الرئيسية الريادة من القمة إلى الدائرة: كيف تغيّر القيادة الأفقية مفهوم النفوذ والقرار؟

من القمة إلى الدائرة: كيف تغيّر القيادة الأفقية مفهوم النفوذ والقرار؟

تحوّل القيادة الأفقية جوهر الإدارة من التّسلّط إلى الشّراكة، ومن القرار الفرديّ إلى القرار الجماعيّ القائم على الثّقة والتّعاون والمسؤوليّة المشتركة داخل الفريق

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

تعيش المؤسّسات الحديثة اليوم تحوّلاً عميقاً في بنيتها القياديّة، إذ لم تعد السّلطة تحتكرها القمّة، ولا القرار يصاغ في مكاتب مغلقةٍ بعيدةٍ عن الميدان؛ فقد غيّرت القيادة الأفقيّة منطق النّفوذ، وأعادت تشكيل مفهوم القرار داخل المنظّمات، إذ انتقلت الهياكل من الهرم الصّلب إلى شبكةٍ مرنةٍ قوامها المشاركة والتّعاون والمسؤوليّة الجماعيّة. وهٰذا التّحوّل لا يعبّر عن مجرّد تحديثٍ إداريٍّ فحسب، بل يمثّل ثورةً فكريّةً تعيد صياغة العلاقة بين القائد وفريقه على أساس الثّقة والتّكامل لا السّيطرة والتّبعيّة.

ما المقصود بالقيادة الأفقية؟

القيادة الأفقيّة هي النّمط الإداريّ الّذي يوزّع السّلطة والمسؤوليّات بين جميع أفراد الفريق، بحيث يصبح كلّ عضوٍ مساهماً في القرار لا مجرّد منفّذٍ له. في هٰذا النّموذج، تبنى السّلطة على الثّقة المتبادلة والتّعاون البنّاء، لا على الأوامر الهرميّة الصّارمة. ويعمل القائد داخل الدّائرة لا فوقها، إذ يتخلّى عن موقع المراقب ليصبح موجّهاً وميسّراً لعمل الآخرين، يربط الجهود، ويحفّز القدرات، ويدير النّقاش ليخرج القرار من الجماعة لا من الفرد.

وبذلك تلغى المسافات التّقليديّة بين الطّبقات الإداريّة، ويفتح المجال أمام الحوار الأفقيّ والتّفاعل المتبادل، فيشعر كلّ موظّفٍ بأنّ صوته مسموعٌ، وأنّ رأيه يترك أثراً حقيقيّاً في مسار المؤسّسة. [1]

كيف تغير القيادة الأفقية مفهوم النفوذ والقرار؟

لطالما اعتبرت القمّة مصدر النّفوذ في النّماذج الهرميّة الكلاسيكيّة، حيث يصدر القرار من الأعلى ويتدرّج نزولاً عبر المستويات التّنفيذيّة، فيتحوّل القائد إلى آمرٍ والفريق إلى منفّذٍ صامتٍ. غير أنّ القيادة الأفقيّة قلبت هذا المفهوم رأساً على عقبٍ، إذ نقلت محور السّلطة من القمّة إلى الدّائرة، وحوّلت القرار من فعلٍ فرديٍّ إلى نتاجٍ جماعيٍّ يقوم على الحوار والتّكامل. فلم يعد القائد يجلس على كرسيّ المراقبة البعيد، بل أصبح جزءاً من فريقه، يتحرّك بينهم كعنصر تفاعلٍ لا كرمز سلطةٍ.

هٰذا التّحوّل العميق أعاد تعريف النّفوذ نفسه، فلم يعد امتيازاً يمنح لمن يعتلي المنصب، بل صار ثمرة معرفةٍ وقدرةٍ على الإقناع والإلهام. فالقائد في القيادة الأفقيّة يؤثّر أكثر ممّا يأمر، ويقود بالثّقة لا بالرّهبة، ويستمدّ سلطته من قدرته على تمكين الآخرين لا تقييدهموفي هذا السّياق الجديد، تتوزّع المسؤوليّات توزيعاً متوازناً، وتولد القرارات من نقاشاتٍ مفتوحةٍ يشارك فيها الجميع، فيتحوّل كلّ فردٍ من متلقٍّ إلى مساهمٍ، ومن تابعٍ إلى شريكٍ في التّوجّه العامّ. وهٰكذا ينتقل النّفوذ من الكرسيّ إلى الفكرة، ومن الشّخص إلى الجماعة، لتصبح القيادة فعلاً جماعيّاً يبنى على المشاركة لا على الإملاء.

كما أنّ القيادة الأفقيّة أعادت الاعتبار للقيمة الجماعيّة في اتّخاذ القرار. فبدلاً من أن تختزل الرّؤية في عقلٍ واحدٍ يحتكر التّوجّه، أصبحت القرارات ثمرة عقولٍ متنوّعةٍ تتكامل خبراتها وتتقاطع رؤاها. هٰذا التّنوّع أغنى النّقاش، وجعل القرارات أكثر دقّةً وواقعيّةً، لأنّها تعكس رؤيةً شاملةً من الميدان لا من المكاتب العليا. ومن ثمّ تغيّرت العلاقة بين "الرّئيس والمرؤوسين" إلى علاقة "شركاء متكافئين" يجمعهم هدفٌ واحدٌ هو نجاح المؤسّسة.

إنّ الانتقال من القمّة إلى الدّائرة لا يعني اختفاء القائد، بل يعني تحوّله من مركز تحكّمٍ إلى محور تنسيقٍ. فبدلاً من أن يصدر القرار، صار ييسّر انبثاقه، وبدلاً من أن يفرض الاتّجاه، صار يوحّد الرّؤى ويضمن الانسجام بينها. وبهٰذا تحوّل جوهر النّفوذ من القوّة إلى التّأثير، ومن السّلطة إلى الثّقة، ومن السّيطرة إلى الإلهام. [1]

تحديات تواجه القيادة الأفقية

ورغم أنّ هذا النّموذج أكثر مرونةً وعدلاً، إلّا أنّه يواجه تحدّياتٍ واقعيّةً لا يمكن تجاهلها؛ فغياب التّسلسل الصّارم قد يؤدّي أحياناً إلى تباطؤ القرارات بسبب طول الحوار وتعدّد الآراء، كما أنّ التّوزيع المتساوي للمسؤوليّات يتطلّب نضجاً تنظيميّاً وانضباطاً ذاتيّاً عالياً لدى الأفراد. وحين تضعف الثّقافة المؤسّسيّة القائمة على التّعاون، قد يتحوّل الانفتاح إلى فوضى، ويغيب وضوح الأدوار فيختلّ التّوازن بين الحريّة والمسؤوليّةلذلك تحتاج القيادة الأفقيّة إلى بنيةٍ ثقافيّةٍ جديدةٍ تكافئ روح الفريق وتقدّر الإنجاز الجماعيّ أكثر من الفرديّ، وتمنح العاملين حوافز معنويّةً تعزّز التزامهم بالهدف المشترك. [2]

أمثلة تطبيقية على القيادة الأفقية

نجحت مؤسّساتٌ عالميّةٌ عديدةٌ في تجسيد هذا المفهوم، مثل "Spotify" و"Valve" و"Zappos"، حيث استبدلت الرّتب الإداريّة الصّارمة بهياكل مرنةٍ تعتمد على فرقٍ ذاتيّة التّنظيم. وأثبتت هذه التّجارب أنّ توزيع النّفوذ يرفع من كفاءة الأداء ويضاعف الابتكار، لأنّ القرارات تصاغ من داخل بيئة العمل نفسها، لا من مكاتب عليا منفصلةٍ عنها.

وفي العالم العربيّ، بدأت شركاتٌ في مجالات التّكنولوجيا والإعلام تتبنّى أساليب مشابهةً، حيث تمنح الفرق حريّة اقتراح المبادرات وتنفيذها دون انتظار موافقاتٍ متكرّرةٍ، ممّا عزّز روح الابتكار وزاد سرعة التّكيّف مع متطلّبات السّوق المتغيّرة.

الخلاصة

أثبتت القيادة الأفقيّة أنّ النّفوذ الحقيقيّ لا يقاس بالموقع، بل بعمق التّأثير، وأنّ القرار الأمثل هو الّذي يصنعه الفريق لا الفرد؛ فهي لم تغيّر شكل الإدارة فحسب، بل غيّرت جوهرها، إذ نقلت القيادة من القمّة إلى الدّائرة، ومن السّيطرة إلى الشّراكة، ومن الصّوت الواحد إلى التّعدّد المنسجم.

  • الأسئلة الشائعة

  1. ما الفرق بين القيادة الأفقية والقيادة التقليدية؟
    تقوم القيادة الأفقية على المشاركة الجماعيّة في اتّخاذ القرار، بينما تركّز القيادة التّقليديّة على سلطة القائد الأعلى الذي يوجّه الآخرين من القمّة.
  2. هل تؤدي القيادة الأفقية إلى ضعف الانضباط الإداري؟
    ليس بالضّرورة، إذ يعتمد الأمر على مدى وضوح الأدوار وثقافة الفريق؛ فحين تُبنى الثّقة وتُحدّد المسؤوليّات بدقّةٍ، يتحقّق الانضباط بشكلٍ طبيعيٍّ دون فرض السّلطة.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 4 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: