Syd Life AI تعقد شراكة بقيمة 1 مليار دولار لتوسيع تقنيات الصحة الوقائية
حين تتحرّك التكنولوجيا الوقائيّة نحو مرحلة توسّعٍ حاسمةٍ، تتسارع الاستثمارات لدعم حلولٍ صحيّةٍ متقدّمةٍ تعزّز القدرة على التّنبؤ بالمخاطر ورفع جودة الحياة على نطاقٍ واسعٍ
أعلنت شركة سيد لايف للذكاء الاصطناعي (Syd Life AI)، وهي شركة تكنولوجيا تأسست في المملكة المتحدة وتتخذ من أبوظبي مقراً لها، والمتخصّصة في تطوير حلول الرعاية الصحية الوقائية المخصّصة وتحليلات جودة الحياة، عن شراكة بقيمة مليار دولار مع شركة ألتيوس (Altius) الأمريكية للاستثمار والاستشارات، وذلك بهدف توسيع منصة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها إلى السوق الأمريكية. ومن خلال هذه الخطوة، ستعمل سيد على تقديم تقنيات التحليل الوقائي وأدوات التدخل الفردي للشركات الكبرى وشبكات الرعاية الصحية.
تأسست سيد لايف للذكاء الاصطناعي في المملكة المتحدة عام 2015 على يد لورينا بويكا (Lorena Puica)، وتستخدم الشركة نموذجها الكمي الضخم (Large Quantitative Model – LQM) ومؤشر جودة الحياة (Life Quality Index – LQI) لتحويل البيانات الصحية المعقّدة إلى لوحات معلومات قابلة للتنفيذ، بما يساعد المؤسسات على اكتشاف الفئات المعرّضة للخطر مبكراً، وتصميم التدخلات المناسبة، ومتابعة النتائج بوضوح.
وفي حديثها مع منصة "عربية .Inc"، استرجعت بويكا رحلتها الشخصية، مشيرة إلى أنّ أزمة صحية صادفتها في العشرينيات من عمرها غيّرت أولوياتها وألهمتها لاحقاً لتأسيس سيد لايف للذكاء الاصطناعي. فقد دفعتها التجربة إلى إعادة النظر في مسيرتها المهنية في مجال التمويل وفي نوع الأثر الذي ترغب في تركه، وهو ما قادها في النهاية إلى المشروع؛ فقالت شارحةً: "كنت أظن أنني لن أغادر عالم التمويل مطلقاً، فأنا أفكّر بالأرقام وأعشقها. لكن حين يُقال لك في العشرينيات إن أمامك ثلاث سنوات فقط لتعيش، تتبدّل نظرتك إلى الحياة بالكامل".
وقد شكّلت تلك التجربة نقطة تحوّل، دفعتها إلى البحث عن حل أعمق وأكثر تأثيراً من مجرد التعايش مع الواقع. وانطلقت في رحلة امتدت لما يقارب عامين من البحث وتحليل الدراسات والبيانات، انتهت بتأسيس سيد لايف بهدف جعل الرعاية الوقائية أكثر سهولة وتمكين الأفراد من السيطرة على صحتهم. مع العلم، يقع المقرّ الرّئيسيّ للشركة في المملكة المتحدة، وحصلت على دعمٍ حكوميٍّ بريطانيّ قبل أن تتوسّع إلى أبوظبي بدعوة من منظومة هب71 (Hub71) التقنية العالمية.
وأشارت بويكا إلى أنّ وجود الشركة في أبوظبي شكّل عاملاً حاسماً في تمكينها من التقدّم. وقالت: "ما حققته أبوظبي والإمارات في بناء منظومة رعاية صحية متكاملة لم يتحقق في أي مكان آخر. لقد عملنا مع الحكومة البريطانية، ومع بلدية طوكيو اليابانية، ودعمنا سنغافورة. لكن ما تفعله أبوظبي يبدأ من أساس البيانات نفسها".
شاهد أيضاً: شراكة بين G42 و Nvidia لتعزيز تكنولوجيا المناخ
وأضافت أن التكامل المركزي لبيانات السكان الصحية، إلى جانب المعلومات الجينية وبيانات نمط الحياة الواقعية، يتيح مستوى من القدرة التنبؤية لا يتوفر إلا لدى أنظمة قليلة جداً. وقالت: إذا أخذنا أبوظبي مثالاً، فوجود كل البيانات الصحية في مكان واحد لجميع السكان، ثم دمجها مع البيانات الجينية من مشروع الجينوم الإماراتي، ومع بيانات تطبيق صحتنا (Sahatna) الذي يستخدمه كل فرد، يوفر منظومة متكاملة تشمل بيانات المستشفيات والوراثة ونمط الحياة والحركة والموقع وجودة الهواء.
كما أشادت بويكا بالرؤية التنظيمية المتقدّمة للإمارة وبالتعاون بين القطاعات المختلفة. وقالت: "الرؤية وراء السياسات التنظيمية مذهلة، والتعاون بين المستشفيات ومراكز البحث والجهات الحكومية حقيقي ويهدف بصدق لخدمة المجتمع، وهو أمر يلهمني دائماً". وأضافت: "أعتقد أن الإمارات سبقت العالم حين عيّنت وزيراً للسعادة واعتمدت مؤشرات أداء لجودة الحياة. واليوم باتت حكومات أخرى تدرك أن جودة الحياة ستكون مؤشراً أهم من النمو الاقتصادي في المستقبل؛ فقد آن الأوان ليأخذ الناس مسؤولية صحتهم بأيديهم".
وفي هذا السياق، طوّرت سيد لايف نموذجها الكمي الضخم LQM، وهو محرك تنبّؤي يجمع المؤشرات الصحية مع العوامل البيئية والسلوكية. وقالت بويكا: "عندما نتحدث عن LQM فنحن نتحدث عن جيل جديد من المحركات التنبؤية، المدربة على بيانات صحية ونمطية وبيئية وسلوكية متعددة المصادر. تخيّل أنه يجمع أكثر من 1.2 مليون بحث علمي يغطي ما يعادل ثمانية مليارات سنة-فرد من البيانات، تشمل الصحة ونمط الحياة والعوامل البيئية".
كما أكدت أن هذا النهج ضروري لبناء حل صحي شخصي حقيقي، يأخذ في الاعتبار البيانات الطبية والسلوكية والبيئية والوراثية لتطوير ما يشبه النسخة الرقمية من كل فرد. وأضافت: "يحتاج الشخص المصاب بالسكري في أبوظبي توصيات مختلفة عن الشخص المصاب بالمرض ذاته في لندن".
وشرحت بويكا آلية العمل، قائلة إن النموذج يعمل كأنّه عقل ضخم يدمج كل الأبحاث ويعيد تنظيمها بما يتناسب مع خلفية كل شخص وجنسه وسنه وبيئته وموقعه ليقدم أكثر التوصيات دقة وملاءمة. ويعمل إلى جانب LQM، مؤشر جودة الحياة LQI، وهو إطار شامل لترجمة الصورة الكاملة لحياة الفرد إلى إرشادات تنفيذية مخصصة؛ فقالت شارحةً: حتى أفهم شخصاً ما فعلاً، عليّ أن أفهم الجوانب المختلفة من حياته والمجالات التي يمكنه التغيير فيها بسهولة".
وأكدت أن تغيير السلوك لا يمكن أن يكون واحداً للجميع، وأن LQI مصمم وفق هذه الحقيقة. فهناك من يستطيع تغيير نشاطه البدني بسهولة، وآخرون يغيّرون بيئتهم أو طريقة تفكيرهم. ودور LQI هو فهم هذا المشهد بزاوية 360 درجة وتحديد كيفية التدخل الأمثل. وترى بويكا أن هذا النوع من الذكاء سيكون مستقبل الرعاية الصحية، لأنه سيضع طبيباً وقائياً افتراضياً في متناول كل فرد يومياً.
ومع توسّع الشركة الآن نحو السوق الأمريكية، أوضحت بويكا أنّ هذه الخطوة لم تكن مجرد توسع مفاجئ، بل نتيجة سنوات من البحث. وقالت: عندما يبدأ الناس شركاتهم، وخصوصاً في الصحة، يُقال لهم منذ اليوم الأول إن عليهم الذهاب إلى الولايات المتحدة. وأنا قاومت هذه الفكرة لعامين أو ثلاثة.
بالنسبة لها، لم يكن الأمر مرتبطاً بالتوقيت وحده بل بالشريك المناسب، وقد وجدته في ألتيوس، التي قدّمت للشركة أكثر من مجرد تمويل. وأضافت: "في جولة التمويل السابقة، كان لدينا مستثمرون من الولايات المتحدة، ومن خلالهم بدأنا نفهم السوق الأمريكية والعمل مع كبار الخبراء. وعلى مدى 12 شهراً حددنا من هو الشريك الأنسب، واخترنا ألتيوس لخبرتهم الواسعة في السوق وخبرة تمتد لثلاثة أو أربعة عقود مع أكبر الشركات الأمريكية".
وأضافت بويكا أنّ الأهم كان العثور على شريك يتقاطع معهم في الرؤية والأهداف المستقبلية للرعاية الصحية. وشرحت قائلة: "هدف الشراكة هو مواءمة تركيزنا على الصحة الوقائية وجلب تقنيتنا التي تجمع كل الأبحاث وتقدّم بيانات قابلة للتخصيص بدرجة عالية لكل موظف ومريض وفرد بهدف تقليل المخاطر والتكاليف قبل وقوعها".
كما ترى أن دخول السوق الأمريكية يعكس نضج الشركة. وقالت: "لقد بنينا نظام تشغيل صحي وقائي للعالم يمكن تخصيصه حتى لسوق معقدة مثل الولايات المتحدة. وهذه الشراكة البالغة مليار دولار تأتي منسجمة تماماً مع توجه السوق الأمريكي نحو الصحة الوقائية وضرورة أن تتولى الشركات التي تؤمن تأمين موظفيها مسؤولية صحتهم بشكل مباشر".
