بين ثقل التردد وحسم القرار: أي طريق تختار؟
يثقل تأجيل القرارات كاهل القادة وفرقهم، ويعيق الأداء والابتكار، بينما يفتح الحسم المجال للتّركيز والطّاقة اللّازمة لتحقيق نجاحٍ مؤسسيٍّ مستدامٍ

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
في عالم القيادة وإدارة الأعمال، تتشابه القرارات غير المتّخذة مع السّترة المثقلة الّتي تختنق بها الحركة. تشتريها بنيةٍ حسنةٍ، تعتقد أنّها ستقوّي خطواتك، لكنّها سرعان ما تتحوّل إلى عبءٍ متراكمٍ، يُثقل كاهلك وينهك عزيمتك. كلّ قرارٍ مؤجّلٍ هو قضيبٌ معدنيٌّ صغيرٌ يُضاف إلى هذا الحمل، لا يبدو واضحاً في البداية، لكنّه مع الوقت يتراكم، ويُغرقك في ثقلٍ لا يُطاق. وهكذا، لا يتوقّف أثر هذه القرارات عند حدودك الشّخصيّة فقط، بل يتسرّب إلى فريقك، فتضعف روح المبادرة، وتتباطأ الحركات، وتتبدّد طاقات الابتكار؛ فالقيادة التي تتردّد تُرهق الجميع، وتُعطّل مسيرة التّقدّم.
في المقابل، اتّخاذ القرار الحاسم ليس مجرّد فعلٍ تنظيميٍّ، بل هو لحظة تحريرٍ. لحظةٌ يُسقط فيها القائد هذا العبء، ليُفسح المجال لصفاء الرّؤية، ولانسياب العمل، ولنبض الحياة في كلّ زوايا مؤسّسته. حينها يتحوّل الثّقل إلى قوّةٍ، والعبء إلى دافعٍ، فتتجلّى عظمة القيادة في حسمها، ويزدهر النّجاح في حسمها.
ثقل القرارات غير المتخذة
كلّ قرارٍ لم يُتّخذ بعد، سواء كان ضخماً أو تافهاً، يحمل ثِقله الخاصّ. بعضها جليٌّ ويأسر بالك، كاختيارك بين عرضَي عملٍ بموعدٍ نهائيٍّ وشيكٍ، فتشعر بثقل التّردّد والضّغط المتزايد. ولكن معظم قراراتك المؤجّلة تشبه القضبان المعدنية الصّغيرة في السّترة المثقلة؛ لا تُلاحَظ في البداية، لكن مع مرور الوقت يزداد أثرها. هل أتواصل مع ذلك الشّخص؟ هل أطلق رسالةً إخباريّةً؟ هل نعيد النّظر في سياسة التّسعير؟ كلّ قرارٍ صغيرٍ يضيف وزناً إضافيّاً، وبمفرده لا يبرِز المشكلة، ولكن تراكم هذه الأثقال يثقل كاهلك ويستنزف طاقتك.
تأثير التردد على اتخاذ القرارات
على عكس السّترة الّتي يُضاف ثقلها بوعي، يتراكم عبء قراراتك المؤجّلة بصمتٍ خفيٍ، لا تشعر به إلّا حين تكافح في مجريات يومك، متسائلًا عن سبب تعقّد الأمور الّتي كان يفترض أن تكون بسيطةً. في مجال القيادة، لا يُبطئك هذا العبء فحسب، بل يُثقل كاهل فريقك بأكمله. إذ تشير تقديرات Gallup إلى أنّ غياب التّفاعل لدى الموظّفين يكلّف الاقتصاد العالميّ خسائر تصل إلى 8.8 تريليون دولارٍ سنويّاً من الإنتاجيّة المهدورة، ويُعدّ التردد في اتّخاذ القرارات أحد الأسباب الجوهريّة وراء هذا الهدر الكبير.
شاهد أيضاً: هل للعاطفة مكانٌ على طاولة القرار في شركتك؟
كيف تتغلب على التردد القيادي؟
ابدأ بجردٍ دقيقٍ وشاملٍ لكلّ قرارٍ تتهرّب منه. أخرج ورقةً ودوّن كلّ قرارٍ يتربّص بك في قائمة مهامك الطّويلة، تلك الأفكار الّتي تلازمك بلا انقطاعٍ وتلك الّتي تتردّد في أرجاء ذهنك. بين تلك السّطور، ستكتشف قراراً مؤجّلاً واحداً أو ربّما خمسة، مختبئين كأسرارٍ تنتظر الكشف. ثم، بعد ترتيب هذه القائمة، حان وقت الحسم: اتّخذ قراراً قاطعاً بشأن كلٍّ منها، إمّا بالتّصرّف الفوريّ أو، والأهمّ، بالاختيار الواعي بعدم اتّخاذ قرارٍ في الوقت الحاليّ.
أمّا ذلك القرار الّذي تماطل فيه قائلاً "ربّما يوماً ما"، فواجهه بصدقٍ. إذا كنتَ تفكّر في العودة للدّراسة دون خطّةٍ واضحةٍ أو موعدٍ نهائيٍّ أو دافعٍ ملحٍّ، فقرّر على نحوٍ واعٍ ألّا تتّخذ قراراً هذا العام، مع الالتزام بإعادة النّظر فيه حين يستجدّ ظرفٌ محدّدٌ أو يحين موعدٌ معيّنٌ.
صفاء الرؤية بعد اتخاذ القرار
يتجلّى الوضوح الّذي ينبثق من هذا التّمرين فوراً، كأنّك تخطو عبر بوابةٍ لتتخلّص من عبءٍ ثقيلٍ كان يكبّلك. تشعر بخفّةٍ متجدّدةٍ وتركيزٍ متصاعدٍ، ممّا يمنحك القدرة على اجتياز يومك بسلاسةٍ، محفوفاً بطاقةٍ متجدّدةٍ وحيويّةٍ متّقدةٍ.
هذا الرّأي الخبير من روبن كاماروت، مدرّبة القيادة والمسيرة المهنيّة، نُشر أوّلاً على موقع Inc.com.