الرئيسية التنمية مأزق رائد الأعمال: مشروعٌ جانبيٌّ أم انغماسٌ كاملٌ؟

مأزق رائد الأعمال: مشروعٌ جانبيٌّ أم انغماسٌ كاملٌ؟

تنبيهٌ: الخيار الأمثل هو ما يتناغم مع ظروفك الشّخصيّة ورؤيتك البعيدة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

سؤالٌ طالما أشعل نقاشاتٍ لا تنتهي على صفحات "كورا" (Quora) و"ريديت" (Reddit)، ولم يجتمع حوله رأيٌ قاطعٌ: ما السّبيل الأجدى لبداية مشروعٍ جديدٍ؟ هل تحافظ عليه كمبادرةٍ جانبيّةٍ حتّى تنضج، أم تلقي بنفسك في لجّته من اللّحظة الأولى؟

تكمن أهمّيّة هذا السّؤال في اتّساع رقعة المهتمّين بإطلاق مشاريعهم الخاصّة أو ممّن بدأوا بالفعل بخطواتٍ أولى على هذا الدّرب. فبحسب "هارفارد بزنس ريفيو" (Harvard Business Review)، يتطلّع ‎50٪ من أفراد الجيل "Z" لأن يصبحوا أسياد قرارهم، بعدما خاب أملهم في بيئات العمل التّقليديّة. وبدورهم، عبّر ‎36٪ من الجيل "X" و‎22٪ من جيل الطّفرة "Baby Boomers" عن الطّموح ذاته. ما يجعل هذا التّوجّه أحد أبرز ملامح التّطلّعات المهنيّة للأجيال النّاشئة.

غير أنّ تحويل هذا الطّموح إلى واقعٍ ملموسٍ ليس بالأمر الهيّن. وهنا، نستعرض معاً جدليّة الانغماس الكامل في المشروع مقابل الاحتفاظ به كمشروعٍ جانبيٍّ، ونزن حجج كلّ طرفٍ، لتختار أنت الطّريق الّذي يلائمك.

الوجه المؤيّد للمشاريع الجانبيّة

تفشل قرابة ‎20٪ من المشاريع النّاشئة خلال عامها الأوّل، بينما يعجز أكثر من نصفها عن بلوغ عامها الخامس. أرقامٌ صارخةٌ، ولكنّها لا تثني الّذين تحترق أرواحهم بالشّغف. سواءً قرّرت خوض المغامرة كلّيّاً أو الاحتفاظ بالعمل الجانبيّ، فإنّ جاذبيّة بناء مشروعٍ خاصٍّ لا تزال تسحر قلوب الكثيرين. السّؤال المحوريّ هنا: كيف تخطو أوّل خطوةٍ؟

رائد الأعمال مارك كوبان، المعروف بظهوره في برنامج "شارك تانك" (Shark Tank)، يدعو إلى الحذر. ينصح بالاحتفاظ بوظيفتك، وبتجريب فكرتك ضمن نطاقٍ جانبيٍّ إلى أن تتبلور رؤيتك، وتتيقّن من صلاحيّتها. يقول إنّ القصص الملهمة الّتي نراها على وسائل التّواصل تخفي خلفها غالباً معاناةً شديدةً، أو فشلاً صريحاً، لمن يتركون وظائفهم ليغامروا بمشاريعهم الخاصّة.

تنسجم نصيحته مع ما يوصي به خبراء المال: إن عزمت على التّفرّغ، فعليك تأمين نفقات عامٍ كاملٍ لتغطية احتياجاتك الشّخصيّة والتّشغيليّة، قبل الإقدام على هذه الخطوة.

ما أبرز مزايا هذا الخيار؟ يسمح لك المشروع الجانبيّ باختبار الفكرة، وتنمية المهارات، وجني بعض العوائد، دون التّضحية بأمانك الوظيفيّ. يكفي أن نعلم أنّ إنستغرام بدأ كمشروعٍ جانبيٍّ.

ولكي تنجح، عليك أن تتعامل مع مشروعك بجدّيّةٍ: هل هو محض شغفٍ، أم يحمل قيمةً حقيقيّةً في السّوق؟ ضع له جدولاً زمنيّاً، واضبط إيقاع التّنفيذ، وامنع نفسك من الوقوع في دوّامة التّأجيل والتّجريب اللّا منتهي. السّوق لا ينتظر، والوقت ليس طرفاً.

ولا تنس الثّبات. لا يكفي أن تعمل على فكرتك عندما تميل نفسك، بل عليك الالتزام والانضباط.

مكامن الخلل في المشاريع الجانبيّة

لكن للمشاريع الجانبيّة حدودٌ لا يمكن إنكارها. فالطّاقة البشريّة ليست ببلا نفادٍ، والموازنة بين وظيفةٍ يوميّةٍ ومشروعٍ متنامٍ ترهق الرّوح والجسد، وقد تبطئ النّموّ وتطفئ الجذوة قبل اشتعالها.

فضلاً عن أنّ بعض القطاعات لا تحتمل العمل بنصف الالتزام. بل تتطلّب انغماساً تامّاً، لا يتيح لك ترف العمل الجزئيّ مهما بلغت حماستك.

وإن لم يكن لديك إحساسٌ بالعجلة، ستفقد فكرتك بريقها قبل أن ترى النّور. فالسّوق متقلّبٌ، والتّقنية تتقدّم، وأفكار الأمس قد تصبح من تراث اليوم. وقد تمضي سنواتٍ وأنت تبني "علامةً تجاريّةً"، دون أن تطلق منتجاً واحداً.

الوجه المؤيّد للتّفرّغ الكامل

في الطّرف المقابل، يقف دعاة الانغماس الكلّيّ. خيارٌ يقتضي ترك الوظيفة والتّركيز الكامل على المشروع. يمنحك هذا النّهج ميزة التّفرّغ الكامل، وسرعة الإنجاز، والتّفرّس في القطاع، والقدرة على اقتناص الفرص الّتي قد تضيع إن كان المشروع هامشيّاً.

سلك هذا الدّرب أسماءٌ بارزةٌ، من جيف بيزوس إلى إيلون ماسك. الفكرة أنّ كلّ ساعةٍ تستثمر تقرّبك من الإطلاق. لا مزيد من التّوفيق بين جداول العمل. تتحرّر من قيود الوظيفة، وتستعيد شيئاً من توازنك النّفسيّ.

كما يتيح لك هذا الخيار أن تتحدّث عن مشروعك علناً، بلا خوفٍ من أن يطّلع عليه مديرك السّابق أو زملاؤك.

مخاطر هذا المسار

لٰا تغترّ، فالمجازفة عظيمةٌ. غياب شبكة الأمان الماليّ يجعل الفشل أكثر إيلاماً. وقد يبدو الحديث عن ادّخار نفقات عامٍ كاملٍ نظريّاً جميلاً، ولٰكنّ تطبيقه شاقٌّ. وحتّى لو نجحت، فإنّ استنزاف المال دون تدفّق دخلٍ جديدٍ يولّد ضغطاً خانقاً لٰا يستهان به.

ليس كلّ شخصٍ مؤهّلاً لتحمّل هذا العبء النّفسيّ. تحت هذا الضّغط، قد تتّخذ قراراتٌ مضطربةٌ، وقد يفتر الإبداع، ويتعثّر المشروع.

فأيّ الخيارين أصلح؟

كلا المسارين أثمر نجاحاتٍ. والفارق الحقيقيّ يكمن في شخصك، وظروفك، وقدرتك على المجازفة.

فإن كنت ممّن تروّعهم فكرة الاستقالة، وتشلّهم عن التّفكير السّليم، فالمشروع الجانبيّ هو ملاذك الآمن. أمّا إن لم تر في تقسيم الوقت حلّاً ممكناً، وترى في الانغماس الكامل وحده طريقك، فامض ولا تلتفت.

الخيار الرّشيد يبنى على واقعك، ومجالك، ومدى استعدادك لتحمّل الخطر. إن أثقلتك الالتزامات، أو لم تكن متيقّناً من فكرتك، فالانطلاق الجزئيّ أجدى. أمّا إن كنت في قطاعٍ سريع التّحوّل، أو تملك دعماً ماليّاً قويّاً، فانغمس بلا تردّدٍ.

في جميع الأحوال، يبقى سرّ النّجاح في فكرةٍ متينةٍ وتنفيذٍ متقنٍ، سواءً كنت تعمل عليها جزئيّاً أم كلّيّاً. والخيار الأمثل هو ما يتناغم مع خصوصيّتك ورؤيتك الطّويلة الأمد.

عن الكاتب

بصفته المؤسّس والشّريك الإداريّ في شركة "تريد لايسنس زون" (Trade License Zone) (ومقرّها الإمارات)، يحافظ "كارل هوغارد" على أن تظلّ الشّركة وفيّةً لقيم علامتها، وأن توفّر تجربة عملاء متفرّدةً تميّزها عن باقي الجهات الفاعلة في مجال تأسيس الأعمال في المنطقة.

آخر تحديث:
تاريخ النشر: