الرئيسية الريادة القيادة مع ADHD: كيف تحوّل الفوضى إلى وضوح؟

القيادة مع ADHD: كيف تحوّل الفوضى إلى وضوح؟

حين يدرك القائد المصاب باضطراب نقص الانتباه أنّ الفوضى الذّهنيّة ليست عائقاً بل أداة، يستطيع تحويل الطّاقة والتّشتّت إلى وضوحٍ وإبداعٍ متواصلٍ في القيادة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يحلم أصحاب هذا الاضطراب بعملٍ يجمع بين التّحدّي والمرونة والحيويّة والتّغيّر المستمرّ، لكن الصّفات الّتي تجعل مثل هذا العمل ممتعاً هي نفسها الّتي تجعل الطّريق إليه طويلاً ومتعرّجاً. ومع ذلك، فإنّ السّمات ذاتها الّتي تجعل التّركيز أمراً صعباً قد تُطلق، في السّياق المناسب، أعمق حالات التّدفّق الذّهنيّ وأشدّها إبداعاً.

لأوضّح الأمر، أطلب من النّاس أن يتخيّلوا أدمغتهم كسوقٍ للأفكار والذّكريات. أحياناً يكون دماغك بمثابة مركزٍ تجاريٍّ حديثٍ في قلب الحيّ الماليّ: ترتيبه ثابتٌ، وعروضه منظّمةٌ في أقسامٍ واضحةٍ يسهل الوصول إليها، وغالباً ما تعرف مسبقاً ما ستجده عند دخوله. هذه صورة الدّماغ حين تكون كيمياؤه متوازنةٌ ومستقرّةٌ.

ومع ذلك، يمكن أن يتحوّل دماغك إلى سوقٍ شعبيّةٍ مفتوحةٍ: صاخب ومزدحم، يضمّ سلعاً نادرةً لا تجدها في أيّ مكانٍ آخر، ولا يضمن لك أن تعثّر بالضّبط على ما تبحث عنه. يبدو فوضويّاً من الخارج، لكنّه يتّبع منطقاً أعمق يقوم على الحدس والفرص، ويظهر فيه دماغك في أبهى حالاته من الإبداع والحيويّة.

يفشل العديد من الموظّفين المصابين باضطراب نقص الانتباه مع فرط النّشاط (ADHD) في الوصول إلى مناصب الإدارة لأنّ النّصائح التّقليديّة تدعوهم لتدمير السّوق الشّعبيّة واستبدالها بالمركز التّجاريّ المرتّب. ولكن غالبيّة أدمغة المصابين بـADHD  تجمع بين الاثنين في الوقت نفسه، يتنقّل الانتباه فيها بين السّوق والمركز التّجاريّ بحسب الطّاقة والطّموحات والاهتمامات.

ويكمن السّرّ في استخدام الأدوات المناسبة لجعل هذه التّنقلات واعيةً، والاستفادة القصوى من كلتا حالتي التّدفق الذّهنيّ، بحيث يستثمر الشّخص أفضل ما في كلّ منهما.

5 أدوات بسيطة للقيادة مع اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط

تتقاعس غالبيّة نظريّات الإدارة التّقليديّة عن خدمة القادة المصابين باضطراب نقص الانتباه مع فرط النّشاط. فحتّى لو حاولنا، لا تكفي قوّة الإرادة أو الحافز أو الانضباط أو العقاب لوضع عقولنا في "وضع المدير". هذه الأدوات لا تغيّر كيمياء الدّماغ، ولا معتقداتنا الجوهريّة عن العمل، ولا الطّريقة الّتي ننجز بها المهام مع الآخرين.

أعتمد على 5 أدواتٍ أساسيّةٍ لتنشيط ذهني، وتبسيط العمل بحيث تقلّ كمية المخرجات بينما تتحسّن جودة النّتائج، وتمكين فريقي من دعمي بشكلٍ فعّالٍ. لكن القوّة الحقيقيّة لهذه الأدوات تكمن حين تتحوّل إلى قاعدةٍ لبناء أنظمةٍ شخصيّةٍ أوسع وأكثر تعقيداً، تشمل المساءلة والعادات الرّوتينيّة الّتي تضمن تحقيق النّتائج المرجوّة.

  1. العناية بالنّفس كمهارةٍ قياديّةٍ

العناية بالنفس ليست ترفاً بالنّسبة للقادة المصابين باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، بل هي أساسٌ لا غنى عنه للقيادة الفاعلة. وبينما تبدو الرّاحة والاسترخاء مهمّةً، فإنّ الاستقرار الكيميائيّ الحيويّ للجسم يأتي في المقام الأوّل. قد يبدو هذا بديهيّاً لدرجة أنّ ذكره يبدوا طريفاً، لكنّه الحقيقة المؤكّدة: كلّما عمل جسدك بكفاءةٍ، ازداد تركيز دماغك وقدرته على الإنجاز.

تركّز العناية الكيميائيّة الحيويّة بالنّفس على تمكين الدّماغ من التّعامل مع ساعاتٍ طويلةٍ من العمل المكثّف والسّريع يوميّاً. وهذا يعني الالتزام بالتّمارين الرّياضيّة بانتظامٍ، مهما اختلف الوقت بين الخامسة صباحاً والحادية عشرة مساءً. وفي تجربتي الخاصّة، ومع تقلب مواعيد السّفر للعمل، كان ذلك يتطلّب أحياناً الاستيقاظ عند الثّانية أو الثّالثة صباحاً للتّوجّه إلى صالة الألعاب الرّياضيّة في الفندق حتّى أشعر بالعرق والانتعاش، كجزءٍ من إعدادٍ جسديٍّ وذهنيٍّ ليومٍ مليءٍ بالتّحدّيات.

لماذا اعتمدت هذا النّهج الصّارم في الحفاظ على لياقتي البدنيّة؟ لأنّ كلّ أدواري السّابقة في الاستشارات والمصرفيّة والاتّصالات كانت تتطلّب الجلوس أمام الحاسوب لثماني إلى عشر ساعاتٍ يوميّاً. بعد بضعة أشهرٍ من هذا النّمط، بدأت أن ألحظ ألماً في جسدي: ظهري، معصمي، ووركي وركبتي رفضت هذا الخمول، ومع مرور الوقت أصبح التّفكير الإبداعيّ نفسه مؤلماً.

حتى مع أفضل المعدّات المريحة، فإنّ إهمال تدريبات القوة والعمل على عضلات الجذع والبقاء قويّاً جسديّاً يؤدّي حتماً إلى مشاكل؛ فلياقة الجسد ليست مجرّد رفاهيّةٍ، بل هي أحد أقوى الأدوات الّتي يملكها القادة المصابون باضطراب نقص الانتباه مع فرط النّشاط لتعزيز فاعليّتهم، لأنّها تُمكّن العقل من العمل بكفاءةٍ أعلى وتفتح المجال للإبداع المستمر.

  1. أتمتة كلّ شيء

بدل الانشغال المستمرّ بالبحث عن طرقٍ جديدةٍ لتتبّع المهامّ اليوميّة والإجراءات الإداريّة، يكون الأجدى وضع أنظمةٍ تتحوّل إلى عاداتٍ يمكن أداؤها دون التّفكير فيها. على سبيل المثال، أحدّد مسبقاً مواعيد لكلّ شيءٍ، بدءاً من استحمام كلبي إلى مواعيد تناول أدويتي، فتصبح روتيناً ثابتاً يسير بسلاسةٍ.

وفيما يتعلّق باللّياقة البدنيّة، أحرص على حجز ودفع جلسات التّدريب بعد العمل مسبقاً، كما أرتدي ملابس الرّياضة أسفل ملابسي اليوميّة طوال اليوم. بهذه الطّريقة، لا أحتاج لتذكّر تجهيز حقيبة النّادي، فأنا بالفعل مستعدٌّ منذ البداية. وأستمرّ على هذا النّمط حتّى أثناء العمل من المنزل، لأنّ الأمر أصبح تلقائيّاً ولا يتطلّب أيّ تفكيرٍ إضافيٍّ.

في نهاية اليوم، يكفي أن أخلع الطّبقة العليا من الملابس لأبدأ جلسة التّدريب أو الانضمام إلى مكالمة "زووم" (Zoom) أخرى. وكحال أفضل أساليب الأتمتة، فإنّ هذه الطّريقة تجمع بين الجهد القليل، والانسيابيّة، والنّتائج الكبيرة.

  1. احمِ طاقتك لا وقتك

تدعو أساليب إدارة الوقت التّقليديّة القادة إلى تقسيم العمل ضمن أطرٍ زمنيّةٍ محدّدةٍ، وإنجاز أهمّ المهامّ أوّلاً، وترتيب الأوّلويّات بعنايةٍ. لطالما تمنّيت القدرة على تنظيم وقتي بهذه الطّريقة، لكن دماغي غالباً يقاوم الالتزام بالتّسلسل، وأجد نفسي مضطرّاً لاختيار المعارك الّتي أستطيع خوضها بذكاءٍ.

الواقع أنّ دماغ المصاب باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط يميل بطبيعته إلى المعالجة المتوازية، ولا يشعر بحاجةٍ حقيقيّةٍ لترتيب الأوّلويّات بالطّرق التّقليديّة. وبينما يتحمّل الآخرون تكاليف واضحةً عند الانتقال بين المهامّ، أكتشف أنّ محاولتي التّركيز على مهمّةٍ واحدةٍ تشتتني أكثر ممّا يفعل الانشغال بعدّة مهامٍ في الوقت نفسه، ما يجعل حماية طاقتي أسلوباً أكثر فاعليّةً من محاولة ضبط الوقت وحده.

سأقضي دائماً وقتاً أطول في العمل مقارنةً بالمنزل، لكن ذلك لا يعني أن أنفق طاقةً أكبر هناك إذا كانت عائلتي بحاجةٍ إليّ أكثر. لذلك، أفضّل أن أكون حاضراً ومشاركاً بالكامل لفتراتٍ قصيرةٍ، بدل أن أكون مرهقاً ومتوتّراً، محاولاً استغلال وقتٍ لا أملك فيه القدرة على العطاء.

لهذا السّبب أستثمر في دعمٍ إداريٍّ للمهامّ الرّوتينيّة؛ فالتّفاصيل الإداريّة تستهلك طاقةً أكبر بكثيرٍ من التّفكير الاستراتيجيّ المعّقد، إذ يعدّ صرف أقوى موارد العقل على ترتيب الملفّات وحجز الاجتماعات استخداماً غير فعّالٍ لقدراتي، بينما يضاعف توجيه هذه الطّاقة نحو المهامّ الأكثر تأثيراً وإبداعاً يضاعف العائد ويحقّق نتائج أفضل.

  1. اجعل كلّ شيءٍ سهل الاطلاع

يتمتع المصابون باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط بقدرةٍ فطريّةٍ على رؤية الصّورة الكبرى، بينما يظلّ التّركيز على التّفاصيل الدّقيقة تحديّاً يتطلّب جهداً أكبر. ومن الصّعب علينا التّخلّي عن المرونة الّتي تمنحنا القدرة على التّكيّف وتغيير الأمور أثناء سير العمل.

لذلك، إذا كنت تعلم أنّك لن تنتبه لكلّ التّفاصيل، فاحرص على أن تكون المعلومات في نظام عملك سهلة المسح البصريّ، بحيث يمكنك التّعرّف على أهمّ ما تحتاج إليه من لمحةٍ واحدةٍ. شخصيّاً، أحرص على تنظيم كلّ شيءٍ بطريقةٍ مرئيّةٍ: من ألوان ملابسي إلى الأقلام على مكتبي، وأخصّص ألواناً مختلفةً لكلّ غرضٍ. على سبيل المثال، أستخدم القلم الأسود لتدوين الملاحظات الحرفيّة للاجتماع، والقلم الأحمر لتسجيل أفكاري أو ملاحظاتي على ما يُقال، ما يجعل النّظام واضحاً ويساعد على التّركيز دون فقدان الصّورة الكاملة.

  1. اجعل فريقك يساعدك على مساعدتهم

يمكن لفريقك أن يسهم في تسهيل قيادتك إذا عملت معهم على وضع قواعد تنظيميّةٍ واضحةٍ تخدم الجميع وفي الوقت نفسه تزيد من كفاءتك الشّخصيّة.

أحد الأساليب العمليّة الّتي أطبقها هو التّأكّد من أنّ فريق عملي يصنّف مراسلاته وفق ثلاث فئاتٍ: للاطّلاع فقط، أو مسألة تؤثّر على سير العمل، أو أمر عاجل يتطلّب اتّخاذ إجراءٍ فوريٍّ. وأطلب منهم وضع الفئة المناسبة في عنوان البريد الإلكترونيّ، ممّا يتيح لي معالجة المعلومات حسب الأوّلويّة دون تفويت أيّ شيءٍ، لأنّني أقرأ كلّ الرّسائل بنفس مستوى التّركيز والانتباه.

ولم يكن هذا الأسلوب مجرّد وسيلةٍ تنظيميّةٍ، بل ساهم أيضاً بشكلٍ غير متوقّعٍ في مساعدة أعضاء الفريق على فهم نوع المعلومات الّتي يحتاجها القائد لاتّخاذ القرارات، وضبط أسلوب تواصلهم بما يتناسب مع القرار المطلوب، ما رفع من فعاليّة التّواصل والإنتاجيّة داخل الفريق.

لا يمكن لأيّ تدريبٍ أو قوّة إرادةٍ أن تخلّصك من تأثيرات اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، لكن يمكن تعلّم كيفيّة التّعامل مع السّمات التي تعيقك وتحويلها إلى أدوات مساعدةٍ. ويمكنك تطوير قدرتك على قبول طريقة عمل دماغك وصقلها، وتعلّم الانتقال بسلاسةٍ بين التّفكير المنظّم كالمركز التّجاريّ والتّفكير المرن كسوق الهواء الطّلق بحسب الموقف والحاجة.

تعني القيادة مع اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط بطبيعتها الخروج عن المألوف، فهي ليست خياراً بل جزءاً من طبيعة عملك. والحقيقة المطمئنة أن بيئات العمل اليوم أكثر تنوّعاً من أيّ وقتٍ مضى، ممّا يجعل هذا الاختلاف ميّزةً قويّةً تزيد من فاعليّة قيادتك.

حول المؤلف

بونتلي سيني (Bontle Senne) متحدّثةٌ وقائدةٌ في مجال التّحوّل، مؤلّفة كتاب "القائد المصاب بـADHD" (The ADHD Boss)، ومدرّبةٌ للقادة ذوي التّنوّع العصبيّ.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 8 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: