القيادة الجزئية: كيف تقود من الظلّ وتُحدث الفرق؟
نموذجٌ جديدٌ يمنح الشّركات الوصول إلى خبراتٍ تنفيذيّةٍ عالية المستوى بمرونةٍ وتكلفةٍ مناسبةٍ، ممّا يساهم في تسريع النّموّ وتعزيز الاستدامة

هذا المقال متوفّر باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
في عالم الأعمال المتسارع، القائم على الابتكار والمرونة والقدرة على التّحوُّل السّريع، بات من الضّروريّ إعادة التّفكير في النّمط التّقليديّ للقيادة. إذ تُشكِّل المُنشآت الصّغيرة والمتوسِّطة ما نسبته 90% من مُجمل الاقتصاد العالميّ، ممَّا يعني أنّ الغالبيّة السّاحقة من الشّركات حول العالم قد لا تحتاج إلى تعيين قياداتٍ تنفيذيّةٍ كاملة الوقت، أو ربّما لا تمتلك الميزانيّة. ومع ذلك، فإنّ الخبرات الفذّة التي يتمتّع بها التّنفيذيُّون على مستوى الإدارة العُليا لا تزال ذات قيمةٍ لا تُقدَّر بثمنٍ، لا سيما لدى الشّركات الّتي تسعى إلى التّوسُّع والنّموّ.
وقد أدّى هذا الاحتياج إلى بروز مفهوم القيادة الجزئية، أو ما يُعرَف بـ "الاستراتيجيّة والقيادة كخدمة"، حيثُ تلجأ الشّركات إلى قادة تنفيذيِّين على أساسٍ مرنٍ وغير دائمٍ. وعلى الرّغم من أنّ الشّركات التي تُدار من قِبل مُلّاكها أو تلك التي تشهد نموّاً سريعاً قد تكون الأكثر استفادةً من هذا النّمط، إلّا أنّ مزايا القيادة الجزئية تطال جميع أنواع المؤسّسات، بدءاً من الشّركات النّاشئة وصولاً إلى "مؤسسّات فاينانشال تايمز 100" (Financial Times Stock Exchange 100 Index - FTSE 100). بناءً على ذلك، لنستعرض معاً 4 فوائد رئيسيّةٍ تُقدِّمها القيادة الجزئية، وكيف يمكن لهذا النّموذج أن يُمهِّد الطّريق أمام الشّركات للدّخول في عصرٍ جديدٍ من التّوسُّع والرّبحيّة.
القيادة الجزئية مقابل الاستشارات: ما الفرق بينهما؟
قبل التّطرُّق إلى الفوائد المُتعدِّدة للقيادة الجزئية، لا بُدّ من توضيح الفرق بينها وبين نموذج الاستشارات التّقليديّ. فالاستشاريُّون يُمثِّلون نهجاً خارجيّاً، إذ يدخلون إلى الشّركة، يُشخِّصون العقبات التي تُعيق النّموّ، يُقدِّمون حلولاً، ثم يغادرون. وغالباً ما لا يُشاركون في التّنفيذ، ولا يُشكِّلون جزءاً من هيكل الشّركة، ولا يُطوِّرون شعوراً بالانتماء أو المسؤوليّة تجاه مستقبل المؤسّسة. أمّا القادة الجزئيون، فإنّهم يتعاملون مع الشّركة من الدّاخل، ويُشكِّلون جزءاً أصيلاً من فريق القيادة التنفيذية، سواء كانوا رؤساء ماليِّين، أو رؤساء تسويقٍ، أو رؤساء للموارد البشريّة، أو في أيّ موقعٍ قياديٍّ تنفيذيٍّ آخر. هذا الانخراط العميق يعني أنّ القائد الجزئي لا يكتفي بتقديم الرّؤية أو التّخطيط، بل يتحمّل مسؤوليّة التّنفيذ، ويعمل جنباً إلى جنبٍ مع الفريق الدّاخليّ، وكأنّه موظّفٌ دائمٌ في الشّركة.
4 فوائد رئيسية تقدمها القيادة الجزئية
تتمثّل الفوائد الرئيسية للقيادة الجزئية فيما يلي:
المرونة والتكلفة المقبولة
نظراً لطبيعة العمل الجزئيّ، يُوفِّر هذا النّموذج للشّركات مرونةً عاليةً وتكلفةً معقولةً، خاصّةً للشّركات الصّغيرة والمتوسِّطة التي قد لا تستدعي الحاجة فيها إلى وجود مديرٍ تنفيذيٍّ دائمٍ. وبهذا، يُمكن للمؤسّسات من مختلف الأحجام الاستفادة من خبراتٍ قياديّةٍ رفيعةٍ، مع إمكانيّة تعديل مُستوى المشاركة تبعاً لاحتياجات العمل، وكلّ ذلك بجزءٍ بسيطٍ من التّكلفة المُعتادة.
ولا تقتصر الفائدة على الشّركات الصّغيرة فقط، بل يُمكن للمؤسّسات الكبرى أيضاً الاستفادة من القيادة الجزئية من خلال دعم المدراء التنفيذيِّين المُرهقين، خصوصاً في الأوقات الّتي تتطلَّب جهداً استثنائيّاً، مثل مراحل الاندماج والاستحواذ (M&A)، حيث يُمكن لرئيسٍ ماليٍّ متمرِّسٍ أن يُدير هذه العمليّة أو يُساند المدير الماليّ الدّاخليّ بدور شريكٍ جزئيٍّ خلال هذه الفترة الحرجة.
التأسيس للمستقبل
في بيئةٍ تنافسيّةٍ متشبِّعةٍ، تُصبح الحاجة إلى التّفكير المستقبليّ أمراً حاسماً. وهنا يظهر دور القادة الجزئيين الّذين لا يُضيفون فقط إلى العمليّة التّنفيذيّة، بل يوجّهون أيضاً المواهب الدّاخليّة وتنميتها. كما وتستطيع الشّركات الاستفادة من القادة الجزئيين في بناء أقسامٍ كاملةٍ من الصّفر، سواء في مجال الماليّة أو التّسويق أو الموارد البشرية، حيثُ يُشرفون على عمليّات التّوظيف، وبناء الفريق، وتطوير القادة المستقبليِّين الّذين سيقودون المؤسّسة لاحقاً.
قدرات الإدارة التنفيذية دون صراعات داخلية
في المؤسّسات الكبرى، قد يساور بعض القادة التّنفيذيّين القلق من أنّ استقدام قادةٍ جُددٍ قد يُثير المنافسة داخل الشّركة، ويُهدِّد فرص التّقدُّم الوظيفيّ. غير أنّ القادة الجزئيين لا يهدفون إلى تسلُّق السّلَّم الوظيفيّ داخل الشّركة، فهم في الغالب قد حقَّقوا ذروتهم المهنيّة سابقاً، ثمّ قرّروا تبنِّي نمطٍ مهنيٍّ مرنٍ يتناسب مع طموحاتهم الحاليّة وحياتهم الشّخصيّة.
كما أنّهم غالباً ما يجلبون معهم شبكةً غنيّةً من المعارف، بخلاف التّنفيذيّين الدّائمين الّذين قد تنحصر علاقاتهم داخل بيئة العمل نفسها. هذه الشّبكة تُتيح للشّركة الاستفادة من آراء وتجارب متنوّعةٍ، ومن الوصول إلى أحدث ما يُطرح من أفكارٍ واتّجاهاتٍ، فضلاً عن إمكانيّة تطوير الفريق الدّاخليّ والاستفادة من هذه العلاقات. وعليه، فإنّ القيادة الجزئية تُصبح وسيلةً لتغذية المعرفة وتوسيع الآفاق داخل الشّركة، لا حاجزاً أمام طموح القادة الدّاخليّين.
شاهد أيضاً: أخطر 7 خرافات عن القيادة تُهدّد الأعمال
الانتماء النفسي والمسؤولية
قد تتردَّد بعض الشّركات في تعيين قادة جزئيّين خشية ألّا يكون لديهم التزام طويل الأمد أو انتماءٍ حقيقيٍّ للمؤسّسة. ولكن في الواقع، فإنّ هذا النّمط المهنيّ هو اختيار واعٍ يرتبط غالباً بأسلوب حياةٍ متوازنٍ، يُفضّله أولئك الذين يرغبون في تخصيص وقتٍ أكبر لعائلاتهم، أو الّذين يقتربون من سنّ التّقاعد ولكن لا يرغبون بالانقطاع التّام عن العمل، أو ببساطةٍ الّذين يُحبُّون التّنويع في عملهم.
وبسبب هذا التّوازن، يكون القادة الجزئيون أكثر ميلاً إلى الاستمراريّة مع المؤسّسة، ويُطوّرون انتماءً نفسيّاً حقيقيّاً، ويُشاركون في صياغة الرّؤية طويلة الأمد، بل ويصبحون جزءاً لا يتجزّأ من فريق القيادة العليا.
عن الكاتبة
سارة دو (Sara Daw) هي الرّئيسة التّنفيذيّة لمجموعة "ذا سي إف أو سنتر" (The CFO Centre) ومجموعة "ذا ليبرتي غروب" (The Liberti Group)، ومؤلِّفة كتاب: الاستراتيجيّة والقيادة كخدمة، كيف يلتقي اقتصاد الوصول بالإدارة التّنفيذيّة، الصّادر عن دار نشر "روتليدج" (Routledge).