WildyNess تحصد تمويلاً مبكّراً لتوسيع السياحة المجتمعية إقليميّاً
تفتح هذه الجولة التّمويليّة الباب أمام توسّع السّياحة المجتمعيّة في المنطقة، مع تعزيز التّجارب الأصيلة وربط المسافرين بالمجتمعات المحليّة بشكلٍ مستدامٍ
هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
اختتمت شركة "وايلدينس" (WildyNess) النّاشئة التّونسيّة المتخصّصة في تكنولوجيا السفر جولة تمويل تمهيدية غير معلَن عن قيمتها، بقيادةٍ مشتركةٍ بين شركة الاستثمار الفرنسية "بريدجينغ أنجلز" (Bridging Angels)، وشبكة "الأفريكان دياسبورا نيتوورك" ( African Diaspora Network – ADN) الّتي تتّخذ من ولاية كاليفورنيا مقرّاً له.
أُسِّست شركة وايلدينس في تونس عام 2021 على يد أشرف العوضي وريم بورقيبة، لتكون جسراً يربط المسافرين بالتّجارب المحليّة الّتي تُطوَّر بالتّعاون مع روّاد الأعمال الصّغار في قطّاع السّياحة، وتعمل الشّركة عبر نموذجَي الأعمال إلى المستهلك (B2C) والأعمال إلى الأعمال إلى المستهلك (B2B2C) بوصفها سوقاً رقميّةً متكاملةً للسّفر.
في حوار مع مجلة "عربية .Inc"، استعاد أشرف بدايات الشّركة الّتي انطلقت من شغفٍ مشتركٍ بالتّجارب الأصيلة في السّفر؛ فقال: "نحن مهندسان في علوم الحاسوب، أصابنا هوس السّفر في وقت مبكّرٍ من مسيرتنا المهنيّة. وبعد أن زرنا أكثر من 70 دولةً معاً، أدركنا أنّ ما كان المسافرون، ونحن من بينهم، يبحثون عنه بيأس هو الأصالة؛ روابط حقيقيّة مع النّاس المحليّين، وتذوّق الطّعام المحليّ، ولقاء المنتجين والحرفيّين الّذين يقفون وراء كلّ ذلك".
ورغم وفرة تلك التّجارب حول العالم، لاحظ المؤسّسان وجود فجوةٍ واضحةٍ بين حجم الطّلب وسهولة الوصول؛ فقال العوضي: "اكتشفنا فجوةً هائلةً؛ فالمسافرون يجدون صعوبةً في العثور على هذه التّجارب وحجزها عبر الإنترنت. وفي المقابل، تبيّن لنا أنّ نحو 80% من الزوّار يبحثون عن الأنشطة السّياحيّة إلكترونيّاً، بينما لا يمتلك أكثر من 5% من مقدّمي تلك التّجارب المحليّة المذهلة أي وسيلة للحجز أو الظّهور الرّقميّ. ومن هنا أنشأنا وايلدينس لردم تلك الفجوة. بدأنا في تونس، واليوم، وبفضل توسّعنا المتسارع، نقيم بين الإمارات وتونس".
ومن هذه الرّؤية وُلد نموذج عملٍ يتحدّى أعراف المنصّات السّياحيّة العالميّة. وما يميّز وايلدينس حقّاً هو بنيتها الهجينة المصمّمة لتجاوز النّمط التّقليديّ لمجمّعات الّسفر؛ فيقول أشرف: "حين تنظر إلى المنصّات التّقليديّة -حتى تلك العملاقة منها- تجدها مجرّد مجمّعاتٍ للوجهات السّياحيّة السّائدة، تقوم على الكمّ لا على الجوهر. أمّا سوقنا المعنيّة بالسّياحة المجتمعيّة (Community-Based Tourism – CBT) فهي النّقيض التّام لذلك.
كما أوضح أشرف أنّ نهج وايلدينس المزدوج صُمّم ليعود بالنّفع على طرفَي المعادلة: المسافرين من جهةٍ، ومقدّمي الخدمات المحليّين من جهةٍ أخرى؛ فقال: "بالنّسبة للمسافر (B2C)، نحن لا نكتفي بإدراج الجولات أو عرضها، بل نشارك في ابتكار تجارب فريدةٍ خارجةٍ عن المسارات السّياحيّة المعتادة، بالشّراكة مع المجتمعات المحليّة. وهذا يمنح المسافرين فرصةً حقيقيّةً لاكتشاف ثقافاتٍ أصيلةً، بدءاً من رحلات الصّيد الّتي تُمارَس بأساليب مدرجةٍ على قائمة التّراث الإنسانيّ لمنظمة اليونسكو، وصولاً إلى الإقامات الغامرة في بيوت الأهالي؛ تجارب لا يمكن العثور عليها على المواقع السّياحيّة التّقليديّة".
وأضاف: "أمّا بالنّسبة لمزوّد الخدمة المحليّ (B2B2C)، فنحن نعدّ أنفسنا منصّة تمكين. فالمواقع التّقليديّة تفتقر إلى الخبرة المحليّة، في حين أنّنا نمنح شركاءنا من المشروعات الصّغيرة -من الأدلاء الّسياحيّين والحرفيّين وأصحاب بيوت الضّيافة- التّكنولوجيا اللّازمة، والدّعم التّسويقيّ، والتّدريب العمليّ. وبذلك، بينما تكتفي المنصّات الأخرى باقتطاع عمولة من كلّ صفقةٍ، نقوم نحن ببناء سلسلة التّوريد من الجذور، لنضمن أن تتدفّق عوائد السّياحة مباشرةً نحو المجتمعات المحليّة التي هي بأمسّ الحاجة إليها.
وبعد 4 أعوامٍ من العمل بالاعتماد على مواردهم الذّاتيّة، قرّر المؤسّسان أنّ الوقت قد حان لجذب رأس مالٍ استراتيجيٍّ يواكب طموح المشروع؛ فقال أشرف: "منذ البداية كنّا ندرك أنّنا إن سعينا إلى جذب استثمارٍ، فلا بدّ أن يكون من شركاء يفهمون "السبب" الحقيقيّ وراء ما نفعل؛ فمهمّتنا في تحقيق الأثر الاجتماعيّ ليست عملاً خيريّاً، بل نموذجاً تجاريّاً قويّاً قابلاً للنّموّ والتّوسّع".
وفي وقتٍ اتّجهت فيه معظم الاستثمارات المخاطِرة في المنطقة نحو قطّاع التكنولوجيا المالية، استطاعت وايلدينِس أن تستأثر بالأنظار من خلال إثبات إمكانات السّياحة المستدامة القائمة على المجتمعات المحليّة؛ فمنذ إطلاق المنصّة عام 2022، تمكّنت من تحقيق مبيعاتٍ عضويّةٍ تجاوزت ثلاثمئة ألف دولار أمريكي، دون إنفاق دولارٍ واحدٍ على التّسويق.
قال أشرف إنّ كلّاً من شركة "بريدجنغ أنجلز" (Bridging Angels) و"شبكة الجاليات الإفريقية" (African Diaspora Network – ADN) أبدتا إعجاباً واضحاً بالزّخم الذي حقّقته الشّركة النّاشئة وبتركيزها الواضح على أهدافها. وأضاف: "لم نتوجّه إليهم بفكرةٍ مجرّدةٍ، بل بشركةٍ قائمةٍ فعلاً، أثبتت قدرتها على النّموّ الذّاتيّ، وتملك نموذجاً قابلاً للتّوسّع ويُحدث أثراً حقيقيّاً".
وأوضح أنّ انخراط "شبكة الجاليات الإفريقية" بدا متوافقاً تماماً مع رؤية "وايلدينِس"، قائلاً: "فنحن أنفسنا جزء من الجاليّات الأفريقيّة، ومهمّتنا الجوهريّة تتمحور حول تمكين المجتمعات المحليّة في أفريقيا وحماية تراثها الثّقافيّ. وقد أدركوا منذ البداية أنّ رؤيتنا تتجاوز حدود تونس نحو أفقٍ أوسع يشمل القارّة بأكملها".
أمّا عن شركة بريدجنغ أنجلز، فأشار أشرف إلى أنّها "رأت الأرقام، وعاينت الانضباط الصّارم والنّموذج القابل للتّوسّع ذي الهوامش العالية في سوق التّجارب المستدامة، وذلك السّوق الذي ظلّ شبه مهمل. وهم، إلى جانب شبكة ADN، لا يُعدّون مجرّد مستثمرين ماليّين، بل يشكّلون جسوراً استراتيجية نحو الأسواق الدّولية الّتي نستهدفها اليوم.
سيسهم التّمويل المبدئيّ في دعم خطط وايلدينِس للتّوسّع نحو الجزائر والمملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتّحدة، إلى جانب تطوير منصّتها التّقنيّة. وأوضح أشرف أنّ كلّ سوق من هذه الأسواق تتيح فرصاً مميّزة بطبيعتها، مشيراً إلى أنّ المملكة العربية السعودية تمثّل "السوق الأكثر إثارةً" بالنّسبة إلى الشّركة؛ فقال: "إنّ المملكة تستثمر بقوّة في تحقيق رؤيتها لعام 2030 لتصبح مركزاً عالمياً للسياحة، غير أنّ تركيزها ينصبّ على الترويج لتراثها غير المحكيّ، وهو ما ينسجم تماماً مع جوهر نموذجنا في وايلدينِس؛ فحجم الطلب في السوق السعودية يتّجه نحو المغامرات الأصيلة البعيدة عن المسارات المألوفة، وهي بالضّبط النّوع من التّجارب الّتي نتخصّص في تقديمها، والّتي لم تُقدَّم بعد على نطاقٍ واسعٍ".
وأشار كذلك إلى أنّ الجزائر تُعدّ «بلداً غنيّاً لم يُستكشف بعد»، لافتاً إلى أنّها بدأت في تيسير إجراءات الحصول على التّأشيرات؛ فأضاف: "إنّها التّجسيد الحقيقيّ لمفهوم الوجهة الصّاعدة، وهو المجال الّذي نبرع فيه تماماً". أمّا عن سلطنة عمان، فقال: "يُعدّ هذا السّوق مثاليّاً لأنّ بنيته التّحتيّة جاهزةٌ تماماً لدخولنا؛ فهو يتطلّب جهداً أقلّ لنشر نموذجنا والاستفادة من منظومته الرّاسخة الّتي تقدّم عروضاً سياحيّةً مستدامةً عالية الجودة".
وختم بالإشارة إلى أنّ دولة الإمارات تطرح فرصةً من نوعٍ مختلفٍ. وأوضح قائلاً: "الطّلب هنا يختلف، فالسّوق الإماراتيّة ناضجة، غير أنّ السّياح والمقيمين من الجاليات الكبيرة يبحثون بجدٍّ عن تجارب أصيلةٍ تتيح لهم الهروب من صخب الوجهات التّقليديّة السّائدة".
شاهد أيضاً: Forus تحصل على تمويل بقيمة 60 مليون دولار
وللحفاظ على النّهج الجوهري القائم على المجتمعات المحليّة أثناء التوسّع، تعتمد شركة وايلدينس نموذجاً منظّماً بعناية؛ فقال أشرف: "إنّ استراتيجيّتنا في التوسّع ليست مجرّد عمليّة "نسخ ولصق"، بل هي مسارٌ مكوَّنٌ من 3 مراحل مترابطةٍ: أوّلها البحث السّوقيّ، حيث نجري تحليلاً معمّقاً للاتّجاهات المحليّة ولمدى توافق الشّراكات المحتملة مع رؤيتنا. تليها مرحلة البرامج التّجريبيّة، إذ نُطلق مشروعاتٍ تجريبيّةً بالتّعاون مع المشروعات الصّغيرة في كلّ بلدٍ، لابتكار أولى التّجارب السّياحيّة المبتكرة، ثم تأتي مرحلة التّمكين المحليّ، الّتي نقوم خلالها بتعيين مديرٍ محليٍّ لكلّ دولةٍ وتدريبه على تنفيذ النّموذج وفق معايير الجودة الّتي نضعها".
وأضاف موضّحاً: "نموذجنا ليس مجرّد موقعٍ إلكترونيٍّ، بل هو دليل تمكينٍ شاملٌ. ونحن نتوسّع من خلال تعليم شركائنا المحليّين كيفيّة استخدام تقنيتنا وتحقيق المعايير المطلوبة. وبهذه الطّريقة نحافظ على أصالة التّجربة وعلى محورها المجتمعيّ حتّى ونحن نواصل النّموّ".
وفي تأمّله لمسار الشركة الناشئة والدّروس الّتي تحملها لروّاد الأعمال العاملين في قطّاعاتٍ غير تقليديّةٍ، مثل: السّياحة المجتمعيّة (Community-Based Tourism – CBT) والتّقنيات السّياحيّة، تحدّث أشرف عوّادي بصراحةٍ عن التّحدّيات الشّخصيّة والمهنيّة الّتي واجهها؛ فقال: "إن كنت صادقاً تماماً، فإنّ أفضل نصيحة يمكنني تقديمها هي أنّ لا شيء يُعِدّك حقّاً لهذه التّجربة. ففي أكتوبر الماضي، تركتُ العالم المؤسّسي في شركة "بوش" (Bosch) وحياتي المستقرّة في ألمانيا، لأكرّس نفسي بالكامل لوايلدينس. وكنت أظنّ أنّني مستعدٌّ لخوض معترك الشّركات النّاشئة، لكنّني لم أكن كذلك".
ووصف تلك المرحلة بأنّها من أصعب التّحوّلات في حياته قائلاً: "مهما خطّطت أو استعددت، لا شيء يهيّئك للّحظة التي تجد فيها نفسك وحدك تماماً، بلا راتبٍ مضمونٍ، ومسؤولاً مئة في المئة عن وقتك وعن بقاء الشّركة. لقد كان العام الماضي مليئاً بالصّعود والهبوط... ولأكون صريحاً، فقد كان الهبوط أكثر من الصّعود. وعانيت بشدّة في إدارة وقتي، وفي تحمّل الثّقل الهائل لما هو على المحكّ.
غير أنّ أشرف لم يتعلّم الدّروس الحقيقيّة التي يحتاجها لمواصلة بناء وايلدينس على النّحو الّذي حلم به، إلّا حين بلغ القاع فعلاً؛ فقال: "دفعتُ نفسي إلى أقصى حدودها، عملتُ حتى لم يبقَ فيّ جهد، ولمستُ القاع بيدي. لكنّ العجيب في بلوغ القاع هو أنّك هناك، فقط، تكتشف ممَّ أنت مكوَّن حقاً. لذا، فإنّ نصيحتي هي أن تدرك أنّ هذه الرّحلة هي الأصعب في حياتك، وأنّ لا استعداد مسبق يكفيها. أمّا أنا، فأنا أجد طريقي إلى الصّعود من جديد. وأعيد بناء ما تهدّم؛ لا الشّركة وحدها، بل نفسي، وأسلوبي في العمل، وصلابتي الدّاخليّة أيضاً".
وحين تجاوز حديثه حدود شركته، قدّم أشرف نصيحة لروّاد الأعمال السّاعين إلى رسم طريقهم الخاصّ؛ فقال: "في مجالاتٍ غير مألوفةٍ مثل مجالنا، كان الدّليل العمليّ هو لغتنا الوحيدة لإقناع المستثمرين. لم يكن بوسعنا الاكتفاء بعرض نموذجٍ ماليٍّ على طريقة الشّركات التكنولةجيا المالية، بل كان علينا أن نُثبت وجود السّوق فعلاً، وذلك ببناء مشروعنا من الصّفر وتحقيق مبيعاتٍ عضويّةٍ تجاوزت ثلاثمئة ألف دولار أمريكي دون تمويلٍ خارجيٍّ. ونصيحتي هي أن تتوقّف عن "العرض" وتبدأ في "الإثبات"؛ فالشغف هو ما يطلقك في البداية، لكنّ الصّلابة والإنجاز الملموس هما ما يفتحان لك أبواب التّمويل. وتحصد وايلدينس تمويلاً مبكّراً لتوسيع السّياحة المجتمعيّة إقليميّاً.