Lychee ترسم طريق العافية من قلب القاهرة إلى الخليج
عندما سدّ محمد عاصي فجوة الأغذية الصّحيّة بمصر، لم يكن يواكب موضةً، بل أطلق فلسفةً متكاملةً حول جودة الحياة، نمت محليّاً وانطلقت إقليميّاً بثباتٍ وثقةٍ

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
عندما أطلق محمد عاصي علامته التّجاريّة في الأغذية والمشروبات الصّحيّة "ليتشي" (Lychee)، من قلب القاهرة عام 2012، لم يكن يحذو حذو صيحةٍ عابرةً أو يتبع موضةً عابرةً، بل كان يملأ فراغاً شخصيّاً واجتماعيّاً لم يستطع تجاهله. تعود جذور هذه الفكرة إلى تجربته في الولايات المتّحدة، حيث انفتح على رؤيةٍ مختلفةٍ لنمط حياةٍ متكاملٍ يركّز على العافية والصّحّة الشّاملة. فقد قال في حديثه مع "عربيةInc. " موضّحاً: "كانت الخيارات الصّحية متوفّرةً في كلّ مكانٍ، وكان من السّهل العثور على ما يتناسب مع نمط حياتي الصّحيّ. ولكن حين عدت إلى بلدي، شعرت فوراً بمدى محدوديّة السّوق. كانت هناك فجوةٌ واضحةٌ، وشعرت بحاجّةٍ ملحّةٍ إلى سدّها."
كان هذا الإدراك بمثابة الشّرارة التي أشعلت بدايات مشروعه، فقد تحوّل من ملاحظةٍ إلى رؤيةٍ ورسالةٍ شخصيةٍّ؛ فالالتزام العميق بالصّحة وأداء الجسم والعقل شكّل الأساس الذي قامت عليه "ليتشي". فشرح قائلاً: "أنا في تواصلٍ دائمٍ مع جسدي وأستشعر كيف يتفاعل مع الطّعام والنّوم وأسلوب الحياة. وعندما أحيد عن المسار، أشعر بانخفاضٍ في أدائي؛ أبطأ، أقلّ حدةً، وأقلّ نشاطاً. وعندما تختبر قوّة أسلوب الحياة الصّحيّ على جسدك وعقلك، يصبح من الصّعب التّخلّي عنه. لهذا السّبب، لطالما كانت جودة الحياة أوّلويّةً لدي، وهي ما يغذّي شغفي وكانت المحرّك الحقيقيّ لإنشاء ’ليتشي‘".
من هنا، بدأت رحلة "ليتشي" الّتي نشأت في القاهرة، وامتدّت فروعها سريعاً عبر مدنٍ مصريّةٍ كبرى مثل: الجيزة والإسكندرية والغردقة والعلمين الجديدة. كما خطت العلامة أولى خطواتها خارج الوطن العربي بدخول السّوق السّعوديّ في 2024، ما وضعها على خارطة الخليج الصّحيّ.
تأتي قائمة الطّعام لتعكس الطّلب المتزايد على خياراتٍ صحيّةٍ يوميّةٍ، بدءاً من العصائر المعصورة على البارد والمصنوعة من فواكه وخضروات طازجةٍ بدون إضافاتٍ سكريّةٍ، مروراً بالسموثي الغنيّ بمكوّناتٍ مثل: الشوفان وزبدة المكسرات ومساحيق البروتين، وصولاً إلى وجباتٍ خفيفةٍ ومتوازنةٍ تشمل: السّلطات، وأطباق الكينوا، والسّندويتشات. كلّ ذلك صُمّم ليكون سريع التّحضير وسهل الوصول، ما يلبّي حاجة الزّبائن المشغولين الباحثين عن توازنٍ بين السّرعة والصّحّة. ورغم بساطة المكوّنات، يبقى التّركيز على الطّزاجة وتقليل المعالجة هو جوهر فلسفة التّحضير.
لكن تحقيق هذه البساطة بشكلٍ متكرّرٍ وقابلٍ للتّوسّع كان تحديّاً كبيراً، كما يقول عاصي: "هذه هي أصعب مسألةٍ على الإطلاق، هي السّؤال الّذي يساوي مليون دولارٍ. ما أدركته أنّ الجوهر يكمن في العمليّات والأشخاص؛ فالأشخاص المميّزون يصنعون عمليّاتٍ مميّزةٍ، والنّموّ بلا نظامٍ هو فوضى."
هكذا، أسّس محمد عاصي فلسفة عمله على تطوير عمليّات عملٍ متينةٍ واستقطاب فريقٍ كفءٍ، فضلاً عن بناء سلسلة توريدً متكاملةً ترتكز على جودة المكوّنات والتّنسيق الجيّد مع المورّدين. وبدلًا من تعقيد الأمور وإضافة المزيد من المنتجات، قرّرت "ليتشي" التّخصّص فيما تجيده بمهارةٍ عاليةٍ. وأكّد عاصي موضّحاً: "نحن نبني استراتيجيّة منتجاتنا على سلسلة القيمة. لا نُغرق العمل في تعقيداتٍ لا يمكن التّحكّم فيها عند التّوسع، بل نركّز على تقديم منتجاتٍ متّسقةٍ وعالية الجودة باستمرارٍ."
ويبرز في هذا السّياق عاملٌ مهمٌّ كثيراً ما يُغفل في مجال الصّحة والعافيّة: علم الغذاء. فيقول عاصي: "إذا قارنتنا بمعظم المنافسين المحليّين، ستجد أنّ مستوى المواهب الّتي نوظفها في جودة وسلامة الغذاء في مكانةٍ مختلفةٍ تماماً. هذا أمرٌ مقصودٌ؛ فالطّعام الطّازج والصّحيّ يتطلّب أعلى درجات الأمان، ونحن لا نساوم على ذلك."
ومع ترسيخ دعائم النّجاح في مصر، خطت "ليتشي" خطوةً مهمّةً بالدّخول إلى السّوق السّعوديّ، ولكن الأمر لم يكن مجرّد فتح فروعٍ جديدةٍ، بل تطلّب فهماً ثقافيّاً عميقاً واندماجاً حقيقيّاً مع المجتمع. ويشرح عاصي:" كان التّحدّي الأكبر هو الفهم الحقيقيّ للسّوق. لم يكن الحلّ مجرد الاعتماد على البيانات، بل كان التّواجد الميدانيّ. قضيت أكثر من 12 ساعة يوميّاً أتجول في أحياء الرّياض، أراقب حركة النّاس، أوقات تناول الطّعام، وأماكن تجمعهم، لأبني صورةً دقيقةً عن ثقافة المستهلك."
ويشير أيضاً إلى العقبة الّتي واجهها في بداية المشوار بسبب النّظرة الدّونيّة للعلامات المحليّة مقارنةً بالعلامات العالميّة: "كان هناك تصوّرٌ أنّ العلامات الإقليميّة أدنى من العالميّة، ممّا صعّب بناء الثّقة في المراحل الأولى. ولكن المشهد يتغيّر بسرعةٍ، حيث تقود العلامات السعّوديّة والإقليميّة الابتكار وتثبت قدرتها على المنافسة بقوّةٍ."
يكمن مفتاح نجاح "ليتشي" في الفهم الدّقيق لعملائها، والقدرة على الوصول إليهم بسهولةٍ دون فرض تغييراتٍ مصطنعةٍ. فيقول: "نحن نعرف جمهورنا جيّداً، ونختار أماكن تواجدهم. لا نحاول فرض تغييراتٍ سلوكيّةٍ أو إعادة اختراع العجلة، بل نهدف إلى أن نكون جزءاً مريحاً من حياتهم اليوميّة."
ويشير إلى أنّ توقّعات المستهلكين قد تطوّرت بشكلٍ كبيرٍ خلال السّنوات الأخيرة: "قبل عشر سنواتٍ، كنّا نعمل على إقناع النّاس باتّباع نمط حياةٍ صحيٍّ. اليوم، المستهلك أكثر وعياً ونشاطاً، يتعلّم باستمرارٍ عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ، ويحمّل العلامات التّجاريّة مسؤوليّة تقديم الأفضل. لم يعد يُطلب فقط منتجاتٍ صحيّةً، بل يعيد تعريف مفهوم الصّحة نفسه، ويدفع الصّناعة نحو الابتكار."
وهكذا، تنظر "ليتشي" اليوم نحو آفاقٍ جديدةٍ للتّوسع، ليس فقط في الخليج، بل أيضاً في القارة الأفريقيّة، الّتي تمثّل سوقاً واعدةً تشهد نموّاً متسارعاً في الوعي الصّحيّ. وقد أكّد عاصي: "نخطّط للتّوسّع في الإمارات ودول الخليج الأخرى، وكعلامةٍ مصريّةٍ محليّةٍ نشعر بمسؤوليّةٍ تجاه قارتنا الأفريقيّة الّتي تحمل فرصاً ضخمةً. كما أنّ اتّجاه الصّحة والعافية هناك بدأ بالفعل أو على وشك الانطلاق."
أمّا نصيحته للعلامات الصّحيّة الإقليميّة الّتي تسعى للنّموّ، فتتلخّص في: "ابدأ بتشكيل الفريق الأمثل، واجعل جودة المنتج في صميم رؤيتك، وابنِ منظومةً تشغيليّةً متينةً تسندها إدارةٌ ماليّةٌ دقيقةٌ وسلسلة توريدٍ فعّالةٌ، لتضمن أن يكون التّوسّع محسوب الخطى وتحت السّيطرة. لكن فوق كلّ ذلك، كن أميناً مع ذاتك. فمن السّهل أن تنجرف وراء محاكاة الآخرين، غير أنّ القوّة الحقيقيّة للعلامات المحليّة تنبع من أصالتها. استلهم من الاتّجاهات، نعم، لكن لا تنسَ أن تشقّ دربك الخاصّ، وكُن على يقينٍ أنّ للمحلّيّ قدرة جبّارة على منافسة العالميّ حين يُعبّر بصدقٍ عن هويته".