الرئيسية التنمية لماذا يغيّر مديرك رأيه باستمرار؟ الأسباب النفسية والإدارية

لماذا يغيّر مديرك رأيه باستمرار؟ الأسباب النفسية والإدارية

حين يغيّر المدير رأيه باستمرارٍ، يربك بيئة العمل ويضعف ثقة الفريق، ولكن قد يصبح هذا السّلوك أداة تطوّرٍ إذا أُدار بوضوحٍ واتّساقٍ

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يربك سلوك المدير الّذي يغيّر رأيه باستمرارٍ إيقاع بيئة العمل، ويخلق ارتباكاً يمتدّ إلى جميع المستويات الإداريّة، لأنّ القرارات المتقلّبة تضعف ثقة الفريق وتشوّش مسار التّنفيذ. فحين يجد الموظّفون أنفسهم مضطرّين لتعديل الخطط في كلّ مرّةٍ وفق توجّهٍ جديدٍ، يتسلّل الإحباط إلى نفوسهم وتفقد المشاريع توازنها واستقرارها. ومع أنّ النّظرة الأولى قد توحي بأنّ هٰذا السّلوك دليل ضعفٍ في القيادة أو تردّدٍ في اتّخاذ القرار، إلّا أنّ الحقيقة أكثر تعقيداً. فمديرٌ يغيّر رأيه باستمرارٍ لا يفعل ذٰلك عبساً، بل غالباً ما تدفعه عوامل نفسيّةٌ خفيّةٌ وضغوطٌ إداريّةٌ مستمرّةٌ تتجاوز قدرته على السّيطرة عليها.

ما معنى أن يكون المدير متقلب الرأي؟

تصف عبارة "مديرٌ يغيّر رأيه باستمرارٍ" قائداً يتّخذ قراراتٍ ثمّ يتراجع عنها أو يعيد توجيه الفريق في اتّجاهٍ مغايرٍ لما أقرّه سابقاً. ولا يقتصر هٰذا التّقلّب على القرارات الكبرى، بل يمتدّ إلى تفاصيل يوميّةٍ مثل تعديل الأولويّات أو تبديل السّياسات أو إعادة صياغة الأهداف بعد كلّ اجتماعٍ. ولا يعني هٰذا بالضّرورة ضعف الكفاءة أو غياب الرّؤية، بل قد يكون انعكاساً لطبيعةٍ شخصيّةٍ متردّدةٍ أو لضغوطٍ متواصلةٍ تدفع المدير إلى مراجعة قناعاته بشكلٍ دائمٍ خشية الوقوع في الخطاء. فالمتقلّب في قراراته ليس دوماً مضطرباً في شخصيّته، بل قد يكون ببساطةٍ متأثّراً ببيئةٍ متغيّرةٍ لا تمنحه فرصةً للاثبات. [1]

الأسباب النفسية وراء تغير رأي المدير

يرى علم النّفس الإداريّ أنّ ظاهرة المدير الّذي يبدّل مواقفه بشكلٍ متكرّرٍ ترتبط بمجموعةٍ من السّمات النّفسيّة والسّلوكيّة الّتي تؤثّر في عمليّة اتّخاذ القرار، وأبرزها:

الخوف من الخطاء وفقدان السيطرة

حين يشعر المدير بأنّ أيّ قرارٍ قد يحمل تبعاتٍ سلبيّةً تمسّ سمعته أو نتائج المؤسّسة، يميل إلى التّعديل المستمرّ بحثاً عن الخيار الأكثر أماناً. في هٰذه الحالة، يعيش حالةً من "شلل القرار" الّتي يفقد فيها القدرة على الثّبات، لأنّ الخوف من الوقوع في الخطاء يفوق رغبته في المضيّ قدماً.

القلق المفرط والمبالغة في التحليل

يراجع بعض المديرين كلّ خطوةٍ عشرات المرّات خوفاً من الخطاء أو رغبةً في الدّقّة، ممّا يجعلهم أسرى دوّامة التّفكير الزّائد. ومع تراكم المعلومات وتعدّد وجهات النّظر، يفقد المدير القدرة على الحسم، فيبدو متناقضاً وهو في الحقيقة غارقٌ في محاولةٍ لإيجاد القرار المثاليّ.

السعي إلى الكمال

حين يسعى المدير إلى المثاليّة المطلقة، لا يرضى عن أيّ قرارٍ بسهولةٍ. لذٰلك يعيد صياغة الخطط أو تعديلها باستمرارٍ في محاولةٍ للوصول إلى نتيجةٍ خاليةٍ من الأخطاء. ورغم أنّ هٰذا الدّافع يبدو إيجابيّاً ظاهراً، إلّا أنّه يبطئ وتيرة العمل ويربك الفريق ويحوّل القيادة إلى دوّامةٍ من التّعديلات غير المنتهية.

التأثر بآراء الآخرين

يفتقر بعض المديرين إلى الثّقة بالنّفس، فيتأثّرون سريعاً بوجهات نظر المحيطين بهم، خصوصاً إذا كانت الآراء قويّةً أو مدعّمةً بحججٍ منطقيّةٍ. وهٰكذا يتحوّل القرار إلى نتيجةٍ لآخر من تحدّث معه المدير، ممّا يجعل الفريق يعيش في حالة تبدّلٍ مستمرٍّ في التّوجيهات والأولويّات. [1]

الأسباب الإدارية والتنظيمية وراء تغير الرأي

لا يمكن تفسير سلوك المدير المتقلّب من زاويةٍ نفسيّةٍ فقط، فالعوامل التّنظيميّة تؤدّي دوراً موازياً في تشكيل هٰذا النّمط من القيادة. وأبرز هٰذه العوامل ما يلي:

تغير المعلومات والظروف

حين تتبدّل المعطيات بسرعةٍ في بيئاتٍ ديناميكيّةٍ مثل التّكنولوجيا أو الأسواق الماليّة، يجد المدير نفسه مضطرّاً إلى مراجعة قراراته ليواكب الواقع الجديد. وقد تبدو هٰذه المرونة تقلّباً، ولكنّها في الحقيقة استجابةٌ ذكيّةٌ للمتغيّرات ومحاولةٌ للحفاظ على تنافسيّة المؤسّسة في وقتٍ يتغيّر فيه كلّ شيءٍ بسرعةٍ. [1]

ضغط الإدارة العليا

يجبر كثيرٌ من المديرين في المستويات المتوسّطة على تعديل قراراتهم تنفيذاً لتوجيهاتٍ تأتي من الأعلى. وبسبب غياب الشّفافيّة في نقل الأسباب للفريق، يظهر المدير كأنّه يبدّل رأيه دون مبرّرٍ، بينما هو في الحقيقة يطبّق أوامر فرضت عليه. ويؤدّي هٰذا النّوع من الضّغط إلى ضياع الاتّساق في الرّؤية وإرباك الأدوار بين المستويات الإداريّة.

غياب التخطيط الاستراتيجي

حين تفتقر المؤسّسة إلى رؤيةٍ طويلة الأمد، يضطرّ المدير إلى اتّخاذ قراراتٍ آنيّةٍ لتسيير الأمور اليوميّة. ومع غياب الإطار العامّ الّذي يوجّه الأولويّات، تتناقض القرارات من يومٍ إلى آخر، لأنّها تتعامل مع الأعراض دون معالجة الأسباب الجوهريّة. ويفضي ذٰلك إلى فوضى إداريّةٍ تضعف مسار الأداء وتربك الفريق.

ضعف التواصل بين الأقسام

حين لا تتدفّق المعلومات بسلاسةٍ بين فرق العمل، يعتمد المدير على بياناتٍ ناقصةٍ أو متأخّرةٍ، فيتّخذ قراراتٍ جزئيّةً ثمّ يعدّلها عند ظهور تفاصيل جديدةٍ. وتمثّل هٰذه الفوضى في الاتّصال أحد أبرز أسباب تغيّر المواقف الإداريّة وتقلّب التّوجيهات.

تبدل أولويات السوق والعملاء

تدفع التّغيّرات المفاجئة في متطلّبات السّوق المدير إلى تعديل الاستراتيجيّات باستمرارٍ. وعلى الرّغم من أنّ هٰذا السّلوك قد يعكس مرونةً مطلوبةً في بعض الأحيان، إلّا أنّ الإفراط فيه يفقد الفريق وضوح الاتّجاه ويضعف التزامه بالخطط الموضوعة، ممّا يؤثّر سلباً على الاستقرار التّنظيميّ والأداء العامّ.

هل المدير الذي يغير رأيه دائماً ضعيف القيادة؟

ليس بالضّرورة، فالمسألة تعتمد على نيّة التّغيّر وسياقه. فإذا جاء التّبديل استجابةً لظروفٍ واقعيّةٍ أو لتحسين النّتائج، اعتبر ذٰلك دليلاً على مرونةٍ ووعيٍ إداريٍّ. أمّا إذا كان نابعاً من تردّدٍ أو قلقٍ أو ضعفٍ في الرّؤية، فحينها يصبح مؤشّراً على خللٍ قياديٍّ يستنزف الفريق. والمقياس الحقيقيّ هنا هو مدى اتّساق القرارات مع الأهداف العامّة للمؤسّسة واستقرار منهجها الإداريّ. [2]

الخلاصة

تغيّر رأي المدير المتكرر لا يعني بالضّرورة أنّه متقلب المزاج أو عديم الثّبات.، بل هو نتاج منظومةٍ معقّدةٍ تجمع بين العوامل النّفسيّة والضّغوط الإداريّة وسرعة المتغيّرات. غير أنّ ما يحدّد أثر هٰذا السّلوك في النّهاية هو طريقة إدارة التّغيّر ومدى وضوح التّواصل بين القائد وفريقه. فإذا أحسن المدير تفسير قراراته وربطها برؤيةٍ متماسكةٍ، تحوّل التّبديل من علامة اضطرابٍ إلى أداة تطوّرٍ. 

  • الأسئلة الشائعة

  1. هل تغيّر رأي المدير المستمر يعني ضعف شخصيته؟
    ليس دائماً، فقد يكون نتيجة لضغوطٍ إداريّةٍ أو معلوماتٍ جديدةٍ تتطلّب تعديل القرارات، وليس بالضّرورة دليلاً على ضعف القيادة أو قلّة الثّقة.
  2. كيف يمكن للموظف التعامل مع مدير متقلب الرأي؟
    ينبغي توثيق القرارات كتابيّاً، وطلب التّوضيح عند التّغيير، والتّركيز على الهدف النّهائيّ بدلاً من التّفاصيل المتبدلة لتجنّب سوء الفهم.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: