الرئيسية الريادة هل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأفضل لشركات التكنولوجيا المالية؟

هل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأفضل لشركات التكنولوجيا المالية؟

حين تتدفّق الاستثمارات بوتيرةٍ غير مسبوقةٍ، وتتّسم القوانين بالمرونة، ويزداد إقبال المستهلكين، وتدعم الحكومات الإصلاحات، تزدهر التكنولوجيا المالية في المنطقة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.

لم يكن في الحسبان أن تنبثق إحدى أبرز قصص التّكنولوجيا الماليّة عالميّاً من منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، ومع ذلك، استطاعت المنطقة خلال أقلّ من عقدٍ أن تتحوّل إلى مركزٍ حيويٍّ للزّخم والابتكار. في الوقت الّذي شهدت فيه الاستثمارات في أوروبا وأمريكا الشّماليّة تباطؤاً ملحوظاً؛ فقد تجاوزت تمويلاتالتّكنولوجيا الماليّة في المنطقة 2 مليار دولارٍ أمريكيٍّ في 2024، فيما ارتفع عدد الشّركات النّشطة إلى أكثر من 1,500 شركةٍ، ممّا يعكس ديناميكيّة السّوق وازدياد الاهتمام بهذا القطّاع الواعد.

تتصدّر المملكة العربيّة السّعوديّة والإمارات ومصر هذا المشهد، مولِّدةً شركاتٍ أحاديّة القرن جديدةً، وجاذبةً المستثمرين العالميّين إلى سوقٍ يوفّر لشركات التّكنولوجيا الماليّة النّاشئة البيئة المثلى للتوسّع وتحقيق النّجاح على نطاقٍ واسعٍ. وقد أفضت هذه البيئة النّشطة إلى فرصٍ ملموسةٍ للشّركات، لتصبح المنطقة واحدةً من أكثر الأسواق جاذبيّةً للنّموّ والاستثمار في عالم التّكنولوجيا الماليّة، مقدّمةً نموذجاً فريداً لقدرة الأسواق النّاشئة على المنافسة عالميّاً.

يعزى الزّخم المتنامي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الطّريقة الّتي يُوظَّف بها رأس المال بشكلٍ استراتيجيٍّ؛ فقد دمجت صناديق الثّروة السّياديّة الخليجيّة والمجموعات العائليّة الكبرى التّكنولوجيا الماليّة ضمن محفظتها الاستثماريّة الأوسع، داعمةً الشّركات النّاشئة بسرعةٍ وحجمٍ يفوق قدرة المؤسّسين في أماكن أخرى على مجاراتهما؛ ففي المملكة العربيّة السّعوديّة وحدها، جمعت شركات التّكنولوجيا الماليّة نحو 1.3 مليار دولارٍ خلال عامَي 2023 و2024، مع جولاتٍ بارزةٍ مثل الجولة الّتي نفّذها بنك الاتصالات السعودية (stc) بقيمة 200 مليون دولارٍ، لتحدّد معايير جديدةً للقطّاع. وسارت الإمارات على نفس النّهج، حيث تصدّرت الصّناديق المقيمة في دبي نسبةً كبيرةً من جولات التّمويل الخليجيّة في 2024. تُقصّر هذه السّيولة العميقة الطّريق من مرحلة التّمويل الأوّليّ إلى مرحلة النّموّ، متجاوزةً التّوقّفات الطّويلة والجولات الهابطة الشّائعة في أوروبا وأمريكا الشّماليّة. ويُقاس متوسّط زمن الصّفقات في الخليج غالباً بالأسابيع بدلاً من الأشهر، ما يُعيد تشكيل إيقاع بناء الشّركات ويمنح الشّركات النّاشئة في المنطقة ميّزةً نادرةً، تُتيح لها التّوسّع وتحقيق النّجاح بوتيرةٍ أسرع وأكثر استدامةً.

حقّقت الشّركات النّاشئة في المنطقة زخماً متسارعاً نتيجة النّهج الّذي اعتمدته الجهات التّنظيميّة، جامعةً بين فتح الأبواب أمام الابتكار والحفاظ على الرّقابة الصّارمة؛ فقد أصدر البنك المركزيّ السّعوديّ ثلاث تراخيص للبنوك الرّقميّة وأدار بيئةً تجريبيّةً "صندوق الرمال" (sandbox)، أُجيزت فيها أكثر من 50 نموذجاً جديداً في مجالات المدفوعات والإقراض وأدوات إدارة الثّروات، ما مكّن الشّركات من اختبار منتجاتها على نطاقٍ واسعٍ دون المساس بثقة العملاء أو المستثمرين.

تبنّت الإمارات والبحرين نهجاً مماثلاً، موفّرتين للشّركات النّاشئة مساراتٍ منظّمةً لتجربة المنتجات تحت المراقبة قبل الانتقال إلى التّراخيص الكاملة. وبدأت السعودية أيضاً في تطبيق نظام "البنوك المفتوحة" تدريجيّاً، مُلزِمةً جميع البنوك بالطّرح الكامل لهذه الخدمة بحلول 2025، لتؤسّس بذلك بيئةً تنظيميّةً متوازنةً تمكّن الابتكار وتضمن الرّقابة المحكمة، وتمنح الشّركات النّاشئة القدرة على التّوسّع بثقةٍ واستدامةٍ.

تفتح هذه الإجراءات للشّركات الصّغيرة أبواب الوصول إلى البيانات الّتي كانت محجوزةً سابقاً لدى اللّاعبين الكبار، وتوضّح كيف يُمكن للشّركات النّاشئة أن تنمو ضمن الإطار التّنظيميّ دون الانزلاق في المناطق الرّماديّة الشّائعة في أسواقٍ أخرى. وتعتمد قوّة سوق التّكنولوجيا الماليّة في المنطقة على خصائصها الدّيموغرافيّة، حيث يشكّل الشّباب نسبةً كبيرةً من السّكان، مع أكثر من نصف السّكان دون سن الثّلاثين، ويصل معدّل انتشار الهواتف الذّكية في دول الخليج إلى أكثر من 90 %. هذا المزيج من الشّباب والتّغطية الرّقميّة خلق قاعدة مستهلكين جاهزةً لتبنّي الخدمات الماليّة الجديدة بسرعةٍ.

شهدت السّعوديّة تحوّلاً ملحوظاً؛ ففي وقتٍ لم يكن فيه نحو 70% من البالغين جزءاً من النّظام المصرفيّ الرّسميّ قبل عقدٍ من الزّمن، نما استخدام المحافظ الرّقميّة بأكثر من 40% سنويّاً. كما ارتفعت خدمات "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" بشكلٍ لافتٍ، مع معدّلات اعتمادٍ من بين الأعلى عالميّاً، ممّا يعكس سرعة التّغيّر في سلوك المستهلكين وقبولهم للابتكار الماليّ. كما تشهد مصر تأثيراً مماثلاً، إذ تتعامل المدفوعات عبر الهاتف المحمول الآن مع معاملاتٍ بمليارات الدّولارات سنويّاً. بالنّسبة لمؤسّسي شركاتالتّكنولوجيا الماليّة، تمثّل هذه الظّروف قاعدة عملاء شابةً ومتفاعلةً، مستعدّةً لتبنّي أساليب جديدةٍ لإدارة الأموال بسرعةٍ وفعاليّةٍ، ما يجعل المنطقة بيئةً خصبةً للنّموّ والابتكار.

شكّلت الاستراتيجيّات الحكوميّة محرّكاً رئيسيّاً لنموّ قطّاع التّكنولوجيا الماليّة في المنطقة، إذ اعتُبر التّمويل الرّقميّ جزءاً لا يتجزّأ من الإصلاحات الاقتصاديّة الشّاملة؛ ففي المملكة، حددّت رؤية 2030 هدف رفع نسبة المعاملات غير النّقديّة إلى 70% بحلول نهاية العقد، وأسهمت برامج مثل (Fintech Saudi) في نقل المئات من الشّركات النّاشئة من مرحلة التّجربة إلى السّوق الفعليّة. وتضمّن الدّعم العامّ تمويلاً مباشراً وحاضنات أعمالٍ، إضافةً إلى إنشاء روابط متينةٍ بين الجهات التّنظيميّة والبنوك والجامعات لتعزيز قاعدة المواهب الماهرة.

سارت الإمارات على نهجٍ موازٍ، حيث أسهمت مؤسّساتٌ -مثل مركز دبي الماليّ العالميّ (DIFC) وسوق أبوظبي العالميّ (ADGM) في تأسيس مراكز ابتكار للتّمويل الرّقميّ، تربط الشّركات النّاشئة بالتّمويل وتوفّر لها دعم التّراخيص، ممّا يعزّز قدرتها على النّموّ السّريع. كما برزت البحرين كمبادِرٍ أوّل في تطبيق قواعد "البنوك المفتوحة" على المستوى الإقليميّ، ما جذب شركاتٍ عابرةً للحدود وأسهم في توسيع نطاق المنافسة، إذ تُتيح هذه المبادرات للشّركات النّاشئة الوصول إلى مسارات تراخيص واضحةٍ، ودعمٍ مؤسّسيٍّ متينٍ، ووفرةٍ في الكفاءات المتخصّصة، بما يسهل تأسيس الشّركات وتوسيع نطاق أعمالها بكفاءةٍ واستدامةٍ.

تتجاوز قصّة قطّاع التّكنولوجيا الماليّة في المنطقة حدود السّياسات المحليّة لتكتسب بعداً دوليّاً، إذ لم تقتصر المبادرات على دعم الشّركات النّاشئة محليّاً، بل امتدّت لتعزيز التّرابط مع الأسواق الإقليميّة والدّوليّة؛ فقد دفعت المملكة العربية السعودية تطبيقات المدفوعات عبر الحدود إلى الأمام، وربطت أنظمة الدّفع مع الإمارات، وشرعت في اختبار العملات الرّقميّة لتسوية التّجارة، ما أسهم في تسهيل المعاملات العابرة للحدود. واستفادت عدّة شركات تكنولوجيا ماليّةٍ مدعومةٍ من دول الخليج من هذا الإطار، موسّعةً نشاطها إلى مصر وباكستان وأجزاءٍ من أفريقيا، مستفيدةً من موقع المنطقة الاستراتيجيّ كجسرٍ يربط الأسواق الكبرى المجاورة، وهو ما يعكس قدرة المنطقة على دمج الابتكار المحليّ مع الفرص الإقليميّة بطريقةٍ متسارعةٍ وفعّالةٍ.

تُبرز المقارنات العالميّة حجم هذا التّقدّم؛ ففي حين تظلّ لندن وسنغافورة مراكز راسخةً للقطّاع، من المتوقّع أن ينمو إيراد التّكنولوجيا الماليّة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكثر من ضعف المعدّل العالميّ، ليصل إلى معدّلٍ سنويٍّ متوقّعٍ يبلغ 35% حتّى عام 2028، وهو ما يمنح المؤسّسين ميّزةً مزدوجةً: سوقٌ محليّةٌ سريعة النّموّ وقاعدة انطلاقٍ للوصول إلى الأسواق المجاورة في أفريقيا وجنوب آسيا.

يضع هذا النّموّ قطّاع التّكنولوجيا الماليّة في قلب الدّيناميكيّة العالميّة، حيث يتدفّق رأس المال بوتيرةٍ قياسيّةٍ، وتتمتّع الأطر التّنظيميّة بهيكليّةٍ واضحةٍ مع مرونةٍ تشجّع الابتكار، بينما يزداد الطّلب الاستهلاكيّ قوّةً، وتستمرّ الحكومات في دعم القطّاع ضمن إصلاحاتٍ اقتصاديّةٍ شاملةٍ. توبرز المملكة العربيّة السّعوديّة والإمارات ومصر على رأس هذا المشهد، غير أنّ أثر هذه الدّيناميكيّة إقليميٌّ، يمتدّ ويعبر الحدود الوطنيّة، ليتيح للمؤسّسين والمستثمرين سوقاً يربط النّموّ الحاليّ مباشرةً بتشكيل مستقبل الأنظمة الماليّة في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفريقيا وجنوب آسيا في السّنوات المقبلة.

حول الكاتب

هل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأفضل لشركات التكنولوجيا المالية؟

يشغل شيلدون لابوشاغني منصب الرّئيس التّنفيذيّ لـ"مجموعة نايتسبريدج" (Knightsbridge) ويعمل في مجالي الاستثمار الدّوليّ والهجرة التّجاريّة منذ عام 2010، مكتسباً خبرةً واسعةً في توجيه عملاء الشّركة وأعمالهم عبر المسارات المعقّدة للاستثمار والتّوسّع التّجاريّ.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 7 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: