الرئيسية التنمية التردّد في القرارات… وصفة للفشل المؤكّد

التردّد في القرارات… وصفة للفشل المؤكّد

حين يتسلّل التّردّد إلى قراراتك، تتحوّل الفرص إلى خسائر، لكن تعلّم الحسم الذّكيّ يحوّل الشّكوك إلى نجاحٍ وثقةٍ بالنّفس في كلّ مسعىً

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يواجه الإنسان في مسيرته اليوميّة مواقف متنوّعةً تتطلّب منه أن يحسم خياراته بسرعةٍ ودقّةٍ، سواءٌ تعلّق الأمر بالعمل، أو بالعلاقات، أو بإدارة شؤونه الخاصّة. غير أنّ المشكلة تبدأ حين يستحكم التّردّد في القرارات، فيؤجّل الحسم إلى لحظةٍ متأخّرةٍ، فتظهر النّتائج على هيئة فرصٍ ضائعةٍ أو مشكلاتٍ متراكمةٍ أو أهدافٍ لم تتحقّق. ولأنّ القرارات تمثّل العمود الفقريّ لأيّ خطوةٍ ناجحةٍ، فإنّ ضعف اتّخاذ القرار والمماطلة في الحسم لا يعرقلان الإنجاز فحسب، بل ينسفان الأساس الّذي يقوم عليه النّجاح، ليحوّلا كلّ طموحٍ إلى مشروعٍ فاشلٍ يتآكل تدريجيّاً.

ما هو التردد في القرارات ولماذا يعد مشكلة خطيرة؟

يفهم التّردّد في القرارات على أنّه حالةٌ من التّذبذب المستمرّ يعيشها الإنسان حين يطلب منه الاختيار بين عدّة بدائل، فيجد نفسه أسير التّفكير المفرط والخوف من الخطأ، فيترك الموقف بلا حسمٍ. ويظهر هذا السّلوك في تفاصيل صغيرةٍ كشراء سلعةٍ أو اختيار مجال دراسةٍ، لكنّه يتفاقم في القرارات المصيريّة مثل تغيير وظيفةٍ، أو استثمار مدّخراتٍ، أو اختيار شريك حياةٍ.

تكمن خطورة هذا التّردّد في أنّه لا يجمّد اللّحظة فحسب، بل يفتح المجال أمام سلسلةٍ من التّبعات السّلبيّة؛ فكلّما تأخّر الحسم، ازدادت الأمور تعقيداً واشتدّت الضّغوط النّفسيّة. ومن ثمّ، قد يتحوّل قرارٌ متأخّرٌ واحدٌ إلى سببٍ لخسارةٍ كبيرةٍ أو انهيار مشروعٍ بأكمله. فضلاً عن ذلك، يولّد ضعف اتّخاذ القرار شعوراً دائماً بالقلق وانعدام الثّقة بالنّفس، لأنّ صاحبه يبقى عالقاً في دائرة الشّكوك، عاجزاً عن السّيطرة على مسار حياته. وعلى المستوى المؤسّسيّ، يترك هذا السّلوك أثره في القادة، فيجعلهم غير قادرين على رسم رؤيةٍ واضحةٍ، فتعمّ الفوضى ويضعف الأداء الجماعيّ. [1]

التردد في القرارات… وصفة للفشل المؤكد

يشكّل التّردّد في القرارات سلوكاً مدمّراً لأنّه يغرس بذور الفشل منذ البداية. فبدلاً من أن يكون الحذر وسيلةً لتجنّب الأخطاء، يتحوّل إلى قيدٍ يقيّد الحركة ويعطّل التّقدّم. ومع مرور الوقت، يتضاعف أثر هذا السّلوك، ليخسر الفرد فرصاً ثمينةً كان يمكن أن تغيّر مسار حياته، سواءٌ في العمل أو الاستثمار أو العلاقات. وحين يتأخّر الحسم، تتكدّس المشكلات وتزداد تعقيداً، حتّى يصبح حلّها أصعب بكثيرٍ ممّا لو اتّخذ القرار مبكّراً.

ولا يتوقّف الضّرر عند ضياع الفرص، بل يتجاوز ذلك إلى اهتزاز الثّقة بالنّفس. فالإنسان المتردّد يعيش في دوّامةٍ من القلق والشّكّ، يرهق ذهنه بتحليل الخيارات دون أن يمتلك الجرأة على اختيار أحدها. وهنا يظهر التّناقض؛ فبينما يعتقد أنّه يتجنّب الوقوع في الخطأ، يجد نفسه مضطرّاً لاحقاً لاتّخاذ قراراتٍ تحت ضغطٍ أكبر وفي ظروفٍ أصعب، ما يزيد احتماليّة الوقوع في أخطاءٍ كارثيّةٍ.

وعلى مستوى المؤسّسات، يحوّل ضعف اتّخاذ القرار القادة إلى مصدر ارتباكٍ بدلاً من أن يكونوا مصدر وضوحٍ. ومع غياب الرّؤية الحاسمة، تتراجع ثقة الموظّفين، وتنهار الرّوح الجماعيّة، وتفقد المؤسّسة قدرتها على المنافسة. لذلك ينظر إلى التّردّد في القرارات بوصفه وصفةً مؤكّدةً للفشل، ليس لأنّه يضمن السّقوط وحسب، بل لأنّه يدمّر فرصة النّهوض والتّعلّم. فإذا كان القرار الخاطئ يفتح باباً للتّصحيح، فإنّ غياب القرار يغلق كلّ الأبواب. [2]

كيف يؤثر ضعف اتخاذ القرار على بيئة العمل؟

يضرب ضعف اتّخاذ القرار بيئة العمل في صميمها، لأنّه يشيع الغموض والارتباك داخل المؤسّسة. فحين يتردّد المدير في الحسم، يجد الموظّفون أنفسهم في حالة انتظارٍ دائمٍ دون توجيهٍ أو رؤيةٍ واضحةٍ، فتتأخّر المشروعات وتتراجع الإنجازات. ومع تكرار هذا النّمط، تتحوّل المماطلة إلى ثقافةٍ مؤسّسيّةٍ تقوم على البطء وفقدان المبادرة، لتختفي روح الابتكار ويذبل الحافز على العمل.

ومن ثمّ، يتسلّل الإحباط إلى نفوس العاملين الّذين يشعرون بأنّ جهودهم تضيع في بيئةٍ لا تعرف إلى أين تتّجه. ومع الوقت، تتآكل ثقتهم بقيادتهم ويبدأون في البحث عن فرص عملٍ أكثر وضوحاً واستقراراً، ممّا يرفع معدّلات الاستقالات ويضع المؤسّسة أمام خسائر بشريّةٍ وماليّةٍ متزايدةٍ.

ولا يتوقّف الأمر عند الدّاخل، إذ ينعكس التّردّد على صورة المؤسّسة في السّوق. فالشّركات الّتي تتردّد في القرارات الاستراتيجيّة، كإطلاق منتجٍ جديدٍ أو التّوسّع إلى أسواقٍ أخرى، تخسر موقعها أمام منافسين أكثر سرعةً وجرأةً. نتيجةً لذلك، يتحوّل ضعف اتّخاذ القرار من مشكلةٍ إدراريّةٍ محدودةٍ إلى تهديدٍ استراتيجيٍّ يضعف مكانة المؤسّسة بأكملها.

كيف يكسر الإنسان دائرة التردد في القرارات؟

لا يستطيع الفرد أن يكسر دائرة التّردّد في القرارات إلّا إذا اقتنع أولاً بأنّ القرار المثليّ غير موجودٍ. فالمطلوب ليس الكمال، بل قرارٌ مدروسٌ قابلٌ للتّنفيذ. ولأجل ذلك، يمكن اعتماد مجموعةٍ من الخطوات العمليّة:

  • جمع المعلومات الضّروريّة بسرعةٍ دون الغرق في التّفاصيل.
  • تقييم البدائل المتاحة بموضوعيّةٍ، مع وضع قائمةٍ بمزايا وعيوب كلّ خيارٍ.
  • تحديد مهلةٍ زمنيّةٍ واضحةٍ للحسم والالتزام بها.
  • تقبّل احتمال الخطاء باعتباره جزءاً من عمليّة التّعلّم.
  • تدريب النّفس على اتّخاذ القرارات الصّغيرة ليبني الثّقة تدريجيّاً قبل مواجهة القرارات المصيريّة.

وبهذه الطّريقة، يتخلّص الفرد من عبء المماطلة، ويكتسب مرونةً في التّعامل مع المواقف، ويحوّل الحسم إلى عادةٍ راسخةٍ تقوده إلى النّجاح.

خاتمة

يبرهن الواقع على أنّ التّردّد في القرارات ليس مجرّد سلوكٍ عابرٍ، بل هو وصفةٌ مؤكّدةٌ للفشل، لأنّه يضيّع الفرص، ويهزّ الثّقة، ويزرع التّوتّر، ويعطّل التّطوّر. وما يجعل المماطلة أكثر خطورةً من الخطاء أنّها تترك صاحبها بلا مكاسبٍ ولا تجارب، بينما يمكن أن يمنح القرار -ولو كان خاطئاً- فرصةً للتّعلّم والتّصحيح. لذلك، يجب على كلّ إنسانٍ أن يتدرّب على الحسم، وأن يتعامل مع الخطاء كجزءٍ طبيعيٍّ من رحلة النّجاح. فالحياة لا تكافئ المتردّدين، بل أولئك الّذين يمتلكون الشّجاعة ليقرّروا ويضعوا خطواتهم بثباتٍ.

  • الأسئلة الشائعة

  1. هل التردد في القرارات ناتج عن ضعف شخصية؟
    ليس دائماً؛ فالتّردد قد يكون نتيجة ضغطٍ نفسيٍّ أو خوفٍ من الفشل أو نقص المعلومات. لكن الاستمرار فيه بشكلٍ دائمٍ يعكس ضعف الثّقة بالنّفس ويؤدّي إلى آثارٍ سلبيّةٍ على الشّخصيّة.
  2. هل يمكن أن يكون التردد مفيداً أحياناً؟
    نعم يمكن أن يكون التردد مفيداً أحياناً؛ فعندما يكون القرار مصيريّاً ويفتقر الشّخص للمعلومات الكافية، قد يفيد التّردّد القصير في جمع بياناتٍ إضافيّةٍ. ولكن الإطالة تتحوّل لضررٍ.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: