الرئيسية الريادة إدارة بلا اتساق: كيف يزرع الفصام الإداري الفوضى في الشركة؟

إدارة بلا اتساق: كيف يزرع الفصام الإداري الفوضى في الشركة؟

حين تتسارع الضغوط وتتشابك القرارات داخل المؤسّسات الحديثة، يكشف الفصام الإداريّ خللاً يبدّد الاتّساق ويزرع الارتباك، ممّا يهدّد الاستقرار ويقوّض قدرة الفريق على تحقيق نتائج واضحة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

تعيش المؤسّسات الحديثة في بيئةٍ معقّدةٍ تتسارع فيها المتغيّرات وتزداد فيها الضّغوط، ممّا يفرض عليها حاجةً مستمرّةً إلى وضوحٍ في القرارات وثباتٍ في التوجّهات. غير أنّ الواقع يكشف أنّ كثيراً من الشّركات تتخبّط في ما يشبه الفصام الإداريّ؛ وهو اضطرابٌ تنشأ عنه توجيهاتٌ متضاربةٌ، وقراراتٌ متناقضةٌ، وانقطاعٌ واضحٌ بين ما تعلنه الإدارة وما تنفّذه فعلاً. ويقود هذا الاضطراب إلى خلق بيئة عملٍ مرتبكةٍ تتراجع فيها الإنتاجيّة، وتضيع فيها الأولويّات، ويتآكل فيها الانسجام الدّاخليّ؛ لذٰلك يفرض هذا الخلل على القادة أن يفهموا جذوره ويتعاملوا معه مبكّراً، حتّى لا يتحوّل إلى فوضى تمتدّ آثارها لتربك الموظّفين وتضرب ثقافة المؤسّسة وقدرتها على النّموّ.

لماذا يعد الفصام الإداري خطراً على أداء المؤسسة؟

يضعف الفصام الإداريّ أداء المؤسّسة لأنّه يربك الموظّفين ويجعلهم عاجزين عن تحديد الاتّجاه الصّحيح. فعندما تصدر الإدارة قراراً اليوم وتنقضه غداً، أو تعلن أولويةً ثمّ تتراجع عنها في اللّحظة التّالية، يفقد الفريق القدرة على التنبّؤ، ويعمل في حالة ردّ فعلٍ مستمرّةٍ لا تستند إلى رؤيةٍ واضحةٍ. ويفاقم هذا الارتباك شعور الموظّفين بعدم الثّقة، لأنّهم يرون فجوةً تتّسع بين ما يقال وما يطبّق، وبين المطلوب منهم وما يتوقّعونه من قادتهم. ومع غياب هذا الاتّساق، تهبط المعنويّات، وتكثر الأخطاء، وتتضاعف الصّراعات الدّاخليّة. ولذٰلك يعدّ الفصام الإداريّ واحداً من أخطر التحدّيات الّتي تهدّد تماسك المؤسّسة واستقرار نتائجها.

إدارة بلا اتساق: كيف يزرع الفصام الإداري الفوضى في الشركة؟

تكشف المؤسّسات اليوم أنّ أخطر ما يهدد انسجامها ليس نقص الموارد، بل الفصام الإداري الّذي يزرع الفوضى ويقوّض الاتساق بين القرارات والرّؤية: [1]

غياب رؤية واضحة تحكم القرارات

يفرض غياب الرّؤية على الإدارة إصدار قراراتٍ متضادّةٍ، لأنّ المؤسّسة حين تتحرّك بلا خطّةٍ استراتيجيّةٍ تتّخذ قراراتها بدافع اللّحظة لا وفق مسارٍ مدروسٍ. ويتجسّد الفصام الإداريّ عندما تغيّر القيادة أهدافها فجأةً، أو تعلن مبادراتٍ بلا دراسةٍ، أو تشيّد قراراتها على الانطباعات لا على البيانات. وعندما تغيب الرّؤية، يفقد الموظّفون المعايير الّتي تهديهم، ويبدأون بالتعامل مع التّعليمات باعتبارها أوامر مؤقّتةً لا جزءاً من مشروعٍ مؤسّسيٍّ ثابتٍ؛ لذٰلك تحتاج القيادة إلى بناء رؤيةٍ متماسكةٍ ترتبط بها كلّ القرارات، حتّى يختفي هذا الضّباب الإداريّ.

تضارب التوجيهات بين المديرين

يشتدّ الفصام الإداريّ أيضاً عندما تتباين تعليمات المديرين داخل الفريق الواحد أو بين الإدارات، فيصدر كلٌّ منهم توجيهاً يناقض الآخر. ويزرع هذا التضارب ارتباكاً حقيقيّاً، لأنّ الموظّف يجد نفسه محاصراً بين أوامر لا يستطيع تنفيذ أحدها دون مخالفة الآخر. ومع الوقت، يفقد الفريق ثقته بالنّظام الدّاخليّ، ويبدأ الموظّفون باتّخاذ قراراتٍ فرديّةٍ قد تضعف الأداء العامّ؛ لذٰلك تصبح الحاجة ملحّةً لتوحيد اللّغة الإداريّة وتنسيق السّياسات وتوضيح خطوط المسؤوليات، حتّى لا تتحوّل المؤسّسة إلى جزرٍ منفصلةٍ يعمل كلّ منها بمعزلٍ عن الآخر.

غياب المتابعة وتغيير الخطط من دون مبرر

يفرض غياب المتابعة على القيادة التراجع المتكرّر عن خططها، لأنّ القرارات تتّخذ بلا مراقبةٍ للنتائج. ويتجلّى الفصام الإداريّ عندما تبدّل الإدارة توجّهاتها قبل أن تمنح قراراتها الوقت الكافي لإثبات فعاليّتها، ممّا يجعل المؤسّسة غير قادرةٍ على التقدّم في أيّ اتّجاهٍ ثابتٍ. ويصيب هذا التذبذب الموظّفين بالإحباط، لأنّ جهودهم تهمل بمجرد ظهور فكرةٍ جديدةٍ. ولذٰلك يصبح الالتزام بالتّنفيذ والمتابعة الدّقيقة شرطاً أساسيّاً لبناء مؤسّسةٍ مستقرّةٍ لا تدار بالانفعالات.

ضعف مهارات القيادة في التعامل مع الضغوط

يدفع الضّغط بعض المديرين إلى إصدار قراراتٍ متسرّعةٍ لا تتوافق مع سياسات المؤسّسة، فيظهر الفصام الإداريّ كنتيجةٍ مباشرةٍ لغياب المهارات القياديّة. وعندما يعجز المدير عن إدارة الأزمات، يبدأ بإرسال رسائل متناقضةٍ أملاً في إرضاء الجميع، فيزرع جوّاً من التوتّر يفتقر إلى التنظيم. لذٰلك تحتاج المؤسّسات إلى تدريب قادتها على فنّ اتخاذ القرار، وبناء التّفكير الاستراتيجيّ، وإدارة الضّغوط قبل الوصول إلى مرحلة الارتباك.

ضعف التواصل الداخلي وغياب الشفافية

يغذّي ضعف التّواصل حالة الفصام الإداريّ، لأنّ القرارات حين تصل إلى الموظّفين مقطوعةً أو مشوّهةً أو غير مكتملةٍ، تتكاثر الإشاعات وتزداد التفسيرات الخاطئة. وفي ظلّ غياب قنوات تواصلٍ واضحةٍ، يتصرّف كلّ موظّفٍ وفق ما يسمعه لا وفق ما يبلّغ به رسميّاً، فتظهر قراراتٌ متضاربةٌ داخل الفريق الواحد. ولذٰلك يصبح بناء نظام تواصلٍ داخليٍّ فعّالٍ شرطاً أساسيّاً لضمان أن تصل الرسائل الإداريّة واضحةً ودقيقةً ومفهومةً للجميع.

كيف تمنع المؤسسة الفصام الإداري وتعيد الاتساق إلى قراراتها؟

يمكن للمؤسّسة أن تخفّف من الفصام الإداريّ، بل وتمنعه تماماً، عندما تتبنّى خطواتٍ استراتيجيّةً تعيد الانسجام بين الرؤية والتطبيق، وتربط جميع القرارات بخطٍّ واحدٍ واضحٍ لا يترك مجالاً للتناقض أو الاجتهادات الفرديّة. وتشمل أبرز هذه الخطوات ما يلي:

  • تحتاج الإدارة إلى أن تضع رؤيةً واضحةً ومحدّدةً تتفرّع منها جميع الاستراتيجيّات والسّياسات، حتّى يعرف الموظّفون بدقّةٍ ما الّذي تعمل المؤسّسة من أجله، وما الهدف الأكبر الكامن خلف كلّ قرارٍ.
  • يساعد وجود سياساتٍ مكتوبةٍ على توحيد أسلوب اتخاذ القرار داخل المؤسّسة، لأنّ الإجراءات عندما تكون واضحةً للجميع، ينخفض هامش الاجتهاد الفرديّ الخاطئ، وتزال المساحات الّتي تسمح بتضارب التوجيهات بين المديرين.
  • كما يرفع التّواصل الواضح مستوى الاتّساق الإداريّ، لأنّ الموظّفين عندما يحصلون على المعلومات من مصدرٍ رسميٍّ واحدٍ، تنخفض مساحة الشائعات وتتراجع التفسيرات الخاطئة.

الخاتمة

الفصام الإداريّ ليس مجرّد خطأٍ عابرٍ، بل هو خللٌ عميقٌ يزرع الفوضى، ويهدر الجهود، ويعطّل قدرة المؤسّسة على تحقيق استقرارٍ طويل الأمد. وعندما تواجه المؤسّسة هذا الخلل عبر بناء رؤيةٍ واضحةٍ، وتوحيد سياساتها، وتعزيز شفافيّة التّواصل، وتطوير مهارات قادتها، تستعيد انسجامها الدّاخليّ وتبني بيئة عملٍ قادرةً على مواجهة التحدّيات بثقةٍ. وهٰكذا يتحوّل الاتّساق من شعارٍ تنظيريٍّ إلى ممارسةٍ يوميّةٍ تمنح المؤسّسة القدرة على النّموّ وتفتح أمامها مساراً أكثر نضجاً واستدامةً.

  • الأسئلة الشائعة

  1. كيف يمكن للموظّفين التعامل مع الفصام الإداري إذا لم تُعالجه الإدارة بسرعة؟
    يمكن للموظّفين الحدّ من تأثير الفصام الإداري عبر توثيق التوجيهات التي تصلهم، وطلب التوضيح بشكلٍ مباشر من المسؤول المباشر، ومناقشة الأولويّات بوضوح قبل تنفيذ المهام. كما يساعد التركيز على الأهداف الثابتة قدر الإمكان على تقليل الارتباك الناتج عن التوجيهات المتناقضة، مع رفع الموضوع إلى الإدارة العليا عند الحاجة لضمان معالجة الخلل.
  2. ما العلاقة بين الفصام الإداري وانخفاض الثقة داخل المؤسّسة؟
    تتراجع الثقة عندما يلاحظ الموظّفون فجوةً بين ما تُعلنه الإدارة وما تُنفّذه فعلاً، أو عندما تتغيّر القرارات باستمرار دون تفسير. هذا التناقض يجعل الموظّف يشكّ في استقرار التوجّهات ويقلّل من التزامه، لأنّ غياب الاتّساق يُرسل رسالة ضمنيّة بأنّ الإدارة غير قادرة على قيادة مؤسّسة مستقرّة.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: