الرئيسية الريادة من التأسيس إلى الريادة: المرأة الإماراتية في ريادة الأعمال

من التأسيس إلى الريادة: المرأة الإماراتية في ريادة الأعمال

في مشهدٍ تتّسع فيه آفاق التّنمية، تنهض المرأة الإماراتيّة بوعيٍ نافذٍ ومسؤوليّةٍ أصيلةٍ، فتمضي نحو المستقبل صانعةً أثراً لا يُمحى في معمار الوطن

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

غيّرت السّياسات الدّاعمة الّتي أطلقتها الإمارات خلال العقد الأخير مسار ريادة الأعمال النسائية، حتّى لم تعد المرأة الإماراتيّة حاضرةً فقط في الهياكل الإداريّة، بل أصبحت شريكاً فاعلاً في قيادة الاقتصاد وتشكيل خريطة الأعمال. فقد انتقلت من الأدوار التنفيذيّة المحدودة إلى مواقع اتّخاذ القرار، وقادت مبادراتٍ ومشاريع مؤثّرةً في قطاعاتٍ متنوّعةٍ تشمل التّقنية، والتّجارة، والصّناعات الإبداعيّة، والطّاقة، والخدمات الرقميّة.

ويؤكّد هٰذا التّحوّل ما أعلنته مؤسسة "دبي للمشاريع الصّغيرة والمتوسّطة" من تسجيل أكثر من 6,000 رائدة أعمالٍ إماراتيّةٍ خلال عامي 2024–2025، بزيادةٍ سنويّةٍ بلغت 12% مقارنةً بالعام السّابق. تعكس هٰذه الأرقام توسّع الحضور النّسائيّ في بيئة الأعمال، ليس على مستوى التّأسيس فحسب، بل أيضاً على مستوى الابتكار والرّيادة في الأفكار والمجالات المستقبليّة. [1]

بيئة تشريعية محفزة لريادة الأعمال النسائية

سنّت الحكومة الإماراتيّة قوانين متقدّمةً أتاحت التّملّك الكامل للمشاريع في معظم القطاعات، بما في ذٰلك القطاعات الّتي كانت. في السّابق، محصورةً على شركاء محلّيّين. وأطلقت برامج تمويلٍ ضخمةً تجاوزت قيمتها ‎40‎ مليار درهمٍ إماراتيٍّ، لدعم رائدات الأعمال وتوسيع نطاق فرصهنّ في سوق العمل، في خطوةٍ تعكس التزام الدّولة بتذليل العقبات أمام النّساء الرّاغبات في إنشاء مشاريعهنّ الخاصّة.

وفقاً لمجلّة "أنتربرنور" (Entrepreneur)، حقّقت الإمارات تقدّماً سريعاً في تنفيذ هٰذه التّشريعات مقارنةً بدولٍ أخرىٰ، مثل ألمانيا وهولندا، ممّا جعلها منصّةً إقليميّةً مفضّلةً لسيّدات الأعمال في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا. فسرعة الإجراءات وتوافقها مع أفضل المعايير الدّوليّة، أكسبت البلاد ميزةً تنافسيّةً فارقةً، تؤهّلها لتكون نقطة انطلاقٍ لريادة الأعمال النّسائيّة في المنطقة. [2]

أرقام تكشف تحوّلاً جذريّاً في طموح النساء الإماراتيات

كشفت دراسةٌ أجرتها شركة "ماستركارد" (Mastercard) أنّ ‎84‎% من النّساء في دولة الإمارات يفكّرن بجدّيّةٍ في إطلاق مشاريع خاصّةٍ بهنّ خلال عام ‎2025‎. ويعكس هٰذا الرّقم نقلةً نوعيّةً في الثّقافة الاقتصاديّة لدى النّساء، إذ لم يعد طموحهنّ مقصوراً على الوظائف التّقليديّة، بل أصبح متوجّهاً نحو بناء الكيانات الاقتصاديّة المستقلّة الّتي تحمل هويّةً شخصيّةً ورؤيةً مستقبليّةً. [3]

ولم تكن هٰذه الرّغبة في ريادة الأعمال ناتجةً عن حماسٍ شخصيٍّ فقط، بل أضحت ضرورةً اجتماعيّةً ومساراً للتّمكّن الاقتصاديّ، خصوصاً بعد أن أكّد تقريرٌ لمنصّة "ستارت أب وورلد" (Startup World) أنّ ‎24‎% من رائدات الأعمال في الإمارات يقمن بدور المعيل الأوّل لأسرهنّ. ويشير هٰذا إلى تعاظم دور المرأة في دعم الاقتصاد العائليّ، وتحمّلها لمسؤوليّاتٍ كانت تعتبر، فيما مضى، حكراً على الرّجل.

وفي نفس السّياق، أظهرت الإحصاءات أنّ ‎66‎% من سيدات الأعمال الإماراتيات يتوقّعن نموّاً ملموساً في مشاريعهنّ خلال خمس سنواتٍ، وهو ما يدلّ على وجود رؤيةٍ طويلة الأمد وثقةٍ كبيرةٍ في بيئة الأعمال وفي قدراتهنّ الشّخصيّة. ولا يأتي هٰذا التّفاؤل في فراغٍ، بل يستند إلى منظومةٍ داعمةٍ من التّشريعات والبرامج والمبادرات الّتي تسعى لتمكين المرأة وتحفيزها على خوض غمار الأعمال بثقةٍ واستقلالٍ.

تعكس هٰذه الأرقام والمعطيات مدى تغيّر وعي النّساء وتوسّع آفاقهنّ، كما تؤكّد دخول الإمارة في مرحلةٍ جديدةٍ تتّسم بتجديد دور المرأة في السّياق الاقتصاديّ، لا كمساهمةٍ فقط، بل كرائدةٍ وصاحبة قرارٍ ورؤيةٍ.

قصص نجاح في ريادة الأعمال النسائية في الأمارات

توثق هذه النّماذج نساءً خضن التّجربة بجرأةٍ وإصرارٍ، وتحولن إلى قائداتٍ وملهماتٍ في مجالاتٍ تنوعت بين التّكنولوجيّا والعطور والتّعليم والرّيادة الرّقميّة:

الدكتورة سارة المعداني

  • المجال: الأزياء، الابتكار الرّقمي، والمشاريع الخدميّة.

تجسّد الدّكتورة سارة المعداني نموذجاً لامرأةٍ إماراتيّةٍ كسرت القوالب التّقليديّة واقتحمت عالم الأعمال منذ سنٍّ مبكرة. ففي الخامسة عشرة، أطلقت علامتها الخاصّة في تصميم العباءات "روج كوتور"، وقدّمت تصاميم جمعت بين الحداثة وروح التّراث بأسلوبٍ غير مسبوقٍ. لم تتوقف عند الموضة، بل توسّعت إلى مشاريع مبتكرةٍ في التّسويق الرّقميّ، مثل شركة "سوشيال فِش" (Social Fish)، وأسّست منصة "هلاهاي" (Halahi) الّتي تتيح للجمهور التّواصل مع المشاهير بأسلوبٍ رقميٍّ مباشرٍ، إلى جانب استثماراتٍ متنوعةٍ في قطّاعات المطاعم والخدمات الرّقميّة.

في عام 2014، أصبحت أصغر عضوٍ في مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الشّارقة، ثم انضمّت لاحقاً إلى مجلس المشاريع الصّغيرة والمتوسطة بوزارة الاقتصاد، لتسهم في رسم السّياسات الدّاعمة لريادة الأعمال النّسائيّة. كما نالت دكتوراه فخرية في ريادة الأعمال من إحدى الجامعات الدّوليّة عام 2018، تقديراً لجهودها في دعم التّمكين الاقتصادي للمرأة.

تنطلق سارة في مسيرتها من قناعةٍ راسخةٍ بأنّ الرّيادة لا تقاس بالمنتج فقط، بل بالرّؤية الّتي تقوده. لهذا، تركّز على بناء مشاريع تعكس القيم المحليّة وتملك في الوقت نفسه مقومات التّوسع العالميّ. كما تحرص على تمكين الجيل الجديد من رائدات الأعمال من خلال ورشٍ ولقاءاتٍ إرشاديّةٍ تركّز على القيادة والإبداع. بهذه الرّؤيّة المتفرّدة، صنعت سارة المعداني بصمةً متميزةً تمزج بين الفنّ والتّكنولوجيا، وبين الأصالة والطّموح.

الدكتورة أماني الماجد

  • المجال: تعلّم الآليّ والذكاء الاصطناعي.

تعدّ الدّكتورة أماني الماجد إحدى أبرز الأصوات العلميّة الإماراتيّة في مجال الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً في تطبيقات "التّعلّم الآليّ" (Machine Learning) في القطّاعين الطّبّيّ والصّناعيّ. قادت فريقاً بحثيّاً في "جامعة خليفة" (Khalifa University)، حيث طوّرت نماذج تنبّئيّةً قادرةً على رصد المضاعفات الطّبّيّة للمرضى قبل حدوثها، ممّا رفع دقّة التّشخيص في أقسام الطّوارئ، وخفّض مدّة اتّخاذ القرار الطّبّيّ بمعدّلٍ نسبيٍّ بلغ ‎35‎%.

نشرت أماني أكثر من ‎25‎ بحثاً محكماً في أرقى الدّور العالميّة، مثل دار النّشر "إلسيفيير" (Elsevier)، مسهمةً بشكلٍ فاعلٍ في إثراء الأسس النّظريّة والتّطبيقيّة للتّعلّم الآليّ في مجال الصّحّة. كما حصلت على براءة اختراعٍ لإطارٍ حاسوبيٍّ مبتكرٍ يعتمد على بيانات الأجهزة القابلة للارتداء، لرصد المؤشّرات الحيويّة في الوقت الفعليّ، ممّا يسمح للطّبّ الوقائيّ بأن يسبق العرض والمرض.

وفي إطار جهودها التّطبيقيّة، أشرفت الدّكتورة أماني على شراكاتٍ بين مختبرها وعدّة مستشفياتٍ وطنيّةٍ، ومجمّعاتٍ صناعيّةٍ في قطّاع الطّاقة، وذٰلك لتطبيق خوارزميّات الصّيانة التّنبّئيّة، الّتي أسفرت عن تقليل الهدر التّشغيليّ ورفع كفاءة الإنتاج.

وبجانب البحث والتّطوير، أطلقت برنامجاً صيفيّاً ممكّناً خُصّص لطالبات المدارس والجامعات، يعنى بتعليمهنّ أساسيّات التّعلّم العميق وبناء نماذج ذكاءٍ اصطناعيٍّ فعّالةٍ، على أن تعرض هٰذه المشاريع في مؤتمر "شباب الذكاء الاصطناعي في خليفة" (Khalifa AI Youth).

من خلال هٰذه المبادرات، لم تقم أماني حدوداً لطموحها، بل سعت لكسر الصّور النّمطيّة الّتي كانت تحول دون انخراط النّساء في مجال علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي. وفي ذٰلك، أرست حضوراً إماراتيّاً مميّزاً في المجتمع العلميّ الدّوليّ، كما فتحت الأفق أمام جيلٍ جديدٍ من الفتيات ليؤمنّ بأنّ التّقنية ليست حكراً، بل هي أداةٌ للتّمكين والقيادة وتغيير الواقع.

أمنة الحبتور

  • المجال: العطور الفاخرة.

أعادت أمنة الحبتور تعريف العطر بوصفه وسيلةً للحكاية لا منتجاً فقط، وجعلت منه امتداداً للهويّة الثّقافيّة والذّاكرة الحسّيّة. وعندما أطلقت علامتها "أركاديا" (Arcadia) في دبي عام 2017، لم تكتف بابتكار تركيباتٍ عطريّةٍ، بل نسجت عالماً من الرّوائح الّتي تروي قصصاً وتثير مشاعر دفينةً، مستلهمةً مزيجاً من التّراث العربيّ والذّوق العالميّ المعاصر.

قدّمت الحبتور أكثر من 20 تركيبةً عطريّةً ضمن مجموعاتٍ تحمل توقيعاً سرديّاً وفنّيّاً خاصّاً، مستهدفةً جمهوراً يبحث عن الخصوصيّة والتّفرّد. وبفضل التزامها بالاستدامة، وحرصها على استخدام عبواتٍ صديقةٍ للبيئة وخلوّ تركيباتها من البارابين والتّجارب الحيوانيّة، رسّخت أركاديا مكانتها كعلامةٍ تحترم القيم بقدر ما تقدّم الجودة.

تباع منتجات العلامة في متاجر مختارةٍ داخل الإمارات، كما تُوفّر دوليّاً عبر منصّاتٍ إلكترونيّةٍ متخصّصةٍ، وهو ما منح أركاديا بعداً عالميّاً متزايداً. وبهٰذا المسار، تـمثّل أمنة الحبتور نموذجاً رائداً لريادة الأعمال النّسائيّة الّتي تمزج بين الذّائقة الفنّيّة والرّؤيا التّجاريّة، وتثبت أنّ الشّغف حين يصقل بالإبداع ينتج هويّةً تنافسيّةً تنطلق من المنطقة إلى العالم.

رجاء القرق

  • المجال: الصّناعة والاستثمار والمسؤوليّة المجتمعيّة.

تعدّ رجاء بنت عيسى صالح القرق من أشهر الوجوه الرّياديّة في دولة الإمارات؛ فقد ترأّست مجموعة "عيسى صالح القرق" التّجاريّة، وهي من أقدم الشّركات العائليّة في بلادها، محوّلةً إيّاها إلى كيانٍ متعدّد النّشاطات يشمل الصّناعة والتّجارة والخدمات الماليّة. وبجرأتها ورؤيتها الاستثماريّة، أدخلت المجموعة في شراكاتٍ دوليّةٍ مع علاماتٍ عالميّةٍ مثل "سمنس" (Siemens) و"أكسون نوبل" (AkzoNobel)، ورفعت معدّل الإيرادات وتوسّع الأعمال إلى أسواقٍ جديدةٍ في آسيا وأوروبّا.

عرفت رجاء القرق أيضاً بدورها المجتمعيّ؛ فهي رئيسة "مجلس سيّدات الأعمال في دبي"، وعضوٌ في مجلس إدارة "غرفة دبي للتّجارة والصّناعة"، حيث تدعم برامج تمكين النّساء وريادتهنّ في قطاعاتٍ غير تقليديّةٍ. كما ضُمّن اسمها لعدّة سنواتٍ في قوائم "فوربس ميدل إيست" لأقوى النّساء العربيّات تأثيراً.

وخلال كتابها "رحلتي"، وهو سيرةٌ شخصيّةٌ ملهمةٌ، نقلت تجربتها في كيفيّة موازنة القيادة الأعماليّة مع المسؤوليّة الاجتماعيّة، سلّطت الضّوء على أهمّيّة التّعلّم المستمرّ وتبنّي الثّقافة العالميّة دون التّخلّي عن الجذور المحلّيّة. بنهجها الّذي يمزج بين الجدارة المهنيّة والقيم الإنسانيّة، تمثّل رجاء القرق محوراً للإلهام وقدوةً لجيلٍ جديدٍ من الرّائدات الإماراتيّات.

مبادرات وبرامج الدعم

لم يكن التّمكين النّسائيّ في الإمارات ناتجاً عن وعيٍ فرديٍّ فقط، بل جاء مدعوماً بمبادراتٍ مؤسّسيّةٍ وبرامج ممنهجةٍ ومستدامةٍ تستهدف دعم رائدات الأعمال في كافّة المراحل:

مبادرة "تاي ومن" (TiE Women MENA)

  • الجهة المشرفة: "بزبرينور ميدل إيست" (Bizpreneur Middle East).

تعدّ مبادرة تاي ومن واحدةً من أكثر البرامج الإقليميّة تميّزاً في تمكين النّساء رياديّاً. أطلقت دورتها السّادسة في عام ‎2025‎، وتركّز على تقديم مزيجٍ دعميٍّ يجمع بين التّمويل، والإرشاد، وبناء الشّبكات. تستهدف المبادرة رائدات الأعمال من مختلف دول منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتوفّر لهنّ فرص عرض مشاريعهنّ أمام مستثمرين ومؤسّساتٍ ماليّةٍ، إلى جانب ورش عملٍ وجلسات توجيهٍ تستند إلى خبرات نخبةٍ من القادة التّجاريّين. تساهم هٰذه المبادرة في سدّ فجوة التّمكين النّسائيّ وتعزّز دور المرأة في نمذجة الاقتصاد الإقليميّ المبتكر.

حاضنة "إيوا – إمباكت هب" (EWA – Impact Hub)

  • الجهات الشّريكة: "ستارت إيه دي" (startAD)، "جامعة نيويورك أبوظبي" (New York University Abu Dhabi)، السّفارة الأمريكيّة.

تمثّل إيوا – إمباكت هَب واحدةً من أحدث الحاضنات النّسائيّة في الإمارات، وقد تمّ إطلاقها بتعاونٍ ثلاثيٍّ بين ستارت إيه دي، والسّفارة الأمريكيّة، وجامعة نيويورك أبوظبي. تهدف هٰذه الحاضنة إلى دعم النساء الإماراتيات المبدعات وتعزيز قدراتهنّ في إنشاء مشاريع تكنولوجيّةٍ واجتماعيّةٍ مستدامةٍ. كما توفّر الحاضنة برامج تدريبٍ مكثّفةٍ، وورش عملٍ في ريادة الأعمال والتّسويق والذكاء الاصطناعي، إلى جانب فرصٍ لبناء شبكات عملٍ مع مرشدين وخبراء دوليّين. وبهٰذا، تساهم هذه المبادرة في تكريس منصّةٍ تجمع بين التّمكين الاقتصاديّ والإبداع الفرديّ، في سياقٍ تعليميٍّ ودوليٍّ رصينٍ. [4]

"المنتدى الدولي لنساء دبي 2024" (Global Women’s Forum Dubai 2024)

  • الجهة المنظّمة: "مؤسّسة دبي للنّساء" (Dubai Women Establishment).

يعدّ المنتدى الدّوليّ لنساء دبي من أهمّ الفعاليّات السّنويّة الّتي تنظّمها "مؤسّسة دبي للنّساء"، ويشكّل منصّةً رائدةً لتسليط الضّوء على مشاريع النّساء وبناء شراكاتٍ إقليميّةٍ ودوليّةٍ. في دورته لعام ‎2024‎، جمع المنتدى نخبةً من القادات وروّاد الأعمال والمستثمرين والمبتكرين، لتبادل الخبرات ونقل النّماذج النّاجحة. بالإضافة إلى الجلسات الحواريّة، يقدّم المنتدى مساحةً عريضةً لرائدات الأعمال لعرض منتجاتهنّ وبحث سبل التّوسّع والدّخول في أسواقٍ جديدةٍ. ويمثّل المنتدى فرصةً سنويّةً لترسيخ مفهوم "النّساء في صلب التّنمية"، ويرسي قاعدةً تفاعليّةً لبناء مجتمعٍ اقتصاديٍّ أكثر شمولاً.

تأسيس بيئة ناضجة لريادة الأعمال النسائية في الإمارات

تتكرّس هٰذه المبادرات والبرامج كأعمدةٍ راسخةٍ في بناء منظومةٍ ناضجةٍ تضع المرأة في صلب الحراك الاقتصاديّ والتّكنولوجيّ، حيث توفّر مساراً صاعداً مدعوماً بالتّمويل والإرشاد، وتؤسّس لمجتمعٍ تفاعليٍّ يطوّر رائدات المستقبل في مجالات التّقنيّة والابتكار. ممّا يتيح للنّساء فرص العرض والتّواصل والنّفوذ السّياسيّ والاقتصاديّ.

كما تثبت الإمارات، عبر هٰذه المساعي، أنّها لا تقف عند حدّ التّمكين الرّمزيّ، بل تسعى لبناء بنيةٍ تحتيّةٍ مؤسسيّةٍ تضمن استدامة الدّعم وتوفّر الفرص وعدالة النّفاذ. وفي وجود خططٍ وطنيّةٍ كـ"رؤية الإمارات 2030"، ومبادراتٍ حكوميّةٍ مثل "جائزة إمارة دبي لريادة الأعمال النّسائيّة"، و"صندوق التّنمية الإقليميّة لرائدات الأعمال"، تتّجه الدّولة نحو بناء نظامٍ إيكولوجيٍّ يحفّز المبادرة ويوفّر قنواتٍ واضحةً للنّموّ والتّمدّد.

وبالنّظر إلى زيادة نسبة رائدات الأعمال في سوق العمل، والتّقدّم السّريع في سياغة تشريعاتٍ مرنةٍ وحاضناتٍ متخصّصةٍ، يمكن القول إنّ الإمارات تسير نحو تحقيق مفهوم "التّنمية المبنيّة على ريادة النّساء"، لا كخيارٍ ثانويٍّ، بل كركيزةٍ رئيسيّةٍ في مشروعها الاقتصاديّ المستقبليّ.

توصيةٌ: ما الذي يمكن تعزيزه؟

رغم التّقدّم الملفت الّذي أحرزته الإمارات في تمكين رائدات الأعمال، إلّا أنّ التّحوّل نحو نظامٍ إيكولوجيٍّ مستدامٍ يتطلّب خطواتٍ تكميليّةً، أهمّها:

  • توسيع نطاق التّوعية والتّثقيف الرّياديّ في المدن الصّغيرة والمناطق غير الحضريّة، لضمان شموليّة الفرص.
  • تسهيل النّفوذ إلى رؤوس الأموال من خلال برامج تمويلٍ منخفضة المخاطر وصندوق ضماناتٍ حكوميٍّ.
  • إطلاق مراكز أبحاثٍ وبياناتٍ مخصّصةٍ لريادة الأعمال النّسائيّة، لتقييم الأثر ووضع السّياسات على أساسٍ بيانيٍّ.
  • تعزيز القدرات القياديّة لرائدات الأعمال عبر مساراتٍ تدريبيّةٍ ممنهجةٍ تتجاوز البدايات التّشغيليّة.

محطات مفصلية في مسار تمكين رائدات الأعمال

يكشّف التزام الإمارات بتمكين النّساء في مجال ريادة الأعمال من خلال سلسلةٍ من المحطّات المفصليّة الّتي أرست دعائم بيئةٍ داعمةٍ ومستدامةٍ. ففي عام ‎2002‎، تأسّست "مؤسّسة دبي للنّساء" كأوّل كيانٍ مؤسّسيٍّ يركّز على تمكين المرأة ودعم دورها في المجالات الاقتصاديّة والمجتمعيّة.

ثمّ جاء عام ‎2015‎ ليشهد إطلاق "مجلس الإمارات للتّوازن بين الجنسين" (UAE Gender Balance Council)، وهو جهازٌ رسميٌّ يعنى بوضع سياساتٍ تعزّز الحضور النّسائيّ في كافّة القطاعات. وفي ‎2017‎، أطلق "صندوق التّنمية الاجتماعيّة" (Social Development Fund)، وخصّص جزءٌ من رأس ماله لتمويل المشاريع النّسائيّة، في خطوةٍ تعكس توجّهاً استراتيجيّاً لدعم المبادرة النّسائيّة.

مع بزوغ رؤية ‎2021‎ وما بعدها، شهد مشوار الدّعم تسارعاً ملموساً، إذ أُطلق في ‎2020‎ برنامج تاي وومن بنسخته الأولى، وبدأ في التّوسّع نحو أسواقٍ إقليميّةٍ، ممّا أتاح لرائدات الأعمال فرصاً أكبر للتّمويل والتّواصل والتّنمية المهنيّة. ثمّ في ‎2024‎، نُظّمت دورةٌ استثنائيّةٌ للمنتدى الدولي لنساء دبي، جمعت قاداتٍ ومبتكراتٍ من مختلف أنحاء العالم، وشهدت عرض مشاريع نسائيّةٍ طموحةٍ تجسّد قدرة المرأة الإماراتيّة على رسم ملامح المستقبل. وفي ‎2025‎، أُطلقت حاضنة إيوا – إمباكت هب وخُصّصت لتمكين الإماراتيّات المبدعات وتجهيزهنّ بالأدوات اللّازمة لبناء مشاريع رقميّةٍ ومستدامةٍ. [4]

تشكّل هٰذه المحطّات تسلسلاً تاريخيّاً يجسّد كيف نقلت الإمارات دعم المرأة من الخطاب النّظريّ إلى التّمكين المؤسّسيّ والاقتصاديّ.

تحديات وحلول في ريادة الأعمال النسائية في الإمارات

رغم التّقدّم المتسارع في بناء بيئةٍ ممكّنةٍ لرائدات الأعمال، إلّا أنّ الواقع يكشف عن مجموعةٍ من التّحدّيات المستمرّة الّتي تحدّ من سرعة النّموّ وتأثير المشاريع النّسائيّة. وفي هٰذا السّياق، تبرز ثلاثة محاور رئيسيّةٍ تستحقّ المعالجة:

تيسير التمويل

رغم وجود برامج تمويلٍ وصندوق ضمانٍ حكوميٍّ، لا تزال العديد من رائدات الأعمال تواجه صعوباتٍ في الحصول على رأس المال، خصوصاً في المراحل الأولى من تشغيل المشاريع. يمكن تذليل هٰذه العقبة عن طريق توسيع نطاق الضّمانات الحكوميّة، وتسريع الإجراءات الإداريّة للصّندوق الرّياديّ والمساهمات الخاصّة، وتشجيع المستثمرين على تبنّي نماذج تمويلٍ تتفهّم طبيعة المشاريع النّسائيّة والاجتماعيّة.

الأمن السيبراني وحماية البيانات

مع تزايد دور الحلول الرّقميّة واعتماد رائدات الأعمال على أنظمةٍ ذكيّةٍ وبياناتٍ حسّاسةٍ، تصاعدت الحاجة إلى استثماراتٍ أكبر في الأمن السّيبراني. فقد أصبحت البيانات أصلاً رأسماليّاً بنفس أهمّيّة المنتج، وأيّ خرقٍ أو ضعفٍ في الحماية يمكن أن يقوّض الثّقة ويهدّد الاستمرار. يكمن الحلّ في إدراج حلول أمنٍ رقميٍّ مبكّرةٍ في دورات التّدريب والتّمكين الرّياديّ، وفي تشجيع تبنّي تقنياتٍ مؤمّنةٍ ومطابقةٍ للمعايير الدّوليّة.

التوازن بين العمل والحياة

تشكّل معادلة التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية تحدّياً مستمرّاً للكثير من رائدات الأعمال، خصوصاً في بدايات المشروع أو في حال كونهنّ المعيل الأساسيّ. هناك تطوّرٌ في وعي المؤسّسات بهٰذه الإشكاليّة، لكن يتطلّب الحلّ تفعيل برامج إرشادٍ نفسيٍّ، وإطلاق دوراتٍ متخصّصةٍ في إدارة الوقت والموارد، ممّا يساهم في رفع معدّل الاستمرار وتعميق الاندماج في بيئة الأعمال.

  • الأسئلة الشائعة

  1. ما أبرز تحول شهدته ريادة الأعمال النسائية في الإمارات؟
    أبرز تحول شهدته ريادة الأعمال النسائية في الإمارات، حين انتقلت المرأة من أدوارٍ تنفيذيّةٍ محدودةٍ إلى مواقع قيادة واتّخاذ قرارٍ اقتصاديٍّ.
  2. كم بلغ عدد رائدات الأعمال الإماراتيات عام 2025؟
    بلغ عدد رائدات الأعمال الإماراتيات عام 2025 أكثر من 6,000 رائدة أعمال، بزيادةٍ سنويّةٍ بلغت 12%.
  3. ما قيمة برامج التمويل الحكومية المخصصة لدعم النساء؟
    تجاوزت قيمة برامج التمويل الحكومية المخصصة لدعم النساء في الإمارات 40‎ مليار درهم إماراتي.
  4. ما نسبة النساء الإماراتيات اللاتي يفكرن بإطلاق مشروع في 2025؟
    نسبة النساء الإماراتيات اللاتي يفكرن بإطلاق مشروع في 2025، هي: 84%، وفقاً لدراسة ماستركارد (Mastercard).
  5. ما المبادرات الأبرز لدعم الريادة النسائية في الإمارات؟
    المبادرات الأبرز لدعم الريادة النسائية في الإمارات: تاي وِمِن (TiE Women MENA)، إيوا – إمباكت هب (EWA – Impact Hub)، المنتدى الدولي لنساء دبي (Global Women’s Forum Dubai).
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: