القصة التي تبيع: كيف يغيّر التسويق القصصي قواعد اللعبة؟
المنتج الجيّد لا يكفي. ما يجعل العلامة مُقنعة هو السرد المُتقن والمشاعر التي يحرّكها

التسويق القصصي في عالم الأعمال الحديث، أصبح أحد أهمّ الأدوات الاستراتيجيّة التّي تعتمدها الشّركات لتعزيز حضورها وبناء علاقةٍ مستدامةٍ مع جمهورها، ويقوم هذا الأسلوب على صياغة سلسلةٍ مترابطةٍ من السّرديات التّي تعكس جوهر العلامة التّجارية على مدار الوقت، حيث تتمحور هذه القصص حول العملاء، والتّحدّيات التّي تساعد الشّركة في حلّها، إضافةً إلى ثقافة المؤسّسة وخبراتها.
التّسويق القصصيّ: جسر الثّقة بين العلامة والجمهور
يتميّز التّسويق القصصيّ بقدرته على خلق ارتباطٍ عاطفيٍّ حقيقيٍّ بين العلامة التّجارية وجمهورها المستهدف، باستخدام عناصر السّرد كالحبكة والشّخصيات والأحداث المتصاعدة، تصبح القصة وسيلةً للتواصل الفعّال، حيث يتعرّف العملاء من خلالها على هوية العلامة التّجارية وقيمها الجوهرية، هذا الفهم المتبادل يعزز ثقة العملاء، ويزيد من احتمالية اختيارهم للتعامل مع الشّركة.
الثّقة، التّي تشكّل حجر الزّاوية في أيّ علاقةٍ ناجحة، يمكن بناؤها عبر إظهار الاهتمام الصّادق بالعملاء، كما أنّ قوة القصص لا تتوقّف عند حدود التّأثير العاطفيّ، بل تمتدّ إلى تغيير التّصوّرات؛ إذ يمكن لقصّةٍ مدروسةٍ وجذّابةٍ أن تحول الانطباعات السّلبية إلى نظرةٍ إيجابية، على سبيل المثال، قد تتغير فكرتك عن شركةٍ ما بمجرّد الاطّلاع على خلفيتها وقيمها عبر قصّةٍ إنسانيةٍ تبرز جوانبها غير المعروفة.
عندما تنفّذ بحرفيّةٍ، تعتبر رواية القصص واحدةً من أكثر أساليب التّسويق فاعليّةً لجذب الانتباه وإيصال الرّسائل بوضوح، إنّها ليست مجرّد أداةٍ تسويقٍ، بل تجربةٌ غامرةٌ تمنح العلامة التّجارية صوتاً وحضوراً إنسانيًّا، مما يجعلها أكثر قرباً من جمهورها [1].
]
السّرد القصصيّ: المفتاح السّحريّ لإقناع جمهورك وكسب ثقتهم
رغم أنّ السّرد القصصيّ ليس فكرةً جديدةً على الإطلاق، فهو أسلوبٌ استخدمه البشر على مدار قرونٍ للتّسلية والتّعليم والإلهام، إلّا أنّ العديد من الشّركات ما زالتّ لم تدرك حتى الآن قوّته في تعزيز العلامة التّجارية، وفيما يلي خمسة أسبابٍ رئيسيةٍ تجعل السّرد القصصيّ جزءاً لا غنى عنه في استراتيجيّتك التّسويقيّة [2].
القصص تقنع وتؤثّر بطريقةٍ غير مهدّدةٍ
القصص تمتلك قدرةً فريدةً على بناء التّعاطف مع جمهورك، ممّا يقلّل من مخاوفهم أو تردّدهم في التّعامل معك، سرد ميزات منتجك أو فوائده فقط، مهما كانت صياغته جيّدةً، لن يحقّق هذا الأثر.
توضّح "جين بريغر"، أستاذة السّرد الاستراتيجيّ بجامعة كولومبيا، ذلك قائلةً: "عندما يبدأ الجمهور بالتّعاطف مع شخصيّات القصة، يقلّ ميلهم للدّفاع أو الاعتراض. لهذا السّبب، يعتبر السّرد القصصيّ أداةً رائعةً لإقناع النّاس بأفكارٍ جديدةٍ".
القصص تتيح للنّاس تجربة منتجك أو خدمتك قبل أن يستخدموها
في كتابه The Storytelling Animal، يصف "جوناثان غوتشال" القصص بأنّها "مشاعر لا تحتاج لدفع تكاليفها كاملةً". بمعنًى آخر، تمنحنا القصص فرصة عيش مشاعر وتجارب معيّنة دون الحاجة لخوضها فعليّاً.
من خلال السّرد، يمكنك جذب عملائك المحتملين ومنحهم شعوراً بتجربة علامتك التّجاريّة، ممّا يعمّق ارتباطهم بها قبل أن يتّخذوا أيّ خطوةٍ فعليّةٍ.
القصص تضفي طابعاً إنسانيّاً على علامتك التّجاريّة
اليوم، يبحث النّاس عن التّفاعل مع علامات تجاريّةٍ يشعرون بأنّها حقيقيّةٌ، يديرها أشخاصٌ حقيقيّون يمكنهم الوثوق بهم، لحسن الحظّ السّرد القصصيّ يساعدك في تحقيق هذا الأمر.
القصص تجعل شركتك أكثر شخصيّةً وقرباً، ممّا يقلّل من الشّعور بالمخاطرة لدى العملاء عند التّعامل معك، إنّها طريقةٌ فعّالةٌ لتحويل علامتك التّجاريّة من كيانٍ تجاريٍّ باردٍ إلى كيانٍ حيٍّ يمكن للجمهور التّواصل معه بسهولةٍ.
القصص تعزّز انتشار المحتوى
من غير المحتمل أن تحصل صفحة منتجٍ تقليديّةٍ على عددٍ كبيرٍ من الإعجابات أو المشاركات على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، لكنّ القصّة، على النّقيض، لديها القدرة على الانتشار.
وفقاً لتحليلٍ أجرته شركة Sumo على 10,000 مقالٍ حصل على أعلى معدّلات مشاركةٍ عبر الإنترنت، فإنّ المقالات التّي تثير الدّهشة أو الضّحك أو التّسلية هي الأكثر قابليّةً للمشاركة، باستخدام القصص، يمكنك إثارة هذه المشاعر وزيادة فرص مشاركة محتواك على نطاقٍ واسعٍ.
القصص لا تنسى
حتّى بعد انتهاء حملتك التّسويقيّة، ستظلّ القصّة علقةً في أذهان الجمهور، بشرط أن تكون مكتوبةً بشكلٍ جيّدٍ، القصص المصمّمة بعنايةٍ لا تجذب الانتباه فقط، بل تترك انطباعاً دائماً لدى الجمهور، فلماذا تعتمد على محتوى عاديٍّ ومملٍّ عندما يمكنك استخدام السّرد القصصيّ لخلق تأثيرٍ طويل الأمد؟
أمثلة ملهمة لدفع علامتك التّجارية للأمام
السّرد القصصي يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً في تسويق عملك، لكن كيف يمكن دمجه بطريقةٍ فعّالةٍ تربط جمهورك بعلامتك التّجارية، وتساهم في نموّها؟ إليك ثلاث شركاتٍ نجحت في هذا المجال، مع دروس يمكنك تطبيقها اليوم.
شركة Greats Footwear: قصة المنشأ هي الأساس
في عام 2012، أطلق رايان بابينزين وجون بوسيمي شركة أحذيةٍ رجاليةً مختلفةً تماماً عن السائد، بعد أن سئما من ارتفاع التّكاليف وعدم كفاءة التّعامل مع تجار التّجزئة، قررا تقديم أحذيةٍ فاخرةٍ بسعرٍ أقلّ، تباع مباشرةً للعملاء.
بحثٌ سريعٌ على الإنترنت عن "Greats Footwear" سيكشف لك قصتهم بوضوحٍ، مقالاتٌ عديدةٌ تروي قصة انطلاق الشركة ونجاحها، والسبب أن قصة تأسيسهم كانت ملهمة، وتلامس احتياجات الكثير من الناس، بل أصبحت القصة جزءاً لا يتجزأ من هوية الشركة، بحيث لا يمكن شراء منتجٍ من Greats، دون أن تفهم خلفية تأسيس الشركة وأسباب وجودها.
كيف يمكن أن تستفيد من قصة النجاح هذه؟ ببساطةٍ اسأل نفسك: لماذا بدأت عملك؟ ما المشكلة التّي كنت تحاول حلّها؟ وما هي مهمتك؟ شارك قصة منشأك بطريقةٍ تبرز شغفك بعلامتك التّجارية، وتظهر للجمهور السبب الحقيقيّ وراء وجودك.
شركة Five Senses Coffee: رحلة المنتج من البداية إلى الفنجان
تأسّست شركة Five Senses Coffee عام 1997 على يد مدير المدرسة السابق، دين غالاغر، بدافع تقديم قهوةٍ ممتازةٍ ذات مصادر أخلاقيةٍ، ويروي موقع الشركة قصة نشأتها، بدءاً من رغبة غالاغر في دعم العائلات المحليّة التّي تزرع القهوة، إلى تحميص القهوة في مستودعٍ صغيرٍ، وصولاً إلى بناء مصنعهم الخاصّ في سومطرة.
لكنهم لم يتوقفوا عند قصة المنشأ فقط، حتى حبوب البنّ التّي يستخدمونها تحمل قصةً! يشاركون رحلة الحبوب من المزرعة، إلى التّحميص، إلى المقهى، باستخدام النصوص والصور لإبراز هذه الرحلة بكل تفاصيلها.
هذا السّرد القوي يساعد الجمهور على الاتصال العاطفيّ مع المنتج، ممّا يجعل من الصعب شرب كوبٍ من قهوة Five Senses دون التّفكير في القصة وراءه.
كيف يمكن أن تستفيد من هذه التّجربة؟ ببساطةٍ لا تحصر السّرد القصصيّ في بدايتك فقط، استمرّ في سرد قصص منتجاتك وعملياتك، وقدّم تفاصيل عن الرحلة التّي تمرّ بها لتقديم المنتج النهائيّ للعملاء.
شركة Sugru: تأثير القصص التّي يرويها العملاء
Sugru، مادةٌ سليكونيةٌ تشبه الصلصال تستخدم في إصلاح أو صنع أيّ شيءٍ تقريباً، قد لا تكون معروفةً للجميع، لكنها حققت أرقاماً مذهلةً في الصحافة والمبيعات، لدرجة أنها تفوقت على جهاز iPad في قائمة مجلة Time لأفضل 50 اختراعاً في عام 2010.
تتميّز Sugru بسرد قصصٍ حقيقيةٍ يشاركها العملاء أنفسهم، لذا تعلّم درسك، ولا تقلّل من أهمية القصص التّي يقدّمها عملاؤك، شجعهم على مشاركة تجاربهم الشخصية مع منتجاتك، وأظهر كيف أثرت منتجاتك في حياتهم.
شاهد أيضاً: كيف غيّرت "التّكتكة" قواعد التّسويق الرّقمي؟
العناصر الأساسية لكتابة قصة تسويقية مؤثرة
بعد أن أدركت أهمية القصة التّسويقية، حان الوقت لبدء رحلة السّرد القصصيّ لعلامتك التّجارية، ولتحقيق قصةٍ قادرةٍ على التّأثير وجذب الانتباه، تحتاج إلى الاعتماد على ثلاثة عناصر أساسيةٍ تشكّل العمود الفقريّ لأيّ قصةٍ ناجحة [1].
التّخطيط: البداية من الهدف
لا يمكن لأيّ قصةٍ أن تحقّق أهدافها دون تخطيطٍ مدروسٍ، عليك أولاً تحديد غايات عملك، والتّأكد من أن روايتك تخدم هذه الأهداف بوضوحٍ، فبدون هذه الخطوة، قد تكون قصتك ممتعةً، لكنها ستفتقد التّأثير المطلوب لتحقيق النتائج المرجوة.
ابدأ بالتّفكير في الرسالة التّي ترغب أن يشعر بها جمهورك، أو يفكّر فيها بعد سماع قصتك، هل تسعى إلى زيادة المبيعات؟ أم ترسيخ مكانتك كقائدٍ فكريٍّ في مجالك؟ أم ربما جذب المزيد من الزيارات إلى موقعك الإلكترونيّ؟ قم بكتابة هذه الأهداف، وحدّد الموارد المتاحة التّي يمكن أن تساعدك على تحقيقها.
الأصالة: المفتاح لبناء الثقة
القصص الحقيقية فقط هي التّي تنجح في جذب القلوب والعقول، وكما يقول المثل المشهور، "الأفعال أبلغ من الأقوال"، إذا لم تكن قصصك صادقةً، فإنها قد تبدو مفتعلةً، أو أسوأ من ذلك، مخادعة، لذا احرص على اتساق رسائلك مع قيم علامتك التّجارية، مما يساهم في تعزيز الثقة والارتباط العاطفيّ مع جمهورك.
لتفعل ذلك بنجاحٍ، ابدأ بالرجوع إلى جذور علامتك التّجارية، واسأل نفسك:
- ما القيم التّي أؤمن بها؟
- كيف تعكّس قصتي هذه القيم؟
- ما هي رؤية مؤسس الشركة؟ وما هي التّحديات والإنجازات التّي مررنا بها؟
الإجابة عن هذه الأسئلة ستساعدك في بناء قصةٍ تعكّس شخصيتك الحقيقية، وتضمن التّماسك والوضوح في رسالتّك.
البحث عن البطل: الجمهور في مركز القصة
لن تحقّق القصة تأثيرها المطلوب ما لم يشعر جمهورك أنهم جزءٌ منها، وهنا يأتي دور "البطل" أي الشخصية التّي تقود القصة، وتمثّل الجمهور نفسه، إذا تمكنت من جعل عملائك يرون أنفسهم في شخصية البطل، فإن رسالتّك ستصل بقوةٍ، وستحرّكهم نحو اتخاذ الإجراء المطلوب.
اعتمد على بنية "رحلة البطل"، وهي نموذجٌ سرديٌّ مشهورٌ يستخدم في روايات الخيال والسينما، لكنه أيضاً مثاليٌّ لقصص العلامات التّجارية، تتبع هذه الرحلة ثلاث مراحل رئيسيةٍ:
- النّداء إلى المغامرة: حيث يواجه البطل تحدياً أو حاجةً تدفعه لتحرّك.
- الصّراع والتّحدّيات: حيث يواجه البطل عقباتٍ، ويبدأ في البحث عن الحلول.
- الحلّ والمكافأة: حيث يتغيّر مستقبل البطل بفضل الحلّ الذي تقدّمه علامتك التّجاريّة.
التّخطيط، الأصالة، وجعل العميل بطلاً في القصّة، هي الأسس الثّلاثة التّي ستحوّل قصص علامتك التّجاريّة إلى أداةٍ تسويقيةٍ قوية، مع القليل من التّفكّير والإبداع، يمكنك صياغة قصّةٍ قادرةٍ على إلهام جمهورك، وتحفيزهم على اتّخاذ الإجراء المطلوب.