لماذا لا يستجيب جيل زد للقيادة المبنية على الخوف؟
حين تصطدم فلسفة القيادة بالقوّة مع تطلّعات جيلٍ يؤمن بالتّعاطف والحريّة، يصبح كسر دائرة الخوف في أماكن العمل ضرورةً لصنع مستقبلٍ أفضل للجميع

في مقالٍ حديثٍ له في "نيويورك تايمز" (The New York Times) بعنوان "تتعلّم أمريكا الدّرس الخاطئ من نجاح إيلون ماسك"، يروي عالم النّفس التّنظيميّ آدم غرانت تجربته مع إيلون ماسك عندما التقى به، حيث يروي كيف سأله عن طريقة ضمان بيئةٍ آمنةٍ لموظّفيه في "سبايس إكس" (SpaceX)، ليجيب ماسك بطريقةٍ جريئةٍ تكشف عن فلسفته في القيادة: إنّ وضع توقّعاتٍ عاليةٍ للموظّفين هو أمرٌ إيجابيٌّ، ولكن الطّريقة الّتي تُفرض بها هذه التّوقّعات مهمّةٌ لغايةً.
كما يشير غرانت: "على مدار أكثر من قرنٍ، درسنا في مجالي كيف يحقّق القادة الإنجازات العظيمة. الأدلّة واضحةٌ: القيادة باستخدام التّهديد والإهانة هي استراتيجيّةٌ فاشلةٌ، إذ لا يعزّز التّقليل من قيمة النّاس إنتاجيّتهم بل يقلّل مّنها". للآسف، يبدو أنّ المدراء الّذين يعتمدون على التّخويف والإهانة يهيمنون على أماكن العمل في العديد من الشّركات.
وفي تقريرٍ صادرٍ عن "ماكنزي آند كمباني" (McKinsey & Company)، ذُكر أنّ "56% من العمّال الأمريكيّين يقولون إنّ رؤساءهم إمّا سامون بشكلٍ خفيفٍ أو شديدٍ، و75% مّنهم يقولون إنّ التّعامل مع مديرهم هو أكثر جزءٍ مرهقٍ في يوم عملهم.
هل أنت قائد يعتمد على الخوف؟
تقول ليز رايان، الرّئيس التّنفيذيّ ومؤسّسة "هومن وورك بليس" (Human Workplace)، إنّ القادة الّذين يعتمدون على التّخويف يتميّزون بعددٍ من الخصائص، وهي:
- مقاومة الأفكار الجديدة.
- السّيطرة على وسائل التّواصل.
- التّدخّل المستمرّ في تفاصيل العمل.
- تجنّب تقديم الملاحظات البنّاءة.
- نشر ثقافة اللّوم.
من المهمّ أن نلاحظ أنّ المدراء الّذين يعتمدون على الخوف قد لا يدركون أنّهم كذٰلك. وفقاً لرايان، يشير المصطلح أيضاً إلى المخاوف الّتي يشعر بها المدراء. فعلى الرّغم من أنّهم قد يستخدمون سلطتهم كسلاحٍ، إلّا أنّهم جزءٌ من النّظام الّذي ينتهجونه.
ولكن ماذا عن جيل زد؟ بالنّسبة لجيل زد، يعتبر المدراء الّذين يعتمدون على التّخويف مشكلةً كبيرةً. في استطلاعٍ أجرته "ديلويت" (Deloitte) عام 2023 على 2000 من جيل زد و600 من المدراء عبر أجيال الألفيّة -جيل إكس وكبار السّنّ- تبيّن أنّ جيل زد يعتبر التّعاطف ثاني أهمّ سمةٍ يريدون أن يتحلّى بها قائدهم، في حين يأتي هذا الأمر في المرتبة الخامسة لدىٰ المدراء. إضافةً إلى ذٰلك، يشعر 35% فقط من جيل زد أنّ رؤساءهم يتمتّعون بالتّعاطف الفعليّ.
يعرض مارسل شوانتس، مؤلّف كتاب "ماذا يريد جيل زد حقّاً" (What Gen Z Really Wants)، نتائج استطلاع "ديلويت ديجيتال" (Deloitte Digital)، حيث تبيّن أنّ واحداً من كلّ عشرةٍ من المدراء فقط يدركون أنّ جيل زد لا يسعىٰ فقط للمدير المتعاطف، بل يولّي أهمّيّةً كبيرةً للاستقلاليّة، حيث أنّ 60% من جيل زد يحبّون الاستقلاليّة ويتمنّون لو كان لديهم مساحةٌ أكثر للحرّيّة.
وغالباً ما يوصّف جيل زد بأنّهم من الأشخاص الّذين يصعب التّعامل معهم، وهم يشكّلون ما يقارب ربع القوّى العاملة على مستوىٰ العالم. في هذا السّياق، تقول تامارا آليسي، الرّئيس التّنفيذيّة لـ "ميديا بلوس" (Mediaplus) في أمريكا الشّماليّة، في مقابلةٍ لها مع "أد إيدج" (Ad Age): "لا أستطيع قراءة مقالٍ إخباريٍّ دون أن أرىٰ شكوىٰ من الجيل الأكبر حول جيل زد". وتضيف قائلةً: "إنّها صورةٌ نمطيّةٌ لا تنتهي: لا يهتمّ جيل زد بالعمل الجادّ وسوء أخلاقهم مثلما كان يقال عن جيل الألفيّة من قبل". ولٰكن، تتابع آليسي قائلةً: "ماذا لو كانت المشكلة ليست فيهم؟"
من جانبه، درست "تاك سبيس" ("Talkspace")، منصّة العلاج النّفسيّ عبر الإنترنت، كيفيّة تعامل الأجيال المختلفة مع العلاج والصّحّة النّفسيّة. وقد أظهرت النّتائج أنّ الموظّفين الّذين يضطرّون إلى إظهار مشاعر تتعارض مع مشاعرهم الحقيقيّة هم أكثر عرضةٍ من غيرهم للإرهاق العاطفيّ.
كيف نواجه هذا؟
ترىٰ جوليا ليساي، أخصائيّةٌ نفسيّةٌ في مكان العمل، ومدرّبةٌ مهنيّةٌ، ومالكةٌ لشركة "ليساي تكنولوجي" (Lisay Technology)، أهمّيّةً كبيرةً للاعتراف بتنوّع وجهات نظر الأجيال المختلفة، وتؤمن بأنّه من خلال التّواصل المتعمّد والمرونة من كلا الجيلين، يمكننا معالجة الانفصام القائم بينهم. وتضيف ليساي: "إذا تمّ تدريب المدراء على الذّكاء العاطفيّ، وحلّ النّزاعات، والتّواصل بين الأجيال، فإنّ المنظّمات ستتمكّن من خلق بيئةٍ حيث تصبح هذه المهارات جزءاً أساسيّاً من العمليّات اليوميّة". أمّا فيما يتعلّق بالتحفيز، فالشّركات الّتي تستثمر في تدريب الذّكاء العاطفيّ تشهد زيادةً بنسبة 20% في الإنتاجيّة.
كما يضيف المساهم في "فاست كمباني" (Fast Company) أليكس آمسدن أيضاً رؤيته حول كيفيّة تطوّر ثقافات العمل، قائلاً: "لخلق ثقافة المساءلة الّتي تحسّن الأداء حقّاً، يجب على القادة أن يفكّروا في المساءلة بشكلٍ مختلفٍ. وهذا يعني الابتعاد عن أسلوب الإكراه واللّوم إلى المسؤوليّة المشتركة والملكيّة، ممّا يمكّن الأفراد من تولّي مسؤوليّاتهم والمساهمة في نجاح الفريق".
قد يكون من الصّعب العمل مع جيل زد في بعض الأحيان، وقد نكون أقلّ استعداداً للتّكيّف. لٰكن تذكّر، كسر دورة القيادة المبنيّة على الخوف ليس فقط لجيل زد، بل هو أمرٌ يجب أن نعمل جميعاً على تحقيقه.