شركة Qadi الإماراتية تجمع تمويل ما قبل التأسيس مع خروجها من مرحلة التخفي
شركةٌ ناشئةٌ متخصّصةٌ في تكنولوجيا الامتثال تنظّم جولة تمويلٍ أولى بعد فترة إطلاق غير مُعلن، استعداداً لتوسيع منصتها القائمة على وكلاء ذكاء اصطناعي للمنطقة
هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
أغلقت شركة "قاضي" (Qadi)، وهي شركةٌ ناشئةٌ إماراتيّةٌ متخصّصةٌ في تكنولوجيا الامتثال التنظيمي، جولة تمويل ما قبل التأسيس بقيادة شركة الاستثمار الإماراتية "إنكبايت" (Incubayt)، وذلك في أول عملية جمع تمويل خارجي لها منذ انطلاقتها في مرحلة التخفي مطلع هذا العام.
تأسّست شركة قاضي في الإمارات عام 2025 على يد محمد الشريف، وهي تطوّر وكلاء ذكاء اصطناعي قادرين على فهم الأنظمة المحلية وتفسيرها وتطبيقها داخل سير عمل المؤسسات، بما يمكّن فرق الشؤون القانونية والامتثال من العمل بسرعة أعلى دون التفريط في السيطرة على المخاطر أو البيانات. وتصف الشركة نفسها بأنها أول منصة امتثال سيادي في الشرق الأوسط مصمَّمة خصيصاً لتعقيدات المنظومة القانونية المتنامية في المنطقة.
وتعتزم الشركة، عقب التمويل الجديد، توسيع فرق الذكاء الاصطناعي والهندسة القانونية، والبدء في طرح منصتها لشريحة مختارة من الشركات القانونية والمؤسسات المالية في دول الخليج. ومع استمرار توسع الأطر التنظيمية وتسارع تدفّق رؤوس الأموال العالمية إلى المنطقة، تهدف شركة قاضي إلى دمج الذكاء التنظيمي في العمليات اليومية بحيث تتمكن المؤسسات من تعزيز الحوكمة بالتوازي مع التوسع بكفاءة أكبر.
وفي مقابلة مع "عربية .Inc"، أوضح محمد أنّه أمضى 7 سنوات في تنفيذ أنظمة الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي واسعة النطاق داخل المنطقة وخارجها قبل تأسيس شركة قاضي. ويعود أصل الفكرة -كما يروي- إلى مشروع قاد فيه برنامج CoreAI لشركة "بوبليسِس غروب" (Publicis Groupe) الفرنسية العملاقة في التسويق، والذي شمل تطوير منصة تسويق معتمدة على الوكلاء الذكيين لعدد من العلامات التجارية العالمية. ويقول محمد: "كانت اللحظة الفارقة بالنسبة لي مشروعاً لصالح فايزر (Pfizer)؛ فقد بنينا سير عمل يعتمد على الوكلاء الذكيين لا يكتفي بإنتاج المحتوى، بل يراقب أيضاً الامتثال التنظيمي للأصول الإعلامية عبر مناطق جغرافية متعددة. رؤية وكيل ذكاء اصطناعي ينجح في التعامل مع هذا التعقيد التنظيمي على نطاق واسع كانت لحظة الإلهام الحقيقية بالنسبة لي".
هذه التجربة دفعته إلى التفكير في تطوير أداة مشابهة لمجال الامتثال القانوني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وتركيا (MENAT)، والتي يراها واحدة من أكثر البيئات التنظيمية تعقيداً في العالم؛ فيقول: "لدينا واحد من أكثر المشاهد التنظيمية تعقيداً وتنوعاً وتسارعاً. وأدركت أنه إذا أردنا مواكبة طموحات الرؤى الوطنية في الإمارات والسعودية، فلا يمكننا الاعتماد على نماذج مستوردة لإدارة قوانيننا. نحن بحاجة إلى حل سيادي".
كما أشار محمد إلى أن ذلك تطلّب بناء أنظمة ذكاء اصطناعي تستند إلى القوانين المحلية، وتُدار داخل المؤسسات الإقليمية، وتتماشى مع معايير الحوكمة الوطنية، وهو المفهوم الذي أصبح حجر الأساس لاستراتيجية شركة قاضي. وبدلاً من تطوير أدوات جزئية لتنفيذ مهام منفردة أو روبوتات دردشة قانونية، تعمل الشركة على ترميز القوانين المحلية واللوائح التنظيمية والسياسات الداخلية داخل وكلاء ذكاء اصطناعي يعملون في بيئة المؤسسة نفسها، فيفسّرون القواعد ويراقبون الأنشطة ويدعمون فرق الامتثال في الزمن الحقيقي. ويقول: "مهمة قاضي هي توفير بنية تنظيمية سيادية قائمة على الذكاء الاصطناعي للمنطقة".
وبُنيت المنصة بما يتوافق مع واقع الأنظمة القضائية في منطقة MENAT. فهي تحوّل القواعد التنظيمية الإقليمية والكتب الإجرائية الداخلية إلى منطق قابل للتنفيذ آلياً، ليصبح بإمكان الوكلاء فحص العقود، وتحليل المواد التسويقية، وتطبيق السياسات الداخلية. وتشمل وظائف المنصة مراجعة اتفاقيات عدم الإفصاح (NDA) واتفاقيات خدمات الشركات (MSA) وتوجيه المستندات لاعتمادها وإشعار الفرق عند تقدم الصفقات.
وكان هذا النهج «الإقليمي أولاً» أحد أهم عوامل تعزيز قناعة المستثمرين في شركة قاضي. ويوضح الشارف أنه عند بدء النقاش مع المستثمرين، كان اعتماد تقنيات legaltech في العالم يتسارع، مما يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي سيصبح جزءاً محورياً من العمل القانوني. يقول: «المؤسسات القانونية الرائدة عالمياً بدأت بالفعل في اعتماد حلول جزئية، وهذا دليل على انتقال الذكاء الاصطناعي من الأطراف إلى قلب العمل القانوني".
لكن العامل الأكثر إقناعاً بالنسبة للمستثمرين كان قدرة شركة قاضي على الإجابة عن السؤال الأعمق: من سيحكم أعباء الامتثال المُشغَّلة بالذكاء الاصطناعي في المنطقة؟ يوضح محمد: "إذا نظرنا إلى تطور نماذج اللغة الكبيرة خلال العامين الماضيين، وإلى ما سيحدث خلال الخمسة إلى العشرة أعوام القادمة، سنجد أن جزءاً كبيراً من العمل القانوني والتنظيمي سينفذه وكلاء ذكاء اصطناعي قادرون على قراءة القواعد، ومراقبة النشاط، وإتمام المعاملات من البداية للنهاية بإشراف بشري".
ويتابع: «السؤال الاستراتيجي هنا هو: من يملك ويشغّل تلك الوكلاء؟ المستثمرون دعموا قاضي لأن لدينا إجابة واضحة". ويضيف: "نعتقد أن هذه الأعباء يجب أن تكون سيادية، تُدرَّب على قوانيننا وسياساتنا، وتُدار هنا، وتُنفذ داخل بيئات المؤسسات نفسها. ولدينا الخبرة لبناء ذلك بفضل سجلّ طويل في تنفيذ برامج ذكاء اصطناعي واسعة النطاق، وفهم عملي لتشابكات المنظومة التنظيمية في MENAT، وقناعة بأن طبقة البنية التحتية القانونية يجب أن تُبنى من المنطقة لا أن تُستورد".
كما يدرك محمد جيداً الفجوات الناشئة نتيجة وتيرة التغيير الهائلة في بيئة الأعمال والتنظيم في الإمارات والسعودية والخليج عموماً، ويرى أن هذا يستدعي تحويل الذكاء الاصطناعي من مجرد أدوات إلى طبقة بنية تحتية؛ فيقول: "الكثير من النقاش اليوم حول “الذكاء الاصطناعي القانوني” يدور حول أدوات تسرّع مهام فردية. وهي مفيدة، لكنها ليست التحول الحقيقي؛ فالتحول القادم سيكون في البنية التحتية".
ومع توسع الشركات بوتيرة أسرع، يوضح الشارف أن فرق الشؤون القانونية والامتثال التقليدية غير قادرة على مواكبة الطلب المتزايد، مشيراً إلى وجود فجوات هيكلية داخل المؤسسات تبطئ دورة اتخاذ القرار؛ فيقول: "في معظم المؤسسات، القانون يعيش في ملفات PDF ومذكرات وبريد إلكتروني، بينما العمل نفسه يعيش في أنظمة إدارة العملاء والتخطيط المؤسسي ومنصات التسويق وغرف الصفقات. البشر هم طبقة الربط بينهما".
تهدف شركة قاضي إلى تقليل تلك الفجوات بما يسمح للمؤسّسات بتسريع عمليّاتها دون فقدان السيطرة. ويقول محمد: "هكذا يتحقق النمو. تقلّل الوقت اللازم لإطلاق منتج أو إغلاق صفقة أو تنفيذ حملة، دون التراخي في إدارة المخاطر. وتحرّر خبراء القانون للتركيز على الاستراتيجية بدلاً من العمل كجسر يدوي بين الأنظمة والقانون".
لكن تحويل القوانين الإقليمية إلى منطق قابل للتنفيذ آلياً يضيف طبقة جديدة من التعقيد؛ فيقول محمد: "التحديات الأصعب ليست في الذكاء الاصطناعي ذاته، بل في القدرة على تمثيل التعقيد القانوني بدقة في منظومة تنظيمية حية. في MENAT، تتغير القوانين باستمرار دعماً لأجندات مثل رؤية السعودية 2030 واستراتيجيات الإمارات المالية والرقمية. وتصدر لوائح جديدة كثيراً دون تاريخ طويل من السوابق القضائية لتوضيح تفسيرها".
وحل شركة قاضي لهذا التحدي هو الاستثمار في الهندسة القانونية وبناء أنظمة توازن بين الأتمتة والإشراف؛ قيقول: "نعمل مع خبراء محليين لتفكيك القوانين والسياسات الداخلية إلى منطق منظم، يشمل الشروط والحدود والاستثناءات والروابط، مع الاعتراف بما يجب أن يبقى حكماً بشرياً". وعند وجود غموض قانوني، يحيل النظام المهمة للبشر بدلاً من فرض يقين مصطنع، مع وجود آليات تقييم صارمة.
كما يشدّد محمد على أن الإنسان يظل في مركز العملية؛ فقال: "شركة قاضي مصممة لتتحمّل مسؤولية المراجعات الأولية ذات الحجم الكبير والمتكررة… بحيث تركز فرق الامتثال على الحالات المعقّدة والتفسير والاستراتيجيات". ويؤكد أن الدقة والموثوقية تنبع من الجمع بين الخبرة القانونية المحلية والنماذج الصريحة للقواعد والتقييم المستمر وفلسفة واضحة تتمثل في تمكين الخبراء لا استبدالهم.
شاهد أيضاً: Khazna تحصل على تمويل بقيمة 16 مليون دولار
وينصح محمد روّاد الأعمال الراغبين في إنشاء شركات legaltech بأن يدركوا حساسية القطاع؛ فيقول: "نصيحتي هي التعامل مع هذا المجال بطموح وتواضع. أنت لا تبني أداة إنتاجية، بل تتعامل مع أنظمة تحدد الحقوق والالتزامات والمخاطر". ويضيف: "عليك أن تحسم مبكراً ما إذا كنت تبني أداة أم بنية تحتية؛فالبنية أصعب لأنها تتطلب فهماً عميقاً ومسار تكامل مع أنظمة العمل الأساسية، ونهجاً صارماً للأمن والحوكمة. لكنها إذا نجحت، تصبح جزءاً من العمود الفقري للتشغيل المؤسسي".
ويشدد على أهمية التعلم من الممارسين اليوميين: "اقضِ وقتاً طويلاً مع المشرّعين والمستشارين القانونيين ومسؤولي الامتثال وشركاء مكاتب المحاماة. قلقهم هو ما يجب أن يوجّه خارطة الطريق. يمكنك بناء ثقة أكبر بالوضوح حول ما لا يجب أن يُؤتمت أبداً، وأين يجب أن يبقى البشر في الدورة، وكيف يمكن مراجعة النظام أو تعطيله"
ويختتم بالتأكيد على أن أي حل قانوني مدفوع بالذكاء الاصطناعي في المنطقة يجب أن يستند إلى السيادة والسياق المحلي؛ فيقول: "في مناطق مثل MENAT، قضايا سيادة البيانات والسرية المهنية والمواءمة مع الرؤى الوطنية ليست شعارات تسويقية؛ بل مسائل وجودية. إذا لم تستطع شرح مكان وجود البيانات وكيف تُدار الوكلاء وكيف تُكيّف منصتك مع القوانين المحلية، فلن تحصل على مكان في البنية الأساسية للمؤسسات. وتذكّر دائماً أن مهمتك ليست استبدال الخبراء القانونيين، بل منحهم بنية أقوى ليعالجوا المشكلات الصعبة بينما يتولى النظام العمل الروتيني بأمان وعلى نطاق واسع".