انطلاق وكيل ChatGPT الجديد: جسر بين البحث والعمل
نقلةٌ ثوريّةٌ في الذكاء الاصطناعي تمكّن المستخدمين من تنفيذ المهامّ المعقّدة تلقائيّاً من البداية للنّهاية عبر وكيلٍ ذكيٍ يتفاعل، يحلّل، ويتّخذ الإجراءات بمرونةٍ

أطلقت شركة "أوبن أي آي" (OpenAI) اليوم إصداراً جديداً من نموذج "شات جي بي تي" (ChatGPT)، مزوّداً بقدرات وكيلٍ ذكيٍّ (Agentic Capabilities) يسمح له بأداء مهامٍّ معقّدةٍ من البداية إلى النّهاية عبر جهازه الحاسوبيّ الافتراضيّ. ويعتمد النّظام الجديد على دمج قدرات "أوبراتور" (Operator) للتّفاعل الآليّ مع صفحات الإنترنت، ومهارات "البحث العميق" (deep research) لتحليل وتلخيص البيانات، مع الذكاء التفاعلي للشات، ما يمكّنه من أداء مهامٍّ متعدّدةٍ ومتكاملةٍ تلقائيّاً.
بات بإمكان المستخدمين اليوم أن يطلبوا من شات جي بي تي تنفيذ مهامٍّ مركّبةٍ تتعدّى حدود الإجابة المباشرة، مثل: "اطّلع على تقويم عملي وأعدّ لي تقريراً عن مواعيد العملاء مستنداً إلى أحدث الأخبار"، أو "خطّط لمائدة فطورٍ يابانيٍّ لأربعة أشخاصٍ وتولَّ شراء المستلزمات"، أو حتّى "حلّل أداء ثلاثة منافسين وصِغ النّتائج في عرضٍ تقديميٍّ شاملٍ". وفي سبيل إنجاز هذه المهامّ، ينتقل شات جي بي تي بسلاسةٍ بين واجهات التّصفّح المرئيّة والنّصيّة، مستخرجاً المعلومات، ومشغّلاً الشّيفرات، ومنفّذاً التّحليلات المطلوبة. وفي ختام الدّورة، يقدّم للمستخدم نتائج مصاغةً في صيغٍ قابلةٍ للتّعديل، مثل: العروض التقديمية أو جداول البيانات، ممّا يمنح تجربةً تفاعليّةً متكاملةً تجمع بين الذّكاء والمرونة.
يبقى المستخدم دائماً في المقعد الأماميّ، إذ يطلب البرنامج إذن المستخدم قبل تنفيذ أيّ إجراءٍ حضاريٍّ أو ماليٍّ، وتُتاح للمستخدم إمكانيّة مقاطعة العمل أو التّدخل أو استلام السيطرة بالكامل في أيّ لحظةٍ.
وفي هذا السّياق، أوضحت شركة أوبن أي آي أنّ المستخدمين ضمن خطط الاشتراك: "برو" (Pro)، و"بلس" (Plus)، و"تيم" (Team)، يمكنهم تفعيل وضع الوكيل (Agent Mode) من خلال قائمة الأدوات، ممّا يُمكّن النّظام من تنفيذ مهامٍّ متعدّدةٍ نيابةً عن المستخدم بشكلٍ ذكيٍّ وتلقائيٍّ. ومن المتوقّع أن يجري طرح هذا الوضع تدريجيّاً لباقي المستخدمين، قبل أن يمتدّ إلى المؤسّسات التّعليميّة وقطّاع الأعمال.
الدمج الذكي بين أدوات OpenAI
يمزج النّظام بين قدرات التّنقّل والتّفاعل التي تُتيحها آليّة التّشغيل الذّكيّ، وبين إمكانات البحث العميق الّتي تمكّنه من تلخيص المعلومات واستنباط تحليلاتٍ دقيقةً وفعّالةً. وقد جرى دمج هذه القدرات ضمن منصّةٍ موحّدةٍ تحافظ على أفضل ما في كلا الجانبين، وتضيف إليها أدواتٍ متقدّمةً، مثل: المتصفح الرّسوميّ والنّصي، وموصلات برمجيّة (Connectors) لربط "جيميل" (Gmail) و"غيت هاب" (GitHub)، تمكّن شات جي بي تي من استخدام بيانات فعليّةٍ لإنجاز المهامّ.
كما يدعم النّظام ما يُعرف بوضع السّيطرة عبر المتصفّح، الّذي يُتيح تنفيذ المهامّ بشكلٍ بصريٍّ متفاعلٍ مع المستخدم، في بيئةٍ تحاكي الواقع وتشجّع على المشاركة البشريّة. ويبقى الجهاز الافتراضيّ على درايةٍ تامّةٍ بسياق المهمّة طوال مراحلها، متنقّلاً بين الأدوات المختلفة بسلاسةٍ، من دون أن يفقد خيط التّتبّع أو يتخلّى عن أيّ جزءٍ من البيانات.
شاهد أيضاً: OpenAI تستحوذ على شركة IO مقابل 6.5 مليار دولار
ديناميكيات العمل المشترك والمتعدد
صُمّم النّموذج ليعمل بشكلٍ تفاعليٍّ ومتكرّرٍ، إذ يمكن للمستخدم مقاطعته لتعديل التّوجيه أو تغيير المهمّة دون أن يفقد النّظام سياق الأعمال المحقّقة حتّى تلك اللّحظة. وإذا استغرقت مهمّةٌ ما وقتاً، يمكن وقفها أو تلخيصها أو استلام النّتائج الجزئيّة، بل وسيتلقّى المستخدم إشعاراً عبر تطبيق شات جي بي تي عند الإتمام.
نطاق استخدامات واسعة في الحياة الشخصية والعملية
تشمل الوظائف المهنيّة: تحويل لقطات الشّاشة لعرضٍ تقديميٍّ، وإعادة جدولة الاجتماعات، وتخطيط الفعاليّات الخارجيّة، وتحديث الجداول الماليّة مع الحفاظ على التّنسيق. كما تشمل الحياة الشّخصيّة: حجز الرّحلات، وتنظيم حفلات العشاء، وحجز مواعيد المتخصّصين بسهولةٍ وسرعةٍ.
أداء متقدم مجرب
أظهرت نتائج اختباراتٍ عالميّةٍ أنّ الوكيل الجديد تفوّق على النّماذج السّابقة في معايير مثل: "امتحان البشريّة الأخير" (Humanity’s Last Exam) بنسبة 41.6%، وارتفعت إلى 44.4% باستخدام تنفيذٍ متوازٍ. كما فاز في "معايير الرّياضيات" (FrontierMath) بنسبة 27.4%، وتفوّق على البشر في (DSBench) لتحليل البيانات و(SpreadsheetBench) للتّحرير، كما تفوّق في مهامّ النّمذجة الماليّة و(BrowseComp) للتصفح الدقيق و(WebArena) للتّفاعل مع الويب.
الأمان والخصوصية في زمن الوكيل الذكي
يتزامن إطلاق هذه المزايا المتقدّمة مع التزامٍ واضحٍ من أوبن أي آي بتعزيز مستويات الأمان، من خلال توفير ضماناتٍ صارمةٍ للحماية من مخاطر هجمات إدخال الأوامر النّصيّة وتسلّل الجهات الخبيثة. وقد جرى تدريب النّموذج على التّعرّف على هذه التّهديدات وصدّها بفعاليّةٍ، مدعوماً بنظام رقابةٍ آليّةٍ يرصد أيّ محاولة اختراقٍ ويوقفها قبل أن تتصاعد. كما يشترط النّموذج الحصول على إذنٍ صريحٍ قبل تنفيذ أيّ إجراءٍ حسّاسٍ، ويُلزم برقابةٍ مباشرةٍ عند التّعامل مع مهامٍّ دقيقةٍ، مثل: إرسال البريد الإلكترونيّ أو إجراء التّحويلات الماليّة، ويرفض تلقائيّاً أيّ أوامر تنطوي على مخاطرةٍ عاليةٍ.
وعلى صعيد الخصوصيّة، يُتيح النّظام إعداداتٍ مرنةً تمكّن المستخدم من حذف بيانات التّصفح بشكلٍ فوريٍّ، والخروج من جميع المواقع المفتوحة بنقرةٍ واحدةٍ. كما يُحظر تخزين كلمات المرور أو أيّ مدخلاتٍ حسّاسةٍ خلال جلسات التّصفح أو التّحكّم، ممّا يعزّز الثّقة ويضمن تجربةً آمنةً تحترم خصوصيّة المستخدم في أدقّ تفاصيلها.
إجراءات احترازية قوية للقدرات البيولوجية والكيميائية
صُنّف النّموذج ضمن الفئة "العالية" من حيث القدرات البيولوجية، وفقاً لإطار الاستعداد التّخصصيّ الّذي تعتمده أوبن أي آي، ورغم عدم ظهور أدلّةٍ تثبت قدرته على إحداث ضررٍ بيولوجيٍّ جسيمٍ، فإنّ الشّركة اعتمدت سلسلةً من الاحتياطات المشدّدة تحسّباً لأيّ استخدامٍ محتملٍ خارج النّطاق الآمن. وشملت هذه الإجراءات نمذجةً دقيقةً للتّهديدات المحتملة، ومراجعاتٍ مستفيضةً أجراها خبراء في علم الأحياء، إضافةً إلى مراقبةٍ صارمةٍ تهدف للحدّ من الاستخدام المزدوج للتّقنيات.
ولتعزيز الشّفافيّة والجاهزيّة، نظّمت أوبن أي آي ورشة عملٍ دوليّةٍ شارك فيها نخبةٌ من المختصّين من مختبراتٍ حكوميّةٍ، ومؤسّساتٍ أكاديميّةٍ، ومنظّماتٍ بحثيّةٍ مرموقةٍ، وذلك ضمن مسارٍ تشاركيٍّ يستهدف تعزيز الأمان البيولوجيّ وضمان تطوير مسؤولٍ لتقنيات الذكاء الاصطناعي.
التوافر التدريجي للميزات
يتوفّر "وضع الوكيل" حاليّاً لمستخدمي خطة "برو"، بحدٍّ أقصى يبلغ 400 رسالةٍ شهريّاً، على أن يُتاح لاحقاً لمشتركي خطتي "بلس" و"تيم" بقدرةٍ أقلّ تصل إلى 40 رسالةً شهريّاً، مع إمكانية التّوسّع عبر شراء إضافاتٍ حسب الحاجة. ويُنتظر أن يمتدّ هذا الإطلاق تدريجيّاً ليشمل مستخدمي المؤسّسات والقطّاع التّعليميّ، إلى جانب خططٍ مستقبليّةٍ تُغطّي منطقة الاتّحاد الأوروبيّ وسويسرا.
وفي المقابل، تستعدّ أوبن أي آي لإغلاق إصدار "أوبراتور" القديم بشكلٍ متدرّجٍ خلال الأسابيع المقبلة، في حين يظلّ خيار "البحث العميق" متاحاً ضمن بيئة النّظام الجديدة، بوصفه أحد المكوّنات الجوهريّة الّتي تحتفظ بقيمتها في سير العمل التّفاعليّ المتقدّم.
شاهد أيضاً: لماذا أصبح ChatGPT فجأة يتحدّث الإسبانجليزية؟
قيود مستقبلية مستمرة
لا تزال قدرات إنشاء العروض التقديمية في النّظام تجريبيّةً، وتتطلّب أحياناً مراجعاتٍ يدويّةً خاصّةً عند البدء من الصّفر. ويستمرّ العمل على تحسين تنسيق الشّرائح وتعزيز الوظائف المقدّمة، مع توقّع تحديثاتٍ دوريّةٍ تهدف إلى رفع كفاءة النّظام، وتوسيع تنوّع إمكاناته، وتعميق أدائه، مع الحرص على تحقيق توازنٍ دقيقٍ بين مستويات الإشراف ومتطلّبات السّلامة.
وفي هذا الإطار، تقدّم أوبن أي آي نسخةً جديدةً من شات جي بي تي تعمل كوكيلٍ ذكيٍّ حقيقيٍّ، تفتح آفاقاً واسعةً للأتمتة الشّخصيّة والمهنيّة، مع الالتزام الصّارم بالضّوابط الأخلاقيّة والأمنيّة والتّقنيّة.