الرئيسية الابتكار كيف تبني قطر بيئةً مثاليّةً لاحتضان الشركات الناشئة؟

كيف تبني قطر بيئةً مثاليّةً لاحتضان الشركات الناشئة؟

قطر تثبت أنّ البيئة الرّيادية لا تحتاج لضخامة السّوق فقط، بل لرؤيةٍ ذكيّةٍ تدعم التّجريب، التّوسّع، وتغذي قصص نجاح مثل سنونو وسكاي ستراكت

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

في منطقةٍ دأبت دولها على التّنافس حول أيّها الأجدر باعتبارها "الوجهة المطلقة للشّركات النّاشئة، تلوح قطر وهي تتّبع منهجاً متمايزاً. فلعلّها ليست أضخم الأسواق التي يمكن لروّاد الأعمال في دول الخليج الاتّجاه إليها، غير أنّها تمهّد لنفسها طريقاً يجعلها أذكى أماكن البدء والانطلاق.  

تدفعّ هذه المنافسة الإقليميّة الّتي نشهدها بين الدّول الخليجية كلّ دولةٍ إلى ابتكار برامج ومحفّزاتٍ متنوّعةٍ لجذب روّاد الأعمال. وبينما يتركّز الاهتمام في بعض الدّول على توفير الموارد الماليّة الضّخمة أو السّوق الشّاسعة، اختارت قطر أن ترّكز على تكوين "منصّةٍ ذكيّةٍ" تسهّل على المؤسّسين اختبار أفكارهم في بيئةٍ سريعة التّجاوب، وتقديمها للعالم بصورةٍ أقوى بعد تنقيحها. ومع زيادة الوعي بفرص ريادة الأعمال وتحسّن التّواصل العالميّ، باتت البيئة القطريّة تحظى باهتمام متنامٍ من الشّركات النّاشئة حول العالم، في إشارةٍ واضحةٍ إلى أنّ صغر الحجم قد لا يكون عائقاً حين يُدار بخطّةٍ استراتيجيّةٍ دقيقة.  

بالنّسبة إلى كثيرٍ منّا، ربّما يبدو هذا التوجّه غريباً، إذ إنّ عالم الشّركات النّاشئة يميل عامّةً إلى تقديس عنصر التّوسّع الضّخم. فغالباً ما يرسم المؤسّسون أحلاماً تدور حول أسواقٍ عريضة، وملايين من المستخدمين، وتقييماتٍ ماليّةٍ تتجاوز المليارات. غير أنّ الواقع يذهب إلى أنّ كلّ شركةٍ ناشئةٍ قبل أن تصل إلى تلك المراتب، ينبغي لها أن تجد مكاناً يتيح لها الاختبار والتّصويب، والتّطوير المتدرّج، وإثبات قيمتها بكلّ فاعليّةٍ وكفاءة. وهذا بالضّبط ما تعرب قطر عن رغبتها في توفيره لروّاد الأعمال في دول مجلس التّعاون الخليجيّ.  

لعلّ أسواقاً واسعةً مثل الولايات المتّحدة والصّين لطالما شكّلت الحلم الأوّل لروّاد الأعمال في سعيهم وراء النّموّ السّريع والتّقييمات الملياريّة. لكن في الوقت نفسه، يكشف كثيرٌ من الدّراسات أنّ نسبةً لا يستهان بها من الشّركات النّاشئة تفشل قبل بلوغ مرحلة الاستقرار، لأنّها تلقي بنفسها في خضمّ منافسةٍ شرسةٍ من دون أن تتأكّد من صلابة نماذجها. ولذا، تحاول قطر توفير بيئةٍ أشبه بما يُسمّى "الحاضنة الوطنيّة"؛ حيث يحصل الرّياديّون على دعمٍ أوليٍّ متكاملٍ يطال التّمويل، والتّوجيه، والتّشبيك مع مؤسّساتٍ ذات خبرة. وهكذا، تصبح الأخطاء المبكّرة دروساً أقلّ تكلفةً، وتتحسّن فرص النّجاح عند الانتقال إلى أسواقٍ أكبر.  

فقطر تعيد تقديم ذاتها بوصفها نظاماً بيئيّاً متكاملاً، يجمع البنية التّحتيّة القادرة على احتضان أحدث الابتكارات، والبرامج الحكوميّة التي تهدف إلى رفع كفاءة الشّركات النّاشئة وتعزيز ازدهارها، وهو ما يجعلها سوقاً تجريبيّةً مثاليّةً يقصدها أصحاب الأفكار الرّائدة لتحويل رؤاهم إلى حقيقةٍ ملموسة. ولعلّ ما يعزّز هذه الصّورة، أنّ رؤية قطر الوطنيّة 2030، خطّة الدّولة الطّويلة الأمد لضمان مستقبلها، تضع ضمن أولويّاتها تهيئة بيئةٍ قويّةٍ لريادة الأعمال. وهكذا يتّضح سبب سعي قطر إلى احتضان الشّركات النّاشئة وترغيبها في اللّجوء إليها.  

إنّ تركيز رؤية قطر الوطنيّة 2030 على تنمية رأس المال البشريّ وبناء مجتمعٍ متطوّرٍ تقنيّاً يعكس إيمان الدّولة بأنّ المستقبل لن يرتكز على الثّروات الطّبيعيّة وحدها، بل على الإبداع والمعرفة. فمن خلال مبادراتٍ مثل تطوير المدن الذّكيّة وتبنّي الذّكاء الاصطناعيّ في مجالات التعليم والصحّة والخدمات العامّة، تتهيّأ قطر لاستقبال الأفكار المبتكرة الّتي تحتاج إلى فضاءاتٍ متخصّصةٍ ومرنةٍ لاختبارها. كما أنّ انخراط المؤسّسات الرّسميّة في تمويل الأبحاث العلميّة وبرامج ريادة الأعمال يساهم في بلورة بيئةٍ تشاركيّةٍ تُشجّع الطلاب والخريجين على الانخراط في مشروعاتٍ ناشئةٍ، بدلاً من الاقتصار على المسارات المهنيّة التقليديّة.  

وما أبرز جاذبيّة قطر بوصفها أرضاً للانطلاق في مجال ريادة الأعمال على مستوى الخليج، هو النّسخة الحاليّة لقمّة الويب قطر (Web Summit Qatar)، الّتي أقيمت في الفترة من 23 إلى 26 فبراير 2025 في مركز الدّوحة للمعارض والمؤتمرات. فهذه الفعاليّة، وهي الامتداد الشّرقيّ الأوسطيّ لسلسلة مؤتمرات قمّة الويب العالميّة، استقطبت هذا العام 25,700 مشاركٍ، أي بزيادةٍ قدرها 10,000 عن نسختها الافتتاحيّة عام 2024.  

إنّ عقد فعاليّةٍ بحجم "قمّة الويب" في الدّوحة يحمل بين طيّاته أبعاداً عميقةً تعود بالنّفع على قطر من عدّة وجوه. فعلى الصّعيد الإعلاميّ، تسلّط الضّوء على الدّولة كلاعبٍ ناشئٍ في عالم ريادة الأعمال والتّكنولوجيا. وعلى صعيد التّواصل الشّخصيّ، تتيح هذه التّظاهرة الدّوليّة لقاءاتٍ مباشرةً بين المستثمرين وروّاد الأعمال، فتتولّد فرص تعاونٍ وشراكاتٍ قد تسفر عن ضخّ استثماراتٍ نوعيّةٍ في المشروعات المحليّة. كما تخلق القمّة فضاءاتٍ للنّقاش والتّعلّم المتبادل، فيتعرّف الرّياديّون القطريّون على الخبرات العالميّة، بينما يكتشف ضيوف المؤتمرات الفرص الفريدة المتاحة في السّوق القطريّة.  

ولعلّ استضافة قطر لهذا الملتقى العالميّ في ذاته تلقي الضّوء على جهودها في تعزيز بيئة التّقنيّة وريادة الأعمال في البلاد. فالحدث ينعقد بناءً على شراكةٍ ممتدّةٍ لخمس سنواتٍ مع الجهات المعنيّة في الدّولة. ويبدو أنّ ذلك قد أثمر أثراً ملموساً: فخلال مؤتمرٍ صحفيٍّ في قمّة الويب قطر 2025، لفت بادي كوزغريف، مؤسّس قمّة الويب ورئيسها التّنفيذيّ، إلى أنّ من بين 1,520 شركةٍ ناشئةٍ حضرت الفعاليّة هذا العام، تبيّن أنّ 228 منها مسجّلةٌ في قطر، بزيادةٍ نسبتها 140% عن العام الفائت.  

وراء هذه الأرقام قصصٌ متنوّعةٌ لشركاتٍ ناشئةٍ تؤمن بأنّ قطر مكانٌ ملائمٌ لتجريب النّماذج الأوليّة والتوسّع اللاحق. وفضلاً عن ذلك، تُشير هذه الزيادة الملحوظة في عدد الشّركات القطريّة إلى نموّ الثّقة بأنّ تبنّي التكنولوجيا والابتكار بات أكثر سلاسةً. فالجهات الدّاعمة لهذه الشّركات، بما في ذلك المؤسّسات الماليّة والهيئات الرّسميّة، باتت ترى في نجاحٍ مثل سنونو وسكاي ستراكت مثالاً يحتذى به، ما يشجّعها على اغتنام مزيدٍ من الفرص المرتبطة بقطاعاتٍ مثل التجارة الإلكترونيّة والخدمات الذّكية والصّناعة الإبداعيّة.  

كيف تبني قطر بيئةً مثاليّةً لاحتضان الشركات الناشئة؟

بادي كوزغريف، مؤسّس قمّة الويب ورئيسها التّنفيذيّ

وفي الكلمة الافتتاحيّة لقمّة الويب 2025، قال كوزغريف: "ليست قطر بوّابةً فقط إلى الشّرق الأوسط، بل إلى العالم كلّه. ولكن هل تملك قطر حقّاً مقوّماتٍ كافيةً لتغدو قوّةً صاعدةً في ميدان الشّركات النّاشئة؟ وهل تعدّ سوقٌ صغيرةٌ نقطة بدءٍ مواتيةً لمن يريد أن يصل إلى نجاحٍ واسعٍ؟ أصحاب الشّركات الّذين راهنوا على قطر يجيبون: نعم.  

قد تبدو عبارة "البوّابة إلى العالم" طموحةً للبعض، لكنّها مبنيّةٌ على معطياتٍ واقعيّةٍ منها الموقع الاستراتيجيّ للدّوحة، وتطوّر خطوط الملاحة الجوّية عبر الخطوط القطريّة، ما يمنح روّاد الأعمال وصولاً سهلاً إلى أسواقٍ إقليميّةٍ ودوليّة. إضافةً إلى ذلك، فإنّ تركيز الدّولة على الشّراكات العالميّة في مجال الرّيادة والتكنولوجيا، كما هو الحال مع قمّة الويب، يعزّز مكانتها كمحطّةٍ موثوقةٍ لمَن يسعى للتواصل مع الخبراء والمستثمرين والمستخدمين على حدّ سواء. وقد بدأنا نشهد قصص نجاحٍ ملموسةٍ تشجّع غيرها على أن تحذو الحذو ذاته.  

إن استطعت أن تنجح هنا، فستنجح في كلّ مكان  

فلتنظروا إلى سنونو (Snoonu) كمثال، الشّركة النّاشئة القطريّة في المجال التّقنيّ، وقد أسّسها حمد الحجري عام 2019. فهذه النّبعة المحلّيّة أصبحت تتطوّر بخطواتٍ ثابتةٍ منذ إطلاقها، وتقدّم حاليّاً 11 خدمةً متنوّعةٍ، كالتّسوّق الإلكترونيّ وتوصيل الطّعام والبقالة وغيرها، في تطبيقٍ تسمّيه "التّطبيق الشّامل الثّوريّ".  

تُظهِر تجربة سنونو أنّ الابتكار قد ينبع من احتياجاتٍ محليّةٍ محدّدة؛ فالمستهلك القطريّ، كغيره من عملاء الشّرق الأوسط، ينشد سلاسةً في التّسوق والتّوصيل. ومع تطوّر جودة الحياة في الدّوحة، بات المواطنون والمقيمون أكثر انفتاحاً على حلولٍ رقميّةٍ تجعل تجربتهم اليوميّة أكثر راحة. وفي الوقت ذاته، لا تتوانى سنونو عن تطوير خدماتٍ جديدةٍ تلائم نمط الحياة العصريّ في قطر، سواءٌ عبر التّعاون مع متاجر البقالة المتميّزة، أو عقد شراكاتٍ مع قطاعات المطاعم والتّرفيه. ومع كلّ خدمةٍ جديدةٍ تضيفها الشّركة، تصبح أفضل تجهيزاً لاختبار الأسواق الأكبر في المنطقة.  

وبوصفها أوّل شركةٍ ناشئةٍ قطريّةٍ تحصل على تمويل الفئة ب (وهو استثمارٌ قدره 12 مليون دولارٍ أميركيٍّ عام 2023، بقيادة بنك التّنمية القطريّ Qatar Development Bank، أحد كبريات المؤسّسات الماليّة في البلاد)، رسّخت سنوونو مكانتها لتكون من أبرز نماذج النّجاح الرّياديّ في قطر. ومع ذلك، لا تستكين الشّركة إلى ما بلغته؛ بل تطمح بوضوحٍ إلى أن تكون أوّل "يونيكورن" قطريّ، أي شركةً ناشئةً تصل قيمتها إلى مليار دولارٍ فما فوق.  

فربّما تبدو قطر في عين بعض المتابعين أقلّ حظّاً للتّخرّج منها عملاقٌ تقنيٌّ بقيمة مليارٍ، لكنّ عبد العزيز القحطاني، المدير العامّ لقسم الفعّاليّات الّذي أطلقته سنونو حديثاً، ويدعى إس سيتي (S City)، يرى في النّهوض بالشّركات النّاشئة في قطر دروساً تجعل هذا البلد منصّةً مثاليّةً لاكتساب خبرةٍ صلبةٍ، وحدّاً فارقاً يمهّد للنّجاح في سائر أرجاء المنطقة.  

يقول القحطاني لمجلّة "عربية .Inc" خلال قمّة الويب قطر 2025: "أن تكون شركةً ناشئةً في قطر ليس سهلاً. ففي بلدانٍ صغيرةٍ مثل قطر، تجد الشّركات النّاشئة تحدّياً في توسيع أعمالها أو استهداف أعدادٍ ضخمةٍ من العملاء. ربّما لن يكون النّموّ يسيراً هنا، غير أنّني على ثقةٍ بأنّ من ينجح في قطر سيكون بوسعه القدرة على السّيطرة في أيّ سوقٍ في العالم".  

كيف تبني قطر بيئةً مثاليّةً لاحتضان الشركات الناشئة؟

عبد العزيز القحطاني، المدير العامّ لـ S City

ويعكس هذا اليقين خطى سنوونو نفسها؛ فبعد انطلاقها منصّةً للتّوصيل، باتت الآن، وكما يصفها القحطاني، "تطبيقاً متعدّد الوظائف"، ينازل بجرأةٍ كبار الأسماء في هذا المضمار على الصّعيدين الإقليميّ والدّوليّ. (ولم يتحرّج القحطاني عن القول: "نحن من يهدّد الآخرين؛ ولسنا من يتعرّض للتّهديد!").  

وفي الوقت عينه، غيّرت سنونو آليّات الاستثمار داخل قطر؛ إذ شجّع نجاحها المعنيّين بهذا المجال على المراهنة في شركاتٍ ناشئةٍ أخرى تطمح إلى الحذو حذوها. يضيف القحطاني: "نحن نقلب العقليّة هنا في قطر؛ نغيّر رؤية المستثمرين ومكاتب العائلات... نعلّم الجميع ما هي الشّركة النّاشئة ومفهومها، والحمد لله، أصبحنا اليوم أنموذجاً مرجعيّاً، والنّاس يدرسون تجربتنا باهتمامٍ شديد".  

أحلام "اليونيكورن"  

ليست الأحلام الجريئة حكراً على سنوونو؛ فرياديّون آخرون يشرعون في طموحاتٍ كبيرة. من بينهم إرشاد جليل، المؤسّس المشارك والرّئيس التّنفيذيّ لشركة "سكاي ستراكت" (SkyStruct)، الّذي قال لـ "عربية .Inc": "سنكون اليونيكورن التّالي في مجال الإنشاءات!".  

ولم يأت ذلك بلا رصيد؛ ف"سكاي ستراكت"، وهي تقدّم حلول إدارة مشاريع البناء جرت بناؤها وتطويرها في قطر، تشهد تقدّماً ملحوظاً منذ تأسيسها عام 2020 على يد جليلٍ، بالتّعاون مع عبد العزيز السّبيعي (رئيس مجلس الإدارة) وفيشال نالاواد (المسؤول التّقنيّ الأوّل).  

فبعدما ولدت في واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا (Qatar Science and Technology Park)، وهي الحاضنة الأساسيّة لتطوير التّقنيّة والبحوث والابتكار وريادة الأعمال في الدّولة، تعزّزت مكانة "سكاي ستراكت" بمشاركتها في برنامجٍ تسريعيٍّ يديره بنك التّنمية القطريّ، لتصبح أحد الأسماء القويّة في مجال "تكنولوجيا البناء (ConTech)". وبحسب مؤسّسيها، ها هي الآن تتولّى إدارة مشاريع إنشائيّةٍ تزيد قيمتها على 140 مليون ريالٍ قطريّ (نحو 38.5 مليون دولارٍ أميركي).  

وفيما يستعرض جليل مسار "سكاي ستراكت" حتّى اللّحظة، يؤكّد على أنّ قطر تعدّ الآن منصّةً تجريبيّةً مثاليّةً لأيّ شركةٍ ناشئةٍ تريد دخول سوق الخليج. يقول: "أتاحت لنا قطر مرحلةً تجريبيّةً ممتازة؛ فمن وجهة نظرنا كشركةٍ ناشئة، كان خياراً رائعاً أن نجد حاضنةً تستوعب الفكرة ونطوّرها، ونحظى بتمويلٍ أوّليٍّ، ثمّ نتلقّى دعماً من كياناتٍ مثل بنك التّنمية القطريّ وواحة العلوم والتكنولوجيا للتّعاون مع شركاتٍ أخرى، والتّواصل مع عملاءٍ أوّليّين... وبمجرّد ما نثبت نجاح منتجنا بما يمكّن توسيعه، يصبح بوسعنا الانتقال إلى الإمارات أو السّعوديّة، حيث سيكون التّركيز أكثر على بناء الأعمال لا على التّجربة".  

أمّا السّبيعي، فيرى في حكاية "سكاي ستراكت" دليلاً على قدر ما باتت بيئة الرّيادة في قطر ملائمةً. يقول: "هناك زمنٌ مضى كانت فيه إجراءات تأسيس شركةٍ ناشئةٍ في قطر وإدارتها وتأمين تمويلٍ لها أمراً فيه مشقّة. لكنّ الآن تغيّر الاهتمام في قطر، أصبحت تركّز أكثر على الشّركات النّاشئة... صار هناك تمويلٌ أوسع من أيّ وقتٍ مضى، وخياراتٌ أكبر لتفتح الشّركة مكتباً وتعمل هنا... ناهيك عن التّوجّه المشترك في الدّولة نحو رقمنة شتّى الصّناعات... كلّ ذلك يجعل قطر مكاناً مثاليّاً لمن يريد إطلاق شركةٍ ناشئة، خصوصاً في المجال التّقنيّ".  

وعن خطط "سكاي ستراكت" نفسها، يبوح جليلٌ برؤيةٍ صريحةٍ للمستقبل فيقول: "هدفنا القريب الآن هو تحقيق توافقٍ بين المنتج والسّوق، ثمّ جمع التّمويل اللّازم، والتّوسّع بعد ذلك إلى سوقين جديدتين. أمّا هدفنا البعيد، فهو تحويل قطاع العقارات بأكمله إلى نظامٍ رقميّ عبر منصّتنا".  

معملٌ للابتكار  

فيما يختصّ بالمؤسّسات الّتي تؤمن كلّ الإيمان بمستقبل قطر في أوساط الرّيادة والتّقنيّة، يبرز اسم "استثمر قطر" (Invest Qatar)، الوكالة القطريّة لترويج الاستثمار. ذلك أنّ جزءاً مهمّاً من مهمّتها هو تسهيل الاستثمارات الكفيلة بتعزيز تنويع الاقتصاد القطريّ وتطويره. وكما يفسّر عبد الله العمادي، المسؤول عن علاقات الاستثمار في هذه الوكالة، فإنّ استقطاب الشّركات النّاشئة يعدّ وجهاً بارزاً من ذلك الدّور.  

على سبيل المثال، أشار العمادي إلى ما قدّمه "استثمر قطر" خلال نسخة 2024 من قمّة الويب قطر، حيث أطلق مبادرةً سمّيت "ابدأ من قطر" (Startup Qatar) لتمكين رياديّي الأعمال في البلاد. وتعدّ تلك المبادرة بمثابة منصّةٍ شاملةٍ تهتمّ بتلبية مختلف احتياجات الشّركات النّاشئة الّتي تعمل في قطر، أو تنوي الدّخول إليها، فهي تقدّم المعلومات والإرشاد والفرص التّمويلية، وتفتح المجال أمام روّاد الأعمال لتنمية مشاريعهم.  

يقول العمادي موضّحاً: "تستهدف "ابدأ من قطر" مرحلتين من الشّركات النّاشئة: مرحلة الفكرة ومرحلة النّمو. ففي حال كون الشّركة في مرحلة الفكرة، نقدّم لها تمويلاً يصل إلى 500 ألف دولارٍ أميركيّ، مع برامج تطويرٍ وتوجيه. أمّا من هي في مرحلة التّوسّع، فيمكنها الحصول على تمويلٍ يصل إلى 5 ملايين دولار. ومنذ العام الماضي، تلقّينا 2,400 طلباً، وقمنا باختيار 15 شركةً للاستثمار فيها بقيمةٍ جمليّةٍ بلغت 18 مليون دولار".  

ولقد تجلّت فاعليّة قطر بوصفها قاعدةً للشّركات النّاشئة في الخليج، في كون طلبات الانضمام إلى مبادرة "ابدأ من قطر" أتت من كلّ أنحاء العالم، من الولايات المتّحدة وبريطانيا وكندا وتركيّا والهند، على سبيل المثال. ومع ذلك، فقد أشار العمادي إلى أنّ المقارنات المباشرة بين قطر وغيرها من الدّول في المنطقة لن تكون ذي جدوى بالغة، فيقول: "كلّ دولةٍ في هذه الرّقعة الجغرافيّة، سواءٌ كانت الإمارات، أم السّعودية، أم قطر، تمتلك ميزاتٍ مختلفةً في ميدانها. نحن لا ننظر إلى جيراننا بوصفهم منافسين، بل نكمّل بعضنا. وأيّ رفدٍ يصل إلى المنطقة ستنتفع منه كلّ الدّول القريبة".  

على الرّغم من ذلك، يوافق العمادي ما ذهب إليه الآخرون من أنّ لقطر ميزاتٍ بارزةً كسوقٍ مقارنةً بالبلدان الأخرى. يضيف قائلاً: "قد يعتقد بعض النّاس أنّ صغر السّوق في قطر قد يضرّ بحظوظ الشّركات هنا، إذ لا تقارن بأسواقٍ أكبر في المنطقة. غير أنّني أراه عاملاً إيجابيّاً للشّركات النّاشئة؛ فهم يستطيعون اتّخاذ قطر كحقلٍ تجريبيٍّ يطلقون فيه منتجاتهم، فإن نجحت، يصيرون إلى توسيع نطاق خدماتهم في أفق دول المنطقة الأخرى كالـسّعوديّة والإمارات والبحرين، بل والكويت أيضاً".  

ويستطرد: "أضيف أيضاً أنّ السّوق القطريّة لم تصل بعد إلى مستوى التّشبّع، فهي ما زالت فتيّة. ولذلك، من يبتغي الإسهام في صياغة هذه المنظومة، ويرغب في أن يكون أوّل من يقتحمها، سيجد في قطر وجهةً مرجوّة. فأدعو كلّ من يرغب في استكشاف السّوق القطريّة إلى التّواصل مع "استثمر قطر"، وسنقدّم له الدّعم والإرشاد طوال رحلته الاستثماريّة".  

وهكذا تبسط قطر سجادها الأحمر في وجه رياديّي الأعمال، وعلى حدّ تعبير جليل من "سكاي ستراكت"، "لم يسبق لنا وقتٌ أفضل للانطلاق مثل الآن". أمّا بالنّسبة للدّولة ذاتها، فربّما ترسخ صدق صفاتها سوقاً تجريبيّةً مثاليّةً عندما تنجح في إبراز أوّل "يونيكورن" تنبع من أرضها.  

ولئن صدق حديث عبد العزيز القحطاني من سنونو، فإنّ ذلك سيحدث أسرع ممّا يتوقّعه البعض، وسيثبت في الوقت ذاته صحّة تصوّره حول إمكانات قطر. إذ قال بلهجةٍ واثقة: "سنقود الشّرق الأوسط؛ هي مسألة وقتٍ لا أكثر. لا أحد يقدر على منافستنا". وهكذا، يمكننا القول إنّ السّباق بدأ.  

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في عدد مارس من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد كاملاً عبر الإنترنت، يُرجى النقر هنا.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: