صدمة التغيير: هل نحتاج فعلاً لكل هذا الضجيج؟
حين يصبح التّغيير مدروساً ودقيقاً، يتحوّل من عبءٍ مربكٍ يبدّد الجهود والموارد إلى رافعةٍ استراتيجيّةٍ تُسرّع النّموّ وتمنح المؤسّسات قوةً مستدامةً للتّأثير

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة العربيّة من هنا.
التّغيير ليس مرادفاً للفوضى. ومع ذلك -ولسبب ما- ما إن تستشعر المؤسّسات حاجتها إلى التّطوّر، حتّى تسارع إلى إطلاق صافرة الإنذار. فجأة، تبدأ إعادة هيكلةٍ شاملةٍ، واستحداث مسميّاتٍ تنفيذيّةٍ جديدةٍ، وعشرات آلاف السّاعات من ورش "التّحول". والنّتيجة؟ استراتيجيّاتٌ ضعيفةٌ، فرق عملٍ مشوشةٌ، وهدرٌ ماليٌّ ضخمٌ.
تُشير ماكينزي إلى أنّ ما يصل إلى 70% من برامج التّغيير تفشل. والسّبب ليس سوء النّوايا لدى القادة، بل لأنّهم يميلون إلى تبنّي حلولٍ شموليّةٍ واسعةٍ بدلاً من ممارسة التّغيير بدقّةٍ. الأمر يشبه أن تهدم منزلك بالكامل فقط لأنّ صنبور المياه لديك يسرّب.
التغيير الاستراتيجي أذكى وأكثر ثباتاً؛ فهو يركّز على التّحولات الحاسمة القليلة القادرة على خلق قيمةٍ ملموسةٍ. بدلاً من غلي المحيط كله، يضع قدراً محدّداً على النّار؛ إنّه الفارق بين عبارةٍ عامّةٍ فارغةٍ مثل: "علينا أن نصبح أكثر ابتكاراً"، وبين قرارٍ محدّدٍ مثل: "سنعيد توجيه 30% من موارد تطوير المنتجات نحو تجارب الابتكار المشترك مع العملاء خلال الرّبع القادم".
شاهد أيضاً: 3 نصائح لمساعدة الشركات على الابتكار المفيد
مثال ذلك شركة ليغو. ففي مطلع الألفية، كانت تنزف ماليّاً، بخسائر بلغت 300 مليون دولار في عام 2004. وردّها الأوّل كان التّوسع العشوائيّ: مدن ملاهٍ، ألعاب فيديو، أزياء. والنتيجة؟ تفاقم الأزمة. ولكن، ما أنقذها كان التّركيز الاستراتيجيّ. الرئيس التنفيذي يورغن فيغ كنودستورب لم يحاول تغيير كلّ شيءٍ دفعةً واحدةً، بل اتّخذ قراراتٍ دقيقةٍ: التّخلّص من الأنشطة غير الأساسيّة، وإعادة التّركيز على جوهر ليغو: المكّعبات واللّعب الخياليّ. أعادت الشّركة تنظيم فرقها حيث دعت الحاجة فقط، وشدّدت خطوط الإنتاج، واستثمرت في التّعاون المباشر مع المستخدمين عبر منصة LEGO Ideas. وبحلول عام 2015، كانت الإيرادات قد تضاعفت ثلاث مرّاتٍ، لتصبح ليغو أكبر شركة ألعابٍ في العالم.
لكن للتّغيير العشوائيّ تكلفته الخفيّة؛ فبحسب مؤسّسة Prosci، يبلغ متوسّط تكلفة فشل مبادرة تغييرٍ واحدةٍ في شركةٍ متوسّطة الحجم نحو مليون ونصف المليون دولار. أمّا تكلفة فقدان تفاعل الموظفين بسبب تغيّيراتٍ مربكةٍ أو غير متّسقةٍ، فهي أعقد في القياس. ومع ذلك، تقدّر مؤسّسة غالوب أنّ الموظفين غير المنخرطين يكلّفون الشّركات الأميركيّة ما يقرب من 1.9 تريليون دولار سنويّاً من الإنتاجيّة المهدورة. وغالباً لا ينفر الموظفون من التّغيير في ذاته، بل من شعورهم بأنّه اعتباطيٌّ، مثقلٌ، أو غير ذي صلةٍ بعملهم. أمّا حين يكون التّغيير موجّهاً ومرتبطاً بغاية المؤسّسة، فإنّهم يفهمونه، يرون أنفسهم فيه، ويترجمونه إلى أفعالٍ.
قد يُطرح هنا سؤال: كيف نحدّد بؤر التّركيز في التّغيير؟ هذا ما تعالجه منهجيّة "دليل القيادة" (Steering Guide)؛ فقد صُممت لتحديد الفجوات بين نوايا القيادة الاستراتيجيّة والتّنفيذ اليوميّ. ومن خلال قياس الجاهزيّة والملاءمة والأثر، توضّح بدقّةٍ أين سينجح التّغيير وأين سيتلاشى بلا أثرٍ.
خذ مثال إحدى شركات التّصنيع العالميّة العاملة في قطّاع الأعمال بين الشّركات، حيث كان طموح القيادة أن تصبح أكثر تمحوراً حول العميل. لكن بدلاً من إعادة رسم الهيكل التّنظيميّ، أو استحداث منصب "رئيس تجربة العملاء"، أو إطلاق أنظمة إدارة علاقات عملاء ضخمةٍ، تم تطوير دليل القيادة. هذا الدّليل عرّف معنى "التّمحور حول العميل"، وكيفيّة استثماره كميّزةٍ تنافسيّةٍ، وكيف يمكن لكلّ فردٍ في المؤسّسة -من المدير التّنفيذيّ وحتّى موظّف الماليّة- تجسيده ضمن مهامّه اليوميّة.
لم تكن المشكلة في نقص الأدوات أو التّدريب، بل في غياب استقلاليّة القرار عبر المستويات المختلفة؛ فقد أدّت معالجة هذا الخلل إلى تحسّن رضا العملاء بنسبة 22% خلال 9 أشهر، ومن دون استثماراتٍ ضخمةٍ أو عروضٍ تقديميّةٍ برّاقةٍ، بل عبر تغييرٍ استراتيجيٍّ دقيقٍ.
لا تفشل المؤسّسات لأنّها ترفض التّغيير، بل لأنّها تختار النّوع الخاطئ منه؛ فالتّغيير الاستراتيجيّ ليس صاخباً أو استعراضيّاً. لا يحتاج إلى شعارٍ جديدٍ ولا إلى احتفالٍ مبهجٍ. ولكنّه فعّالٌ لأنّه يركّز على ما يهمّ حقّاً، ويترك للباقي مساحةً للتّنفس. لذا، في المرّة القادمة الّتي تشعر فيها القيادة بأنّها مطالبةٌ بفعل شيءٍ كبيرٍ، تريثوا، واسألوا: ما التّحوّلات الصّغيرة، عالية الأثر، القادرة فعلاً على تحريك المؤشّر؟ ففي عالم التّغيير، الدّقّة دائماً تتفوّق على الاستعراض.
رأي خبير بقلم أندريا أولسون، الرّئيسة التّنفيذيّة لشركة Pragmadik، نُشر أوّلاً على موقع Inc.com.