الرئيسية الريادة من الحلم إلى الانهيار: لماذا تفشل الشركات الناشئة؟

من الحلم إلى الانهيار: لماذا تفشل الشركات الناشئة؟

لكلّ بدايةٍ متعثّرةٍ فرصةٌ جديدةٌ للنّجاح، تعرّف على الدّروس التي تنقذ مشروعك النّاشئ وتمنحك دفعةً قويّةً نحو مستقبلٍ رياديٍّ واعدٍ

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يُمثّل فشل الشركات الناشئة ظاهرةً شائعةً في عالم ريادة الأعمال الحديث، إذ تُشير الإحصائيات العالمية إلى أنَّ نحو 90% من الشركات الناشئة تُلقى مصير الفشل على المدى البعيد. بعبارةٍ أُخرى، فإنَّ واحدةً فقط تقريباً من كلّ عشر شركاتٍ ناشئةٍ تنجح في الاستمرار والعمل على المدى الطّويل. هذا الواقع يُسلّط الضّوء على مدى صعوبة تأسيس شركةٍ ناشئةٍ ناجحةٍ والحاجة المُلحّة لفهم أسباب الفشل لتفاديها قدر الإمكان. [1]

معدلات الفشل خلال السنوات الأولى

تُظهِر الدراسات أنَّ معدل الإخفاق يكون مرتفعاً خصوصاً في السّنوات الأولى من عمر الشّركة. على سبيل المثال، تُقول البيانات إنَّ حوالي 20% من الشركات الناشئة تفشل خلال عامها الأول، ويرتفع معدّل الفشل إلى نحو 50% بحلول السّنة الخامسة من عمر المشروع. وبحلول السّنة العاشرة، لا يصمد سوى حوالي 10% من الشركات الناشئة بينما تكون البقية قد أغلقت أبوابها. [2]

تعني هذه الأرقام أنَّ غالبية الشركات الجديدة تواجه مصير الإغلاق في غضون سنواتٍ قليلةٍ من إطلاقها، ممّا يجعل فهم الأسباب الكامنة وراء الفشل أمراً ضروريّاً لكلّ رائد أعمالٍ طموحٍ يسعى لتجنّب هذه المصائر.

حجم ظاهرة فشل الشركات الناشئة: أرقام تتحدث

قد تبدو الأرقام مخيفةً في البداية، لكنّها تعكس واقعاً لا يمكن تجاهله؛ فبحسب إحصاءات "منصة سي بي إنسايتس" (منصة CB Insights) الشّهيرة، والّتي تعتمد على تحليلاتٍ واقعيّةٍ لمصير آلاف الشركات الناشئة حول العالم، تظهر الصّورة التالية: [3]

  • 90% من الشركات الناشئة تفشل في النّهاية، ويحدُث 10% من هذه الإخفاقات في السّنة الأولى.
  • نحو 20% من الشركات الناشئة تفشل خلال أوّل سنةٍ من التّشغيل.
  • تُغلَق نصف الشركات الناشئة تقريباً  أبوابها بحلول العام الخامس.
  • بعد عشر سنوات من التّأسيس، لا تبقى إلا حوالي 10% من الشّركات تعمل بنجاحٍ.

هذه الأرقام ليست مجرّد إحصاءاتٍ، بل تعكس واقعاً يعيشه يوميّاً الآلاف من رواد الأعمال، خصوصاً في منطقة الخليج حيث بات مشهد الشركات الناشئة أكثر تنافسيّةً وتنوّعاً من أيّ وقتٍ مضى. ورغم الدّعم الحكوميّ، وبرامج التّمويل، وتوسّع حاضنات الأعمال، إلّا أنَّ معدّلات الفشل في الخليج ما تزال متقاربةً مع المعدّلات العالميّة، بحسب مصادر، مثل: "منصة أوتوبسي" (منصة Autopsy) المُتخصّصة في تحليل إخفاقات المشاريع بالمنطقة.

أبرز أسباب فشل الشركات الناشئة عالمياً

للإجابة عن سؤال: "لماذا تفشل الشركات الناشئة على المستوى العالمي؟" حلّلت مؤسَّساتٌ بحثيَّةٌ مئات الحالات لمشاريع ناشئةٍ فشلت، ومن أبرزها شركة الأبحاث سي بي إنسايتس الّتي حلَّلت بيانات ما يزيد عن 100 حالة فشلٍ لشركات ناشئة، خلُصت تلك التَّحليلات إلى تحديد قائمةٍ بأهمّ الأسباب الجوهريَّة الّتي تؤدّي لانهيار الشركات الناشئة وفشلها، مع تقدير نسبة انتشار كلّ سببٍ بين الحالات التي دُرِست. وفيما يلي أهم الأسباب الشَّائعة لفشل الشركات الناشئة عالميّاً وفق أحدث بيانات سي بي إنسايتس (مرتَّبةً تقريباً حسب مدى شيوعها): [3]

غياب حاجة السوق: انعدام التَّوافق مع السوق

يُعتبر السّبب رقم واحدٍ للفشل، حيث 42% من الشركات الناشئة الفاشلة لم يكن منتجها يُلبّي حاجةً حقيقيَّةً في السّوق المُستهدَف، إذاً إطلاق منتجٍ أو خدمةٍ من دون حلّ مشكلةٍ ملموسةٍ أو تلبية طلبٍ موجودٍ يُؤدّي إلى غياب العملاء وصعوبة تحقيق الإيرادات اللّازمة لاستمرار الشّركة.

نفاد الأموال: سوء الإدارة الماليَّة

تفشل حوالي 29% من الشركات الناشئة بسبب نفاد رأس المال أو التَّمويل التَّشغيلي قبل أن تتمكَّن من تحقيق تدفّقاتٍ نقديَّةٍ إيجابيَّةٍ، ويعود ذلك غالباً إلى ضعف التَّخطيط الماليّ أو الإفراط في الإنفاق وعدم ضبط التَّكاليف، ممّا يترك الشّركة من دون موارد كافيةٍ للاستمرار والنّموّ.

الفريق غير المناسب

يُعزى فشل 23% من الشركات الناشئة إلى افتقارها لفريق عملٍ يمتلك المهارات والخبرات والرّؤية المطلوبة للنَّجاح، فالفريق المؤسِّس وفريق العمل يلعبان دوراً حاسماً في نجاح أيّ شركةٍ، إذ يمكن أن يُؤدّي عدم وجود فريقٍ متكاملٍ متناغمٍ  إلى قراراتٍ خاطئةٍ وتنفيذٍ ضعيفٍ وعدم قدرةٍ على مواجهة تحدّيات السّوق.

المنافسة الشرسة

تُشير البيانات إلى أنَّ 19% من الشركات الناشئة أخفقت؛ لأنّها لم تستطع مُجاراة المنافسين في السّوق، إذ إنّ تفوّق المنافسين -سواء من حيث جودة المنتج أو السّعر أو الانتشار- قد يُؤدّي سريعاً إلى فقدان الشَّركة النَّاشئة لحصَّتها السوقيَّة وعملائها، خصوصاً إذا كانت تدخل سوقاً مزدحمةً بلا ميّزاتٍ تنافسيَّةٍ فارقةٍ.

مشكلات التسعير والتكاليف

فشلت حوالي 18% من الشركات الناشئة نتيجة أخطاءٍ في استراتيجيَّة التّسعير أو سوء إدارةٍ للتّكاليف؛ تسعير المنتج أعلى أو أقل من اللّازم، أو ارتفاع الكلفة التّشغيليَّة بشكلٍ يمنع تحقيق هوامش ربحٍ معقولةً، كلّها عواملٌ قد تستنزف موارد الشَّركة وتثني العملاء عن تبنّي المنتج.

منتج ضعيف أو تجربة مستخدم سيئة

أفادت 17% من الشركات الناشئة أنَّ فشلها كان مرجعه تقديمُ منتجٍ ضعيف الجودة أو غير ملائمٍ لاحتياجات العملاء؛ فالمنتج الّذي لا يحلّ مشكلة المستخدم بفاعليَّةٍ، أو يُعاني من عيوبٍ تقنيَّةٍ وتصميميَّةٍ ونقصٍ في القيمة المُضافة، لن يتمكَّن من الاحتفاظ بالعملاء أو جذب المزيد منهم في سوقٍ تنافسيٍّ.

تجاهل آراء العملاء

حوالي 14% من روَّاد الأعمال أرجعوا فشل شركاتهم إلى عدم الإصغاء الجيّد للعملاء وعدم التّكيُّف مع ملاحظاتهم ومتطلباتهم، تذكَّر أنَّ تجاهل ردود فعل المستخدمين -سواء تجاه المنتج نفسه أو استراتيجيَّات التّسويق وخدمة العملاء- يُؤدّي إلى الاستمرار في مسارٍ لا يُلبّي رغبات السّوق، وبالتّالي فقدان الفرص لتحسين المنتج أو الخدمة قبل فوات الأوان.

ضعف التسويق

سببٌ آخر تكرَّر في 14% من حالات الفشل هو القصور في الجهود التّسويقيَّة، حتّى مع وجود منتجٍ جيِّدٍ يُلبّي حاجة العملاء، قد تفشل الشَّركة في الوصول إلى جمهورها المُستهدف أو إيصال قيمة منتجها لهم بسبب خطّةٍ تسويقٍ سيئةٍ أو موارد غير كافيةٍ مُخصَّصةٍ للتّسويق. إذ إنّ التّسويق الضّعيف يعني قلَّة الظّهور في السّوق وانخفاض معدَّل اكتساب العملاء الجدد، ممّا يُعجَّل بنهاية المشروع. بالإضافة إلى الأسباب الرَّئيسة أعلاه، هناك عواملُ أُخرى أقلُّ شيوعاً لكنَّها تُسهِم أحياناً في فشل الشركات الناشئة. ومن هذه العوامل:

  • إطلاقُ المنتج في توقيتٍ غير مناسبٍ، مثالٌ ذلك: دخولُ سوقٍ ما قبل نضوجه أو بعد تشبُّعه.
  • فقدانُ التَّركيز والانشغال في أهدافٍ جانبيَّةٍ على حساب الهدف الأساسيّ.
  • الخلافات الدَّاخليَّة بين المؤسّسين أو مع المستثمرين وما ينتُج عنها من انعدام التَّوافق داخل الشَّركة.

ورغم أنَّ هذه العوامل وغيرها قد ذُكِرَت في حالاتٍ فعليَّةٍ لفشلِ شركاتٍ ناشئةٍ، إلَّا أنَّ نسبة انتشارها تأتي أقلَّ بكثيرٍ -عادةً أقلّ من 10% لكلّ عاملٍ- مقارنةً بالأسباب الجوهريَّة المذكورة سابقاً.

الشركات الناشئة في الخليج العربي: تحديات وأسباب محلية

ترتبط أسباب الفشل في منطقة الخليج العربي إلى حدٍّ كبيرٍ بما يجري عالميّاً، لكنّها تتأثّر أيضاً بخصوصيّة البيئة المحليّة اقتصاديّاً وثقافيّاً، إذ شهدت دول الخليج في السّنوات الأخيرة نموّاً متسارعاً في بيئة ريادة الأعمال وظهور قصص نجاحٍ بارزةٍ، إلّا أنّ كثيراً من الشركات الناشئة الخليجيّة لا تزال تصطدم بالتّحديات نفسها التي تواجه قريناتها حول العالم.

تُشير البيانات الإقليميّة إلى أنّ معظم أسباب فشل الشركات الناشئة في الخليج والشرق الأوسط تتوافق مع الاتّجاهات العالميّة، مع اختلافٍ طفيفٍ في ترتيب الأولويّات والنّسب. على سبيل المثال، في دراسةٍ حديثةٍ أجرتها منصة أوتوبسي وشملت أكثر من 60 شركةً ناشئةً فاشلةً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (بينها شركات خليجيّة)، تبيَّن أنّ عدم وجود حاجةٍ في السّوق تَصدَّر قائمة الأسباب بنسبة حوالي 27.3% من الحالات المدروسة.

وجاء في المرتبة التّالية سببان متساويان بانتشار 13.6% لكلٍّ منهما، هما: شدّة المنافسة من جهةٍ، وضعف فريق العمل من جهةٍ أخرى، كما أُشيرَ إلى أسبابٍ مهمّةٍ أخرى شملت ضعف التّسويق والتّحديّات القانونيّة وقلّة الوعي بطبيعة السّوق المحليّة، وبلغت نسبة كلٍّ منها نحو 9.1% من الحالات. وتعكس هذه النّتائج الإقليميّة أنّ ملاءمة المنتج للسّوق المحليّة تبقى عاملاً حاسماً في نجاح أو فشل الشّركة النّاشئة، إلى جانب جودة الفريق والقدرة على المنافسة، حتّى ضمن السّياق الخليجيّ.

على الصّعيد الثّقافيّ والاجتماعيّ يُلفَت إلى أنّ نظرة المجتمع للفشل قد تؤثّر على مسار رائد الأعمال الخليجيّ، إذ يقول رائد الأعمال والمستثمر المقيم في دبي بي. كاي. غولاتي بهذا الصّدد: "حين يصبح النّاس روّاد أعمالٍ، فهم تقريباً يدرّبون أنفسهم على عدم وضع الفشل في حساباتهم... في العالم الواقعيّ -مهما عملنا جاهدين فإنّ الفشل دائماً واردٌ- وحين يحصل ذلك يكون رائد الأعمال غير مستعدٍّ فيفشل بقوّةٍ، وهناك ثمنٌ شخصيٌّ كبيرٌ جدّاً، فغالباً ما يُحرَق رائد الأعمال إلى درجة أنّه يتوقف عن اعتبار ريادة الأعمال الخيار المناسب لمسيرته المهنيّة".

تعكس هذه النّظرة واقعاً مفاده أنّ الخوف من الفشل قد يدفع بعض المؤسّسين في المنطقة إلى تجنّب الاعتراف بالمشكلات مبكّراً أو تأجيل اتّخاذ قرار إيقاف المشروع حتّى بعد فوات الأوان، وذلك خشيةً وصمة الفشل الاجتماعيّ، ممّا قد يؤدّي إلى ما يُسمّى الشّركات الزّومبي الّتي تستمرّ بالعمل شكليّاً وهي فعليّاً ميتةٌ سريريّاً.

تحديات شائعة!

من جهةٍ أخرى، يشير روّاد الأعمال الخليجيون إلى تحدٍّ شائعٍ يتمثّل في استنساخ نماذج أعمال ناجحةٍ من أسواقٍ أجنبيّةٍ دون مراعاة خصوصيّة السّوق المحليّ. فتقول مريم مزراعي، مؤسّسة منصة أوتوبسي، في هذا السّياق: "يوجد اتّجاهٌ لنسخ نماذج أعمالٍ لشركاتٍ ناجحةٍ في أوروبا والولايات المتّحدة لإرضاء أذواق الجمهور الشّرق أوسطيّ، غير أنّ هذه النّماذج النّاجحة لن تنجح بالضّرورة في أماكن أخرى، ومن هنا يأتي غياب الحاجة في السّوق كسببٍ أشارت إليه أغلبيّة الشّركات النّاشئة لفشلها" [4] 

يوضّح هذا التّصريح أنّ محاولة تطبيق نموذجٍ أجنبيٍّ في البيئة الخليجيّة بحذافيره قد لا يُكتب لها النّجاح ما لم يتم تكييفه ليلائم احتياجات العملاء المحليّين وظروف السّوق في المنطقة؛ فالابتكار المحليّ وفهم الفجوات الخاصّة بالسّوق الخليجيّ قد يكونان مفتاحاً لتجنّب الوقوع في فخ توفير منتجٍ لا يطلبه أحدٌ.

أمّا على صعيد فريق العمل، فلا تقل أهميّته عن الفكرة الملائمة للسّوق في تحديد مصير الشّركة النّاشئة. إذ يوضّح رائد الأعمال تشينغير لي -وهو مؤسّس شركة Labit الّتي أغلقت أبوابها- هذه الفكرة بقوله: "اختر أفراد فريقك بعنايةٍ؛ فحتى لو كان المرشّح للعمل مهندساً عبقريّاً، سوف يخذل الشّركة إن لم يكن يتمتّع بالأمانة والنّزاهة.

تنبع هذه النّصيحة من تجربةٍ واقعيّةٍ وتؤكّد أنّ قيم الفريق وكفاءته قد تكون الفارق بين شركةٍ تتجاوز العقبات وأخرى تتعثّر عند أوّل منعطفٍ؛ فالمؤسّس الّذي يختار أعضاء فريقه بناءً على الثّقة والانسجام إلى جانب المهارة، تزيد فرصه في بناء ثقافة عملٍ إيجابيّةٍ قادرةٍ على الصّمود أمام تحديّات النّمو.

كيف تتجنب فشل شركتك الناشئة؟

رغم ارتفاع معدّلات الفشل، لا يعني ذلك حتميّة إخفاق كلّ شركة ناشئة جديدةٍ، بل على العكس، يُمكن زيادة فرص النّجاح وتجنّب كثيرٍ من الأخطاء الشّائعة عبر اتّباع بعض الإرشادات المستقاة من حالات فشلٍ سابقةٍ وتجارب الخبراء:

  • دراسة السّوق بدقّةٍ، والتّأكّد من وجود حاجةٍ فعليّةٍ للمنتج قبل استثمار الموارد فيه.
  • بناء فريقٍ متكاملٍ ومتجانسٍ يمتلك المهارات التّقنيّة والإداريّة والتّجاريّة اللّازمة، مع توزيعٍ واضحٍ للأدوار والمسؤوليّات، فالفريق القويّ قادرٌ على إيجاد الحلول الابتكاريّة وتخطّي العقبات الصّعبة.
  • وضع خطةٍ ماليّةٍ مُحكمةٍ وإدارة السّيولة بحكمةٍ، مع مراقبةٍ مستمرّةٍ للتّدفّقات النّقديّة وضبط النّفقات لضمان عدم نفاد التّمويل بشكلٍ مفاجئٍ، ومن الضّروري أيضاً تنويع مصادر التّمويل والاستعداد لمواجهة فترات الرّكود.
  • التّركيز على العميل والتّسويق الفعّال، وذلك من خلال جعل رضا العملاء أولويّةً من خلال الاستماع لملاحظاتهم وتعديل المنتج وفقاً لاحتياجاتهم المتغيّرة، مع استخدام استراتيجيّاتٍ تسويقيّةٍ مبتكرةٍ للوصول إلى الشّريحة المُستهدفة وبناء قاعدة عملاء مُخلصين.

نحو ثقافة صحية: كيف نحوّل الفشل إلى رأس مال معرفي؟

في مشهد ريادة الأعمال الحديث، لم يعد الفشل نهاية الطّريق بل تحوّل إلى رأس مالٍ معرفيٍّ مهمّ لكلّ رائد أعمالٍ أو شركةٍ ناشئةٍ تسعى للاستدامة. لذلك، من الضّروري أن تتبنّى الشّركات النّاشئة وأصحاب القرار في الخليج ثقافةً صحيّةً تقبل الفشل كجزءٍ طبيعيٍّ من عمليّة الابتكار والتّطوّر؛ فكلّ تجربةٍ فاشلةٍ -مهما كان حجمها- تحمل معها دروساً غير قابلةً للشّراء حول السّوق والعملاء والتّقنيات ونقاط الضّعف الدّاخليّة.

للحكومات، وحاضنات الأعمال، والمستثمرين، دورٌ محوريٌّ في خلق بيئةٍ تشجّع على مشاركة قصص الفشل وتدوينها كدروسٍ جماعيّةٍ، لا كوصمةٍ فرديّةٍ. كما على روّاد الأعمال أنفسهم أن يدركوا أنّ بناء منظومة تعلّمٍ مستدامةٍ يتطلّب الشّجاعة لتشخيص الأخطاء بسرعةٍ، والتّوثيق الشّفّاف للتّحديّات الّتي واجهوها، وتبادل المعرفة مع الآخرين لتقليل احتماليّة تكرار الأخطاء على مستوى المنظومة ككلٍّ.

ولعلّ السّاحة الخليجيّة والعربيّة تزخر بأمثلةٍ حقيقيّةٍ لرياديين بدأوا بمحطّات فشلٍ، لكنّهم استطاعوا تحويل الإخفاقات إلى قفزاتٍ نوعيّةٍ. على سبيل المثال، أُغلِقت منصة "وين وين" (winwin) -الإماراتيّة المتخصّصة في الخدمات الطّلابيّة- أبوابها بعد عامين من التّأسيس، إلّا أنّ مؤسّسيها استفادوا من التّجربة بتأسيس منصّةٍ جديدةٍ "فلاي مينت" (Flymint) في مجال الخدمات اللّوجستيّة، والّتي حصلت لاحقاً على تمويلٍ ملحوظٍ وأثبتت قدرتها على قراءة احتياجات السّوق بشكلٍ أفضل.

وفي السّعودية، يروي سلطان القحطاني -مؤّسس منصة "عقارماب" (AqarMap) الشّهيرة- أنّه أطلق في بداية مسيرته أكثر من مشروعٍ رقميٍّ لم يحقّق النّجاح، ولكن التّجارب المتراكمة هي الّتي منحته الفهم الحقيقيّ للسّوق العقاريّ واحتياجات المستخدمين، لينجح لاحقاً في بناء واحدةً من أبرز المنصّات العقاريّة في المنطقة.

أمّا عالميّاً، فهناك أمثلة لا تقلّ إلهاماً، مثل: تجربة بريان تشيسكي مؤسّس "إير بي إن بي" (Airbnb)، الّذي فشل في ثلاثة مشاريع قبل أن ينجح أخيراً في بناء شركته الّتي غيّرت مفهوم السّكن المؤقّت عالميّاً. وبذلك فقط تتحوّل كلّ تجربةٍ -حتّى تلك الّتي انتهت بالإغلاق إلى حجر أساسٍ يرفع فرص النّجاح في الجيل التّالي من المشاريع، ويخلق ثقافة ريادة أعمالٍ أكثر نضجاً وجرأةً في الخليج والعالم العربيّ.

في الختام، فشل الشركة النّاشئة لا ينبغي أن يُنظر إليه كنهاية المطاف، بل كفرصةٍ للتّعلّم وإعادة المحاولة بطريقةٍ أكثر ذكاءً؛ فروّاد الأعمال الّذين يستوعبون دروس الفشل ويطبّقون ما تعلّمونه في مشاريعهم الجديدة يزيدون من حظوظهم في تحقيق النّجاح في المرّة التالية. وكما تقول المقولة الشّهيرة: الفشل ليس عكس النّجاح، بل هو جزءٌ منه وخطوةٌ على طريق الوصول إليه. المهمّ هو الاستفادة من التّجارب الفاشلة والبناء عليها، فريادة الأعمال رحلةٌ طويلةٌ حافلةٌ بالتّجارب، والفشل فيها مجرّد محطةٍ مؤقّتةٍ وليست الوجهة النّهائيّة.

  • الأسئلة الشائعة

  1. لماذا تفشل معظم الشركات الناشئة؟
    تفشل معظم الشركات النّاشئة بسبب غياب حاجةٍ فعليّةٍ للمنتج في السّوق، أو نفاد رأس المال، أو وجود فريق عملٍ غير متجانسٍ. أيضاً، غياب خطّةٍ ماليّةٍ واضحةٍ وسوء التّسويق من الأسباب الأساسية.
  2. ما أكثر الأخطاء التي يقع فيها رواد الأعمال الجدد؟
    أبرز الأخطاء التي يقع فيها رواد الأعمال الجدد: بناء منتجٍ أو خدمةٍ قبل التّأكّد من حاجة العملاء، وضعف التّخطيط الماليّ، والإصرار على الفكرة رغم رفض السّوق، وتجاهل التّسويق وأهميّة بناء الفريق المناسب.
  3. هل البيئة الخليجية محفزة أم معرقلة لريادة الأعمال؟
    باتت البيئة الخليجيّة أكثر دعماً لريادة الأعمال مع برامج التّمويل والحاضنات، لكن لا تزال هناك تحديّاتٌ تتعلّق بالبنية التّنظيميّة وثقافة تقبّل الفشل والتّمويل المغامر.
  4. كيف أعرف أن فكرتي يحتاجها السوق؟
    أفضل طريقة لمعرفة مدى حاجة السّوق للمنتج أو الخدمة: التّحدث مع العملاء المستهدفين، وعرض منتجٍ أوليٍّ بسيطٍ واختبار ردّة الفعل قبل استثمار الوقت والمال.
  5. هل هناك علامات مبكرة تدل على أن الشركة ستفشل؟
    نعم هناك علامات مبكرة تدل على أن الشركة ستفشل. ومن أبرز العلامات: ضعف الإقبال على المنتج رغم المحاولات التّسويقيّة، والخلافات المتكرّرة بين المؤسّسين، ونفاد التّمويل بسرعةٍ، وتجاهل العملاء لملاحظاتك، وغياب مؤشّرات النّموّ في قاعدة العملاء.
  6. ما دور التسويق في بقاء الشركة الناشئة؟
    التسويق الجيّد هو ما يصنع الفرق بين منتجٍ ناجحٍ وآخر لا يسمع عنه أحد؛ فالتسويق الذكي المستمرّ، والمبنيّ على فهمٍ دقيقٍ للعملاء، ضروريٍّ لتثبيت مكانة الشّركة في السّوق.
  7. ما الفرق بين الفشل الصحي والفشل القاتل في ريادة الأعمال؟
    الفشل الصحي هو فشل مبكّرٌ يمكن التّعلّم منه قبل استنزاف الموارد، وغالباً ما يكون نتيجة تجربةٍ أو اختبارٍ للسّوق. أمّا الفشل القاتل، فيحدث عندما يتجاهل المؤسسون إشارات التّحذير ويستمرّون في مشروعٍ غير مجدٍ، ما يؤدّي إلى خسائر كبيرةٍ وقرارٍ متأخّرٍ بالإغلاق.
  8. متى يجب على رائد الأعمال إغلاق الشركة وعدم الإصرار على إنقاذها؟
    إذا استمرّ غياب الإقبال على المنتج رغم التّعديلات، واستُنزف التّمويل، أو واجه الفريق مشاكل جوهريّةٍ لا تُحلّ، فالإغلاق يصبح خياراً منطقيّاً؛ فالتّوقيت الصّحيح لإنهاء المشروع يوفّر الوقت والموارد لمحاولةٍ جديدةٍ أكثر نضجاً.
  9. هل الفشل في مشروع يعني أن رائد الأعمال غير ناجح؟
    أبداً. فشل المشروع لا ينعكس بالضّرورة على كفاءة رائد الأعمال؛ فكثيرون فشلوا أوّلاً ثم نجحوا لاحقاً لأنّهم تعلّموا من التّجربة. إذاً، الفشل مرحلةٌ من مراحل النّجاح، وليس نقيضاً له.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: