هل يسرق الذكاء الاصطناعي هوية صناع المحتوى اليوم؟
تستخدم الشّركات نسخاً مزيّفةً من المؤثّرين في فيديوهاتٍ ترويجيّةٍ دون إذنٍ، ممّا يثير أزمةً قانونيّةً وأخلاقيّةً متصاعدةً

منذ بضعة أسابيع، صُدمت المؤثّرة الاجتماعيّة أرييل لور عندما شاهدت مقطع ڤيديو يظهرها وهي تتحدّث عن روتين العناية ببشرتها في إحدى المقابلات. وبما أنّها مقدّمة برنامج "ويل ويذ أرييل لور" (Well With Arielle Lorre)، فقد بدا الأمر طبيعيّاً للوهلة الأولى. لكن المفاجأة كانت أنّ لور لم تسبق لها تجربة المنتج الّذي كانت تمتدحه في الفيديو. والأسوأ من ذلك، أنّها لم تلتقِ يوماً بالشّخص الّذي تظهر وكأنّها تتحاور معه!
لاحقاً، نشرت لور مقطع ڤيديو على "تيك توك" (TikTok) كشفت فيه أنّ شركة "سكيند" (Skaind)، المتخصّصة في منتجات العناية بالبشرة، قد استخدمت نسخةً مزيّفةً بالذكاء الاصطناعي منها. وقالت: "لقد أنشؤوا نسخةً تشبهني بالذكاء الاصطناعي، وتتحدّث -في الغالب- مثلي، وتظهر وكأنّها تجري مقابلةً للتّرويج لمنتجهم في إعلانٍ مدفوعٍ على انستغرام".
وأضافت في الڤيديو: "يمكنكم تخيّل مدى شعوري بالارتباك عندما رأيت نفسي أقول أشياء لم أقلها قطّ، وأجلس في مقابلةٍ لم أشارك فيها أصلاً. ما حدث ليس فقط غير قانونيٍّ، بل يلحق الضّرر بعلامتي الشّخصيّة، ويقوّض الثّقة الّتي بنيتها مع جمهوري ومجتمعي على مدى سنواتٍ".
الظاهرة تزداد انتشاراً وخطورةً
لور ليست وحدها في هذا الموقف؛ فالمقدّم الشّهير لبرنامج البودكاست جو روغان قد تعرّض -منذ سنواتٍ- لاستخدام اسمه وصورته في تزييفاتٍ عميقةٍ، إلّا أنّ التّطوّرات الأخيرة في تقنيات الذكاء الاصطناعي قد جعلت من هذه الظّاهرة أكثر شيوعاً، وبالتّالي أكثر تهديداً لكلٍّ من صنّاع المحتوى والشّركات.
تقول ميغان دوونغ، المؤسّسة الشّريكة والرّئيسة التّنفيذيّة لمنصّة "بلوت" (Plot)، المتخصّصة في تتبّع اتّجاهات السّوشيال ميديا، إنّها تبدي قلقاً خاصّاً من برامج التّسويق بالعمولة الّتي تسمح لأيّ شخصٍ بالكسب مقابل إنتاج محتوى يروّج لمنتجاتٍ معيّنةٍ. وتضيف: "تدفع هذه البرامج المستخدمين لصنع محتوى باستخدام الذكاء الاصطناعي يروّج لتلك المنتجات. وفي الغالب، يتمّ ذلك دون معرفة صنّاع المحتوى الأصليّين، أو حتّى دون معرفة العلامة التّجاريّة".
كما تتابع دوونغ: "في كثيرٍ من الأحيان، عندما ينتج الشّخص هذه الفيديوهات، لا يكون الهدف أن يراها صاحب الصّورة أو الشّركة، بل كلّ ما يهمّه هو أن يشاهد النّاس الفيديو لمدّة دقيقةٍ، وأن يؤدّي ذلك إلى شراءٍ فعليٍّ".
وفي حالة لور، فقد استطاعت اكتشاف الفيديو بعد أن تعرّف عليها المعجبون، وبدؤوا بالإشارة إليها في التّعليقات. ولكنّها كانت محظوظةً، حيث تحذّر دوونغ من أنّ صنّاع المحتوى الأصغر قد لا يعلمون أبداً بوجود فيديوهاتٍ تظهرهم، أو تستخدم أصواتهم دون علمهم؛ فتقول: "ليس كلّ صانع محتوى بحجم كيم كارداشيان، الّتي يعرفها الجميع ويلفتهم أيّ استغلالٍ لصورتها".
ولا يقف الأمر عند إنتاج محتوى ذكيًٍّ باستخدام صورة صانع محتوىً حقيقيٍّ، بل إنّ بعض برامج الشّراكة التّسويقيّة –مثل: منصّة "ووب" (Whop)- تسمح للعلامات التّجاريّة بإعادة نشر المحتوى الّذي يحقّق أداءً عالياً، ولو كان هذا المحتوى منتجاً بالكامل باستخدام الذكاء الاصطناعي. وفي هذه الحالة، تصبح الشّركات نفسها -دون قصدٍ- طرفاً في نشر معلوماتٍ خاطئةٍ، أو استخدام صور الآخرين دون إذنٍ.
عندما تواصلت لور مع شركة سكيند عبر الرّسائل المباشرة في "انستغرام" (Instagram)، جاءها ردٌّ من أحد ممثّلي الشّركة يفيد بأنّ "فريق التّسويق حصل على هذا المحتوى من خلال منصّة ذكاءٍ اصطناعيٍّ، دون أن يكون على علمٍ بأنّه يخصّ شخصاً معروفاً، أو أنّه محميٌّ بحقوق الصّورة".
هل تتحرك المنصات لحماية المبدعين؟
يتوقّع كايل دولاي، المؤسّس الشّريك لمنصّة "كولابستر" (Collabstr) المختصّة بربط العلامات التّجاريّة مع صنّاع المحتوى، أن تكون منصات التواصل الاجتماعي هي الأولى في التّحرّك لتنظيم هذا النّوع من المحتوى. ويقول: "المنصّات لها مصلحةٌ كبيرةٌ في ذلك، فإذا لم تتصرّف، ستغرق بمنشوراتٍ منتجةٍ بالذكاء الاصطناعي، وهذا يفقدها القيمة والمصداقيّة. لذلك، يجب عليها أن تجد طريقةً للتّفريق بين المحتوى البشريّ والمولّد بالذكاء الاصطناعي، وأن تبدأ برصده وتنظيمه".
ولكن دولاي يرى أيضاً جانباً إيجابيّاً محتملاً في الأفق: "في المستقبل، قد يظهر نظامٌ قانونيٌّ يُتيح لصانع المحتوى أن يبيع حقوق صورته أو صوته لاستخدامها في إعلاناتٍ مثل هذه بشكلٍ قانونيٍّ ومربحٍ للطّرفين". وهذا الحلّ -وفقاً لرأيه- يمكن أن يحقّق فائدةً مزدوجةً: مصدر دخلٍ سلبيٍّ إضافيٍّ للمؤثّرين، وتقليل المشاكل القانونيّة للشّركات.
شاهد أيضاً: كيف يمكن للعلامات التجارية الصغيرة أن تتعاون مع المؤثرين