الرئيسية المال خطة لتأمين مستقبل القيادة في شركات العائلات الإماراتية

خطة لتأمين مستقبل القيادة في شركات العائلات الإماراتية

تشكّل الشّركات العائليّة 90% من القطّاع الخاصّ في الإمارات، ومع اقتراب تحوّل ثرواتٍ ضخمةٍ إلى الجيل التّالي، تصبح خطط الخلافة ضرورةً حتميّةً لضمان استدامة النّموّ

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هذا المقال متوفّر باللّغة الإنجليزيّة من هنا.

تدخّل القضاء في دبي هذا الشّهر لإعادة هيكلة مجلس إدارة إحدى أبرز الشّركات العائليّة في الإمارة، في خطوةٍ تعكس التّوجهات المتزايدة نحو تعزيز الحوكمة في بيئة الأعمال الإماراتيّة. على مر السّنين، لعبت المحاكم والوسطاء دوراً مشابهاً في إدارة الانقسامات القياديّة، وتسهيل إرساء هياكل اتّخاذ القرار، وتشجيع اعتماد أطرٍ قانونيّةٍ تضمن انتقالاً سلساً للسّلطة داخل الشّركات العائليّة.

تكشف هذه الوقائع حقيقةً لا يمكن تجاهلها: تُعدُّ الشّركات العائليّة حجر الأساس لنموّ الاقتصاد الإماراتيّ، غير أنّ تحديّات انتقال القيادة بين الأجيال وتعيين القادة المناسبين لا تزال من أعقد المسائل. ووفقاً لورقةٍ بيضاء مشتركةٍ أصدرتها "مركز دبي المالي العالمي للابتكار" (DIFC Innovation Hub)، و"يوليوس باير" (Julius Baer)، و"يوروكلير" (Euroclear)، فإنّ نحو 90% من الشّركات الخاصّة في الإمارات هي شركاتٌ عائليّةٌ، وتوشك أن تنقل ما يزيد عن تريليون دولارٍ أمريكيٍّ من الثّروات بحلول نهاية عام 2026.

ورغم ذلك، أشار تقريرٌ جديدٌ صادر عن "إتش إس بي سي" (HSBC) إلى أنّ ما يقرب من نصف روّاد الأعمال الإماراتيّين لا يمتلكون خطّة خلافةٍ رسميّةً. ومع غياب خطّةٍ واضحةٍ، تصبح هذه الكتلة الماليّة الهائلة -وما توفّره من وظائف وابتكار- عرضةً للخطر.

خارطة طريق لضمان استدامة القيادة

باتت الشّركات العائليّة اليوم مطالبةً بالتّعامل مع رياح التّغيير الجيوسياسية، وتقلّبات الأسواق، والتّحوّلات التّكنولوجيّة المتسارعة. وبحسب بحثٍ أطلقته شركة "هايدريك آند ستراغلز" (Heidrick & Struggles) في وقتٍ سابق من هذا العام، فإنّ القائد المثاليّ في الإمارات يجب أن يجمع بين النّظرة العالميّة والفهم العميق للسّياق المحليّ، إذ إنّ نصف الرّؤساء التّنفيذيّين في الدّولة يتمتّعون بخبرةٍ عابرةٍ للحدود، و43% منهم غير مواطنين، ما يضع الإمارات في المرتبة الرّابعة عالميّاً من حيث تنوّع القيادة.

كما أظهر البحث أنّ 95% من هؤلاء القادة سبق لهم شغل مناصب تنفيذيّةٍ عليا، ممّا يبرز أهمية الخبرة والحُكم الرّاسخ في اختيار القادة الجدّد. ومن جانبها، تواصل الحكومة الإماراتيّة تقنين مسارات الخلافة من خلال مبادراتٍ، مثل: قانون حوكمة الملكيّة و"مركز دبي لشركات العائلات" (Dubai Centre for Family Businesses). ومن خلال رفع قضايا الخلافة إلى مستوى مجلس الإدارة، تؤكّد هذه السّياسات أنّ الاستمراريّة طويلة الأمد لا تنفصل عن الحوكمة الرّشيدة.

وبينما يتصاعد الاهتمام بالتّخطيط للخلافة على أجندة القيادة، تبقى مرحلة التّنفيذ العقبة الكبرى أمام العديد من المؤسّسات. ولبناء قيادةٍ مؤهّلةٍ للمستقبل، يجب أن تبدأ العمليّة من الأساسيّات.

تنطلق خطّة الخلافة القويّة من التّوافق بين مجلس الإدارة والإدارة التّنفيذيّة حول رؤية الشّركة المستقبليّة. ويتطلّب ذلك فهم أولويّاتها الاستراتيجيّة، وتحديد المخاطر الرّئيسيّة، واستعراض العوامل التي أسهمت في نجاحها سابقاً. هذا التّوافق يمكّن لجان التّرشيحات والمكافآت من تكوين تصوّرٍ مدروسٍ حول نوعيّة القيادة المطلوبة؛ تصوّر يستند إلى السّياق التّنظيميّ الحاليّ، والاتّجاه المستقبليّ، وديناميكيات الفريق ككلٍّ.

ومن الضّروريّ أيضاً أن يبدأ التّخطيط في وقتٍ مبكرٍ، ويفضَّل قبل 3 سنواتٍ من الانتقال القياديّ؛ هذه المهلة تمنح الشّركات فرصةً لتطوير وتقييم المواهب الدّاخليّة، وسدّ الفجوات، والبحث عن مرشحين خارجيّين.

وتُعدّ البداية المبكّرة بالغة الأهميّة في بيئة الأعمال الإماراتيّة، حيث تتداخل الأنظمة القانونيّة المدنيّة والأنجلوساكسونيّة، ما يزيد من تعقيدات عمليّات الخلافة، ويجعل الاستعداد المسبق خياراً استراتيجيّاً لا غنى عنه.

تجنُّب فخ النجم الأوحد

غالباً ما تنزلق المؤسّسات، في خضمّ مراحل الانتقال القياديّ، إلى فخّ اختيار الشّخص الأعلى أداءً، متغاضيةً عن مدى انسجامه الثّقافي والقيميّ مع بيئة العمل. ورغم ما قد يحقّقه هذا الاختيار من نتائج فوريّةً، إلّا أنّ تجاهل بُعد التّوافق القيميّ قد يقوّض مصداقيّة القيادة، ويهزّ ثقة المعنيّين من موظفين وشركاء وأصحاب مصلحةٍ. ومن هنا، تبرز أهميّة تفادي ما يُعرف بـ"معضلة النّجم التّجاريّ"، حين يُختار القائد بناءً على قدراته التّجاريّة فحسب، دون اعتبار لما إذا كان يجسّد قيم المؤسّسة وروحها.

وما إن يُحسم اختيار القادة الجدد، حتّى تبدأ مرحلةٌ لا تقلّ أهمية: مرحلة التّهيئة المتأنيّة، إذ إنّ عمليّة التّخطيط للخلافة لا تكتمل بتسمية الخلف، بل تتعزّز ببرنامج إدماجٍ ممنهجٍ يمهّد طريق النّجاح طويل الأمد؛ برنامج دمجٍ يمتدّ على مدار 12 شهراً يمنح الرئيس التّنفيذيّ الجديد فرصةً لبناء علاقاتٍ استراتيجيّةٍ، واستيعاب السّياق المؤسّسيّ بعمقٍ، ومواءمة تطلّعاته القياديّة مع الرّؤية المستقبليّة للمؤسّسة.

وتتضاعف أهميّة هذا النّهج حين يكون القائد معيّناً من خارج المؤسّسة، وهو اتجاه يشهد تصاعدًا لافتًا بحسب دراسة "هايدريك آند ستراغلز"، الّتي تشير إلى أنّ 41%من المناصب التّنفيذية العليا في الإمارات تُملأ عبر التّوظيف الخارجيّ، مقارنةً بـ31% فقط على الصّعيد العالميّ.

الضمان القيادي: حجر الزاوية للتخطيط الناجح

في نهاية المطاف، تظلّ أكثر استراتيجيّات الخلافة فاعليّةً هي تلك الّتي ترتكز على ما يُعرف بـ "ضمان القيادة" وهو نهجٌ منهجيٌّ يوفّر لأصحاب المصلحة الطمأنينة حيال صلابة التّسلسل القياديّ ومتانة ممارسات الحوكمة داخل المؤسّسة.

وفي منطقةٍ تتّصف بزخم التّحوّلات وتسارع التقلّبات، يُتيح ضمان القيادة للمجالس الإدارية تبنّي منظورٍ بعيد المدى يستند إلى أدلّةٍ ومعطياتٍ واضحةٍ، ممّا لا يقتصر على بناء قيادةٍ مستقبليّةٍ راسخةٍ، بل يعزّز أيضاً قدرة المجلس على اتّخاذ قراراتٍ استراتيجيّةٍ بثقةٍ وثباتٍ.

ومع اقتراب الإمارات من نقطة تحوّلٍ تاريخيّةٍ على صعيد انتقال الثّروات بين الأجيال وتقلّبات الأسواق، لم يعد التّخطيط للخلافة ترفاً تنظيمياً يمكن تأجيله أو تجاوزه. فمن خلال ترسيخ عمليّاتٍ مدروسةٍ يقودها مجلس الإدارة، ومبنيّةٍ على أسس ضمان القيادة، تستطيع الشّركات العائليةّ صون إرثها العريق، وتجهيز قادتها للانطلاق نحو المستقبل برؤيةٍ واضحةٍ وقدرةٍ تنافسيّةٍ مستدامةٍ.

لقد آن أوان التّحرّك، كي يكون الجيل القادم، عند تسلّمه الشّعلة، مهيّأً لاجتياز خط البداية بثقةٍ، لا مجرّد استلام الرّاية.

عن الكاتب
الدكتور جاي بيفينغتون، شريكٌ في مكتب "هايدريك آند ستراغلز" في دبي، وهو المسؤول عن قسم الرّئيس التّنفيذيّ ومجلس الإدارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: