الرئيسية الريادة القيادة الأفقية بين المثالية والواقعية: هل هي دائماً ناجحة؟

القيادة الأفقية بين المثالية والواقعية: هل هي دائماً ناجحة؟

حين تتوازن الحريّة مع المسؤوليّة في القيادة الأفقية، تتحوّل بيئة العمل إلى مساحةٍ للإبداع والمشاركة دون التّضحية بالانضباط المؤسّسيّ

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يعدّ تقييم القيادة الأفقيّة من القضايا الجوهريّة الّتي تشغل المؤسّسات الحديثة السّاعية إلى بناء بيئة عملٍ تقوم على الانفتاح والتّعاون. إذ تقدّم القيادة الأفقيّة في النّظريّات الإداريّة كنموذجٍ مثاليٍّ يحرّر العلاقات الوظيفيّة من الصّرامة الهرميّة، ويعزّز روح الفريق والمشاركة الجماعيّة. غير أنّ التّطبيق العمليّ يكشف عن مفارقاتٍ عميقةٍ بين ما يكتب في النّظريّات وما يحدث في الواقع. ولذٰلك يفرض السّؤال نفسه بإلحاحٍ: هل يمكن فعلاً أن تنجح القيادة الأفقيّة في كلّ بيئةٍ تنظيميّةٍ؟ وكيف يمكن تقييم القيادة الأفقيّة بموضوعيّةٍ بعيداً عن المثاليّات الخطابيّة؟

مفهوم القيادة الأفقية وتطورها

نشأ مفهوم القيادة الأفقيّة مع التّحوّل الكبير الّذي شهدته فلسفة الإدارة خلال العقود الأخيرة، حين أدركت الشّركات أنّ الأنماط الهرميّة الصّارمة لم تعد قادرةً على مواكبة تسارع التّغيير في الأسواق العالميّة. ولذٰلك تبنّت مؤسّساتٌ عديدةٌ نموذجاً جديداً يقوم على تقاسم السّلطة والمسؤوليّة، وعلى اتّخاذ القرارات بصورةٍ جماعيّةٍ توزّع فيها الأدوار بمرونةٍ لا تلغي الانضباط التّنظيميّ.

واعتمدت القيادة الأفقيّة هٰذا المبدأ لتجعل القائد موجّهاً لا آمراً، وشريكاً في التّفكير لا مجرّد صاحب قرارٍ. وبذٰلك تحوّل دور القيادة من فرض الأوامر إلى تمكين الأفراد وتشجيعهم على الإبداع وتوسيع مساحة المبادرة. ومن هنا جاء تقييم القيادة الأفقيّة كمؤشّرٍ على مدى نجاح المؤسّسات في تحقيق التّوازن بين حرّيّة التّعبير والانضباط الإداريّ، وبين تشارك السّلطة والحفاظ على المساءلةوقد جعل هٰذا التّحوّل القيادة الأفقيّة خياراً شبه حتميٍّ في بيئات العمل الإبداعيّة، خصوصاً في مجالات التّكنولوجيا وريادة الأعمال، حيث تتطلّب السّرعة في اتّخاذ القرار وتدفّق الأفكار الجديدة ثقافةً تنظيميّةً تقوم على الحوار لا على الأوامر. [1]

القيادة الأفقية بين المثالية والواقعية: هل هي دائماً ناجحة؟

يظهر تقييم القيادة الأفقيّة أنّها تجسّد في جوهرها نموذجاً إداريّاً طموحاً يسعى إلى إعادة توزيع السّلطة بطريقةٍ تحقّق العدالة والمشاركة والابتكار في آنٍ واحدٍ. فهي لا تهدم النّظام بل تعيد تشكيله بصورةٍ يصير فيها كلّ عضوٍ في الفريق مساهماً فعليّاً في اتّخاذ القرار. ومع ذٰلك، لا يخلو هٰذا النّموذج من تحدّياتٍ واقعيّةٍ ترتبط بطبيعة الثّقافة المؤسّسيّة والعلاقات البشريّة.

فعلى المستوى النّظريّ، تقدّم القيادة الأفقيّة كمساحةٍ مفتوحةٍ للحوار تحفّز التّفكير الجماعيّ وتعزّز التّكامل بين الأفراد، ولٰكن حين تترجم إلى التّطبيق، خصوصاً في المؤسّسات الكبيرة أو البيئات الّتي لم تتشرّب بعد ثقافة الحوار، تبدأ العقبات بالظّهور. فغياب المرجعيّة الحاسمة قد يبطئ القرارات أو يربك الأولويّات، كما أنّ غموض الصّلاحيّات قد يحدث تضارباً في المسؤوليّات.

ومن هنا يتبيّن أنّ نجاح القيادة الأفقيّة لا يتحقّق تلقائيّاً، بل يحتاج إلى بنيةٍ تنظيميّةٍ ناضجةٍ تحدّد الأدوار بوضوحٍ وتقيم توازناً دقيقاً بين الحرّيّة والانضباط. وحين تبنى الثّقة داخل الفريق وترسّخ روح التّعاون، يتحوّل تقاسم السّلطة إلى قوّةٍ حقيقيّةٍ تضاعف الالتزام والولاء. أمّا إذا غابت هٰذه القيم، فإنّ المساواة المطلقة تتحوّل إلى فوضى تهدّد الاستقرار والإنتاجيّة. [1]

عوامل تحدد نجاح القيادة الأفقية

أثبت تقييم القيادة الأفقية أنّ نجاحها يعتمد على توافر مجموعةٍ من الشروط الجوهرية التي لا يمكن تجاهلها، لأنها تمثّل العمود الفقريّ الذي يضمن استقرار النظام وفاعليته. ويمكن تلخيص هذه الشروط في النقاط الآتية: [2]

  • وضوح الأهداف: يجب أن تتّسم الأهداف بالوضوح التامّ حتى لا يضيع الفريق في زحمة الآراء والاختلافات. إذ يسهم تحديد الأولويات بوضوح في توجيه الجهود وضمان اتساق القرارات وتوحيد الرؤية المشتركة بين أعضاء الفريق.
  • ثقافة مؤسسية ناضجة: ينبغي أن تسود ثقافة عملٍ ناضجةٍ تؤمن بالتعاون وتنبذ أساليب التحكّم الفرديّ، لأن القيادة الأفقية الواعية لا تقوم على إلغاء السلطة، بل على إعادة توزيعها بعدالةٍ ومسؤوليةٍ تضمن مشاركة الجميع في صنع القرار.
  • شفافية التواصل: يجب أن تعتمد المؤسسة شفافيةً مطلقةً في التواصل الداخليّ، بحيث تتداول المعلومات بين الجميع دون حواجز أو حساسياتٍ، ممّا يعزّز الثقة المتبادلة ويقلّل من احتمالات سوء الفهم أو تضارب المعلومات داخل الفريق.
  • آليات واضحة لاتخاذ القرار: تفرض القيادة الأفقية ضرورة وجود آلياتٍ دقيقةٍ وواضحةٍ لاتخاذ القرار تضمن سرعة الحسم دون إقصاء روح المشاركة. فالتوازن بين سرعة الإجراء وجماعية النقاش يُعدّ مفتاحاً أساسيّاً لتحقيق الانسجام والفعالية في العمل الجماعي.
  • دعم القيادة العليا: يتطلّب نجاح هذا النهج دعماً صادقاً ومستمراً من القيادة العليا التي يجب أن توفّر الإطار التنظيميّ والمؤسسيّ اللازم لاستمرارية المنهجية الأفقية دون اضطرابٍ أو تصادمٍ بين المستويات الإدارية. فإذا غاب هذا الدعم، تبقى الأفقية مجرد شعارٍ جميلٍ يصعب تطبيقه على أرض الواقع.

تقييم القيادة الأفقية في المؤسسات العربية

أظهر تقييم القيادة الأفقيّة في السّياق العربيّ أنّ العقبة الأكبر أمام هٰذا النّموذج تكمن في الثّقافة الإداريّة الموروثة الّتي تفضّل المركزيّة وتعلي من شأن القائد الفرديّ. فالكثير من المؤسّسات العربيّة ما تزال تعتمد التّسلسل الهرميّ كضامنٍ وحيدٍ للانضباط والفاعليّة، ومن ثمّ يصير التّحوّل نحو القيادة الأفقيّة تحدّياً يتطلّب تغييراً ثقافيّاً عميقاً لا مجرّد تعديلٍ تنظيميٍّ سطحيٍّ.

ومع ذٰلك، بدأت الشّركات النّاشئة في المنطقة، وخصوصاً في مجالات التّكنولوجيا وريادة الأعمال، تحقّق نجاحاتٍ واعدةً في تطبيق هٰذا النّموذج. فقد ساعدها هيكلها المرن وثقافتها الشّبابيّة المنفتحة على تبنّي القيادة الأفقيّة كأسلوبٍ يعزّز روح الابتكار ويشجّع النّقاش البنّاء. وقد بيّنت نتائج تقييم القيادة الأفقيّة في هٰذه الشّركات ارتفاعاً ملحوظاً في مستويات الرّضا الوظيفيّ والأداء الجماعيّ، ممّا يدلّ على أنّ النّجاح ممكنٌ متى توافرت البيئة الثّقافيّة والتّنظيميّة المناسبة.

الخاتمة

يظهر تقييم القيادة الأفقيّة أنّ هٰذا النّموذج ليس خياراً تنظيميّاً عابراً، بل فلسفةً متكاملةً تعيد صياغة مفهوم القيادة ذاتها. ومع ذٰلك، لا يتحقّق نجاحها بالشّعارات، بل بالوعي المؤسّسيّ والالتزام الفعليّ بمعايير الشّفافيّة والمساءلة والثّقة. فالقيادة الأفقيّة تحرّر الطّاقات حين تطبّق بذكاءٍ وتدعم بأنظمةٍ واضحةٍ، ولكنّها تربك الأداء إذا نفّذت دون استعدادٍ ثقافيٍّ أو بنيويٍّ كافٍ.

  • الأسئلة الشائعة

  1. ما الفرق الجوهري بين القيادة الأفقية والقيادة الهرمية؟
    تقوم القيادة الأفقية على توزيع السّلطة والمسؤوليّة بين أفراد الفريق، بينما تتركّز القيادة الهرميّة في يدٍ واحدةٍ تتّخذ القرارات من الأعلى إلى الأسفل. وفي القيادة الأفقية، يُشجّع الحوار والمشاركة، في حين تميل الهرميّة إلى الانضباط الصّارم. ومع ذلك، قد تحتاج المؤسّسات إلى مزيجٍ من النّموذجين لتحقيق التّوازن بين المرونة والتّنظيم.
  2. هل يمكن تطبيق القيادة الأفقية في المؤسسات الحكومية؟
    يمكن تطبيقها جزئيّاً في المؤسّسات الحكوميّة بشرط وجود إرادةٍ سياسيّةٍ وإداريّةٍ لدعم الشّفافيّة والمساءلة، مع تطوير بيئة عملٍ تتيح الحوار والمبادرة. وكما أنّ نجاحها يعتمد على مدى استعداد البنية البيروقراطية للتّخلّي عن المركزيّة، وعلى قدرة القادة على إدارة التّغيير دون الإخلال بالنّظام الإداريّ العامّ.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: