحيحة، وتسعى لفهم تعقيدات القرارات التّقنيّة، وتقدّر محدوديّة إمكانيّات فريقك. 

التّواصل هو المفتاح؛ استثمر فيه، ورعه، وسيتبعه النّجاح. 

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في عدد أبريل/ مايو من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد كاملاً عبر الإنترنت، يُرجى النقر هنا.

عن الكاتب:

بدر بوهناد، نائب المدير العام لواحة دبي للسيليكون، والمدير التّنفيذيّ لقطاع الدّعم المؤسّسي في سلطة دبي للمناطق الاقتصاديّة المتكاملة 

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 8 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: