الرئيسية الريادة هل يجب أن تستقيل لكي تبدأ شركتك؟ أم يكفي أن تُجرّب الانقطاع؟

هل يجب أن تستقيل لكي تبدأ شركتك؟ أم يكفي أن تُجرّب الانقطاع؟

عن روّاد أعمال عرب غادروا وظائفهم مؤقّتاً… فعادوا بشيءٍ جديدٍ تماماً وأسّسوا شركاتٍ ناجحة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

ليس هذا مقالاً عن الاستقالة بوصفها أزمةً، بل عن لحظة الفراغ بوصفها مختبراً.

عن أولئك الّذين ابتعدوا قليلاً – بإجازةٍ، أو استراحةٍ، أو "استقالةٍ تجريبيّةٍ" – فإذا بهم يكتشفون شيئاً جديداً: ليس فقط فكرةً قابلةً للتّمويل، بل إحساساً جديداً بالمسار.

في ما يلي، لا نروي قصصاً ناجحةً فقط، بل نرصد نمطاً آخذاً في التّشكّل: جيلٌ جديدٌ من المؤسّسين العرب، لا يولد من قلب الضّغوط، بل من الهامش. جيلٌ لا يقفز إلى الهاوية، بل يختبر الماء بأطراف أصابعه… قبل أن يغطس بكامل جسده في مغامرة التّأسيس.

محمّد الدّوسري… حين تكون الاستقالة مجرّد اختبارٍ صامتٍ للفكرة

في 2018، كان "محمّد الدّوسري" يشغل منصباً مرموقاً كمديرٍ عامٍّ لشركة (Careem) في السّعوديّة. منصبٌ من النّوع الذي يقال عنه إنّه “لا يترك” بسهولةٍ. لكنّه قرّر أن يتركه – لا هرباً من ضغطٍ، بل بحثاً عن إيقاعٍ آخر.

لم يكتب بياناً طويلاً، ولم يعلن انسحابه من الحياة المؤسّسيّة للأبد. كلّ ما فعله أنّه خصّص وقتاً كاملاً لفكرةٍ كانت تراوده منذ أشهرٍ: ماذا لو بنيت "كريم" ولكن للـB2B؟

في السوق السّعوديّ، كانت آلاف البقالات الصّغيرة تغلق أبوابها يوميّاً لتشتري الجملة من التّجار. رأى محمّد في هذا الفاصل فرصةً. ترك العمل، وبدأ سريّاً برفقة شريكه "خالد السياري" ببناء نموذجٍ أوّليٍّ لمنصّة تسمّى "Sary" – تطبيقٌ رقميٌّ لشراء الموادّ بالجملة للمؤسّسات الصّغيرة.

لم تكن الاستقالة قطيعةً، بل تحرّراً زمنيّاً يسمح له باختبار الواقع. وفي ظرف عامين، صارت "Sary" شركةً تموّلها كبرى صناديق رأس المال الجريء، وجمعت أكثر من 37 مليون دولارٍ حتى عام 2021 [1] .

هل كان في مقدوره بناؤها لو ظلّ في مكتبه القديم؟ ربما. لكن هل كان سيتمكّن من “سماع الفكرة” بوضوحٍ وسط صخب الجداول التنفيذيّة؟ هذا هو السّؤال.

ياسمين عبد الكريم… حين تكون الإجازة هي الخطّة الأصليّة

في العام 2017، كانت "ياسمين عبد الكريم" تحيا حياةً مهنيّةً لامعةً في باريس، تعمل في إدارة الموارد البشريّة العالميّة بشركة (Schlumberger)، وتحمل كلّ ما يقال عنه “استقرار”. لكنّها اختارت أن تتوقّف.

لم تكن استقالةً كاملةً. بل كانت إجازةٌ من نوعٍ آخر: ذهبت إلى بوسطن لدراسة الماجستير في "هارفرد". لكنّ ما فعلته هناك لم يكن مجرّد تحصيلٍ أكاديميٍّ.

في إحدى محاضرات "إطلاق المشاريع التّكنولوجيّة"، خطرت لها فكرة "Yalla Fel Sekka" – شركة توصيلٍ فوريٍّ تعالج اختناق التّوصيل في شوارع القاهرة. فكرةٌ انبثقت لا من الزّحام، بل من الهدوء.

في أثناء دراستها، عملت على تطوير المشروع خطوةً بخطوةٍ، وطرحت الفكرة في مسابقاتٍ جامعيّةٍ، وحصلت على دعمٍ أوّليٍّ. وعندما عادت إلى مصر، لم تعد إلى عملها القديم، بل بدأت من جديدٍ.

اليوم، تعدّ "Yalla Fel Sekka" من أبرز الشّركات في قطاع اللّوجستيّات عند الطّلب، وقد جمعت أكثر من 10 ملايين دولار [2].

كلّ ذلك بدأ من "إجازة" – لا من طردٍ، ولا من قفزةٍ فجائيّةٍ، بل من قرارٍ بالانقطاع الحكيم.

أليسار طويل… حين يتحوّل الإرهاق إلى خيطٍ قماشيٍّ جديدٍ

لم تكن "أليسار الطّويل" تفكّر في تأسيس شركةٍ. كانت تفكّر فقط: كيف يمكن أن ترتدي شيئاً أنيقاً دون أن تخالف قناعاتها؟

في عمّان، وبين أمومةٍ مضاعفةٍ ووظيفةٍ بدوامٍ كاملٍ، شعرت أنّها تدير حياةً لا تملك منها شيئاً. وقرّرت أن تتوقّف. استقالت، أو بالأحرى، أعطت نفسها مهلةً: هل يمكن لفكرةٍ بسيطةٍ أن تتحوّل إلى مشروعٍ؟ خلال تلك الفترة، راودها هاجسٌ: ملابس المحجّبات الحديثة غير عمليّةٍ. فابتكرت قطعةً جديدة تسمّى "Ruuq Hijab Bodysuit"، تلبس تحت أيّ زيٍّ عصريٍّ وتوفّر تغطيةً تامةً دون حاجةٍ للتعديلات. فكرةٌ بسيطة… لكنّها كانت تنتظر سكوناً كهذا لتولد.

في 2020، أطلقت "عليزار" منتجها الأوّل من مدّخراتها. ثمّ ربحت جائزة "TiE Women" في دبي [4]، وبدأت تظهر علامتها على أجساد نساءٍ كثيراتٍ مثلهنّ: يردن أناقةً بلا مساومةٍ.

الاستقالة لم تكن لحظة يأسٍ، بل نافذةً لصياغة الذات من جديدٍ – بخيطٍ، وبفكرةٍ.

إسماعيل بلخياط وصوفيا لعلج… عن الزوجين اللذين تركا النّخبة ليخاطبا البقّالة

في نهاية 2019، كان "إسماعيل" يعمل في (BCG)، و"صوفيا" في (McKinsey). استشاريان لامعان في أوروبا. لكنّهما اتّخذا قراراً يبدو – للوهلة الأولى – غير منطقيٍّ: تركا كلّ شيءٍ، وعادا إلى المغرب ليبنيا شركةً تخدم البقّالين. لم تكن خطوةً ثوريةً، بل استراحةً مقنّعةً. بدأا مشروعاً صغيراً سمّياه "Chari"، وهو تطبيقٌ يتيح لأصحاب المتاجر الصغيرة طلب البضائع بالجملة، توصل إليهم في أقلّ من 24 ساعة.

بدأ المشروع بتجارب ميدانيةٍ في الدار البيضاء، حيث تنقّلا من محلٍّ إلى آخر لشرح الفكرة. لكن ما بدأ كتجربةٍ جانبيةٍ تحوّل إلى مشروعٍ إقليميٍّ، استحوذ على شركاتٍ ناشئةٍ أخرى (مثل Karny)، وجمع تمويلاً تجاوز 5 ملايين دولار في وقتٍ قياسيٍّ [3].

وبحلول 2022، بلغ تقييم "Chari" أكثر من 100 مليون دولار.

هذه لم تكن استقالةً من الواقع، بل استجابةً أكثر عمقاً له. لقد نزلا من برج الاستشارات العالي… ليبنوا شركةً من عرق السوق الحقيقيّ.

فاصلٌ تأمّليّ: ماذا لو كانت الإجازة هي أنضج نموذج عملٍ؟

في القصص الأربعة، لا نجد لحظة “قفزةٍ” بطوليةٍ، بل خطوةً جانبيةً – تلك التي تشبه السّير في ممرٍّ خلفيّ… قبل أن تجد فيه باباً إلى عالمٍ جديدٍ.

كلّ تجربةٍ من هذه التجارب، لم تبدأ من غضبٍ على الوظيفة، بل من صمتٍ اختياريٍّ. لم يكن قراراً فوريّاً بـ"سأؤسس شركةً الآن"، بل لحظة فضولٍ: ماذا لو فعلت شيئاً آخر… مؤقّتاً؟ لكن في هذا المؤقّت، ولد شيءٌ دائمٌ.

"أحياناً، لا نحتاج إلى أن نغيّر حياتنا… بل أن نوقفها قليلاً، لنسمع صوتها".

قد لا تكون الاستقالة شرطاً للتأسيس، ولكن – كما تظهر هذه القصص – فإنّ الانقطاع الواعي قد يكون أنضج نقطة انطلاقٍ.
ليس بوصفه هروباً، بل باعتباره نسخةً مبكّرةً من المؤسّس: ذاك الذي يتوقّف، ثم يرى، ثم يختار.

آخر تحديث:
تاريخ النشر: