لماذا ارتديتُ ربطة عنق خضراء وتحدثتُ بالعربية في الرياض؟
ما بين لونٍ وكلمة، رسالةٌ صامتةً تتفوّق على الأرقام، مؤكّدةً أنّ العاطفة تسبق الميزة التنافسيّة في أسواق الخليج.



في تلك الليلة في الرياض، حين اعتليت منصّة Best in Business التابعة لـ "عربية .Inc"، لم تكن ربطة العنق الخضراء التي ارتديتها تفصيلاً عابراً، ولا كانت لغتي العربيّة مجرّد خيارٍ بلاغيّ. كان كلٌّ منهما فعلاً مقصوداً يخاطب عمق الانتماء ويجسّده.
لأوّل مرّةٍ منذ سنوات، قدّمت كلمتي الافتتاحيّة كاملةً بالعربيّة. اخترت أن أتكلّم بلغة المكان والناس، لا بلغة المؤتمرات المعتادة. وبعدما انتهى الخطاب، أدركت شيئاً مهمّاً: العاطفة، لا الميزة التنافسيّة، هي التي تحرّك هذا الجزء من العالم.
الأخضر في ربطة العنق: إشارةٌ لا تحتاج إلى ترجمة
في السعوديّة، اللون الأخضر ليس مجرّد لون؛ إنّه لون العلم، ورمز النماء، ودليل الانتماء. حين اخترته، قلت بلا كلمات: "أراكم، وأقف معكم، وأنتمي إليكم". ذلك الفعل البسيط، الذي قد يبدو سطحيّاً، كان أبلغ من خطبٍ طويلة؛ إذ التقطه الحضور بالقلب قبل العقل، فصارت ربطة العنق جسراً صامتاً بين غريبٍ قادمٍ من بعيدٍ وجمهورٍ يتوق إلى من يقترب منه حقّاً.
العربيّة: من العقل إلى القلب
اعتدت أن أخاطب الجماهير بالإنجليزيّة في نيويورك، ولندن، ودبي. غير أنّ الطلاقة لم تكن الهدف في الرّياض؛ بل كانت الغاية أن تصل الكلمة إلى القلب. حين تتحدّث بالعربيّة على أرضٍ عربيّة، فإنّك لا تنقل أفكارك فحسب، بل تقدّم نفسك بصدقٍ كامل، وتقول: "هذه الأرض تعنيني، أفهم رموزها وأحترم وجدانها". هنا، العربيّة ليست وسيلةً فحسب، بل هي الرّسالة نفسها.
في منطقتنا.. العاطفة تحرّك الجبال
هذه المنطقة لا تحرّكها العروض التقديميّة المجمّدة بالأرقام، ولا المعادلات الماليّة وحدها؛ إنّها تبنى على الشعور قبل الأرقام. تعلّمنا في كتب التسويق أنّ مفتاح البيع هو عرض البيع الفريد أو ما يسمّى (USP ،Unique Selling Proposition)، لكنّنا نسينا عرض البيع العاطفي (ESP ،Emotional Selling Proposition)؛ الذي يصنع الفرق في النهاية. تستطيع أن تملأ الشّرائح البيانيّة بما تشاء، لكن إن لم تحرّك شعوراً صادقاً، فلن يتذكّرك أحد.
حين أسّسنا حاوي، لم نبع محتوىً، بل رواية وقصة. نعم، كنّا منصّةً عربيّةً رقميّةً رائدةً، وهذا هو عرض البيع الفريد. غير أنّ السبب الذي جعل الناس يتابعوننا، ويثقون بنا، ويعودون إلينا كان عرض البيع العاطفي؛ لأنّنا حكينا قصصهم لا أخبارهم فقط، وزرعنا فيهم شعوراً بالانتماء. والشعور، أكثر من الفكرة، هو الذي يصنع الولاء.
بالمختصر.. لا يقاس النجاح في منطقتنا بالملاءمة السوقيّة وحدها، بل بالملاءمة العاطفيّة؛ ولا يبنى على التّحليلات فقط، بل على الإشارات، واللّغة، والنّوايا. ربطة عنقٍ خضراء، وخطابٌ بالعربيّة، ورسالةٌ مشحونةٌ بالعاطفة لم تكن استراتيجياتٍ تسويقيّةً باردة، بل كانت إعلان قربٍ حقيقيّ. وفي زمنٍ تتلاشى فيه التفاصيل وتتقاطع الثقافات، نحتاج إلى قليلٍ من الصدق، وكثيرٍ من الدفء.
لقراءة المقال بالإنجليزية