الرئيسية الريادة هل العودة إلى العمل كموظف خيار صحيح لرواد الأعمال في الخليج؟

هل العودة إلى العمل كموظف خيار صحيح لرواد الأعمال في الخليج؟

بين تحديّات ريادة الأعمال وواقع سوق العمل، يُعيد كثيرٌ من المؤسّسين التّفكير في العودة للوظيفة لتحقيق استقرارٍ ماليٍّ وتجديد الرّؤية

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.

إعداد: شيلي بوسورث، مدربة ذهنية للأعمال

يبدو أنّ تأسيس الأعمال في دول الخليج أمرٌ بسيطٌ، وخصوصاً في الإمارات العربيّة المتّحدة، حيث يُشجَّع على ريادة الأعمال بشكلٍ كبيرٍ، ومع انخفاض العقبات البيروقراطيّة، وعدم وجود ضرائب تقريباً، وروح المبادرة العالية، من السّهل فهم سبب إقبال الكثيرين على هذه المغامرة. كما تؤكّد الأرقام ذلك، فبحلول عام 2024، بلغ عدد شركات التّقنية النّاشئة في الإمارات 5,600 شركةً، بينما بلغ عددها في السعودية 1,600 شركةً، والّتي سرعان ما تبرز كمركزٍ ناشئٍ لريادة الأعمال. ولكن هل هذا يعني أنّ إدارة الأعمال في هذه المنطقة أمرٌ سهلٌ؟ بعيدٌ كلّ البعد عن ذلك.

غالباً ما تكون السّنوات الأولى قاسيةً؛ الضّغوط الماليّة، وعدم انتظام التّدفقات النّقديّة، وكثرة الأعباء العمليّة تترك أثراً كبيراً. كما يستثمر المؤسّسون غالباً مدخراتهم في مشاريعهم، ويعانون من ضغوطٍ نفسيّةٍ وقلّة نومٍ، في سبيل دفع النّموّ قدماً. وفي الواقع، ألاحظ تزايد عدد مؤسّسي الشركات الناشئة الّذين يعودون إلى سوق العمل، سواء لتأمين دخلٍ إضافيٍّ، أو لإعادة تقييم استراتيجيّات أعمالهم، أو حتّى للانسحاب الكامل عندما يصبح مشروعهم غير قابلٍ للاستمرار.

لماذا يتراجع عدد من رواد الأعمال؟

بعد جائحة كوفيد-19، شهدت منطقة الخليج موجة ريادة أعمالٍ، خصوصاً في التجارة الإلكترونية الّتي نمت بنسبة 33% سنويّاً من 2019 إلى 2022، وفقاً لوكالة التسويق الإلكتروني "إستيزادا" (Istizada)، وهو معدّلٌ يقارب ضعف النّموّ العالميّ. ولكن الآن المنافسة تزداد شراسةً، والتّكاليف ترتفع، ويصبح تحقيق الأرباح أصعب، لا سيما للمؤسّسين الّذين يديرون أعمالهم منفردين.

قد توفّر ريادة الأعمال مرونةً، لكنّها تتطلّب صبراً، وساعات عملٍ طويلةً، وقدرةً دائمةً على التّكيّف، ممّا يدفع عدداً متزايداً من مؤسّسي الشركات الناشئة إلى العودة إلى سوق العمل. تذكّرني هذه الحالة بإطار عمل "الدورة العاطفية للتغيير" الّذي وضعه دون كيلي وداريل كونر، والّذي يصف 5 مراحل عاطفيّةٍ يمرّ بها الشّخص في مواجهة التّغيّرات الجذريّة، إذ يبدأ روّاد الأعمال بحماسٍ غير مدركين، ثم يصلون إلى تشاؤمٍ مستنيرٍ مع تزايد التّحديّات.

تُعتبر مرحلة وادي اليأس أصعب المراحل، حيث يشعر الكثيرون بالإرهاق ويتساءلون عمّا إذا كان ينبغي الاستمرار؛ فمن يتجاوز هذه المرحلة يصل إلى التّفاؤل المستنير، حيث تبدأ الإنجازات بالظّهور، وينال النّجاح والرّضا. لذلك، فإنّ فهم هذه الدّورة يساعد المؤسّسين، وأي شخصٍ آخر، على اتّخاذ قراراتٍ صائبةٍ في أوقات الشّدائد.

من رائد أعمال إلى موظف: خطوة إلى الوراء لتحريك المشهد

لكلّ مؤسّسٍ أسبابٌ مختلفةٌ للعودة إلى العمل كموظّفٍ؛ فهناك من يوازن بين وظيفةٍ وعمله الخاصّ لتحقيق استقرارٍ ماليٍّ، وآخرون يستخدمون العمل كفرصةٍ لإعادة تقييم أفكارهم. وفي حالاتٍ أخرى، يقرّر البعض إغلاق أعمالهم نهائيّاً، وهو أمرٌ شائعٌ بين الشّركات التي تعتمد على المنتجات، حيث تتزايد التّكاليف وتتقلّص الهوامش الرّبحيّة، ممّا يجعل الاستدامة تحديّاً.

ولنعترف، التّراجع لا يعني الفشل دائماً، بل غالباً ما يكون بداية فصلٍ جديدٍ، إمّا باستراتيجيّةٍ رياديّةٍ معدّلةٍ أو بتوجّهٍ مهنيٍّ جديدٍ.

- هل تريد دليلاً؟

في حالة ريد هوفمان، أوّل شركةٌ له "سوشيال نت" (SocialNet) لم تحقّق النّجاح المرجوّ، فانضمّ بعدها إلى "باي بال" (PayPal)، حيث ساهم في توسعة الشّركة وبنى شبكة علاقاتٍ مكّنته لاحقاً من تأسيس "لينكد إن" (LinkedIn)، أكبر منصّةٍ للتّواصل المهنيّ في العالم.

وبالمثل، واجه إيفان ويليامز فشل مشروع "أوديو" (Odeo)، وهو شركة بودكاستٍ، بعدما أصبحت غير مجديةٍ بسبب دخول "آبل آيتونز" (iTunes). لكنّه لم يستسلم، بل حوّل المشروع إلى "تويتر" (Twitter)، الّذي أحدث ثورةً في التّواصل اللّحظيّ عالميّاً؛ هذان المثالان يبرزان أنّ النّكسات، عند التّعامل معها بعقليّةٍ صحيحةٍ، يمكن أن تمهّد الطّريق نحو نجاحاتٍ أكبر.

صعوبة العودة إلى العمل كموظف

بالنّسبة للكثير من المؤسّسين، الشّركة ليست مجرّد عملٍ بل هويتهم واستقلالهم وحلمهم؛ فالتّوقف حتّى مؤقّتاً قد يثير مشاعر حقيقيّةً من الحزن، وكأنّهم يفقدون جزءاً من أنفسهم، قد يبدو الأمر دراميّاً لكنّه حقيقيٌّ.

كما أنّ هناك الخوف من الأحكام، خاصّةً من أولئك الّذين لم يفهموا الرّؤية من البداية؛ فقد يكون الضّغط للحفاظ على المظهر النّاجح ثقيلاً، ومن السّهل أن نقنع أنفسنا بأنّ الجميع يحقّقون النّجاح. ولكن الحقيقة أنّ ريادة الأعمال نادراً ما تكون سلسةً أو خطيّةً كما نتصوّر، وعلينا الاعتراف بذلك.

هل العودة إلى العمل خيارٌ صحيحٌ؟

إذا كُنتَ تفكّر في هذا السّؤال، فهذا مؤشّرٌ أنّ الأمور ليست على ما يرام، ويجب دراسة دوافعك وظروفك بدقّةٍ قبل اتّخاذ أيّ قرارٍ. فالريادة مليئةٌ بالتّقلّبات، ولكن عندما تصبح الضّغوط أكثر من المتعة، وعندما تسيطر المخاوف الماليّة على نومك، ويبدأ عملك بالتّحوّل إلى عبءٍ بدلاً من رسالةٍ، قد يكون الوقت قد حان لإعادة التّقييم.

لنبقى واضحين، العمل في وظيفةٍ لا يعني التّخلّي عن مشروعك. إذ يمكن أن يكون قراراً استراتيجيّاً لتحقيق الاستقرار والحصول على وضوحٍ للرّؤية المستقبليّة؛ فالدّخل المستقرّ يخفّف من ضغوط المال، ويتيح لك فرصة التّنفس والتّفكير والتّخطيط دون ثقل القلق المستمرّ.

في بعض الأحيان، يوفّر العمل مساحةً ضروريّةً لصقل الرّؤية، واستكشاف فرصٍ جديدةٍ، أو حتّى إعادة إشعال الحافز الرّياديّ في ظروفٍ مختلفةٍ. سواء كانت خطوةً مؤقتةً أو بدايةً جديدةً، يمكن للعمل أن يكون أداةً مهمّةً لإعادة الضّبط، والتّعلّم، والمضي قدماً بما يناسبك.

الجانب المشرق

أحبّ هذه المقولة لريتشارد برانسون، مؤسّس مجموعة "فيرجن" (Virgin): "فرص الأعمال مثل الحافلات، دائماً هناك واحدةٌ أخرى قادمةٌ".

قد تبدو العودة إلى الوظيفة التّقليديّة بعد إدارة عملٍ خاصٍّ  خطوةً إلى الوراء، لكنّها في كثيرٍ من الأحيان إعادة ضبط استراتيجيّةٍ تفتح أبواباً غير متوقّعةٍ. إذ إنّ البيئة المنظّمة تُتيح لروّاد الأعمال رؤية تحديّاتهم السّابقة من منظورٍ جديدٍ، وغالباً ما تكشف عن حلولٍ جديدةٍ لم يكونوا قد فكّروا بها.

كما أنّ هناك قوة التّشبيك؛ فالعمل في صناعةٍ أو دورٍ جديدٍ يعرّضك لأفكار وأسواق واتّصالاتٍ جديدةٍ قد تقودك إلى فرصٍ رياديّةٍ جديدةٍ. الكثير من المؤسسين الذين درّبتهم أعادوا صياغة نماذج أعمالهم أو أطلقوا مشاريع جديدةً بناءً على ما تعلّموه من تجاربهم في بيئة الشّركات. بالإضافة إلى ذلك، تمنح العودة للعمل فرصةً لاكتساب مهاراتٍ جديدةٍ تجعل المشروع المقبل أكثر نجاحاً، سواء كانت في إدارة الأموال، أو القيادة، أو الكفاءة التّشغيليّة؛ فهذه الخبرات تجعل رائد الأعمال أكثر قوّةً وقدرةً على التّكيّف عندما يقرّر البناء مجدّداً. وكما هو الحال دائماً، العقليّة والمنظور هما المفتاح.

نُشر هذا المقال لأوّل مرّةٍ في عدد يونيو/حزيران 2025 من مجلة "عربية .Inc". ولقراءة العدد الكامل عبر الإنترنت، اضغط هنا.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 6 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: