الرئيسية التنمية القيادة عن بُعد ليست فوضى... إن عرفت هذه الأسرار

القيادة عن بُعد ليست فوضى... إن عرفت هذه الأسرار

كيف تُبقي فريقك على اتصال دون أن تُغرقه بالإشعارات؟ دروس عمليّة من 3 شركات ناشئة في الشرق الأوسط

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

في عالم الشّركات النّاشئة سريع الإيقاع، تغدو طريقة تواصل الفرق مع بعضها مفتاحاً لبناء ثقافة الشّركة أو هدمها. فيحاول المؤسّسون الموازنة بين مسؤوليّاتٍ لا تحصى، وتؤثّر طريقة تواصلهم مع فرقهم على كلّ شيءٍ: من معدّل الإنتاجيّة حتّى أعماق المعنويّات. 

ومع أنّ التّواصل بات في متناول أطراف الأصابع، إلّا أنّ إيجاد النّغمة المناسبة فيه ليس دوماً بالأمر اليسير؛ فبين رسائل فوريّةٍ لا تهدأ، وإشعاراتٍ لا تنام، وحدودٍ تتآكل بين الحياة والعمل، يُصبح الحفاظ على تواصلٍ فعّالٍ ومُراعٍ أشبه بفنٍّ دقيقٍ لا يُتقنه الجميع. 

فكيف يُمكن للقادة أن يظلّوا على صِلَةٍ حقيقيّةٍ بفرقهم، دون أن يُغرقوهم بوابلٍ من التّنبيهات أو يستنزفوهم بمحاولات تواصلٍ لا تنتهي؟ 

في "عربيّة .Inc"، وجّهنا هذا السّؤال إلى ثلاثة من القادة في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا – من "سيلكهاوس" (Silkhaus)، و"جيني إي آي" (Ginni AI)، و"ليتسوورك" (Letswork) – لنكتشف كيف يُبسّطون التّواصل في بيئات عملٍ هجينةٍ، دون أن يُثقِلوا على فرقهم أو يُقايضوا الكفاءة بالرّفاه. 

تتميّز هذه الشّركات، إلى جانب انتشار فرقها عبر دولٍ ومناطق زمنيّةٍ متعدّدة، بأنّها تُدار في الغالب عن بُعدٍ أو وفق أنظمةٍ هجينة، ما يفرض دقّةً في اختيار الأدوات، وصرامةً في تصميم آليّات التّواصل الّتي تُحافظ على الفعاليّة من جهة، وعلى الوضوح والتّوازن من جهةٍ أخرى. وهكذا، تُشيَّد بيئاتُ عملٍ تُعلي من قيم الشفافيّة، والتّعاون، والرفاه الإنساني، ولو لم يجمع أفرادها سقفٌ واحد. 

مي مدحت 
المؤسّسة والرّئيسة التّنفيذيّة لشركة Ginni AI 

في "جيني إي آي" (Ginni AI)، تتشابك تحدّيات إدارة الفرق، وتعظيم الإنتاجيّة، واحترام الحدود الشّخصيّة، لتتجلّى في بنية النّظام كلّه، لا في تفصيلٍ عابر. 
تُقدّم هذه الشّركة النّاشئة، المتخصّصة في حلول الذّكاء الاصطناعيّ لشركات البرمجيّات (SaaS)، أدواتٍ تدعم فرق المبيعات، وتُسهِم في التّدريب والتّحسين، وبناء استراتيجيّات أكثر فاعليّة. 

وقد أطلقت مي مدحت "جيني إي آي" عام 2024، بعد مسيرةٍ رائدة بدأت مع تأسيسها لمنصّة "إيفنتس" (Eventtus) في القاهرة ودبي، والتي استحوذت عليها لاحقاً منصّة "بيفي" (Bevy) في عام 2021. 

يقوم نظام "جيني إي آي" على فلسفة "العمل عن بعدٍ" في المقام الأوّل؛ فتنتشر فرقها بين مصر والإمارات والولايات المتّحدة والهند. 

في عيون مي مدحت، الّتي أطلقت "جيني إي آي" عام 2024 بعد أكثر من 12 عاماً قضتْها في عوالم الشّركات النّاشئة، لا يُعَدّ التّواصل الفعّال تفصيلاً ثانويّاً، بل هو لُبُّ البنيان، وأوّلُ ما يُشاد، لا آخرُ ما يُضاف. 

تؤكِّد مي مدحت أنّ "جيني إي آي" أرست منذ البداية مبادئَ واضحةً للتّواصل الدّاخليّ، تضمنُ أن يفهم كلُّ فردٍ ما يُنتظَر منه دون غموضٍ أو هدرٍ للوقت. ولهذا، يعتمد الفريق على منصّة "سلاك" (Slack) في التّواصل اليوميّ، ويستند إلى تطبيق "نوشن" (Notion) لتوثيق المعلومات وتنظيم السّجلّات بكلّ دقّةٍ ونظام. 

تقول مي مدحت: "نستخدم (سلاك) لجميع أشكال التّواصل، ومنذ اللحظة الأولى وضعنا قواعد مُحدّدة تُيسِّر التّواصل غير المتزامن". وتشير إلى أنّ تفاصيلَ بسيطةً – كتأكيد استلام الرّسالة، أو استخدام الرّموز التّعبيريّة والرّدود التّفاعليّة – قد تبدو عاديّة، لكنّها في جوهرها أدواتٌ فعّالة، تُبقي الفريق على إيقاعٍ واحد، وتُجنِّبهم الاستنزاف في ردودٍ متكرّرةٍ لا طائل منها". 

ولمزيدٍ من الوضوح ودرءاً لأيّ التباسٍ محتمل، يلتزم الفريق بقاعدةٍ ذهبيّةٍ صريحة: إذا طال النّقاش وتجاوزت المراسلات عدّة رسائل، يُبادرون فوراً إلى مكالمةٍ سريعةٍ تُجلِي الغموض وتُوضِّح المقصود. 

وأمّا منصّة "نوشن"، فتراها مي مدحت بمثابة "مرجعيّة الحقيقة المُطلقة" داخل الشّركة؛ إذ تؤكِّد أنّه مع تنامي حجم الأعمال وتوسّع المهام، يُحرص على توثيق كلّ ما يتعلّق بسير العمل ضمنها، لتُصبح المصدرَ الشّامل والموحَّد للمعرفة المؤسّسيّة. 

وتُرجِع مي الفضل في الارتفاع الملحوظ لفاعليّة التّواصل وكفاءة الأداء إلى هذين النّظامين الأساسيّين، اللّذين ساعدا على توحيد الإيقاع بين أفراد الفريق، وتسهيل عمليّات الإدارة والتنظيم. تقول موضّحة: "كلاهما ساهم في تبسيط سير العمل، وتقليل سوء الفهم، وتعزيز الوضوح على مستوى الشّركة بأسرها". 

ولمزيدٍ من السّلاسة وتقليل "الضّجيج" النّاتج عن غياب الإشارات غير اللّفظيّة، يعتمد الفريق نظام وسومٍ مثل: "عاجلٌ"، "تعليقٌ"، "للمتابعة"، لتحديد طبيعة كلّ رسالة وتوضيح التوقّعات المرافقة لها. 

تشير مي: "يفتقر التّواصل الكتابيّ إلى الإشارات الطّبيعيّة التي نلحظها في التّواصل الوجهيّ؛ لذا فإنّ هذه الوسوم تُضفي سياقاً ضروريّاً، وتُسهم في تفادي الالتباسات وسوء الفهم". 

وبصفتها رائدة أعمالٍ حريصة، أفردت مي مدحت وقتاً كافياً لتجربة الأدوات وتحديد الضّوابط الأمثل، كي يتّضح لكلّ عضوٍ ما يُنتظر منه، ويُجَنَّب الفريق هدر الوقت في الالتباسات، وتظلّ دوافعهم حيّةً ومتّقدة. 

ومؤخّراً، اعتمد الفريق نظاماً جديداً لاجتماعهم الأسبوعيّ الجامع، ترى فيه مي إضافةً نوعيّةً في عمق التّواصل وشموليّته، بما يفوق بكثير ما تُتيحه الرّسائل والمخاطبات اليوميّة. 

وتفصّل قائلة: "نبدأ هذا اللّقاء بالاحتفاء بالإنجازات، ثمّ نتبادل الدّروس المستفادة، ونناقش التّجارب، ونُختِم بالتّحديثات العامّة". وتتابع: "بهذا الشكل، يظلّ الجميع على صفحةٍ واحدة، وتتأصّل في الفريق ثقافة الشّفافيّة وروح الانفتاح". 

وتصف مي هذا الاجتماع بأنّه "أثمن ثلاثين دقيقةً" يقضيها الفريق كلّ أسبوع، لما له من أثرٍ في توحيد الهدف، وتعميق الإحساس بالانتماء، وترسيخ مسؤوليّة الملكيّة، وتسريع وتيرة التّعلّم. 

وتختتم بقولها: "للوقت الحقيقيّ الذي نُمضيه معاً قوّةٌ خارقة؛ فهو يُعزِّز الثقافة، ويُجلِّي الحقائق بطريقةٍ لا تَفي بها الكلمات المكتوبة". 

وعلى الرّغم من وتيرة الحياة المتطلّبة في عالم الشّركات النّاشئة، ترى مي مدحت – وهي أيضاً أمٌّ لتوأمٍ في عامهما الثّاني – أنّ تحقيق التّوازن بين الإبداع، ومتطلّبات القيادة، والحياة الأسريّة، ليس ترفاً، بل ضرورة محوريّة. ومن هنا، تُولي لحدودها الشّخصيّة في التّواصل أولويّةً قصوى. 

تُصرّح مي قائلةً: "احترام أوقات الفريق مبدأٌ جوهريّ، لا يقبل التّهاون". ويُسهم نظام (سلاك) في تجسيد هذا المبدأ، إذ يُوقِف الإشعارات تلقائيّاً بعد انتهاء ساعات العمل، ممّا يمنح الجميع فسحةً للانفصال والاستجمام. 

وتُضيف: "أمّا أنا، فإذا اضطررتُ إلى العمل ليلاً أو خلال عطلة نهاية الأسبوع، أحرص على ألّا أُشير إلى أحدٍ بالاسم في رسائلي، كي يطّلع عليها كلّ فردٍ في الوقت الذي يناسبه، دون ضغطٍ أو إقحام". 

ورغم التزامها بهذا النهج، لا تُنكر مي ما كانت عليه البدايات، فتقول بابتسامةٍ العارف: "كانت الأيّام الأولى عاصفةً، فوضويّةً، ومشحونةً بالسّرعة، لكنّني أراها – بكلّ فوضاها – جزءاً لا يتجزّأ من جمال هذه التّجربة". 

سابين النّجّار 
المديرة العامّة (المملكة العربية السّعوديّة) ونائبة الرّئيس للشّؤون التّجاريّة، شركة Silkhaus 

"ثمّة دوماً أكثر من سبيلٍ لتحقيق التّوازن بين الكفاءة واحترام الوقت الشّخصيّ"، هكذا تعبّر سابين النّجّار، الرّئيسة التّجاريّة ومديرة فرع "سيلكهاوس" المفتتح حديثاً في السّعوديّة، عن رؤيتها المختلفة لمعادلة التّواصل والإنجاز. 

في "سيلكهاوس"، شركة تأجير العقارات قصيرة المدّة الّتي تأسّست عام 2021 وتنتشر فرقها بين دبي، أبوظبي، الرّياض، وبنغالور، يُعَدّ التّواصل المنظَّم ضرورةً لا غنى عنها، لكن من دون التخلّي عن قيمة المرونة. 

تتّبع الشركة نظام عملٍ هجين، ويبلغ عدد موظّفيها نحو 70 شخصاً، مع إتاحة خيار العمل عن بُعد، بل ومن خارج البلاد، لمن يرغب في ذلك. 

توضح سابين: "نؤمن بمنح الفريق قدْراً واسعاً من المرونة، مع التّأكُّد من أنّ كلّ فردٍ يشعر بأنّه جزءٌ من مشروعٍ ذي معنى وقيمة". 

لكنّ هذه المرونة لا تعني التّسيُّب؛ فالتّواصل في "سيلكهاوس" لا يُترك للمصادفة، بل يُبنى على مزيجٍ دقيقٍ من الأتمتة، والاجتماعات المحكمة، والمراسلات الفوريّة، لتُصاغ منظومةٌ تحتفي بالكفاءة، وتترك حيّزاً لمرونة الرّوح. 

تفصّل قائلةً: "أسّسْنا نظاماً لإدارة المحتوى يُحدِّث حالة المشاريع تلقائيّاً، بحيث يبقى الجميع على اطّلاعٍ دائم، من دون حاجة إلى متابعةٍ مرهقة أو مراسلاتٍ تستنزف الطّاقة". 

وحين تشتدّ تعقيدات المسائل، لا يُكتفى بالنّصوص؛ إذ يُعقَد اجتماعٌ أسبوعيّ عبر مكالمة فيديو تُفعَّل فيها الكاميرات، فتعلو المشاركة من مجرّد حضورٍ افتراضيّ إلى نبضٍ حيٍّ يُثري النّقاش ويشحذ الفكر. 

ولتفادي التّشعّب أو الانجرار إلى التفاصيل، وُضِع شرطٌ صارم: لا اجتماع من دون جدول أعمالٍ مُعلنٍ سلفاً، ليأتي كلّ فردٍ متهيّئاً، حاضر الذّهن، قادراً على الإضافة. 

وتُشير سابين إلى أنّ البنية التّنظيميّة ونظام التّواصل في "سيلكهاوس" بُنيا على وضوح الأدوار، وصرامة توزيع المسؤوليّات، وانسياب التوقّعات من القمّة إلى القاعدة. 

تختم بقولها: "كلّ قسمٍ يتولّاه قائدٌ يتقاطع في عمله مع سائر الفرق عبر مشاريع مشتركةٍ وتحدّياتٍ تتجاوز الحدود. هؤلاء القادة يضمنون سلاسة التّنسيق، ويراقبون التّغييرات الجوهريّة، ويُحسنون توجيه الأمور إلى الجهة الصّحيحة عند وقوع الإشكالات". 

ثمّة نظريّةٌ مثاليّة، نعم، لكنّ واقع الشّركات الّتي تُسابق الزّمن وتتعامل مباشرةً مع العملاء قلّما يرضخ للقوالب الجامدة، هكذا تمضي سابين النّجّار قائلةً: 

"حين تستدعي الحاجة سرعة القرار، لا نتردّد في كسر النّمط: نتّصل هاتفيّاً، نرسل رسالة (واتساب)، نُطلق تنبيهاً على (سلاك)، أو نطرق باب أحدهم في المكتب. لم نبلغ الكمال بعد، لكنّنا تعلّمنا أن نكسر القواعد حين يتطلّب الموقف ذلك، ونُقرُّ بأنّ بعضاً من الفوضى يُلازم دائماً نمط التّنمية السّريعة". 

وتتابع: "وبما أنّنا شركةٌ تُقدِّم خدماتها للعملاء مباشرةً، ونحرص على ألّا تستهلك الطّوارئ طاقة الفريق، وضعنا بروتوكولاتٍ واضحةً للتّصعيد والاستجابة عند حدوث الحالات الحرجة". 

وتؤكّد سابين بحزم: "الطّوارئ قَدَرٌ لا مفرّ منه، لكنّنا لا نسمح لها بأن تصبح القاعدة النّاظمة. ففي (سيلكهاوس)، حيث نُعالج الشّكاوى والطّلبات العاجلة على مدار السّاعة، رسمنا مساراً دقيقاً لإدارة الأزمات من خلال فريق العمليّات، بحيث تُحَلّ المشكلات دون أن يتوقّف النّظام أو تُنهَك الرّوح". 

وتُكرِّس بروتوكولات التّصعيد الصّارمة والأدوار الواضحة ثقافة الحسم داخل الشركة؛ فكلّ طارئٍ يجد طريقه إلى الحلّ السّريع، دون أن يُعيق العمل أو يُثقِل كاهل أحدٍ بما لا طاقة له به. وبهذه الآليّة، ينجو الفريق من دوّامة الأعذار وهدر السّاعات في متاهات المسؤوليّات غير المُعرَّفة. 

ولتكريس أوقاتٍ للعمل العميق، تُخصِّص الإدارة صباحي الثلاثاء والخميس للتركيز الصّامت: لا اجتماعاتٍ تُشتّت الانتباه، ولا رسائل تُربِك الإيقاع. في هذا السّكون المُنظَّم، يتسنّى لكلّ فردٍ أن يغوص في صلب مهمّته، بعيداً عن التّشويش والإملاءات. 

ومع كلّ قفزة نموٍّ، تواجه "سيلكهاوس" اختباراً جديداً في إدارة التّواصل بين فرقٍ متباعدةٍ جغرافيّاً، وموزّعةٍ على مناطقٍ زمنيّةٍ مختلفة. 

تستعيد سابين ذاكرتها الأولى عند انضمامها إلى الشركة، قائلةً: 
"وجدتُ عالماً بسيطاً: الجميع تحت سقفٍ واحد، الكلمات قصيرة، والفهم أسرع من البرق". 

لكن، ما إن اتّسعت الدّائرة، حتّى صار كلُّ ملمحِ وضوحٍ يُنتَزع انتزاعاً، وغدا لا مناص من هندسة اللّغة وقنوات التّواصل برويّةٍ وصرامة. 

وتُضيف مؤكّدةً: "حين بدأنا العمل في مناطق متباينة، ولكلٍّ منّا لغة أمٌّ مختلفة، قرّرنا اعتماد الإنجليزيّة كلغةٍ مركزيّة، حتى نُزيل احتمالات اللّبس". 

ومع تفكّك الموقع الموحَّد للعمل، بات لا بدّ من آليّةٍ تحفظ حقّ الجميع في الاطّلاع والمشاركة، فاستحدثنا اجتماعات تحديث نصف شهريّة، بحضورٍ إلزاميّ، حتّى ولو من خلف الشّاشات. 

في تلك اللّقاءات المنتظمة، يتقاسم الفريق المستجدّات، وتُطرَح التّحدّيات، وتُدار المبادرات المشتركة دون أن تُقيم الجغرافيا حواجزها. فلا مكان للتّشتّت، ولا مجال لتأجيل ما يمكن مشاركته الآن. 

ولا تكتفي "سيلكهاوس" بالحلول التّقليديّة، بل تبني منظومة أدواتٍ متكاملةٍ تُراعى فيها الدقّة والانسياب: يُستخدَم (Slack) لتداول التّحديثات العاجلة، ويُوظّف (HubSpot) في رسم مسارات العمل وتوزيع الأولويّات، ويبقى البريد الإلكترونيّ مخصّصاً للنّقاشات العميقة والمشاريع الكبرى التي لا يحتملها الإيجاز ولا تكفيها الرّدود السّريعة. 

وتسهر الإدارة على تحديث الحالات بانتظام، حذراً من أن يتحوّل (سلاك) إلى فخٍّ للرّدود الفوريّة التي تُنهك الأعصاب، أو أن يُدفَع أحدهم إلى حافّة الإرهاق تحت ضغط السّرعة الدّائمة. 

أمّا في (HubSpot)، فلا يُسمَح لأيّ مهمّةٍ بأن تتقدّم مرحلةً دون استيفاء كلّ متطلّباتها؛ فلا مجال للعجلة، ولا مكان للهفوات، ولا استثناء يُمرّر إلّا بميزانٍ مدروس. 

وتُقدّم سابين مثالاً واضحاً على ما يمكن أن تُحدثه ثغرة واحدة: "تشغيل عقارٍ قبل تأثيثه أو استكمال خدماته كفيلٌ بإشعال أزمةٍ يصعب احتواؤها. ولذا، نغلق هذه الثغرات بسلاسل المتابعة لا بحظّ المدير أو يقظة الموظف". 

ولا تُخفي سابين مكانة الاحترام الشخصي في فلسفتها القياديّة، فتقول بلهجة من ذاق عناء الموازنة بين البيت والمكتب: 
"لا أسمح لنفسي أن أقتحم راحة أحدٍ في المساء أو نهاية الأسبوع، وإن اضطُررت إلى العمل، أؤجّل كلّ رسالةٍ حتّى الصّباح". 

في فريقها، لا تُعدّ الحدود مجرّد نصيحة، بل ممارسة يوميّة تُترجم أمام العيون. وتعترف سابين أنّ العمل الموزّع عبر مناطق زمنيّة متباينة يفرض تحدّياتٍ دقيقة، فتقول: 

"أحياناً أحتاج إلى تسجيل فكرةٍ قبل أن تتبخّر من رأسي، فأُرسلها وأوضّح فوراً أنّها ليست عاجلة، ولن أطلب ردّاً قبل ساعات العمل". 

 وتُشجّع الجميع على بناء حدودهم بثقة، وكأنّها تُخاطبهم: "صُن نفسك، لا تتركها تتبدّد في دوّامة المهامّ التي لا تنتهي". 

وتختم حديثها بوعيٍ من خبر الوجهين: "نعمل جميعاً بجدٍّ وإخلاص، لكنّنا بحاجةٍ دائمة إلى فترات انفصال نسترجع فيها ذواتنا، بعيداً عن البريد، والتنبيهات، والاجتماعات الّتي لا ترحم. ولهذا، أُصرُّ دوماً على ألّا يُفرَض على أحدٍ أن يردّ خارج الوقت الذي يليق براحة الإنسان". 

تتعثّر الخطط أحياناً، ويحدث الخلل، حتّى في أكثر البيئات تنظيماً وانضباطاً. تدرك سابين أنّ التّواصل ليس درباً مفروشاً دائماً، وأنّ العوائق قد تظهر رغم كلّ الاحتياطات؛ لكنّها تؤمن بأنّ فلسفة الشّركة تُشكّل بوصلةً تهدي الفريق، وتُبقيه على السّكّة الصّحيحة. 

تقول بثقةٍ لا تخلو من واقعيّة: "لا نُصيب دائماً، ولكنّ ما يصنع الفرق حقّاً هو ثقافة الرّدّ الصّريح. حين يخفق أمرٌ ما، نُسارع إلى تعديله دون مواربة". 

وبهذا النّهج، يُحافِظ الفريق على كفاءته، متخفِّفاً من أعباء التوتّر المُزمن، في بيئةٍ يشعر فيها كلُّ فردٍ بأنّه مرئيّ، مسموع، ومُساند، لا مجرّد ترسٍ في آلةٍ لا تلتفت إلى وجوه أصحابها. 

حمزة خان 

المؤسّس المشارك والرّئيس التّنفيذيّ لشركة Letswork 

تأسّست "ليتسوورك" (Letswork) عام 2019 كمنصّةٍ مرنةٍ تتيح دخولاً عند الطّلب إلى مساحات العمل والمقاهي وغرف الاجتماع، وامتدّ نشاطها تدريجيًّا ليشمل الإمارات والسعودية والبحرين والبرتغال وإسبانيا وباكستان والأردنّ. 

وفي صميم ثقافة "ليتسوورك"، ينحاز المؤسِّس خان إلى مفهوم "الهجين المرن"؛ فهو لا يؤمن بالتصلّب الإداريّ، كما لا يترك للفوضى موطئ قدمٍ. 

يقول خان: "يتكوّن فريقنا من 18 شخصاً يعملون بنظامٍ هجينٍ مرن؛ بعضهم يعمل عن بُعدٍ بالكامل، وبعضهم الآخر يتواجد في مواقع ليتسوورك نفسها. وعندما يجتمع أكثر من فردٍ في مدينةٍ واحدة، نحثّهم على لقاءٍ حضوريّ أسبوعيّ يُحافظ على الصِّلة الإنسانيّة، ويُتيح لهم التفاعل المباشر مع العملاء". 

ورغم تباعد المناطق الزمنيّة، يُحافظ الفريق على تواصله الفعّال باستخدام أدواتٍ مثل (Slack)، و(جوجل دوكس)، ومنصّة إدارة المهام (Motion)، إلى جانب اجتماع شهريّ يجمع جميع الأعضاء افتراضيّاً لتعزيز وحدة الرؤية وتبادل المستجدّات. 

ويُفضّل خان أن يبقى الجزء الأكبر من التّواصل غير متزامن، مع تصعيد الأمور العاجلة مباشرةً عبر (واتساب) أو الاتّصال الهاتفيّ، حتّى لا يُضطرّ أحدٌ لانتظار ردّ في منتصف اللّيل على (Slack). 

ويُولي خان أقصى درجات الحماية لوقت الفريق الشخصيّ، ويراه حجر الأساس في ثقافة الشّركة. يقول بثبات: "لا نستخدم البريد الإلكترونيّ داخليّاً إطلاقاً؛ إنّما نخصّصه للتواصل مع العالم الخارجيّ فقط. ونستخدم أدوات مثل (Granola) لتلخيص الاجتماعات تلقائيّاً، حتّى يظلّ الجميع في الصّورة، حتّى من غاب". 

ويُضيف: "من بين أدواتي المفضّلة خاصّيّة جدولة الرّسائل؛ فهي تتيح لمن يعمل خارج أوقات الدوام أو في مناطق زمنيّة مختلفة أن يُبرمج رسائله لتصل في الصّباح، حتّى لا يشعر زملاؤه بضغطٍ غير معلنٍ للردّ السّريع". 

هكذا، يُرسِّخ خان ثقافةً تقوم على الثقة: لا يُتوقّع من أحد أن يكون على اتصالٍ دائم، ولا يُفرَض الرّدّ الفوريّ إلا في حالات الطوارئ القصوى. وإذا استدعت الظّروف تسريع القرار، فإنّ الهاتف أو (واتساب) هما القناة، لا رسالة مفاجئة على (Slack) تُربك المتلقّي في ساعةٍ متأخّرة. 

وعن جوهر القيادة في فريقٍ يعمل عن بُعد، يوجز خان رؤيته بكلماتٍ قليلةٍ وحاسمة: "نظّم أدواتك بدقّة، وتواصل مع فريقك بنيّةٍ واضحة، واترك لهم ما يكفي من المساحة للعمل المركّز والعميق". 

فبناءُ بيئة عملٍ منظَّمةٍ، ومحترِمةٍ، وشفّافةٍ لا يرفع الإنتاجيّة فحسب، بل يغرسُ في الفريق سعادةً أصدق، والتزاماً أعمق، وولاءً لا يُشترى. 

وفي عالمٍ بات فيه العملُ عن بُعدٍ أو بنظامٍ هجين هو القاعدة لا الاستثناء، يبقى التّواصل الإنسانيّ الحقيقيّ هو الجذرُ الثابتُ لكلّ نجاحٍ يُكتَب له البقاء. 

آخر تحديث:
تاريخ النشر: