رزان العجمي: أول سعودية تقفز بالمظلة وتحطم الحواجز
رحلةٌ ملهمةٌ تكشف كيف يمكن لشغف الرّياضة أن يتحوّل إلى رسالةٍ، متحديّاً الخوف والعقبات الاجتماعيّة، ويفتح آفاقاً جديدةً لرياضةٍ ناشئةٍ في المملكة

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
قبل أن ترتدي المظّلة يوماً ما، كانت رزان العجمي، أوّل امرأةٍ سعوديّةٍ تمارس القفز المظّلي، تطارد الأفق. نشأت بين صحارى المملكة الواسعة وسمائها المفتوحة، وقضت طفولتها في رحلات تخييمٍ طويلةٍ وسفراتٍ عبر البلاد، ما نسج بداخلها رابطاً عميقاً مع الطّبيعة.
تقول العجمي لـ "عربية .Inc": "منذ صغري، كُنت أقضي الكثير من الوقت في أحضان الطّبيعة والصّحراء. كانت عائلتي تذهب كثيراً في رحلات تخييمٍ وتسافر لمسافاتٍ طويلةٍ، وهذا ما بنى بداخلي ارتباطاً قويّاً مع الهواء الطّلق. لهذا السّبب كنت دائماً أنجذب إلى الرّياضات الّتي تمارس في الطّبيعة، والّتي تحمل صلةً وثيقةً بها. ذلك الشّغف قادني لاغتنام فرصة تعلّم القفز المظلّي. أن أصبح أوّل امرأةٍ سعوديّةٍ تمارس هذه الرّياضة هو إنجازٌ منحنيٌّ الحافز لتمهيد الطّريق أمام الآخرين -وخاصّةً النّساء- اللّواتي يردن تعلمها أو دخول هذا المجال".
ولكن دخول أرضٍ جديدةٍ لم يكن بلا مخاطر؛ فتعترف العجمي: "لم يكن الأمر سهلاً أبداً، كان هناك الكثير من الخوف. ذلك الخوف نفسه أصبح تحديّاً لي؛ وكنت أطرح على نفسي سؤالاً دائماً: لماذا يجب أن أخاف إذا كان غيري قد فعلها؟". ولكن البداية لم تكن مرتبطةً بالخوف فقط، بل بتجاوز تردّد أسرتها حيال ممارستها لهذه الرّياضة؛ فتقول: "كان هناك قلقٌ على سلامتي، وبأنّها رياضةٌ خطيرةٌ. تفهمّت وجهة نظرهم، لكنّني كنت أعلم أيضاً أن عليّ أن أبني طريقي بنفسي؛ فعملت بجدٍ -وأحياناً في وظيفتين- فقط لأدّخر ما يكفي من المال للسّفر والتّدريب والاستمرار في التّقدّم في هذه الرّياضة".
وما بدأ كمسعىً شخصيٍّ تحوّل إلى رسالةٍ أكبر بكثيرٍ من أهدافها الخاصّة؛ فتقول العجمي: "أصبح كوني أوّل امرأةٍ سعوديّةٍ في رياضة القفز المظلّي وأوّل مدرّبةٍ هنا نقطة تحوّلٍ حوّلت شغفي إلى مهمّةٍ، ورسالةٍ يجب أن أنقلها لكلّ من يرى هذه الرّياضة خطيرة. بعيداً عن شغفي الشّخصيّ، يقودني طموحي إلى إنشاء مكانٍ في المملكة يستطيع فيه الأبطال والمحترفون أن يظهروا ويمثّلوا السّعوديّة بفخرٍ في هذه الرّياضة".
وهذا ما دفعها إلى تأسيس وكالتها الخاصّة للقفز المظلّيّ، إنجازٌ آخر يضاف إلى مسيرتها في السّعوديّة؛ فتقول: "الأصعب كان أن أكون رائدةً في كلّ شيءٍ، من دون تجارب سابقةٍ أستند إليها، أو موارد وموجهين يساعدونني على تجنّب الأخطاء. وبما أنّ القفز المظلّي رياضةٌ جديدةٌ، خاصّةً في السّعوديّة، فإنّ إطلاق هذه الوكالة يُعدّ الأوّل من نوعه في المملكة. هدفنا أن نصبح واحداً من أكبر أندية القفز المظلّي في الشّرق الأوسط".
لكن الرّحلة لم تكن سهلةً أبداً، كما تقول العجمي. "واجهت الكثير من التّحديّات على الطّريق، خاصّةً الحواجز الاجتماعيّة والثّقافيّة، لأنّ القفز المظلّي ليس رياضةً مألوفةً للنّساء في مجتمعنا. وعلى الصّعيد المؤسّسيّ، كانت الموارد والدّعم المحلّيّ محدودين، ممّا جعل التّقدّم أكثر صعوبةً. ومع ذلك، كان شغفي وطموحي مصدر قوتي. كنت أواجه كلّ تحدٍ بعزيمةٍ، أتعلّم من كل عقبةٍ وأحوّلها إلى وقودٍ يدفعني إلى الأمام. هذا الصّمود هو ما مكّنني في النّهاية من تحقيق أهدافي كقافزةٍ مظليّةٍ ورائدة أعمالٍ".
وتوضّح العجمي أنّها لم ترَ فرقاً بين متعة السّقوط الحرّ وصعوبة بناء عملٍ تجاريٍّ؛ فتقول: "كلاهما يعني القفز إلى المجهول، حيث لا يوجد شبكة أمانٍ أو مسارُ واضحُ مسبقاً. بالنّسبة لي، المخاطرة ليست شيئاً يدعو للخوف، بل اختبارٌ للشّجاعة والثّقة بالنّفس. عندما لا يكون هناك مخطّطٌ جاهزٌ، أعتمد على حدسي وشغفي وإصراري. كلّ قفزةٍ، وكلّ قرارٍ أشعر أنّه تحليقٌ في المجهول، لكن في تلك اللّحظة من السّقوط الحرّ أجد قوّتي".
بالنّسبة للعجمي، لم تكن التّحديّات في أيّ وقتٍ إشارةً للتّوقّف؛ فتقول: "أحتضن الخوف، لأنّه يعني أنّني حيّةٌ، أنّني أنمو، وأنّني أكسر أرضاً جديدةً. الطّريق إلى الأمام هو أن أثق بالرّحلة وأواصل الدّفع، حتّى عندما لا يكون المستقبل واضحاً". وكان الصّمود هو ما استندت إليه في لحظات الشّك؛ فتقول: "معظم النّاس لا يعرفون أنّني واجهت الكثير من الإخفاقات والعثرات مقارنةً بإنجازاتي ونجاحاتي. لكن مع كلّ فشلٍ، تعلّمت شيئاً جديداً. خاصّةً أنّني بدأت في مجالٍ جديدٍ تماماً، مع قلّة قليلةٍ من الأشخاص الّذين يمكن أن أعتمد عليهم. كان عليّ أن أبني كلّ شيءٍ وحدي. كان الأمر صعباً للغاية، لكنّني في النّهاية تمكّنت من تجاوز تلك التّحديّات".
وبالنّسبة لنصائحها لمن يرغبون في دخول مجالاتٍ تبدو بعيدة المنال، تصرّ العجمي على أنّ الطريق لا يجب أن يكون معقّداً ليكون فعّالاً؛ فتقول: "هناك الكثير من الكلام التّحفيزيّ، لكن الحقيقة أنّ الأمور البسيطة هي الّتي تُحدث أكبر فرقٍ. آمن بحلمك وهدفك. واستمرّ في المحاولة ولا تستسلم. تجنّب مقارنة نفسك بالآخرين، ولكن تعلّم من تجاربهم دائماً؛ فهذه هي الخطوات الأساسيّة لاختراق أيّ مجالٍ يبدو مستحيلاً".