الرئيسية التنمية هل للعاطفة مكانٌ على طاولة القرار في شركتك؟

هل للعاطفة مكانٌ على طاولة القرار في شركتك؟

حين يصبح القلب أداة تفكير، لا عثرة، تتّزن القيادة، ويصبح القرار أصدق من لوحة البيانات

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

على طاولة الاجتماعات، تلمع الشاشات ببياناتٍ دقيقةٍ ورسومٍ بيانيّةٍ معقّدة، لكن بين كلّ هذه الأرقام المبهرة، غالباً ما يدفن شيءٌ أهم: المشاعر، ذلك أنّ العمل ليس آلةً تسير بالعقل فقط، بل منظومةٌ تنبض بالبشر، لكن السّؤال المحيّر: هل يمكن اتّخاذ قرارٍ عاطفيٍّ، دون أن يعتبر خطأً؟

قد تبدو الفكرة كأنّها مزحةٌ في عالم الأعمال الجديّ، لكنّها الحقيقة؛ القرارات الّتي تأخذ العاطفة في الحسبان قد تكون المفتاح لبناء فرق عملٍ أكثر تماسكاً، وإدارةٍ لا ترى الموظّف مجرّد خانةٍ في جدول، وهنا، تبدأ قصّة التّوازن الصّعب بين العقل والقلب.

هل العاطفة عنصرٌ ضروري لاتّخاذ قراراتٍ فعّالة؟

يقول رجل الأعمال البريطاني الشهير، ريتشارد برانسون، إنّ الأعمال كلّها تدور حول الأشخاص، وليس فقط الأرقام، وإذا حاولت اتخاذ قراراتٍ بدون قلبك، فإنّك تتجاهل الجانب الأهمّ في نجاح أيّ عمل، بعبارةٍ أخرى يؤكّد برانسون، أنّ العاطفة تلعب دوراً رئيسياً عند التّعامل مع النّاس واتخاذ القرارات التّي تؤثّر عليهم.

فبينما نعتقد أنّ القرارات الصّائبة تبنى فقط على أسسٍ عقلانيةٍ وحقائق ملموسةٍ، تأتي العاطفة لتقلب الطّاولة قليلاً، ورغم أنّ البعض قد يعتبر أنّ المشاعر لا مكان لها في عالم القرارات المهنية، إلّا أنّ آخرين يرون أنّها المحرّك الخفيّ وراء أفضل القرارات وأكثرها تأثيراً، فمن منهم على حقّ؟

تشير دراساتٌ علميةٌ صدرت عن مجلة علم النّفس في عام 2015، إلى أنّ العاطفة والعقلانية ليسا خصمين، بل شريكين لا غنى لأحدهما عن الآخر، القرار المثاليّ، كما تقول الأبحاث، ليس وليد العقل البارد وحده، ولا ابن اللحظة العاطفية فقط، بل هو مزيجٌ متناغمٌ بين الاثنين [1].

على سبيل المثال، عندما يشعر شخصٌ بالامتنان تجاه مؤسسةٍ أو فردٍ ساعده في موقفٍ معيّن، قد تدفعه هذه المشاعر لاتخاذ قرارٍ مثل التّبرّع بالمال أو تخصيص موارد لدعم هذا الطرف، هذه القرارات ليست فقط إنسانية، بل قد تكون أيضاً ذات قيمةٍ طويلة الأمد.

ومع ذلك، تشير الدّراسات إلى أنّ القرارات العاطفية البحتة ليست كافيةً، لتحقيق التّوازن المطلوب، لا بدّ من توظيف العقلانية جنباً إلى جنبٍ مع المشاعر، بمعنى آخر، السيطرة على المشاعر وتوجيهها يمكن أن يجعل القرارات أكثر فعاليةً وأثراً إيجابياً، سواءٌ في الحياة المهنية أو الشخصية.

كيف تسخّر عواطفك لاتخاذ قراراتٍ أفضل؟

لأننا كبشرٍ خلقنا لا لنفكر فقط، بل لنشعر أيضاً، فإنّ العواطف تؤدي دوراً لا يمكن إنكاره في عملية اتخاذ القرار، لكنّ هذا لا يعني أن نترك المشاعر تقودنا بشكلٍ أعمى، بل علينا أن نمزج بين الإحساس والتّفكير العقلاني بمهارةٍ.

المهارة هنا أشبه بفنٍ يحتاج إلى تدريبٍ مستمر، خاصةً لمن يتخذون القرارات يوميًّا في مواقعٍ قيادية، فمن اختيار الملابس في الصباح، إلى اتخاذ قراراتٍ استراتيجية في العمل، يبقى التّوازن بين العقل والعاطفة سلاحاً لا يستهان به.

باختصارٍ يمكن القول إنّ العواطف ليست عبئاً على عملية اتخاذ القرار، بل هي جزءٌ منها، والمطلوب هو تعلم كيفية استخدامها بذكاءٍ، ليس فقط لتحسين النتائج، بل أيضاً لإضفاء لمسةٍ إنسانيةٍ على قراراتنا، مهما كانت معقّدة.

متى تكون القرارات العاطفية هي الأنسب؟

القرارات العاطفية قد تكون الأنسب في مواقف معينةٍ تتطلب مراعاة الجانب الإنساني، أو عندما يكون للعاطفة دورٌ إيجابيّ في تحسين النتائج وتعزيز العلاقات، فيما يلي بعض الحالات التّي تكون فيها القرارات العاطفية هي الخيار الأفضل:

 عند بناء علاقاتٍ إنسانيّةٍ قويّةٍ داخل بيئة العمل

إذا كان الهدف تعزيز الرّوح الجماعيّة أو تحسين العلاقة بين الموظّفين، فإنّ القرارات العاطفيّة التّي تظهر التّعاطف والتّقدير تصبح الأنسب، على سبيل المثال، تقديم شكرٍ علنيٍّ لموظفٍ على جهوده أو اتّخاذ قرارٍ بتكريم فريقٍ على إنجازاتهم يعكس جانباً عاطفيّاً يعزّز الشعور بالانتماء.

في مواقف الأزمات الشّخصيّة

عندما يمرّ موظّفٌ أو زميلٌ بظرفٍ إنسانيٍّ مثل وفاة أحد أفراد الأسرة، مرضٍ، أو ضائقةٍ شخصيّةٍ، فإنّ اتّخاذ قراراتٍ عاطفيّة، مثل منحه إجازةً إضافيّةً أو دعمه بمرونةٍ في ساعات العمل، يعكّس الجانب الإنسانيّ للقيادة، ويعزّز ولاء الموظّف للشركة.

عند معالجة النّزاعات بين الزملاء

في حالات النّزاعات، قد تكون القرارات العاطفيّة مثل الاستماع بإنصاتٍ لمشاعر الطرفين ومحاولة تحقيق التّوازن بينهما أفضل من القرارات الجافّة التّي تركّز فقط على القواعد أو الإنتاجيّة، العاطفة هنا تساهم في التّهدئة وحلّ النّزاع بشكلٍ أكثر ديمومةً.

عند تحفيز الفريق أو رفع المعنويات

اتّخاذ قراراتٍ تعكّس الاهتمام بمشاعر الفريق، مثل تقديم مكافآتٍ مفاجئةٍ، أو السّماح بفترة راحةٍ إضافيّة خلال فترات ضغط العمل، يمكن أن يكون له تأثيرٌ إيجابيٌّ كبيرٌ، هذه القرارات العاطفيّة تظهر التّقدير، وتخلق بيئة عملٍ داعمةٍ وملهمةٍ.

في القرارات المتعلّقة بالولاء والتّقدير

أحياناً، اختيار موظّفٍ مخلصٍ وشغوفٍ ليترقّى، رغم وجود شخصٍ آخر أكثر كفاءةً من الناحية التّقنيّة، يكون قراراً عاطفيّاً، هذا النّوع من القرارات يمكن أن يعزّز ثقافة التّقدير، ويحفّز باقي الفريق على تقديم أفضل ما لديهم.

عند مواجهة أخطاءٍ غير مقصودةٍ

إذا ارتكب أحد الموظّفين خطأً غير مقصودٍ، فإنّ التّعامل معه بعاطفةٍ مثل تفهّم الموقف وتشجيعه على التّعلّم من التّجربة، قد يكون أكثر فعاليّةً من العقاب الصّارم، هذا يعزّز ثقافة الأمان النفسيّ، ويدفع الموظّفين لتحمّل المسئوليّة دون خوفٍ.

أثناء قيادة تغييراتٍ كبيرةٍ

في حالات التّغيير الجذريّ داخل الشركة، مثل إعادة هيكلةٍ أو تقليل عدد الموظّفين، تكون القرارات العاطفيّة التّي تراعي مشاعر الموظّفين وتقدّم لهم الدّعم والتّوجيه هي الأفضل، على سبيل المثال، إبلاغ الموظّفين بتغييرٍ صعبٍ مع إظهار التّعاطف وتقديم بدائل يساعد على تخفيف الأثر السلبيّ.

القرارات العاطفيّة تكون الأنسب عندما يتعلق الأمر بالتّعامل مع البشر كأفرادٍ وليس كأرقامٍ، عندما تظهر هذه القرارات التّعاطف، والتّقدير، والمفهوم طويل الأمد، فإنّها تساهم في تعزيز الثقة، الولاء، والرّوح الإيجابيّة داخل بيئة العمل وخارجها، المفتاح هو التّوازن بين العاطفة والعقلانيّة، بحيث تخدم هذه القرارات الأهداف الإنسانيّة والمهنيّة معاً.

كيفيّة تحقيق التّوازن بين العقل والعاطفة؟

يقول الاقتصادي الأميركي، بيتر داركر، إنّ "الإدارة الفعّالة تتطلّب مزيجاً من المنطق والعاطفة، القرار الأفضل هو ذلك الذي يلبي احتياجات العمل، ولكنه يحترم القيم الإنسانيّة".

داركر يرى أنّ التّوازن بين المنطق والعاطفة يخلق قرارات متزنةً وأكثر استدامةً، وبالطّبع هو محقٌّ، فالعاطفة، رغم جمالها، قد تعكّر صفو حكمنا، مثلاً، عندما نشعر بالغضب، قد نتخذ قرارات نندم عليها لاحقاً، بالمقابل، إذا استغرقنا في التّحليل المفرط، قد نجد أنفسنا عاجزين عن اتّخاذ أيّ قرارٍ، وكأنّنا نقف أمام إشارات مرورٍ لا تتغيّر.

إذاً، ما الحلّ؟ كيف نحقّق التّوازن المثالي بين القلب والعقل؟ إليك خمس نصائح عمليّةٍ قد تجعل عمليّة اتّخاذ القرار أكثر حكمة [2]:

  • اعترف بمشاعرك: قبل أن تتّخذ أيّ قرار، خذ لحظةً للتعرّف على مشاعرك، هل أنت غاضب؟ قلق؟ متحمّس؟ هذه الخطوة تساعدك على فرز العاطفة عن المنطق.
  • امنح العقل فرصة: اجمع الحقائق ووازن الأدلّة، قرارٌ يستند إلى معلوماتٍ واضحةٍ هو دائماً أفضل من قرارٍ بني على انطباعات عابرة.
  • ثق بحدسك أحياناً: الغريب أنّ حدسك قد يكون أحيانا دليلاً خفيّاً، إذا شعرت أنّ شيئاً ما ليس على ما يرام، فقد يكون ذلك إشارةً لإعادة التّفكير.
  • خذ وقتك: إذا كانت مشاعرك مضطربة أو عقلك منهك، ابتعد قليلاً، أحياناً، القرار الأفضل يأتي بعد لحظة هدوء وتأمل.
  • لا تخجل من طلب النصيحة: وجهة نظر شخص تثق به قد تفتح أمامك آفاقاً جديدةً، وتساعدك على رؤية الأمور من زاوية مختلفة.

في النهاية، اتّخاذ القرار المثالي لا يعني التّخلّي عن عواطفك أو الاعتماد الكلي على عقلك، بل يكمن في إيجاد التّناغم بين الاثنين، العاطفة ليست عدوّاً، بل هي أداة، إذا ما أحسن توجيهها، قراراتك ليست مجرّد خطواتٍ، بل هي انعكاسٌ لقيمك، رؤيتك، وطريقتك في التّأثير على العالم من حولك.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: