حصاد ميتا 2025: أبرز تطورات منصاتها وتقنياتها في هذا العام

شهد عام 2025 تحوّلاتٍ جذريّةً في أداء شركة "ميتا" (Meta) ومنصّاتها العملاقة، إذ دفعت الشّركة بخطواتٍ إستراتيجيّةٍ تستند إلى الذّكاء الاصطناعيّ، وتستجيب للضّغوط التّنظيميّة، وتوسّع في الوقت ذاته آفاق التّفاعل الرّقميّ والإعلانات. ومع تسارع الابتكار، بدا هذا العام نقطة انعطافٍ في مسيرة الشّركة نحو نموذجٍ أكثر ذكاءً وانفتاحاً على المستقبل.

ويمكن القول إنّ 2025 مثّل العام الّذي خرجت فيه Meta من إطار "الشّبكات الاجتماعيّة" لتتحوّل إلى قوّةٍ تكنولوجيّةٍ متعدّدة الأبعاد، تجمع بين الذّكاء الاصطناعيّ، والواقع الممتدّ، ومنظومات الاتّصال الذّكيّة في تجربةٍ رقميّةٍ واحدةٍ مترابطةٍ.

تحديثات WhatsApp: انفتاح غير مسبوق على تطبيقات المراسلة الخارجية

في نوفمبر 2025 أعلنت ميتا عن تحديثٍ تاريخيٍّ لتطبيق WhatsApp في أوروبّا، حيث سمحت للمستخدمين بالتّواصل مباشرةً مع مستخدمي تطبيقاتٍ أخرى مثل BirdyChat وHaiket، التزاماً بقواعد السّوق الرّقميّة الأوروبّيّة (DMA). ولم تكن هذه الخطوة مجرّد تعديلٍ تكنيكيٍّ، بل تحوّلاً في فلسفة الشّركة من الانغلاق إلى الانفتاح، إذ أصبح بالإمكان تبادل الرّسائل والصّور والمقاطع والملفّات وإنشاء مجموعاتٍ مشتركةٍ بين تطبيقاتٍ مختلفةٍ، ممّا كسر مفهوم "الجزر المغلقة" الّذي طبع عالم المراسلة لعقودٍ. ^[1]  

الذكاء الاصطناعي والإعلانات: أدوات تعيد تشكيل التسويق الرقمي

واصلت ميتا في 2025 تعزيز منظومتها الإعلانيّة عبر توظيف الذّكاء الاصطناعيّ بذكاءٍ متزايدٍ، إذ أطلقت تحسيناتٍ واسعةً على نظام Advantage+ الّذي صار أكثر قدرةً على التّعلّم والتّكيّف مع سلوك المستخدمين. وسمحت هذه التّحسينات للمعلنين بإدرة الحملات بكفاءةٍ أعلى ودقّةٍ أذكى.

كما أدرجت الشّركة أدواتٍ مبتكرةً لتوليد المحتوى المرئيّ تلقائيّاً باستخدام الذّكاء الاصطناعيّ، ما مكّن العلامات التّجاريّة من إنتاج موادٍّ دعائيّةٍ احترافيّةٍ دون الحاجة إلى فرق إنتاجٍ ضخمةٍ. وإلى جانب ذلك، قدّمت ميتا نظام تصنيفٍ جديداً للحملات الإعلانيّة تحت اسم “Opportunity Score” يمنح تقييماً من 0 إلى 100 لأداء كلّ حملةٍ، ممّا ساعد الشّركات على ضبط استراتيجيّاتها بسرعةٍ وفعاليّةٍ أكبر.

نظارة Ray-Ban Meta Display: مزج الواقع بالذكاء

في مؤتمر "ميتا كونيكت" (Meta Connect) الّذي انعقد في سبتمبر 2025، كشفت ميتا عن نظّارة Ray-Ban Meta Display، وهي أوّل نظّارةٍ ذكيّةٍ بشاشةٍ بصريّةٍ مدمجةٍ داخل العدسة. وقد مثّل هذا المنتج قفزةً نوعيّةً في مسار الشّركة نحو دمج العالم الرّقميّ بالحياة الواقعيّة.

جاءت النّظّارة مزوّدةً بشاشةٍ بدقّة 600×600 بكسل وسطوعٍ يصل إلى 5000 nits ومعدّل تحديثٍ 90 هرتز، مع كاميرا بدقّة 12 ميغابكسل، بالإضافة إلى دعمها لتطبيقات WhatsApp وMessenger وInstagram ومكالمات الفيديو والتّرجمة الفوريّة. وبهذا الجهاز، أثبتت ميتا أنّ مستقبل التّفاعل الرّقميّ لن يقتصر على الهواتف، بل سيمتدّ إلى الأجهزة القابلة للارتداء الّتي تدمج بين الواقع والذّكاء الاصطناعيّ في تجربةٍ واحدةٍ سلسةٍ. ^[2]  

إنشاء Meta Superintelligence Labs: بداية سباق الذكاء الفائق

في يونيو 2025 دشّنت ميتا مركز أبحاثٍ جديداً تحت اسم Meta Superintelligence Labs، ليكون نواةً لتطوير نماذج ذكاءٍ اصطناعيٍّ أكثر تقدّماً وقدرةً على التّعلّم الذّاتيّ. كما استثمرت مليارات الدّولارات في شركاتٍ ناشئةٍ مثل "سكيل إيه آي" (Scale AI) بهدف إنشاء بنيةٍ تحتيّةٍ قويّةٍ تدعم أبحاث الذّكاء الفائق.

من خلال هذه الخطوة، لم تكتف ميتا بتطوير تطبيقاتٍ استهلاكيّةٍ فحسب، بل اتّجهت نحو بناء مستقبلٍ تكنولوجيٍّ شاملٍ يسعى إلى إعادة تعريف علاقة الإنسان بالتّكنولوجيا، ما قد يغيّر طريقة استخدام الإنترنت خلال العقد القادم جذريّاً.

إعادة هيكلة سياسات المحتوى: من الرقابة إلى المشاركة

وفي مطلع 2025، أعلنت الشّركة عن تحوّلٍ جذريٍّ في إدارة المحتوى عبر منصّاتها، إذ استبدلت نظام الفحص الدّاخليّ (Fact-checking) بنموذجٍ جديدٍ يعتمد على ملاحظات المستخدمين تحت اسم “Community Notes”. وبهذا التّغيير، أرادت ميتا أن تنقل جزءاً من مسؤوليّة الرّقابة إلى المستخدمين أنفسهم، في محاولةٍ لتحقيق توازنٍ بين حرّيّة التّعبير وضمان الموثوقيّة.

جاء هذا القرار استجابةً لضغوطٍ تنظيميّةٍ من عدّة دولٍ وانتقاداتٍ متزايدةٍ حول احتكار الشّركات الكبرى لمعايير الحقيقة الرّقميّة، ما جعل ميتا تعتمد نهجاً أكثر تشاركيّةً وانفتاحاً في إدارة المحتوى.

بعض التحديات ووجهات النظر النقدية

رغم إنجازاتها التّقنيّة اللّافتة في عام 2025، تواجه ميتا انتقاداتٍ حادةً تتعلق بجوانب الشّفافيّة والممارسات التّجاريّة. فقد كشفت تحقيقاتٌ صحفيّةٌ أنّ الشّركة حققت جزءاً كبيراً من إيراداتها من إعلاناتٍ وُصفت بالمشبوهة أو الاحتياليّة أو المتصلة بمنتجاتٍ محظورةٍ، إذ أظهرت وثائقٌ داخليّةٌ أنّ نحو 10% من أرباح عام 2024 جاءت من هذا النّوع من الإعلانات، وفق تقريرٍ نشرته وكالة "رويترز" (Reuters).

كما أثارت التّغييرات في سياسات إدارة المحتوى، مثل التّخلي عن آلية fact-checking لصالح نظام Community Notes، جدلاً واسعاً حول مدى فعاليّة هذه الآليّة في مكافحة التّضليل والمحتوى الضّار، بحسب. وإلى جانب ذلك، يوجه إلى ميتا نقدٌ متكررٌ بسبب اعتمادها المفرط على الإعلانات واستمرارها في جمع كمياتٍ هائلةٍ من بيانات المستخدمين، ما يثير مخاوف متزايدةٍ بشأن الخصوصيّة وحماية المعلومات الشّخصيّة، خصوصاً مع توسعها في تقنيات الذّكاء الاصطناعيّ والإعلانات المستهدفة.

نحو المستقبل... قراءة لما بعد 2025

لم يكن عام 2025 مجرّد محطّة تحديثٍ رقميّةٍ، بل بداية عصرٍ جديدٍ لشركة ميتا تسعى فيه إلى تجاوز حدود شبكات التّواصل الاجتماعيّ لتصبح منظومةً رقميّةً متكاملةً تقود التّفاعل بين الإنسان والآلة. وبينما توسّعت الشّركة في مجالات الذّكاء الاصطناعيّ والواقع المعزّز، تظلّ أمامها تحدّياتٌ ضخمةٌ تتعلّق بالخصوصيّة، والتّنظيم، والأخلاقيّات الرّقميّة. ورغم تلك العقبات، يبقى السّؤال الأهمّ مطروحاً: هل ستتمكّن ميتا من تحويل هذا الزّخم التّكنولوجيّ إلى واقعٍ مستدامٍ يقودها نحو ريادة عصر ما بعد الشّبكات الاجتماعيّة؟

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال

انضم الآن