شركة Bynow السعودية تحصد تمويلاً بقيمة 1.2 مليون دولار
حين تتحوّل التّكنولوجيا الماليّة من خدمةٍ استهلاكيةٍ إلى بنيةٍ تحتيّةٍ للأعمال، تُفتح أمام الشّركات أبوابٌ جديدةٌ للسّيولة والرّقمنة والازدهار في قلب الاقتصاد الحديث

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
ضخت شركة الاستثمار السعودية "مراك كابيتال" (Merak Capital ) مبلغ 1.2 مليون دولارٍ في شركة "باي ناو" (Bynow) النّاشئة في مجال التّكنولوجيا الماليّة، والّتي تطوّر حلولاً رقميّةً لمدفوعات الأعمال. ويعكس هذا الاستثمار الزّخم المتنامي للتّقنيات الماليّة الموجّهة للشّركات في المملكة، مع سعي المؤسّسات إلى تحديث طرق إدارة تدفّقاتها النّقديّة.
أُطلقت "باي ناو" في السعودية عام 2022 على يد رامي سليمان وأحمد بن نافع، وبدأت بتقديم خدمة «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» بين الشركات (B2B BNPL) الّتي تُتيح للمؤسّسات تأجيل وتقسيط المدفوعات، ممّا يمنح الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة ومسؤولي الأعمال فسحةً للتّنفس على مستوى التّدفّقات النّقديّة. ولكن طموح "باي ناو" يتجاوز خطط التّقسيط؛ إذ تعمل الشّركة الآن على طرح أدواتٍ لرقمنة قلب الماليّة المؤسّسيّة -الحسابات المدينة والدّائنة- وهي عمليّاٌت لا تزال تُدار يدويّاً إلى حدٍّ كبيرٍ في أنحاء المنطقة.
هذا التّركيز على بنيةٍ تحتيّةٍ للمدفوعات بين الشّركات هو بالضّبط ما جذب "مراك كابيتال" للاستثمار في الشّركة. وقال عبدالإله الشريف، نائب رئيس رأس المال المغامر في "مراك كابيتال"، لمجلة "عربية .Inc": "إنّ منظومة المدفوعات بين الشّركات في السعودية والمنطقة الأوسع كانت تاريخيّاً متأخّرًة عن قطّاع التّكنولوجيا الماليّة الاستهلاكيّة من حيث الابتكار والتّبنّي. وما أقنعنا بشركة "باي ناو" أنّهم لا يحاولون معالجة مشكلةٍ سطحيّةٍ، بل يقدّمون حلّاً يتغلغل في العمليّات الماليّة اليوميّة للشّركات من خلال توفير مرونةٍ في التّدفق النّقديّ، وإدارة السيولة، ورقمنة الحسابات المدينة والدّائنة. هذه هي البنية التّحتيّة بالمعنى الحقيقيّ: أدواتٌ تعتمد عليها الشّركات لتعمل، لا مجرّد وسائل مساعدةٍ لعمليّاتها القائمة".
شاهد أيضاً: Khazna تحصل على تمويل بقيمة 16 مليون دولار
تسير رؤية سليمان، المؤسّس الشّريك والرّئيس التّنفيذيّ لشركة "باي ناو"، في الاتّجاه ذاته؛ فعندما سُئل عن معنى عبارة «سكك بنيةٍ تحتيّةٍ» (infrastructure-grade rails) التي يستخدمها لوصف عرض شركته، وكيف تغيّر طريقة عمل الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة والشّركات المتوسّطة الحجم، أجاب:
"هذا يعني تدفّقاً موحّداً للمدفوعات والائتمان يخدم كلاً من مسار البائع من الطّلب إلى التّحصيل (O2C) ومسار المشتري من الاستلام إلى الدّفع (I2P). وعلى مسار الـO2C، تتولّى "باي ناو" التّحقّق الفوريّ من هويّة النّشاط التّجاريّ وإدارة المخاطر، وتضع حدوداً ديناميكيّةً تتناسب مع التّجارة القائمة على الفواتير بعد التّسليم، وتُؤتمت التّدفق من التّنفيذ إلى إرسال طلبات الدّفع الآمنة بعد التّنفيذ وفق الشّروط المعتمدة، والفوترة، والتّذكيرات، والتّحصيل، والتسوية".
وتابع قائلاً: "على مسار الـI2P، يمكن للمشتريات طلب شروطٍ عند الاستلام، وتلقي قرارات حدود الائتمان الفوريّة لكلّ موردٍ، وتوجيه الفواتير عبر مطابقةٍ ثنائيّةٍ/ثلاثيّةٍ، والموافقات، وجدولة التّحويلات بين الحسابات الّتي تُسوّى تلقائيّاً في أنظمة تخطيط الموارد المؤسّسيّة (ERP). وعبر المسارين معاً، توفّر البوابات وواجهات برمجة التّطبيقات (APIs) سجلّاً موحّداً وقابلاً للتّدقيق لكلٍ من الماليّة والمبيعات وتسويق التّجارة والمشتريات، مع ضوابط محليّةٍ للسّعوديّة والمنطقة الأوسع، ما يرفع معدّلات التّحويل وحجم الصّفقات، ويخفض أيّام المبيعات المستحقّة (DSO)، ويقلّل الرّسوم المتأخّرة ويحدّ من العمليّات اليدويّة بشكلٍ ملموسٍ".
ويرى الشريف أنّ هذا العمق هو ما سيُحدّد ملامح المرحلة القادمة من قطّاع التكنولوجيا المالية في السعودية؛ فقال:
"ينتقل قطّاع التكنولوجيا المالية السّعوديّ بسرعةٍ من الابتكار الاستهلاكيّ إلى المنصّات المؤسسيّة. وخلال السّنوات الخمس المقبلة نتوقّع أن نرى حلولاً مدمجةً بعمقٍ في الأنظمة البيئيّة للأعمال والحكومات، تغطّي كلّ شيءٍ من المدفوعات والائتمان إلى الامتثال وإدارة الخزينة. و تتموضع "باي ناو" جيّداً ضمن هذا المسار لأنّها تعالج حاجةً أساسيّةً: مساعدة الشّركات على إدارة رأس المال العامل بشكلٍ أفضل. ومع تقدّم المملكة في تحقيق أهداف «رؤية 2030» وتشجيعها الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة على أن تصبح محرّكاتٍ للنّموّ، سيؤدّي لاعبو التكنولوجيا المالية بين الشّركات مثل "باي ناو" دوراً حاسماً في تمكين هذه الشّركات من الازدهار عبر تدفّقاتٍ ماليّةٍ رقميّةٍ حديثةٍ أوّلاً".
وأضاف الشريف أنّ قدرة "باي ناو" على التّطوّر إلى بنيةٍ أساسيّةٍ حقيقيّةٍ كانت عاملاً رئيسيّاً في قرار "مراك كابيتال" الاستثمار فيها: "كلّ تلك العوامل –المنتج، وملاءمة السّوق، وقابلية التّوسّع – مهمّةٌ، لكن ما يميّز شركة تكنولوجيا ماليّة في نظرنا هو إمكان تحوّلها إلى بنيةٍ تحتيّةٍ أساسيّةٍ. نبحث عن حلولٍ تعالج مشاكل بالغة الأهميّة بحيث تصبح جزءاً من العمليّات اليوميّة للشّركات أو المستهلكين. وقد تكون الجاذبيّة المبكّرة لافتةً، لكن من دون رؤيةٍ طويلة المدى حول كيفيّة تطوّر المنتج إلى بنيةٍ تحتيّةٍ لا غنى عنها، نادراً ما يستمرّ الزّخم. في حالة "باي ناو"، أظهر الفريق فهماً حادّاً ليس فقط للحاجة الفوريّة إلى مرونة التّدفق النّقديّ، بل أيضاً لطموحٍ واضحٍ لرقمنة التّدفقات الماليّة الأوسع الّتي تقود التّجارة بين الشّركات؛ فهذا المزيج من الضّرورة والرّؤية والقدرة على التّنفيذ هو ما يجعل الشّركة مغريةً حقّاً بالنّسبة لنا".
ولا يتوقّف طموح "باي ناو" عند حدود السعودية؛ إذ يشير سليمان إلى أسواق أخرى تتشابه في التّحدّيات والفرص يمكن لمؤسّسته أن تضيف فيها قيمةً: "نحن نعطي الأولوية للأسواق حيث يلتقي حجم التّجارة بين الشّركات بائتمانٍ تجاريٍّ مجزأ وسياساتٍ رقميّةٍ داعمةٍ. ويبرز مجلس التّعاون الخليجيّ كمركزٍ تجاريٍّ إقليميٍّ ببنيّةٍ تحتيّةٍ رقميّةٍ ناضجةٍ، وفي أفريقيا هناك انتشارٌ كبيرٌ للشّركات الصّغيرة والمتوسّطة وتدفّقات قائمة على الفواتير، وفي آسيا هناك كثافةٌ جذّابةٌ للشّركات الصّغيرة والمتوسّطة مع أنماط فواتير وتوزيع مألوفةٍ. تُحدّد الأوّلويّات وفق جهد التّوطين (اعرف نشاطك التّجاريّ ومعايير الفوترة)، وقوّة شراكات التّوزيع، ووضوح تنفيذ التّحصيلات، حتّى نتمكّن من تكرار النّموذج بسرعةٍ وبامتثالٍ".
وعن مستقبل المدفوعات بين الشّركات، يرى سليمان أن الأتمتة والذكاء الاصطناعي سيكونان محور تطوّرها: "تتقارب المدفوعات بين الشّركات نحو تحويلاتٍ مباشرةٍ من حسابٍ إلى حسابٍ مع سياقٍ غنيٍّ للفواتير، بينما ينتقل نظام السّجلات إلى حساباتٍ مدينةٍ ودائنةٍ مؤتمتةٍ تمتدّ عبر مساري O2C وI2P. وتصبح عمليّات التقاط الفواتير والمطابقة الثّلاثيّة وحلّ النّزاعات وتطبيق النّقد والتّسوية وضوابط السّياسات عمليّات برمجيّة. وستأتي القفزة التّالية من الذكاء الاصطناعي المدمج فوق هذه العمليّات"
وأضاف موضّحاً: "الأتمتة والذكاء الاصطناعي يرفعان المنظومة؛ إذ يدعمان اتّخاذ القرار من إشاراتٍ سلوكيّةٍ ومعاملاتيّةٍ، ويفهمان نقاط البيع والفواتير لتقليل أعمال المكتب الخلفيّ، ويكتشفان الشّذوذ والاحتيال المحتمل، ويعطيان الأوّلويّة للتّحصيل، ويتنبّآن بالتّدفق النّقديّ، ويضبطان الشّروط الدّيناميكيّة حسب المشتري أو المورد أو حتّى رمز الصّنف (SKU). تجاريّاً، يمكن للمبيعات وتسويق التّجارة مواءمة العروض والشّروط مع سلوك السّداد المتوقّع، فيما تحصل الماليّة والمشتريات والحسابات الدّائنة على رؤىً آنيّةٍ حول المخاطر والاسترداد وتقارير جاهزةٍ للشّركاء. والأهمّ أنّ هذا يفتح أيضاً باب الائتمان بين الشّركات لممولي الائتمان الخاصّ: بيانات أداء معياريّة على مستوى واجهات برمجة التّطبيقات وقياسات خدمة تجعل الذّمم المدينة قابلةً للتّمويل عبر هياكل التّدفق الأماميّ والمخازن، فيما تحسّن ضوابط المخاطر المعزّزة بالذكاء الاصطناعي الأهليّة والمتابعة والالتزام بالشّروط".
وأخيراً، قدّم سليمان نصيحةً صريحةً للمؤسّسين السّاعين لاختراق سوق التكنولوجيا المالية مستمدةً من تجربة "باي ناو": "كن ثنائيّ الاتجاه منذ اليوم الأوّل، واخدم مسار البائع ومسار المشتري. تكامل حيث تعمل الماليّة والمشتريات فعليّاً (ERP/AP)، وقِس ما يهم مشغلي الأعمال لا مقاييس الغرور. ابدأ يدويّاً لكن اجعل كلّ خطوة قابلة للقياس، ثم أتمت الدّورات الّتي تثبت جدواها. وابقَ "محليّاً أوّلاً" في KYB والفوترة والتّنفيذ لبناء حسن نية تنظيميّة مبكّراً، وأعط الأوّلويّة للتّوزيع عبر القنوات وشبكات المورّدين، وموّل العلاقات (لا المعاملات فقط) بسياساتٍ شفّافةٍ وديناميكيّةٍ.