تعيد SPICE تشكيل اقتصاد المطاعم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.

تُطلق منصّة "سبايس" (SPICE)، وهي منصّة راقية لتجارب الطعام وتقنيات المطاعم أسّسها زيد حسبان (Zeid Husban)، ووادي حاوي (Wadi Hawi)، ويوسف صوالحة (Yousef Sawalha)، نشاطها في المملكة العربيّة السعوديّة بعد خروجها من مرحلة التخفي، مدعومةً بمستثمرين إقليميّين بارزين في قطاع الضيافة والتقنية يشاطرون المؤسّسين طموحهم لإعادة تشكيل اقتصاد المطاعم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وبدخول سبايس إلى السوق، يكون المؤسّسون الثلاثة قد شقّوا طريقهم بعد تأسيس مشروعين إقليميّين بارزين قبل ذلك: "آي فود دوت جو" (ifood.jo)، أوّل مُجمِّع لطلبات الطعام في الأردن الرابط بين الروّاد والمطاعم، ونظام "بوس روكِت" (POSRocket)، وهو نظام نقاط بيع سحابي استحوذت عليه لاحقاً شركة "فوديكس" (Foodics) السعوديّة. وبفضل مشروع يرتكز على سلوك المستهلك وآخر على تشغيل المطاعم، راكم المؤسّسون خبرةً تمتدّ لأكثر من عقدٍ على جانبي المنظومة، وهي خبرة أسهمت في تشكيل الرؤية التي تقود سبايس اليوم.

وقادت تلك التجربة المؤسّسين نحو نموذج تمويلي يعدّونه خلاصة ما عاشوه لسنوات في قطاع المأكولات والمشروبات. ونمت سبايس من ملاحظتهم أنّ نجاح المطاعم يتطلّب انسياباً ماليّاً مستمرّاً وطلباً حقيقيّاً من الزبائن، في حين أنّ عدداً كبيراً من المشغّلين في الأسواق عالية النمو ما زالوا يعانون للحصول على أيٍّ منهما. وفي حديث مع "عربية .Inc"، أوضح زيد أنّ الشركة، على الرغم من انطلاقتها الرسميّة أواخر عام 2024، تستند فعليّاً إلى جذور تمتدّ إلى مشاريعهم السابقة.

وقال زيد: "بنينا نحن الثلاثة مطاعم لِما يزيد على عقد من الزمن. وبين آي فود دوت جو، أوّل مُجمِّع للطعام في الأردن، وبوس روكِت، نظام نقاط البيع (POS) السحابي الذي استحوذت عليه فوديكس، عشنا كلّ جوانب رحلة المأكولات والمشروبات: الفوضى، والشغف، والانكسارات، والنمو. وبعد خروجنا الأخير، انتقلنا إلى السعوديّة، وبصراحة، غيّر ذلك الانتقال كلّ شيء. السوق هنا ضخمة، سريعة، ومهووسة ثقافيّاً بالطعام. لكن، خلف قصص النجاح، ظللنا نلتقي مطاعم مذهلة تفعل كلّ ما ينبغي… وتظلّ تعاني".

وتفيد السنوات التي قضاها مؤسّسو سبايس في بناء منصّات موجّهة للمستهلك وأخرى موجّهة لعمليات المطاعم في ردّ فجوة السوق. وأوضح زيد: "مع آي فود دوت جو، أدركنا علم النفس الذي يقود خيارات الطعام لدى المستهلك. ومع بوس روكِت، رأينا الخلفية التشغيليّة: الأرقام، نقاط الألم الماليّة، والواقع العملي. وأتاح ذلك المزيج لنا رؤية شاملة بزاوية 360 درجة تمكّننا من إدراك ما تحتاجه المطاعم. وليس ما تحتاجه هو القروض؛ وليس المزيد من التطبيقات؛ بل الانسجام. فسبايس، على خلاف البنوك أو منصّات الإقراض، ليست أداة ماليّة؛ إنّها محرّك انسجام. نحن نقدّم للمطاعم رأس مال مُقدّمًا، بلا دين، ولا حصص، ولا سداد، وفي المقابل، نملأ موائدها بروّاد يدفعون فعليّاً. ويعمل هذا النموذج لأنّ الحوافز تتناغم أخيراً".

وبالنسبة إلى سبايس، أعاد البحث عن روّاد جدد للمطاعم كلّ شيء إلى فجوة واحدة في السوق. وقال زد : "تعيش المطاعم على عنصرين: النقد والزبائن. ومعظمها لا يملك ما يكفي من كليهما. ولذلك بنينا سبايس لمعالجة تلك الفجوة." وتقدّم الشركة لذلك رأس مال الطعام (Dining Capital)، وهو نموذج يمنح المطاعم تمويلًا مُقدّمًا خاليًا من الديون والحصص والضغوط التقليديّة المرتبطة بالسداد، ويربط ذلك الدعم مباشرةً بالروّاد الذين تجلبهم المنصّة إلى أبواب تلك المطاعم. ويعرض المؤسّسون هذا النموذج باعتباره فئةً جديدة من التمويل، تعتمد فيها العوائد على الطلب المجتمعي الذي يساعد المطاعم على النمو، بدلًا من الأدوات الماليّة التقليديّة.

وقال زيد: "تتمثّل مهمّتنا ببساطة في إشعال اقتصاد طعام جديد تزدهر فيه المطاعم ويتألّق الروّاد. نحن نساعد المطاعم على النمو بلا ضغط، ونُلهم الروّاد لعيش «قليل من الحياة» والاستمتاع بتجارب طعام استثنائيّة. وسبايس هو ما يحدث عندما نأخذ كلّ ما تعلّمناه عبر (B2B) و(B2C)، ونبني نموذجاً يُنسّق أخيراً مصالح الجميع على المائدة".

وتبرز حقيقة أنّ سبايس صُمِّمت خصيصاً لتلبية احتياجات السوق السعودي غير الملبّاة، بالتزامن مع استثمار الزخم الحالي في البلاد وحجم نموّها. ويُرجع زيد الفضل في ذلك إلى طفرة المطاعم في المملكة، وظهور مفاهيم طهو جديدة، وتدفّق السياحة، ما ولّد أحد أكثر المشاهد التنافسيّة في المنطقة، وخلق، كما وصفه، "فرصة لا تتكرّر إلا مرّة واحدة في جيل".

ويقف إلى جانب محرّك التمويل تطبيق طعام راقٍ بناه يوسف، الرئيس التقني لسبايس. ويجمع التطبيق بين الذكاء الاصطناعي وبين الانتقاء البشري لمساعدة الروّاد على اكتشاف المطاعم وحجز الطاولات وتلقّي توصيات مخصّصة. وتعدّ هذه المزاوجة بين التمويل والتجربة عنصراً أساسيّاً في وقت ينتقل فيه الطعام من كونه نشاطاً تبادليّاً إلى كونه تجربةً تعبيريّة واجتماعيّة تمتدّ عبر المنطقة.

وتعتزم سبايس إعلان شركائها الأوائل من المطاعم مطلع عام 2026 مع توسّع نشاطها في الرياض، مع خطط للنمو نحو الإمارات ودول الخليج وأوروبا. وسيجري إطلاق التطبيق وفق آليّة الدعوات الحصريّة، ترسيخاً لطبيعة التجربة المنتقاة التي يرغب المؤسّسون في ترسيخها أثناء إدخال نموذج رأس مال الطعام إلى مشهد الضيافة السريع في السعوديّة.

وكشف زيد أنّ سبايس حصلت كذلك على دعم مؤسساتي واستراتيجي يساعدها على التوسّع في الخليج. وقال: "يحظى سبايس بدعم مستثمرين مؤسّساتيّين واستراتيجيّين يفهمون قطاع الضيافة والتقنية معًا. إنّهم أشخاص عاشوا في هذا القطاع ويعرفون إلى أين يتّجه. وهم لا يستثمرون في سبايس فحسب؛ إنّهم يستثمرون في مستقبل الطعام. ولدينا القدرة على التوسّع بقوّة في الخليج، ونبني سبايس باعتبارها رائدة في فئتها. طموحنا عالمي، ومستثمرونا يشاطروننا هذه الرؤية".

وعند إلقاء نظرة أوسع على مشهد استثمارات المأكولات والمشروبات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أوضح زيد أنّه يرى شهية المستثمرين تتطوّر على نحو يدعم أطروحة سبايس. وقال: "يزداد وعي المستثمرين حدّة. المنطقة تنضج بسرعة، والسعوديّة تتحوّل إلى واحد من أكثر أسواق الطهو إثارة في العالم. لم يعُد السائحون يسألون عمّا نفعله، بل أين نأكل. والمستثمرون يلتقطون الإشارة؛ لم يعودوا يدعمون «مطاعم» فحسب، بل يستثمرون في علامات يتجمّع الناس حولها. ومع ارتفاع توقّعات المستهلكين، لم يعُد الروّاد يريدون طعامًا رائعًا فقط؛ يريدون قصّة، وفرادة، وقابلية للمشاركة، وتجارب تشعرهم بخصوصيّتهم".

وبحسب رؤية زيد، تضع تلك التحوّلات سبايس في قلب تحوّل أوسع في طريقة تعامل الناس مع الطعام. وقال: "نؤمن بأنّ مستقبل الطعام لا يقتصر على تناول الوجبات خارج المنزل؛ بل يتعلّق بالانتماء وأسلوب العيش. ومهمّتنا أن نُموّل ذلك التحوّل، ونربطه، ونعجّل به، مطعمًا تلو الآخر".