كانيسا مولونه تحكي قصة أفريقيا بنجاح عبر لعبة Web3!
رحلةٌ استثنائيّةٌ تنطلق من جذورٍ منسيّةٍ لتُعيد رسم ملامح قارّةٍ كاملةٍ، حيث يتحوّل التّاريخ إلى لعبة، والهويّة إلى وسيلة لبناء مستقبلٍ أكثر عدلاً ووعياً

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
نشأت كانيسا مولونه، وهي رائدة أعمال ومستثمرةٌ إثيوبيّةٌ-هولنديّةٌ تبلغ من العمر 34 عاماً، فيما تصفه بـ "منزل مهاجرين نموذجي" في هولندا، بعد أن فرّت عائلتها من الحرب الأهليّة في إثيوبيا عندما كانت في الثّالثة من عمرها فقط. درست مولونه الطب، ليس بدافع الشّغف، بل لأنّ ذلك كان الخيار الوحيد من بين الخيارات الثّلاثة الّتي طرحتها عائلتها عليها والّذي أثار اهتمامها، أمّا الخياران الآخران، كما تقول لمجلة "عربية .Inc"، فكانا أن تصبح محاميّةً أو مهندسةً. إذ تروي قائلةً: "لم أكن أعرف ما هو المهندس، ولم أكن مهتمّةً بقراءة كتاب قانونٍ؛ فقلت: حسناً، سأذهب إلى كليّة الطّب لأنّهم قالوا لي ذلك".
أثناء دراستها في كليّة الطب، أسّست مولونه أوّل شركةٍ ناشئةٍ لها كجزءٍ من تدريبٍ جامعيٍّ. وفي عمر 22 عاماً، باعت شركتها الّتي كانت عبارةً عن حلٍّ صحيٍّ رقميٍّ يُتيح للموظّفات في المستشفيات تلقّي المكالمات من المنزل، ممّا أتاح لهنّ العمل عن بعد.
واليوم، تمتلك مولونه 5 صفقاتٍ ناجحةٍ من شركاتها السابقة، وتدير حاليّاً مكتب استثمارٍ عائليٍّ مع زوجها، وهو محاسبٌ، انطلاقاً من دبي. وحتّى وقتٍ قريبٍ، كانت تركّز في استثماراتها على حلول التّكنولوجيا، خاصّةً الرّموز غير القابلة للاستبدال (NFTs)، وتقنيات البلوك تشين والعملات الرّقميّة.
غير أنّ زيارتها الأولى لمسقط رأسها قبل 3 سنواتٍ، وإعادة اتّصالها بجذورها الثّقافيّة، أحدثت تحوّلاً في توجّهاتها الاستثماريّة؛ من التّركيز على قطّاعاتٍ بعينها إلى التّركيز على الموقع الجغرافيّ، أي من أوروبا إلى أفريقيا، إذ تقول مولونه: "أحد الأسباب التي دفعتني لذلك هو رغبتي في الاستثمار في المكان الذي أنتمي إليه، لأنّني أشعر بأنّ أفراد الشّتات عليهم أن يدركوا أن أفريقيا اليوم لم تعد كما كانت في قصص آبائنا".
وبعد أن استعادت صلتها بجذورها، بدأت مولونه في إنتاج مقاطع فيديو بلغتها الأم ونشرها على منصة "تيك توك" (TikTok)، ما قادها بشكلٍ غير متوقّعٍ إلى التّواصل مع مجتمعاتٍ في إثيوبيا، حيث وجدت أنّها قادرةٌ على تقديم قيمةٍ حقيقيّةٍ؛ فبدأت بمشاركة معلوماتٍ تعليميّةٍ عن الرّموز غير القابلة للاستبدال والبلوك تشين، وانتهت بفكرةٍ من المتابعين لإنشاء لعبة فيديو تدور أحداثها في أفريقيا. ومن هنا، وُلدت لعبة "صعود الشجعان" (Rise of Fearless)، الّتي أطلقتها في مايو من هذا العام كلعبةٍ قتاليّةٍ من نوع "الناجي الأخير" بنظام اللّعب مقابل الرّبح (Play-to-Earn)، وتستند إلى معركة "عدوة" عام 1896، وهي معركةٌ تاريخيّةٌ هزمت فيها إثيوبيا محاولات إيطاليا لاحتلالها.
وعند استرجاعها لتجربة بناء اللّعبة، تؤكّد مولونه أنّها كانت حريصةً على أن تحمل الشّخصيّات طابعاً أفريقيّاً مميزاً، من لون البشرة إلى تسريحات الشّعر، كي تكون مختلفةً عن الأبطال النّمطيّين ذوي الشّعر الأشقر والعيون الزرقاء المنتشرين في ألعاب الفيديو الأخرى. كما حرص الفريق المطوّر على أن تعكس بيئات اللّعبة طابعاً أفريقيّاً أصيلاً، بما في ذلك المنازل الطّينيّة المنتشرة في السودان قبل الحرب، والعمارة المستوحاة من حضارة النّوبة في شمال أفريقيا، والأشجار الفريدة في كينيا. وتقول مولونه: "لا يمكنني أن أنسب الفضل كلّه لنفسي؛ لأنّ المجتمع ساعدني في التّوصل إلى الفكرة؛ أنا فقط نفّذتها".
وفي جوهر لعبة صعود الشجعان، تسعى مولونه إلى تقديم طريقةٍ جديدةٍ لسرد قصّة أفريقيا. فهي، باعتبارها مسوّقةً بارعةً، تُؤمن أنّ اللّعبة قادرةٌ على تحسين صورة القارة في الخارج. تقول: "أعتقد أن تسويق أفريقيا أو آسيا أو الشرق الأوسط غالباً ما يكون سيئاً، ودائماً ما يُظهر الجريمة أو الفقر". ولهذا، اختارت أن تبني لعبتها على أساس معركة "عدوة"، لتروي قصّة انتصارٍ فريدةً. إذ توضّح قائلةً: "فكّرت، هذه قصّةٌ جميلةٌ. لماذا؟ لأن تسويق أفريقيا سيء جدّاً... فقلت، لماذا لا نحكي قصّة انتصارٍ؟ إنّها تحيّةٌ للنّضال الّذي خاضوه، وله معنى عميقٌ في أفريقيا، ولا أحد يعرف عنها شيئاً".
وفي أبريل 2025، أطلقت مولونه جولةً تمويليّةً بقيمة 700,000 دولارٍ أمريكيٍّ لتعزيز ألعاب Web3 في أفريقيا، وذلك قبيل إطلاقها الرّسميّ في متحف عدوة في العاصمة الإثيوبيّة أديس أبابا. وتؤكّد أنّ اللّعبة، التي أُطلقت في مايو، قد جمعت بالفعل 3,000 مستخدمٍ، ولديها خطّطٌ لإطلاق المتجر داخل اللّعبة خلال الصّيف، وإدماج وظائف Web3 بحلول نهاية العام. هدفها هو جذب 100,000 لاعبٍ وتحقيق إيراداتٍ تصل إلى 20 مليون دولارٍ بنهاية العام، وتشمل المشاريع المستقبليّة تطوير نسخةٍ للعبة على أجهزة الحاسوب، ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في أسلوب اللّعب.
واحدةٌ من أبرز الدّروس التي تعلمتها مولونه خلال تطوير لعبة صعود الشجعان، كما تقول، هي ضرورة ألّا يكون الدّافع الوحيد للدخول إلى السّوق الأفريقيّة هو الرّبح، إذ توضّح: "عندما تدخل السّوق الأفريقيّة، عليك أن تأخذ الجانب الاجتماعيّ بعين الاعتبار، لا يمكن أن يكون الأمر لنفسك فقط. وهذا ما يفشل فيه الكثير من النّاس عندما يدخلون هذا السّوق. يجب أن يكون هناك دائماً بُعدٌ لما يعود على المجتمع... ولهذا قلت، إذا فعلنا ذلك، ما هو السّبب بجانب التّرفيه؟ ماذا يمكن أن نقدّم؟ حسناً، يمكن أن تكون وسيلةً لكسب المال، ويمكن أن تكون وسيلةً لبناء مجتمعٍ".
يبدو أن تركيز مولونه على المجتمع يتجلّى بوضوحٍ في تعهّدها باستثمار ما لا يقلّ عن 15% من أرباح الشّركة لدعم بناء مراكز وشركات ألعابٍ في أفريقيا. وتضيف: "سيكون هدفي النّهائيّ إنشاء مراكز في جميع أنحاء القارّة حيث يمكن للنّاس أن يأتوا ويلعبوا معاً كمجتمعٍ، وسيكون هناك أيضاً دعمٌ للمطوّرين الآخرين".
كما تؤكّد مولونه أنّ لعبة صعود الشجعان تمتلك إمكانيّاتٍ كبيرةً للتّحوّل إلى فيلمٍ سينمائيٍّ، ممّا يسهم في تحقيق رؤيتها الأوسع تجاه القارة الأفريقيّة. وتضيف: "نحن نحاول أيضاً أن نقدّم درساً صغيراً في التّاريخ خلال هذه العملية؛ إذ نتحدّث عن إطلاق فيلمٍ يشبه 'الفهد الأسود' (Black Panther)، لأنّك بحاجةٍ إلى صياغة سيناريو بطوليٍّ يُظهر أفريقيا كمكانٍ رائعٍ. لذلك، أرغب في بناء هذا السّرد لبقيّة أنحاء أفريقيا، من خلال عناصر تُعيد ربط الناس بثقافتهم من جديدٍ".