من غرفة الأوامر إلى ميدان التدريب: تحوّل القيادة الذكيّة
حين يتوقّف القائد عن حلّ كلّ مشكلةٍ بنفسه، يبدأ الفريق في اكتساب الثّقة، وتنمو قدرته على التّفكير واتّخاذ القرار، فيتحوّل العمل من تبعيّةٍ إلى استقلالٍ واعٍ

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزية من هنا.
رأيٌ خبير بقلم ديفيد فينكل، المشارك في تأليف كتاب "التّوسّع: المبادئ السّبعة المثبتة لنموّ عملك واستعادة حياتك" (Scale: Seven Proven Principles to Grow Your Business and Get Your Life Back)، والمنشور أصلاً على موقع (Inc.com).
إذا كان فريقك عاجزاً عن أداء مهامّه في غيابك؛ فليس لديك فريقٌ حقيقيٌّ، بل اعتمادٌ مرضيٌّ. ويُخطئ كثيرٌ من أصحاب الأعمال حين يخلطون بين دعم الفريق وحمله على الأكتاف. وبدل أن يتعلّموا كيف يُدرّبون أعضاءهم، يُنجزون العمل عنهم. يقفزون إلى قلب كلّ مشكلة، يحلّون كلّ معضلة، ويجيبون عن كلّ سؤالٍ بأنفسهم. يبدو ذلك كأنه قيادة جيّدة، غير أنّه في جوهره مجرّد اختناقٍ إداريّ مقنّع.
ليست غاية القيادة أن تكون أذكى شخصٍ في القاعة، بل أن تبني قاعةً مليئةً بأشخاصٍ قادرين على التّفكير والحلّ واتّخاذ القرار في غيابك. هذا التحوّل -من حَلّال المشكلات إلى المدرّب- هو أحد أهمّ التّحوّلات الّتي يمكن لصاحب العمل أن يُنجزها. وهو السّبيل الوحيد للنّموّ دون احتراقٍ أو إنهاك. وإليك كيف تبدأ:
1. كُفَّ عن الإجابة عن كلّ سؤال
حين يسألك أحد أعضاء الفريق: "ما الذي عليّ فعله في الموقف (س)؟" لا تُقدِّم الإجابة فوراً، بل اسأله:
- ما الخيارات التي نظرت فيها؟
- ماذا كنت ستفعل لو لم أكن هنا؟
- ما الخطوة التالية التي يمكنك اتخاذها؟
ليست هذه المماطلة هدفًا في ذاتها، بل وسيلةٌ لتقوية عضلات اتّخاذ القرار؛ ففي كلّ مرّةٍ تحلّ المسألة عنهم، تُدرّبهم على العودة إليك. أمّا حين تُدرّبهم على التّفكير، فإنّك تُنمّي ثقتهم وكفاءتهم.
2. استبدل إطفاء الحرائق ببناء الأُطر
يُطفئ المدير الجيّد الحرائق، أمّا القائد العظيم فيبني نظام الوقاية منها. لذلك، ابدأ بتدوين الطّريقة التي تُفكّر بها عند مواجهة التّحدّيات:
- ما منهجيّة اتّخاذك للقرار؟
- ما الأسئلة التي تطرحها قبل أن تلتزم بخطّ عمل؟
- ما الأنماط التي تراها في المشكلات المتكرّرة؟
حوِّل ذلك إلى أطرٍ عمليّةٍ يستخدمها فريقك: شجرة قرارات، قائمة تدقيق، أو وثيقة خطواتٍ متسلسلةٍ. ما كان في رأسك عادةً هو سلوك، أمّا ما دونتَه على الورق فهو أداةٌ.
3. درّب على النّتيجة، لا على الأسلوب
ينشغل كثيرٌ من أصحاب الأعمال بتصحيح كيف يُنجَز العمل، بدل التّركيز على ما إذا كان قد أُنجز كما ينبغي؛ فإذا بلغ أحد أعضاء الفريق 90% من النّتيجة المطلوبة بأسلوبه الخاص، فاحتفِل بذلك. عدّل ما يلزم، لكن قاوم إغراء التّدخّل المفرط. فالإفراط في التّوجيه أو المراقبة الدّقيقة يخنق الإبداع والنّموّ. لست تبني نسخاً مكرّرةً منك، بل تبني كفاءةً مستقلّة. ودع النّاس يحلّون المشكلات بصوتهم الخاصّ ما دامت المعايير محقَّقة.
4. أنشئ حلقة تغذية راجعة... ثم تراجع خطوة
لا يعني التّدريب الغياب، بل يعني بناء الدّعم والمنهج:
- تركّز اجتماعاتٍ أسبوعيّةً على التّقدّم لا على الكمال.
- ترتبط مؤشّرات أداء رئيسيّة (KPIs) بالنّتائج لا بالسّاعات.
- قنواتٌ مفتوحةٌ للأسئلة، مع توقّع أن يُقدَّم معها اقتراحُ حلٍّ أيضاً.
- حين تتراجع وأنت تضع البنية، يتقدّم فريقك وهو يحمل الملكيّة والمسؤوليّة.
5. تخلَّ عن هويّة "البطل"
يُغري الإحساس بأن تكون المُنقذ، المُصلِح، وصاحب الإجابة الدائمة. ولكن إذا كان عملك يقوم على بقائك في دور البطل، فلن تخرج أبداً من عجلة الجري، ولن يبلغ فريقك إمكاناته الكاملة. فالمدرّبون العظام لا يطاردون الكؤوس، بل يصنعون الأبطال.
شاهد أيضاً: أخطر 7 خرافات عن القيادة تُهدّد الأعمال
كُن المضاعف لا الآلة
وظيفتك ليست أن تُنجز أكثر، بل أن تجعل كلَّ من حولك أفضل؛ فالتدريب هو نقطة الرّافعة التي يتحوّل عندها القيادة من ردّ فعلٍ إلى قوّةٍ متضاعفة، إنّه الفارق بين نموٍّ يُنهكك ونموٍّ يُغذّيك.
لذا، في المرّة القادمة التي تُغريك الرغبة في إصلاح أمرٍ لفريقك، توقّف واسأل نفسك: «هل هذه مهمّةٌ عليّ إنجازها، أم فرصةٌ عليّ أن أدرّب عليها؟»
فالأولى تبني قائمة مهامّ، أمّا الثّانية فتبني مشروعاً مزدهراً.