الرئيسية التنمية الأيديولوجية في ريادة الأعمال وثيقة نجاح أم طريق للجمود؟

الأيديولوجية في ريادة الأعمال وثيقة نجاح أم طريق للجمود؟

إنشاء أيديولوجيّةٍ قويّةٍ وراسخةٍ يجب أن يساعدك في جذب المزيد من العملاء، وتحقيق الاتّساق في كلّ عمليّات الإنتاج، ووضع نفسك في مكانةٍ مميّزةٍ عن منافسيك

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

من الابتكار إلى الفضول المستمرّ، ومن تقدير الرّحلة إلى الحرص على البناء من أجل الاستمراريّة، ومن وضع احتياجات العميل في المقام الأوّل إلى التّواضع، كلّها قيمٌ تشكّل أيديولوجيّات شركاتٍ، بعضها نجح تماماً في حفر مكانةٍ فائقةٍ، وأصبح من أرقى وأضخم الشّركات في العالم مثل آبل، وغوغل، وغيرها، وبعضها فشل في هذا تماماً مثل نوكيا، وكوداك، وفولكس فاجن، ووي وورك.

فمتى تكون الأيديولوجيّة سبيلاً واضحاً لك للنّجاح والتّرقّي في ريادة الأعمال؟ ومتى تكون جموداً وتحجّراً فكريّاً يؤدّي إلى الفشل؟ وكيف تختار الأيديولوجيّة الملاءمة لك ولطبيعة مجالك؟

أفضل شركاتٍ حقّقت نجاحاً خارقاً بأيديولوجيّاتٍ مميّزة

نجحت الكثير من الشّركات في وضع الالتزامات الرّاسخة الّتي شكّلت هويّتها، وسمحت لها بالتّنقّل السّلس في المواقف المعقّدة والتّفاعل الجيّد مع التّغيّرات السّوقيّة، ومن أهمّ أمثلة تلك الشّركات:

شركة أول بيردس Allbirds وصنع الأحذية الأكثر استدامةً

تمثّلت أيديولوجيّة شركة Allbirds النّيوزيلنديّة للأحذية في استخدام أفضل الموادّ الطّبيعيّة في العالم لصنع الأحذية الأكثر عمليّةً واستدامةً والملائمة لجميع الأشخاص مع مراعاة البيئة، فقد دمجت بين "راحة النّاس" وقضيّةٍ أكبر هي "الحفاظ على البيئة".
وتعمل كلّ خطوط الشّركة على هذه الأيديولوجيّة، فنجد أنّ هويّتهم البصريّة هادئةٌ وحديثةٌ ومزيجٌ من جمال الطّبيعة مع تصوير الأشخاص الّذين يستمتعون بها، كما يتمتّع خطابهم اللّفظيّ بنفس البساطة والذّكاء لتشكيل الحمض النّوويّ للعلامة التّجاريّة. [1]

شركة Maple Organics والقضاء على الموادّ الكيميائيّة للعناية بالبشرة والجسم

اختارت شركة Maple Organics أن تروّج لنفسها بأيديولوجيّة منع أيّ موادٍّ كيميائيّةٍ أو مضافةٍ في منتجات العناية بالبشرة والجسم، مع ربط هذه الأيديولوجيّة بقيمٍ عائليّةٍ والتّأكيد على إضافة التّراث والاهتمام بالمجتمع والطّبيعة، وهي هنا ليست مجرّد قيمٍ جوفاء، ولكنّها انتبهت إلى السّياق العاطفيّ والرّسائل المتكرّرة من العملاء لتطوّر علامةً تجاريّةً تستهدف "العائلة" والحرص على صحّتها.

شركة Apple وأيديولوجيّة "نحن نعرف أفضل من العملاء"

منذ انطلاقها، وفي عهد ستيف جوبز، عملت شركة آبل دائماً وفقاً لأيديولوجيّة الإبداع المستمرّ، ووضعت فلسفة "نحن نعرف أفضل من العملاء" أمامها، وبهذا أطلقت أجهزة iPod  وiPad وiPhone مغيّرةً تماماً طريقة استخدام الجمهور واستمتاعه بالملفّات الرّقميّة سواءٌ صوتيّةٌ أو فيديو، وطوّرت طريقة استخدام الهواتف المحمولة، فلا تهتمّ آبل بما يرغب به العملاء حاليّاً، ولكن بتطوير ما يحتاجون إليه فعلاً، وهذا هو ما مكنها من إطلاق ثورةً في صناعة التّكنولوجيا.

فلسفة Google وإتاحة المعلومات للجميع بسرعةٍ

تتمتّع شركة غوغل ببيانٍ قويٍّ للغاية، يتمثّل في "تنظيم معلومات العالم لتكون مفيدةً ومتاحةً للجميع" مع شدّة الاهتمام بالسّرعة والدّيموقراطيّة على شبكة الإنترنت. كما اهتمّت بسياسة "منع الشّرّ" لتضع قواعد الظّهور على محرّكات بحثها وفقاً لقواعدٍ محدّدةٍ تسري على الجميع بديموقراطيّةٍ تنعكس في منتجاتها واستراتيجيّاتها، وهي بهذا في تطوّرٍ مستمرٍّ واستباقيٍّ لأيٍّ من منافسيها.

شركة Zappos وفلسفة العمل بجهدٍ

نعم، يمكن فقط لأيديولوجيّة العمل بجهدٍ أن تحقّق للشّركات طفراتٍ مستمرّةً، وقد تبنّت شركة زابوس للأحذية هذه الاستراتيجيّة، فهي تؤكّد على ضرورة خدمة العملاء بكلّ جهدٍ ممكنٍ مع منح الموظّفين حرّيّة التصرّف لخدمة العملاء بأفضل طريقةٍ ممكنةٍ دون التقيّد بلوائح جامدةٍ.
فمثلاً، عندما اشترت إحدى العميلات زوجاً من الأحذية لحضور جنازة زوجها، أرسل موظّف زابوس لها الزّهور نيابةً عن الشّركة، وهي بهذا وضعت أساساً قويّاً لتقدير جهد الموظّفين المبذول والثّقة في حكمهم دون اللّجوء إلى المشرف. [2]

شركاتٌ تعثّرت تماماً نتيجة تمسّكها بأيديولوجيّةٍ فاشلةٍ

قد تتمكّن بعض الشّركات من تحقيق طفرةٍ قويّةٍ لبعض الوقت، إلّا أنّها سريعاً ما تنهار، سواءً نتيجة عدم تبنّي أيّ أيديولوجيّاتٍ على الإطلاق، أو نتيجةً لاختيار قيمٍ غير مستدامةٍ. ومن أكثر الأمثلة على أيديولوجيّاتٍ كانت السّبب في نهاية أصحابها:

شركة Kodak

تسبّبت أيديولوجيّة التمسّك بالتصوير التّقليديّ في الكثير من التّأخّر لشركة كوداك، والتي كانت متربّعةً على العرش بين منافسيها، ولكنّ تأخّرها في التّحوّل إلى التّكنولوجيا الرّقميّة تسبّب في تراجعٍ كبيرٍ لها.

American Apparel وتحدّيات التصنيع الأخلاقيّ

انطلقت شركة أميريكان أباريل للملابس في ثمانينات القرن العشرين، وحقّقت نجاحاً ملحوظاً مع التزامها التّامّ بجودة الإنتاج والرّواتب العادلة، ولكنّ المنافسة مع متاجر التّجزئة أدّت إلى تراجعٍ كبيرٍ في المبيعات، لدرجة أنّها أعلنت إفلاسها أوّل مرّةٍ عام 2015، ثمّ مجدّداً في 2016، لتشتري حقوق الملكيّة الفكريّة لها شركة الملابس الكنديّة جيلدان أكتيفوير (Gildan Activewear).

شركة Volkswagen والاهتمام المفرط بالقوّة

تبنّت شركة فولكس فاجن الألمانيّة الشّهيرة استراتيجيّة القوّة المطلقة، فهي تهتمّ بقوّة الهيكل والمحرّك وغيرها، ولكن على حساب ذلك تجاهلت مخاطر الانبعاثات البيئيّة، ممّا جعلها تتلاعب في بيانات التّلوّث النّاجمة عن محرّكاتها بدلاً من التّحوّل إلى بدائل نظيفةٍ. وقد ألحقت هذه الأيديولوجيّة الإضرار بسمعتها عموماً، وواجهت أزماتٍ ماليّةً متنوّعةً، لتهدّد بإغلاق مصانعها في ألمانيا عام 2024 مع التحدّيات الماليّة المتزايدة.

شركة WeWork وأيديولوجيّة الرّبح فقط

انهارت إمبراطوريّة شركة وي وورك سريعاً كما انطلقت بسرعة الصّاروخ، فهذه الشّركة الأمريكيّة التي تأسّست عام 2010 لتوفير مساحاتٍ مكتبيّةٍ مشتركةٍ للإيجار، وكان يعمل لديها 5 آلاف موظّفٍ في 32 دولةً حول العالم، مع وصول قيمتها السّوقيّة إلى 20 مليار دولار عام 2017، واجهت أزماتٍ متنوّعةً نتيجة الاتّجاه إلى الرّبح فقط.

ورغم أنّ هذه الأيديولوجيّة كثيراً ما تنجح، فالهدف النّهائيّ لأيّ مشروعٍ هو الرّبح للاستمرار، إلّا أنّ التّلاعب في البيانات والتّوسّع المفرط غير المدروس في الأسواق أدّى إلى انهيار سمعة مؤسّس الشّركة آدم نيومان وخسارتها مليارات الدّولارات، حتّى أعلنت إفلاسها تماماً عام 2023 بعد محاولاتٍ لعدّة سنواتٍ لتجنّب هذه الكارثة.

كيف تختار الأيديولوجيّة الملائمة لك؟

إنّ الأيديولوجيّة هي القيم الأساسيّة التي تحدد وتشكّل هويّتك مع تحديد المهمّة التي تعمل عليها، إنّها تلخّص ما تسعى إليه دائماً كمنظّمةٍ أو شركةٍ مهما بلغت معدّلات نموّك، فالأيديولوجيّة هي التي توجّهك وتمنح موظّفيك المثال الذي يحتذون به بحيث يكون الجميع على الخطّ نفسه، ومن أهمّ الطّرق التي تساعدك في تحديد هويّةٍ صحيحةٍ: [3]

الوضوح

يجب أن تكون الأيديولوجيّة واضحةً تماماً للجميع بصرف النّظر عن ماهيّتها، فلا تكون أيديولوجيّتك تركّز على الرّبح فقط، ولكن تسير في خطٍّ مخالفٍ، أو تدّعي العكس، فمهما كانت أيديولوجيّتك لا بدّ أن تكون واضحةً للجميع، مع الحرص على اختيار الموظّفين الذين يتلاءمون مع تلك الثّقافة، أو على الأقلّ تدريبهم جيّداً عليها، والتّأكّد من أنّ جميع أقسام الشّركة من إنتاجٍ وتسويقٍ وتعاملٍ مع العملاء على الخطّ نفسه، فهي مثل الحمض النّوويّ للإنسان، فلا يجب أن يكون هناك خللٌ في أيّ جزءٍ، حتّى يحدث الاتّساق الكامل.

تشجيع المرونة

مهما كانت أيديولوجيّتك، يجب أن تتحلّى معها بالمرونة وبالاتّصال المستمرّ مع الموظّفين، فالتّغيير مستمرٌّ وكلّ شركةٍ لديها اتّجاهاتٌ تصاعديّةٌ وأوقات ركودٍ، ولا أحد يعرف ما يحمله المستقبل، وكلّما كنت تبني علاقة ثقةٍ مع القوى العاملة، كلّما زاد تحمّل الشّركة للأوقات الصّعبة.

تتبّع شغفك

في النّهاية قد بدأت مشروعك لسببٍ ما وهو أنّك تحبّه، لذا ركّز على القيمة التي يمكن أن يضيفها لك على المدى الطّويل، مع المقارنة بأيديولوجيّات المنافسين في السّوق، والعاملين في نطاقك عموماً.

تنفيذ القيم التي يسهل فهمها

لا تنجرف خلف الكلمات الطّنّانة مثل أن تكون أفضل شركةٍ لتقديم الطّعام الصّحّيّ أو أرخص ملابس بجودةٍ فائقةٍ، ولكن اختر ما تتمكّن من تنفيذه بالفعل من قيمٍ وفقاً لإمكاناتك الحقيقيّة، حتّى تتمكّن من الاستمرار بها وتشكيل هويّتك.

اجعل الأيديولوجيّة حيّةً من خلال أمثلةٍ محدّدةٍ

لا تنس مطلقاً مكافأة أولئك الذين يطبّقون قيمك بالفعل، وعند تعديل تلك القيم أو إنشاء أخرى جديدةٍ، ابذل جهداً إضافيّاً للتّرويج لها في مكان عملك ومع عملائك والتّأكّد من فهم الجميع لها.

وفي الختام، فإنّ إنشاء أيديولوجيّةٍ قويّةٍ وراسخةٍ يجب أن يساعدك في جذب المزيد من العملاء، وتحقيق الاتّساق في كلّ عمليّات الإنتاج، ووضع نفسك في مكانةٍ مميّزةٍ عن منافسيك، مع الحصول على أفضل المواهب المتوافقين مع أيديولوجيّتك، وخلق بيئة عملٍ حقيقيّةٍ ومستدامةٍ تزيد من فرصك في تحقيق الفوائد التّجاريّة. فإذا لم تتحقّق هذه الأمور، فيجب إعادة النّظر في الأيديولوجيّة وتغييرها إذا اقتضى الأمر أو تطويرها لكي تكون وثيقة نجاحٍ، وليس وسيلةً للفشل.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: