شركة Oqood تحصد تمويلاً تأسيسياً بقيمة مليون دولار
حين يوفّر الذكاء الاصطناعي أدواتٍ متقدّمةً للمحامين، تتجاوز مجرّد الأتمتة، لتتيح التّركيز على القرارات الحاسمة والاستراتيجيّة القانونيّة بفعاليّةٍ عاليّةٍ

أعلنت شركة "عقود" (Oqood)، النّاشئة في مجال التّقنيّة القانونيّة ومقرّها في الإمارات، عن جمعها مليون دولار ضمن جولة التّمويل التّأسيسيّ، عبر مجموعةٍ من المستثمرين الملائكيّين، دعماً لمساعيها في دفع التّحوّل الرّقميّ في القطّاع القانونيّ. تأسّست العقود على يد خالد الرشيد في الإمارات عام 2024، وتطوّر حلولاً قانونيّةً مدعومة بالذكاء الاصطناعي (AI) تهدف إلى تبسيط سير العمل ورفع كفاءة مكاتب المحاماة والإدارات القانونيّة في الشّركات، من خلال أتمتة الإجراءات المتكرّرة وتسهيل التّوثيق وتحسين التّواصل بين العملاء والمحامين. ومع التّمويل الجديد، تخطّط العقود للتّوسّع في دول مجلس التّعاون الخليجيّ (GCC) وتعزيز مجموعتها من المنتجات المعزّزة بالذكاء الاصطناعي، سعياً لإعادة تعريف أسلوب ممارسة القانون وتطوير الأداء المؤسّسيّ في المنطقة.
بدأت رحلة شركة عقود من رؤيةٍ بسيطةٍ طرحها خالد الرشيد، رئيسها التّنفيذيّ، في مقابلةٍ مع مجلة "عربية .Inc": "لا يقاوم محامو اليوم التّقنية، بل يطلبون أساليب أذكى للعمل. وأضاف الرشيد: "ما فاجأنا أنّ أفضل المحامين يرحّبون بهذه التّكنولوجيا؛ إنّهم ليسوا تقليديّين يخشون التّغيير، بل أناس لامعون يشعرون بالإحباط من الوقت الضّائع في المهامّ الرّوتينيّة. وقد نشأ الجيل الجديد من القادة القانونيّين في البيئة الرّقميّة؛ لا يكتفي بقبول الذكاء الاصطناعي، بل يتوقّع وجوده؛ فالتّحوّل الجيليّ حقيقيٌّ ويتسارع".
ويشير خالد إلى أنّ القطّاع القانونيّ يشهد التّحوّل نفسه الّذي أصاب القطّاعات الأخرى بفضل الذكاء الاصطناعي، مع خصوصيّته القانونيّة؛ فقال: "الفرق أنّ المحامين يريدون أدواتٍ تعمل معهم، لا بديلاً عنهم. ويريدون ما يسرّع الأعمال الرّتيبة ليتمكّنوا من التّركيز على التّفكير القانونيّ الفعليّ واتّخاذ القرارات الجوهريّة الّتي تؤثّر في الشّركات".
شكلّت هذه الرّؤية أساس تصميم منصّة عقود، المهيّأة لتتولّى المهامّ المرهقة زمنيّاً، بما يتيح للمحامين التّركيز على القرارات الحاسمة. وبيّن خالد: "يتولى الذكاء الاصطناعي لدينا تتبّع الأنماط، كالبحث عن البنود، واكتشاف التّناقضات، وتحديد المخاطر، فيما يبقى القرار النّهائيّ بيد المحامي. ونحن لا نستبدل حكمهم، بل نمنحهم قدراتٍ مضاعفةً. وجدنا إقبالاً واسعاً، ليس بسبب التّقنية الفاخرة، بل لأنّنا نعالج مشكلةً حقيقيّةً: إعادة الوقت إلى من يفتقدونه".
ويضيف خالد أنّ الذكاء الاصطناعي يبرز أهميّته حين يرفع عن المحامين عبء الأعمال المرهقة، ليتيح لهم التّركيز على الاستراتيجيّة والمشورة، وهي الجوانب الّتي تتطلّب حكمةً إنسانيّةً: "حين يقضي شريكٌ كبيرٌ 9 إلى 12 ساعةً في مراجعة عقدٍ من 150 صفحةً بحثاً عن البنود المقلقة. فهذا مجرّد قراءةٍ، وليس حكماً قانونيّاً. وينجز الذكاء الاصطناعي ذلك في دقائق، فيتفرّغ المحامي للتّفكير الاستراتيجيّ، وتقديم المشورة، وحلّ المشكلات الإبداعيّ. ونحن لا نستبدل المحامين، بل نحرّرهم من جانب العمل الممل ليؤدّوا ما يهمّ فعلاً". واختصر قائلاً: "أفضل المحامين لا يخشون الذكاء الاصطناعي، بل يضجرون من الوقت الّذي يضيع في أعمال كان ينبغي أن يتولّاها الحاسوب".
كما يرى خالد أنّ بعض أعضاء المجتمع القانونيّ ما زالوا يتساءلون عن كيفيّة توافق الأتمتة مع الخبرة البشريّة؛ فقال: "أتفهّم القلق، فالتّقنية حديثة في أيدينا منذ سنتين أو ثلاث، لكن الحقيقة أنّ الذكاء الاصطناعي لا يحكم، بل يقرأ آلاف الصّفحات بسرعةٍ ويكتشف الأنماط والعلاقات المنطقيّة. هذا لا يصنع محاميّاً عظيماً. والمحامي الجيد يعرف لماذا يهمّ شيء ما، ويفهم سياقه التّجاريّ، ويقود تفاوضاً صعباً، ويقدّم نصيحةً حاسمةً لرئيسٍ تنفيذيٍّ؛ كلّ ذلك إنسانيٌّ خالصٌ".
وأضاف أنّ خبرته الطّويلة ساعدته على تشكيل رؤية منصة عقود بشكلٍ واقعيٍّ؛ فقال: "مارست المحاماة في دول مجلس التّعاون 15 سنة، وتعلّمت أنّ المحامين لا يشترون التّقنية، بل النّتائج؛ فلا يريدون "تحليل العقود بالذكاء الاصطناعي"، بل يريدون 10 ساعاتٍ إضافيّةٍ في يومهم، أو خلوّ جدولهم من التّأخير، أو يقيناً بعدم إغفال أيّ أمر حاسم".
ويتوقّع خالد أنّ الذكاء الاصطناعي سيغير أسلوب عمل المحامين خلال السّنوات المقبلة: "خلال 5 سنواتٍ، سيعمل المحامون الذين يتبنّون الذكاء الاصطناعي بسرعةٍ أكبر، ويتولّون قضايا أكثر تعقيداً، ويقدّمون نتائج أفضل؛ فمحامٍ واحدٌ مدعومٌ بالذكاء الاصطناعي سينجز ما كان يحتاج فريقاً من 5 أشخاص، بجودةٍ أعلى وخدمة عملاء استثنائيّةٍ".
وترى شركة عقود أنّ الذكاء الاصطناعي سيتيح للفرق القانونيّة التّنبؤ بالمخاطر وإدارتها بشكلٍ استباقيٍّ، واتّخاذ قراراتٍ قائمةٍ على البيانات الحقيقيّة؛ فقال خالد: "تخيّل أن تسأل: بناءً على محفظة عقودنا، أين أكبر المخاطر؟ أو: كيف تعاملت المحاكم السعودية مع هذا النّوع من البنود خلال العامين الماضيين؟ ثم تحصل على إجاباتٍ دقيقةٍ قائمةٍ على البيانات. هذا هو التّوجّه المقبل: من ردّ الفعل إلى الاستباقيّة والتّنبؤ".
وأشار خالد إلى أنّ قطاع التّقنية القانونيّة في المنطقة يكتسب زخماً متسارعاً، مدفوعاً بالطّلب غير الملبّى وتسارع التّحوّل الرّقميّ؛ فقال: "السّوق العالميّ للتّقنية القانونيّة يتجاوز 41 مليار دولارٍ، وينمو أكثر من 10% سنويّاً، لكن النّموّ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أسرع، لأنّنا نبدأ من قاعدةٍ منخفضةٍ ونعاني نقاط ألمٍ حادّة؛ إنّها فرصةٌ ضخمةٌ".
شاهد أيضاً: هل سيقضي الذكاء الاصطناعي على الوظائف؟
وأضاف أنّ هذا الفراغ في السّوق يُغذّى بمزيج من التّغيّرات التّنظيميّة السريعة، والاختلالات السّوقيّة، والحاجة إلى حلولٍ محليّةٍ مصمّمةٍ خصيصاً لتلبية خصوصيات المنطقة؛ فقال: "وتيرة التّغيير مذهلةٌ؛ رؤية 2030، قوانين الشّركات الجديدة، حماية البيانات، تنظيمات التّقنية الماليّة؛ فالمشهد القانونيّ يتغيّر أسرع من قدرة الفرق على المواكبة. لذلك، يحتاجون أدواتٍ تساعدهم على البقاء مطّلعين دون الغرق في التّحديثات".
كما أشار أيضاً إلى أنّ الوصول والتّكلفة يشكّلان تحديّاً كبيراً للشّركات القانونيّة في المنطقة؛ فقال: "كان السّوق مختلّاً. لسنواتٍ، هيمنت شركاتٌ دوليّةٌ تتقاضى 10–15 ألف دولار سنويّاً لكلّ مستخدمٍ، ما حرم 80% من السّوق: مكاتب المحاماة المتوسّطة، والفرق الدّاخليّة، والجهات الحكوميّة؛ فهناك طلبٌ هائلٌ لم يُلبَّ من قبل، وهذا يشكّل فرصةً كبيرةً لمن يقدّم حلولاً ملائمةً وميسورة التّكلفة".
وأكّد خالد أنّ قلة الحلول المصمّمة خصيصاً لخصوصيّة اللّغة والنّظام القانونيّ في المنطقة تمثّل فرصةً استثنائيّةً؛ فقال: "كانت المنتجات القائمة مبنيّةٌ للمحامين الدّوليّين، مع ترجمةٍ سطحيّةٍ للعربيّة. ونحن نبني شيئاً مختلفاً جذريّاً؛ العربيّة في صميم منتجنا، والأسس القانونيّة في منطقتنا تختلف تماماً عن أوروبا أو أمريكا؛ فالأنظمة مختلفةٌ، وهياكل عقود مختلفةٌ، والسّياق الثّقافيّ مميّزٌ. لذلك، لا يمكن ترجمة أداةٍ غربيّةٍ وتوقّع نجاحها هنا".
وللروّاد الطّامحين لدخول مجال التّقنية القانونيّة، نصيحته واضحةٌ: التّشارك في البناء هو مفتاح النّجاح؛ فقال: "ابنوا مع المحامين، لا لهم. يبدو بسيطاً، لكن معظم الشركات الناشئة تخطئ هنا. وتُنشئ حلّاً تقنيّاً باهراً لمشكلة تعتقد أنّ المحامين يعانونها، فلا يعتمدونه لأنّه لا يناسب أسلوب عملهم الواقعيّ؛ إنّهم منشغلون جدّاً ولن يعيدوا تنظيم يومهم من أجل أداتك مهما كانت ذكيّةً".
وأضاف أنّ الثّقة في هذا القطّاع تسبق السّرعة؛ فقال: "القطّاع القانونيّ مختلفٌ. لذلك، لا يمكنك المضي بسرعةٍ وكسر القواعد؛ فالمحامون يوقّعون عقوداً تلزم الشّركات بملايين الدّولارات، ويحتاجون أماناً ووضوحاً ومسارات تتبّعٍ. ويجب كسب ثقتهم، لا مجرّد تقديم مزايا".
وأشار خالد إلى أنّ السّوق الإقليميّ، رغم الطّلب العاليّ، يفرض توقّعاتٍ مرتفعةٍ، ما يجعل الثّقة شرطاً للنّجاح؛ فقال: "تذكّر أنّ هذا السّوق ظلّ مهملاً ومبالغاً في تسعيره لسنواتٍ؛ فكلّ تفاعلٍ هو فرصةٌ لإظهار الفرق. ونجاح العملاء ليس قسماً، بل جوهر الشّركة في بداياتها".
ويرى أنّ التّقنية القانونيّة تدخل مرحلةً جديدةً في المنطقة، تفتح المجال أمام مشاركةٍ أوسع وتزيد من قيمة الخبرة البشريّة؛ فقال: "كان القطّاع القانونيّ مغلقاً؛ لم يكن مسموحاً لغير المحامين بممارسة القانون أو الاستثمار فيه. ولكن، التّقنية القانونيّة تغيّر ذلك. نحن لا نستبدل المحامين، بل نضاعف قيمتهم. هذه الفرصة الكبرى لمن يقتربون منها باحترامٍ، ومعرفةٍ عميقةٍ، وتركيزٍ على حلّ المشكلات الواقعيّة".