الرئيسية الريادة نجمات عربيات حوّلن الشهرة إلى شركاتٍ ناشئةٍ رابحة

نجمات عربيات حوّلن الشهرة إلى شركاتٍ ناشئةٍ رابحة

8 قصص لنجماتٍ عربياتٍ أسّسن شركاتٍ ناشئة في الموضة والجمال والتقنية عبر استثمار جماهيرهن وأبرز الدّروس الاستثماريّة الملهمة

بواسطة فريق عربية.Inc

ملاحظة: اضغط السّهم لتطّلع على صور النجمات المولّدة بالذّكاء الاصطناعيّ

إذا كان لديك جمهورٌ، فلديك سوقٌ. وإذا عرفت كيف تحوّلين المتابعين إلى عملاءٍ، والهويّة الشّخصيّة إلى علامةٍ تجاريّةٍ، فأنت أقرب ممّا تظنّين لأن تصبحي مؤسّسة مشروعٍ ناجحٍ، تماماً كما فعلت نجماتٌ كثيراتٌ قبلك.

هدى قطّان بدأت بفيديوهات مكياجٍ منزليّةٍ، ثمّ أسّست "Huda Beauty" الّتي تقدّر اليوم بمئات الملايين. جويل مردينيان أطلقت صالوناً صغيراً، فتحوّل إلى مجموعة شركاتٍ في مجال التّجميل والعناية. وجسّيكا قهواتي لم تفتتح مطعماً فاخراً، بل مطبخاً منزليّاً رقميّاً... ووصلت إلى الآلاف.

هل السّرّ في الشّهرة؟ جزئيّاً. لكن ما فعلنه لا يتوقّف على عدد المتابعين، بل على فهمٍ عميقٍ لكيفيّة تحويل الثّقة الجماهيريّة إلى نموذج عملٍ ناجحٍ.

في هذا المقال، سنكشف كيف استخدمت نجماتٌ عربيّاتٌ أدواتٍ بسيطةٍ، متاحةً لك أيضاً، لبناء شركاتٍ قابلةٍ للنموّ. من استراتيجيّات الإطلاق، إلى اختيار المنتجات، إلى طريقة التّسويق الذّكيّ... هذه هي الوصفة كما هي، بدون تزيينٍ.

إذا كنت تفكّرين بإطلاق مشروعك، أو لديك جمهورٌ ولا تعرفين من أين تبدأين، فهذا الدّليل العمليّ مستخرجٌ من قصصٍ واقعيّةٍ، ويمثّل أقرب ما يكون إلى خريطة طريقٍ… مجرّبةٍ.

1. هدى قطّان: من فيديو منزليٍّ إلى إمبراطورية تجميل عالمية [1] [2]

(Huda Kattan – Huda Beauty)

حين بدأت هدى قطّان بتصوير فيديوهاتٍ بسيطةٍ لمستحضرات التّجميل من بيتها، لم تكن تتوقّع أن تتحوّل إلى واحدةٍ من أقوى النّساء في صناعة الجمال عالميّاً.

لكن ما ميّزها منذ البداية هو شيءٌ بسيطٌ وقابلٌ للتّكرار: كانت تصغي للسّوق، ثمّ تنفّذ بناءً على الفجوة.

وُلدت هدى في عائلةٍ عراقيّةٍ، ودرست المكياج في لوس أنجلوس، لكنّها لم تطلق علامتها التّجاريّة "Huda Beauty" من الولايات المتّحدة، بل من دبيّ، بعد أن لاحظت نقصاً في المنتجات عالية الجودة الّتي تلائم ذوق المستهلكات العربيّات، وخاصّةً في فئة الرّموش الصّناعيّة.

استثمرت 6,000 دولارٍ فقط، كانت قد اقترضتها من شقيقتها، لإطلاق أوّل منتجٍ لها: رموشٌ صناعيّةٌ فاخرةٌ. خلال أسبوعٍ، باعت أكثر من 7,000 وحدةٍ.
خلال عامين فقط، حقّقت مبيعاتٍ بـ10 ملايين دولارٍ.

لكنّ النّجاح لم يكن نتيجة منتجٍ جيّدٍ فقط، بل كان نتيجة فهمٍ عميقٍ لقوّة الجمهور. لم تصرف هدى أموالاً على إعلاناتٍ تقليديّةٍ. بدلاً من ذٰلك، استخدمت حسابها على إنستغرام ومدوّنتها الشّخصيّة لبناء ثقة جمهورها، والرّدّ على كلّ استفسارٍ، وتوثيق مراحل تطوير منتجاتها لحظةً بلحظةٍ.

بعد سنواتٍ من النّموّ، جذبت الشّركة انتباه المستثمرين الدّوليّين، فدخلت في شراكةٍ مع شركة TSG الأمريكيّة في 2017 للحصول على تمويلٍ ضخمٍ بهدف التّوسّع العالميّ.

ولكنّ أهمّ قرارٍ يروي شخصيّتها كمؤسّسةٍ، هو أنّها ذات مرّةٍ أتلفت دفعةً كاملةً من خافي العيوب بقيمة 1.5 مليون دولارٍ، لأنّها لم تكن راضيةً عن الجودة. لم تكن استعراضاً هٰذه الخطوة، بل كانت تأكيداً على مبدأٍ: الموثوقيّة تسبق الرّبحيّة.

هدى اليوم ليست فقط مؤثّرةً مشهورةً، بل مديرةٌ تنفيذيّةٌ تتحكّم بخطوط الإنتاج، وتختار الصّياغة، وتشارك في كلّ قرارٍ استراتيجيٍّ. نجحت لأنّها لم تكتف ببيع ما تحبّ، بل بنت منتجاً انطلاقاً من ثقة جمهورٍ يحبّها ويستمع لها. [1]

الدّرس الرّيادي:

  • إذا كان لديك جمهورٌ حقيقيٌّ، فابدئي بمنتجٍ واحدٍ فقط يعالج مشكلةً واضحةً.
  • استثمري في الجودة، لا في الإعلانات.
  • وأهمّ من ذٰلك؟ كوني حاضرةً، صادقةً، وتواصلي معهنّ كأنّ كلّ عميلةٍ هي شريكتك في المشروع.

2. جويل مردينيان: كيف بنت مشروعاً قابلاً للتوسّع من برنامج تلفزيوني؟ [3] [4]

(Joelle Mardinian – Joelle Group)

في عام 2008، أطلقت جويل مردينيان أوّل صالون تجميلٍ لها في دبيّ. في ذٰلك الوقت، كانت واحدةً من أشهر خبيرات التّجميل على الشّاشة العربيّة، ولكنّ قرار دخولها عالم الأعمال لم يكن امتداداً طبيعيّاً لظهورها الإعلاميّ، بل تحوّلاً مدروساً من التّأثير الجماهيريّ إلى بناء منتجٍ تجاريٍّ يمكن تطويره واستنساخه وتوسيع نطاقه.

أطلقت الصّالون تحت اسم Maison de Joelle، مستفيدةً من قاعدةٍ جماهيريّةٍ واسعةٍ كوّنتها عبر برنامجها على قناة MBC، ولكن دون الاعتماد على الشّهرة وحدها.

اعتمدت جويل منذ البداية على تقديم تجربةٍ متكاملةٍ، تركّز على الجودة، والاحترافيّة، والابتكار في الخدمة.

مع نجاح النّموذج الأوّل، انتقلت إلى التّوسّع عبر نموذج الامتياز التّجاريّ، لتؤسّس فروعاً في مدنٍ مثل أبوظبي، الرّياض، جدّة، بيروت وتونس، وتحافظ على هويّة العلامة في كلّ سوقٍ. هٰذا التّوسّع لم يكن عشوائيّاً.

خلال سنواتٍ قليلةٍ، أسّست Joelle Group، وهي مظلّةٌ تضمّ مجموعةً من المشاريع الّتي تغطّي مختلف جوانب العناية بالجمال:

  •     Clinica Joelle: شبكةٌ من عيادات التّجميل المتخصّصة
  •     Joelle Paris: خطٌّ لمنتجات العناية بالشّعر والبشرة، ينتج بالشّراكة مع مختبراتٍ أوروبّيّةٍ
  •     Eye Candy: متجرٌ إلكترونيٌّ وعدساتٌ لاصقةٌ تحمل علامةً تجاريّةً خاصّةً [2]

في كلّ خطوةٍ، ركّزت جويل على تقديم خدمةٍ ملموسةٍ ذات قيمةٍ عاليةٍ، تخرج عن إطار التّأثير الإعلاميّ، لتبنى على أسسٍ تشغيليّةٍ وتجاريّةٍ واضحةٍ:
جودة المنتج، تدريب الطّواقم، إدارة العلامة، ضبط التّكاليف، والتّوسّع التّدريجيّ.

صرّحت في أكثر من مناسبةٍ أنّها استمرّت في تقديم برنامجها التّلفزيونيّ لعدّة سنواتٍ بعد إطلاق مشروعها الأوّل، فقط لضمان استقرار العوائد الماليّة، إلى أن أصبحت مشاريعها قادرةً على تحقيق دخلٍ مستدامٍ. كان هٰذا القرار حاسماً في تثبيت الأعمال، ويمثّل فهماً ناضجاً للفارق بين إطلاق الشّركة وضمان استمراريّتها.

اليوم، لم تعد جويل فقط "شخصيّةً معروفةً" أطلقت علامةً، بل رائدة أعمالٍ تدير شبكةً من المشاريع المترابطة، ضمن بنيةٍ تشغيليّةٍ تتيح لها التّوسّع دون التّضحية بالتّحكّم أو بالجودة.

الدّرس الرّياديّ:

  • الشّهرة قد تفتح لك باب السّوق، ولكنّها لا تبني نظاماً تشغيليّاً.
  • ما قامت به جويل مردينيان هو نقل القيمة من شخصها إلى مؤسّسةٍ، ومن تجربةٍ إعلاميّةٍ إلى تجربة عملاء، ومن متابعةٍ إلى ولاءٍ مستدامٍ.
  • وهٰذا بالضّبط ما يميّز رائدة أعمالٍ تبني شركةً قابلةً للنّموّ عن مشروعٍ قائمٍ على الاسم فقط.

3. هيفاء وهبي: كيف تطلق علامة أزياءٍ بجرأة تموضعٍ، لا بحجم السّوق؟ [5]

(Haifa Wehbe – Beau Voyou)

عندما أطلقت هيفاء وهبي علامتها التّجاريّة Beau Voyou في عام 2019، لم تكن تسعى لبناء شركة أزياءٍ تقليديّةٍ. لم يكن المشروع نتيجة توسّعٍ طبيعيٍّ في نشاطٍ فنّيٍّ، بل محاولةً واعيةً لبناء علامة أزياءٍ تعبّر عن هويّةٍ، لا فقط عن منتجٍ.

أعلنت عن العلامة بتسويقٍ تدريجيٍّ ذكيٍّ: بدأت بنشر صورٍ لتفاصيل صغيرةٍ، زرٍّ جلديٍّ يحمل اسم العلامة، سحّابٍ محفورٍ عليه شعارٌ، دون أيّ إعلانٍ رسميٍّ.

لا يُستخدم هٰذا النّمط في الإطلاق عادةً في السّوق العربيّ، ولكنّه أعاد إنتاج ما يعرف في عالم الرّيادة باسم Stealth Positioning، أي التّمهيد للمشروع دون كشفٍ مباشرٍ، بهدف إثارة الفضول وبناء شغفٍ تلقائيٍّ حوله.

بمجرّد الإطلاق الرّسميّ، بيعت إحدى قطع التّشكيلة الـ19 بالكامل في أوّل أيّام البيع، وتعطّل الموقع الإلكترونيّ مؤقّتاً بسبب الضّغط. كلّ ذٰلك حدث دون أن تستند العلامة إلى شبكة توزيعٍ كبيرةٍ أو متجرٍ فعليٍّ، بل إلى متابعةٍ رقميّةٍ واعيةٍ، وقاعدة جمهورٍ تعرف بالدّقّة ما تـمثّله هيفاء كرمزٍ للموضة والجرأة.

العلامة قدّمت أزياءً مستوحاةً من أسلوب "الشّارع الرّاقي" (luxury streetwear)، مع رسائل مباشرةٍ وقويّةٍ، مثل سترةٍ كتب على ظهرها:
“Women Can Kill”. كان هٰذا التّموضع خروجاً واعياً عن السّائد: العلامة لا تحاول إرضاء الجميع، بل تصنع لنفسها شخصيّةً واضحةً، تتبنّاها الفئة المستهدفة دون مواربةٍ.

وعلى الرّغم من أنّ Beau Voyou لم تتوسّع لاحقاً بنفس الزّخم الّذي بدأت به، إلّا أنّ التّجربة تـمثّل نموذجاً مهمّاً لريادةٍ قائمةٍ على:

  • وضوح التّوجّه
  • اختبار السّوق من خلال مجموعةٍ محدّدةٍ لكن عالية الأثر
  • تحويل الشّخصيّة العامّة إلى أسلوب حياةٍ قابلٍ للارتداء، لا مجرّد منتجٍ للبيع

الدّرس الرّياديّ:

قد لا تحتاجين إلى إطلاق مئات المنتجات في البداية، ولكنّك تحتاجين إلى وضوحٍ مطلقٍ في: من جمهورك؟ ماذا تـمثّلين له؟ ولماذا عليه أن يشتري منك لا من غيرك؟

لم تكن قوّة Beau Voyou في حجمها، بل في الرّسالة الّتي تحملها، والجمهور الّذي تبنّاها بصفته امتداداً لهويّة هيفاء وهبي كرمزٍ للتّمكين والتّموضع الثّقافيّ الواضح.

4. نادين نسيب نجيم: من التّجربة الشّخصيّة إلى علامة تجميلٍ عاطفيّةٍ وتجاريّةٍ [6]

(Nadine Nassib Njeim – Nadine Njeim Beauty)

أطلقت نادين نسيب نجيم علامتها التّجاريّة Nadine Njeim Beauty في عام 2023، في ذروة تقاطعٍ غير مريحٍ بين الحياة الشّخصيّة، والهويّة العامّة، والسّياق اللّبنانيّ الضّاغط.

لكن ما يميّز هذه التّجربة ليس فقط أنّها استثمارٌ من نجمةٍ تلفزيونيّةٍ مشهورةٍ، بل أنّها حالةٌ نادرةٌ لعلامة تجميلٍ تأسّست على رسالةٍ وجدانيّةٍ واضحةٍ، وتمكّنت من ترجمتها إلى منتجٍ تجاريٍّ صالحٍ للتّوسّع.

منذ اللّحظة الأولى، ربطت نادين العلامة بسرديّتها الخاصّة. ففي حفل الافتتاح الرّسميّ لأوّل متجرٍ فعليٍّ في بيروت في ربيع 2025، قالت: "هذا المشروع يمثّلني ويمثّل لبنان... هو نتيجة التّعب والانكسار والخذلان، لكنّه دليلٌ على أنّ من ينهض، يستطيع أن يصنع شيئاً أكبر من الألم".

ركّزت تشكيلة المستحضرات على القوّة، والإيجابيّة، والدّعم. لم يكن الخطاب دعائيّاً، بل انعكاساً لتجربةٍ مرّت بها نادين بعد إصابتها في انفجار مرفأ بيروت عام 2020، وانسحابها مؤقّتاً من التّمثيل. بهذا المعنى، لم تكن العلامة تبيع "ألواناً" فقط، بل تقدّم إحساساً بالتّمكين موجّهاً للمرأة العربيّة من موقع العارف، لا النّاصح.

على المستوى العمليّ، تعاونت نادين مع مختبرات تصنيعٍ أوروبّيّةٍ لتطوير المنتجات، وعملت مع فريق تسويقٍ مستقلٍّ لإدارة الهويّة البصريّة للعلامة. أعطاها هذا الجمع بين الشّغف الشّخصيّ والتّطبيق المهنيّ قدرةً على المنافسة من اليوم الأوّل.

لكنّ الأهمّ أنّ افتتاح المتجر جاء بعد أكثر من عامٍ من العمل في صمتٍ، وهو ما يدلّ على أنّ المشروع لم يبن كـ"منتج نجاةٍ" من أزمةٍ، بل كشركةٍ جادّةٍ تحمل رؤيةً طويلة الأمد.

5. فوز الفهد: بناء علامة تجميلٍ على فهم السّوق قبل أيّ حملةٍ إعلانيّةٍ [7]

(Fouz Alfahad – By Fouz Beauty)

في عام 2019، أطلقت فوز الفهد علامتها التّجاريّة By Fouz Beauty، بعد عامين ونصفٍ من العمل الصّامت على تطوير منتجاتها. لم تكن تلاحق موضة إطلاقٍ سريعٍ لاستثمار الشّهرة، بل كانت تضع تصوّراً استراتيجيّاً واضحاً:
منتجاتٌ عمليّةٌ للمرأة الخليجيّة العصريّة، سهلةٌ، فعّالةٌ، وقابلةٌ للاستخدام اليوميّ في نمط حياةٍ مزدحمٍ.

بخلاف كثيرٍ من النّجمات، لم تبدأ فوز بأوسع تشكيلةٍ ممكنةٍ. بل بدأت بما وصفته بأنّه: "منتجٌ يحلّ مشكلتي أنا، ومشاكل بنات جيلي"، لوحات ظلال عيونٍ وأحمر شفاهٍ بتركيبةٍ تناسب البشرة العربيّة، وتصميمٍ سهل الحمل وسريع الاستخدام.

لم ينطلق المشروع على إنستغرام فقط، بل بني على شراكة توزيعٍ ذكيّةٍ مع منصّة التّجارة الإلكترونيّة الكويتيّة بوتيكات (Boutiqaat)، الّتي سهّلت الانتشار السّريع داخل الخليج وخارجه، مع الحفاظ على قدرة فوز على التّحكّم في علامتها وتسويقها.

وعلى الرّغم من قاعدة المتابعين الكبيرة (أكثر من 4 ملايين)، رفضت فوز الاعتماد الكلّيّ على المؤثّرات. تقول في إحدى المقابلات: "أنا لا أؤمن بأنّ المتابعين وحدهم هم السّوق... لازم أعرف شو ناقصهم فعلاً، مش بس شو يعجبهم".

هٰذا التّصريح يلخّص فلسفة العمل خلف By Fouz: المنتج ليس وسيلةً لزيادة التّأثير الرّقميّ، بل التّأثير وسيلةٌ لفهم السّوق، وتحسين المنتج، وتوسيع قاعدة العملاء الحقيقيّين.

فوز أيضاً لم تستعجل التّوسّع في خطوط الأزياء أو العطور، رغم الطّلب، وقالت إنّها تفضّل ترسيخ علامة التّجميل أوّلاً، ثمّ التّوسّع عندما تكون الجاهزيّة التّشغيليّة والطّلب واضحين.

الدّرس الرّياديّ:

  • تملّك جمهورٍ كبيرٍ لا يعني أنّك مستعدّةٌ للسّوق.
  • الاستعداد يبدأ من معرفةٍ دقيقةٍ بحاجاته، ثمّ تقديم منتجٍ فعليٍّ يخدمه، حتّى لو كان ذٰلك يعني التّأنّي، والتّنازل مؤقّتاً عن حجم الضّجّة.
  • فوز الفهد لم تبن مشروعاً فوق شهرتها، بل تحتها، كقاعدةٍ صلبةٍ قابلةٍ للنّموّ والتّوسّع، بدون أن تفقد المعنى أو التّوازن.

6. نهى نبيل: كيف تدير مؤثّرةٌ واحدةٌ ثلاث علاماتٍ بأسلوبٍ واحدٍ؟ [9]

(Noha Nabil – Noha Nabil Beauty / Elevenc11 / عطور Noha)

عندما أطلقت نهى نبيل علامتها التّجاريّة الخاصّة بمستحضرات التّجميل، لم تكن جديدةً على السّوق الخليجيّ ولا على جمهور الجمال. ولكنّ ما يميّز تجربتها ليس دخولها القطاع، بل قدرتها على الحفاظ على هويّةٍ واضحةٍ ومتّسقةٍ رغم تنوّع خطوط منتجاتها: من المكياج إلى العطور إلى الأزياء.

بدأت نهى بـ Noha Nabil Beauty، خطّ مكياجٍ وعنايةٍ بالجمال يحمل طابعاً عصريّاً بلمساتٍ لونيّةٍ مستوحاةٍ من البيئة العربيّة. لم تكتف بالمنتجات الشّائعة، بل صمّمت تشكيلاتٍ تعبّر عن ذوقها كمدوّنةٍ وصانعة محتوًى عريقةٍ، تستند إلى حسّها الشّخصيّ بدلاً من نسخ الاتّجاهات.

لاحقاً، أطلقت علامتها الخاصّة بالعطور، ثمّ علامة Elevenc11 في مجال الأزياء الرّاقية، وجميعها تحافظ على أسلوبٍ بصريٍّ موحّدٍ، وخطابٍ تسويقيٍّ متّزنٍ يربط بين الجمال والتّفرّد والثّقافة العربيّة.

اعتمدت نهى على التّوزيع الهجين: مبيعاتٌ عبر الإنترنت عبر متاجرها الخاصّة، بالإضافة إلى شراكاتٍ مع منصّاتٍ مثل Ounass وFaces، ممّا أعطاها قدرةً على الوصول إلى شرائح مختلفةٍ من السّوق الخليجيّ والعربيّ.

ولكنّ الأهمّ من التّوزيع هو طريقة العرض. إذ تدمج نهى كلّ منتجٍ في سياقٍ بصريٍّ وسرديٍّ خاصٍّ بها، مقاطع فلوغ، جلسات تصويرٍ احترافيّةٌ، مشاركة لحظاتٍ واقعيّةٍ من حياتها، ممّا يجعل المنتج امتداداً لأسلوب حياتها، لا مجرّد سلعةٍ مفصولةٍ عن شخصيّتها.

وفي تصريحاتها، نادراً ما تتحدّث عن "المبيعات" أو "نقاط التّوزيع"، بل تركّز على قيمتها الشّخصيّة في تقديم تجربةٍ تشبهها وتشبه جمهورها.

7. آسيا الفرّاج: كيف تبني شركتين ناشئتين من حاجةٍ شخصيّةٍ، لا من رغبةٍ في التّوسّع؟ [8]

(Ascia – Desert Baby / Seoul Kool)

لم تطلق آسيا الفرّاج شركةً واحدةً، بل اثنتين. ولم تفعل ذٰلك من موقع الشّغف فقط، بل من موقع الحاجة. وهٰذا تحديداً ما يجعل تجربتها مميّزةً: ريادة أعمالٍ انطلقت من فجواتٍ ملموسةٍ في حياة المؤسّسة نفسها، لا من توجّهٍ للموضة أو التّقليد.

في عام 2016، وبعد أن أصبحت أمّاً، لاحظت آسيا غياب المنتجات العمليّة والأنيقة الخاصّة بالأمّهات والرّضّع في السّوق الكويتيّ. فأطلقت مشروعها الأوّل: Desert Baby، وهو خطٌّ متكاملٌ من منتجات الأطفال والأمّهات، من الحقائب إلى الأقمشة إلى الحمّالات، بملمسٍ تصميميٍّ محلّيٍّ وجودة إنتاجٍ عاليةٍ.

الميزة؟ لم تسع آسيا إلى سوقٍ ضخمٍ، بل إلى سوقٍ متخصّصٍ، ولكنّها فهمته بدقّةٍ. ركّزت على المنتجات الّتي تجمع بين التّصميم الجماليّ والوظيفيّ، واعتمدت في التّصنيع قدر الإمكان على مورّدين محلّيّين في الكويت لدعم الاقتصاد الوطنيّ وتعزيز الاستقلاليّة.

بعد النّجاح الأوّل، قرّرت التّوسّع... لا داخل نفس السّوق، بل إلى سوقٍ مختلفٍ تماماً: K-Beauty، منتجات العناية بالبشرة الكوريّة.

وفي عام 2018، أطلقت مشروعها الثّاني: Seoul Kool، وهو متجرٌ إلكترونيٌّ ومنصّة محتوًى متخصّصةٌ في تقديم منتجات التّجميل الكوريّة للجمهور العربيّ، مع فلترةٍ احترافيّةٍ وعرضٍ مبسّطٍ، بالشّراكة مع صديقتها Angie Hastings.

هٰذا المشروع لم يكن فقط استيراداً لمنتجاتٍ شائعةٍ، بل تكييفاً لمفاهيم معقّدةٍ بلغةٍ ثقافيّةٍ عربيّةٍ مفهومةٍ، ممّا جعله يتجاوز مرحلة "المتجر" إلى أن يكون بوّابة تثقيفٍ واختيارٍ.

لم تحوّل آسيا جمهورها إلى زبائن فقط، بل خلقت لنفسها منصّتين تؤمّنان دخلاً مستقلّاً، وهويّةً رياديّةً لا تعتمد على محتواها الرّقميّ فقط.

الدّرس الرّياديّ:

  • إذا وجدت حاجةً حقيقيّةً في حياتك اليوميّة، فلا تستهيني بها.
  • ابحثي عمّن يشاركك نفس المشكلة، ثمّ قدّمي حلّاً حقيقيّاً مصمّماً من موقع الشّراكة، لا الفوقيّة.
  • أسلوب آسيا الفرّاج يثبت أنّ المؤثّرة ليست مضطرّةً للتّوسّع في ما هو رائجٌ فقط، بل تستطيع أن تنجح عندما تختار الأسواق الّتي تفهمها، حتّى ولو بدت "صغيرةً" في البداية.

8. جيسيكا قهواتي: عندما تتحوّل وصفةٌ عائليّةٌ إلى مشروعٍ سحابيٍّ بامتيازٍ تشغيليٍّ  [10]

(Jessica Kahawaty – Mama Rita)

من بين جميع النّماذج، قد تكون تجربة جيسيكا قهواتي الأكثر خصوصيّةً. ليست في التّجميل، ولا في الأزياء، بل في قطاع توصيل الطّعام، حيث أطلقت في عام 2020 علامة Mama Rita، مطبخٌ سحابيٌّ يقدّم وصفاتٍ منزليّةً لبنانيّةً وعالميّةً، تعتمد على وصفات والدتها "ريتا"، وتقدّم بجودة مطعمٍ وفلسفة بيتٍ.

لكنّ المشروع لم يكن حنيناً مغلّفاً بعبوةٍ فاخرةٍ. جيسيكا، الّتي تمتلك خبرةً سابقةً في العمل الإعلاميّ وعروض الأزياء، دخلت هٰذا القطاع من موقع التّشغيل لا فقط من موقع السّرديّة.

أسّست المطبخ على نموذج Cloud Kitchen، ممّا خفّض التّكاليف الثّابتة، وسمح بتوسيع قاعدة التّوصيل بسهولةٍ، دون التزامٍ مكلّفٍ بموقعٍ فعليٍّ.

العلامة ركّزت على تقديم طعامٍ "يشبه الأكل في بيتك"، لكن مع تجربة استخدامٍ محسّنةٍ، من التّغليف، إلى الطّلب الرّقميّ، إلى سرعة التّسليم.
وبدعمٍ من فريقٍ تشغيليٍّ متخصّصٍ، وصلت Mama Rita خلال أشهرٍ إلى مختلف مناطق الإمارات، مع خطط توسّعٍ مستقبليّةٍ إلى الخليج.

لم يكن التّسويق من النّوع الصّاخب. بل اعتمدت جيسيكا على رأس مالها الرّمزيّ: الثّقة، والحضور الرّقميّ، والمحتوى الصّادق. كانت تشارك لحظاتٍ من المطبخ، توثّق تفاصيل العمل، وتعيد تعريف العلاقة بين الزّبون والمطبخ كأنّه جزءٌ من التّجربة لا فقط وسيلةٌ للحصول على وجبةٍ.

وفي إحدى المقابلات، لخّصت فلسفتها ببساطةٍ: "النّاس لا يشترون الطّعام فقط… يشترون القصّة الّتي تحيط به. نحن نقدّم دفء البيت ضمن علبةٍ، ونوصّله بسرعة شركةٍ تقنيّةٍ."

الدّرس الرّياديّ:

إذا كنت تملكين وصفةً ناجحةً – بالمعنى الحرفيّ أو المجازيّ – فابني حولها نموذج عملٍ يوازن بين "القصّة" و"التّشغيل". نجحت Mama Rita لأنّها لم تبق في منطقة العاطفة، بل انتقلت إلى التّنفيذ الذّكيّ، والتّوسّع القابل للقياس، مع الحفاظ على هويّةٍ لا تشبه أحداً في السّوق.

ما يجمع النّماذج الّتي استعرضناها ليس الشّهرة، بل القدرة على تحويل التّأثير إلى بنية عملٍ قابلةٍ للنّموّ. كلّ تجربةٍ، رغم اختلاف السّياق، بنيت على عناصر واضحةٍ: رؤيةٌ محدّدةٌ، فهمٌ عميقٌ للجمهور، ومنهجيّة تشغيلٍ تعامل المشروع ككيانٍ مستقلٍّ لا كامتدادٍ شخصيٍّ.

النّقاط المشتركة لا تتمثّل في عدد المتابعين أو نوع المنتج، بل في القرارات الأساسيّة الّتي اتّخذتها كلّ مؤسّسةٍ منذ اليوم الأوّل: أن يكون للمنتج معنًى، وللهويّة اتّساقٌ، وللتّوزيع منطقٌ، وللنّموّ توقيتٌ.

إذا كنت تفكّرين في إطلاق مشروعٍ تجاريٍّ من داخل مجالك التّخصّصيّ أو جمهورك الرّقميّ، فالنّماذج السّابقة ليست حكايات نجاحٍ فرديّةٍ، بل إشاراتٌ واضحةٌ إلى أنّ المعرفة الدّقيقة بالحاجة، والقدرة على التّنظيم، والالتزام بالمعايير يمكن أن تنتج علامةً قويّةً…حتّى من دون موارد ضخمةٍ.

لم تعد ريادة الأعمال حكراً على خرّيجي كلّيّات الأعمال أو مؤسّسي شركات التّقنيّة. لقد أثبتت هٰذه النّماذج أنّ من يملك الرّؤية، ويحسن البناء، يمكنه أن يخطّ لنفسه مكاناً حقيقيّاً في السّوق، بصرف النّظر عن نقطة الانطلاق.

آخر تحديث:
تاريخ النشر: