الفشل خطوة نحو النمو: أحمد جابر يشارك درس إغلاق مشروعه الأخير
الكشف عن تجربةٍ رياديّةٍ تعلّم فيها رائد أعمالٍ مصريٌّ أنّ الفشل يمكن أن يكون نقطة انطلاقٍ، حيث يصبح إغلاق المشروع درساً في اتّخاذ القرارات والنّموّ المستمرّ

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
يُعدّ الفشل موضوعاً يتجنّب معظم روّاد الأعمال مناقشته بصراحةٍ، لذا كان إعلان أحمد جابر -رائد الأعمال المصريّ المعروف بمشاركته في تأسيس "بوستا" (Bosta)، الشّركة المتخصّصة في اللّوجستيات المدعومة بالتّقنية والّتي تساعد شركات التّجارة الإلكترونيّة في مصر والسعودية والإمارات على التّحويلات السّريعة والتّوصيل في اليوم التّالي- عن إغلاق مشروعه الأخير "تريدهب" (TradeHub) أمراً مفاجئاً.
أُطلِق "تريدهب" في أواخر عام 2023 بدعمٍ ماليٍّ قدره 1.4 مليون دولارٍ أمريكيٍّ من "كونسبت فنتشرز" (Concept Ventures) و"تلكوم كابيتال" (Tlcom Capital) و"أرمين كابيتال" (Armyn Capital) ومجموعةٍ من المستثمرين الملائكيّين، وكان هدفه "ربط المُصنّعين بالمشترين المحليّين والعالميّين لتسهيل التّجارة بين الشّركات (B2B) بسلاسةٍ."
لكن بعد 18 شهراً من التّجارب المستمرّة، ومرور المشروع بتغييرين استراتيجيّين، ومع غياب توافقٍ واضحٍ بين المنتج والسّوق، اتّخذ جابر وشريكه المؤسّس أحمد عاطف ما وصفه في منشورٍ على لينكدإن بأنّه القرار "الصّعب جدّاً لكنّه مسؤول"، إذ قرّرا إنهاء الشّركة وإعادة رأس المال المتبقّي إلى المستثمرين.
بعد أيّامٍ قليلةٍ من إعلان الخبر، تحدّثت "عربية Inc." مع أحمد جابر، الّذي أشار إلى أنّ مشروع "تريدهب" بدا في بادئ الأمر خطوةً منطقيّةً، مستفيداً من الزّخم الّذي بنته خبرته السّابقة مع "بوستا". ويوضّح قائلاً: "عندما أطلقنا "تريدهب"، كُنتُ أتصوّر أنّها ستكون شركةً سريعة النّموّ؛ كانت لدي الخبرة، وكنت أمتلك التّمويل، ممّا أعطاني الطّاقة والإيمان بأنّ المشروع سيكون كبيراً. لكن الواقع كان صارماً: إنّها شركةُ ناشئةُ، ومواجهة التّقلّبات والصّعاب جزءٌ لا مفرّ منه، فلا أحد أكبر من أن يفشل".
ومع مرور الوقت، وبعد الجهد الطّويل الّذي بذله في محاولة إنجاح "تريدهب"، أدرك جابر أنّ الوقت قد حان لوضع حدٍّ للمشروع. وأضاف: "لطالما رأيت نفسي رجل شركاتٍ ناشئةٍ يبني الأشياء. فكيف نضمن أنّنا على المسار الصّحيح؟ نحاول، وإذا لم ينجح الأمر، نتخلّى ونمضي قدماً. بدأت "تريدهب" كفكرةٍ أردنا اختبارها والتّحقّق من جدواها؛ استغرق الأمر عاماً كاملاً للفكرة الأولى، وأقلّ من 6 أشهرٍ للفكرة الثّانية. وبعد عامٍ ونصفٍ، كان لدينا جزءٌ كبيرٌ من رأس المال المستثمر، لكنّنا لم نمتلك القناعة الكاملة بالمشروع."
كان إدراك هذا الواقع نقطة التّحوّل الّتي جعلت أحمد جابر يُدرك أنّ الوقت قد حان لترك "تريدهب" والمضي قدماً. ومن المفارقات أنّ أحد الدّوافع الرّئيسة لهذا القرار كان النّجاح المبكّر الّذي لاحظه في "بوستا". و يوضّح قائلاً: "هناك قولٌ مأثورٌ: 'العميل شعلةٌ مشتعلةٌ'، أي أنّه يواجه مشكلةً كبرى، وحين تقدّم له منتجك، يزول هذا الاحتراق. في "بوستا" خضنا 3 تغييراتٍ استراتيجيّةٍ ، وعندما أجرينا التّغيير الثّالث، صار العملاء يغضبون إذا لم يكن تقديم الخدمة فوريّاً. أمّا في "تريدهب"، فلم نشهد مثل هذا الاندفاع؛ العملاء لم يبدوا اهتماماً حقيقيّاً بالمنتج، وتعاملوا معنا كما لو كنّا خياراً ثانويّاً. لذلك، بعد أن رأيت ما ينجح في الواقع، وفهمت ديناميكيّات النّجاح، وعرفت اللّحظة الّتي يثبت فيها المنتج فعاليّته، استطعت أن أميّز متى كان الأمر لا ينجح مع "تريدهب".
حرص أحمد جابر على أن يشارك قصّة إغلاق "تريدهب" بشكلٍ علنيٍّ، إذ رأى في ذلك درساً أساسيّاً للرّياديين؛ فقال: "لماذا علينا الحديث عن الفشل؟ لأنّه يمهّد الطّريق للّنجاح. أؤمن تماماً أنّه جزءٌ من مسيرة أيّ مشروعٍ؛ إنّها تجربةٌ مستمرّةٌ من المحاولة والخطأ. قد يبدو الأمر مبتذلاً، لكنّه حقيقيٌّ: إذا لم تحاول أبداً، فلن تعرف أبداً، وستفقد كلّ الفرص الّتي لم تخضها. لذلك، علينا أن نمتلك القوّة لنحاول مراراً وتكراراً، إلى أن نصنع النّجاح."
شاهد أيضاً: 4 إشارات أساسية تدل على فشل الصفقات
وأضاف جابر أنّ أهميّة الحديث عن فشل الشّركة تتجاوز المسؤوليّة الفرديّة، فهي ضروريّةٌ في بيئة عملٍ لا تُناقش فيها مثل هذه الانتكاسات علناً. ويوضّح: "عندما بدأنا "تريدهب"، كتبت منشوراً عن مغادرتي "بوستا" وانطلاق المشروع الجديد. والآن، بعد أن توقّفت عن هذا المشروع، أردت أن أوجّه رسالتي شخصيّاً للنّاس، وأفسّر لهم الأسباب الّتي دفعتنا لاتّخاذ هذا القرار".
ويؤكّد أحمد جابر أنّ هذا الدّرس العميق متجذّرٌ في بدايات رحلته الرّيادية؛ فيقول: "عندما كُنتُ في العشرين من عمري، بدأت أعشق عالم الشّركات النّاشئة. ما أسّرني فيه هو ما قرأته من مقالاتٍ لروّادٍ مثل: سام ألتمان من " أوبن إيه آي" (OpenAI) وبول غراهام من "واي كومبيناتور" (Y Combinator). ويضيف: "أتذكر أنّ أحد أول المنشورات الّتي أثرت فيّ كان عن أسباب فشل الشّركات النّاشئة؛ فالشّركات إمّا أن تعيش أو تموت، وعادةً ما يكون موتها مصحوباً بالدّراما. لكنّني أردت أن أبرهن أنّه بالإمكان إنهاء مشروعٍ دون صخبٍ أو ضجيجٍ، وأنّه يمكن أيضاً إغلاق مشروعٍ وإعادة الأموال للمستثمرين عندما نفتقر إلى القناعة الكاملة بنجاحه."