الرئيسية الذكاء الاصطناعي ثورة الذكاء الاصطناعي في التسويق: محتوى أذكى وتحليل أدق!

ثورة الذكاء الاصطناعي في التسويق: محتوى أذكى وتحليل أدق!

من تخصيص التّجربة إلى توليد المحتوى وتحليل السّلوك، هكذا يغيّر الذكاء الاصطناعي قواعد اللّعبة التّسويقيّة ويوفّر فرصاً استثنائيّةً للنّموّ والابتكار

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يشهد المشهد التّسويقيّ الحاليّ ثورةً مدفوعةً بالذكاء الاصطناعي، حيث يُحدث الذكاء الاصطناعي تحوّلاً جذريّاً في أساليب التّسويق ويُعيد تشكيل طريقة تواصل العلامات التّجاريّة مع جمهورهاتعمل هذه التّقنيّات المتقدّمة على تمكين المسوّقين من الابتكار بوتيرةٍ أسرع، عبر أتمتة المهامّ الرّوتينيّة، وتوفير رؤىً أعمق من كمّيّاتٍ هائلةٍ من البيانات. [1] 

يضع المسوّقون اليوم اعتماد حلول الذكاء الاصطناعي على رأس أولويّاتهم ضمن استراتيجيّاتهم الحديثة، إذ يرون فيها وسيلةً لتحقيق تخصيصٍ أدقّ للتّجارب ورفع كفاءة الحملات، بل وحتّى تعزيز الإبداع على نطاقٍ واسعٍ من خلال المحتوى التّوليديّولا عجب في ذلك، فقد أصبح الذكاء الاصطناعي بمثابة الحليف الذّكيّ للمسوّق العصريّ، يساعده على فهم جمهوره المستهدف، وصياغة الرّسائل التّسويقيّة الملهمة بدقّةٍ وفاعليّةٍ غير مسبوقةٍ

تؤكّد الإحصائيّات الحديثة مدى انتشار هذه التّقنيّات في المجال؛ فقد أفاد تقريباً 90% من المسوّقين بأنّهم استخدموا أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في أعمالهم، فيما أشارت أبحاثٌ أخرى إلى أنّ 88% من المختصّين يعتمدون على الذكاء الاصطناعي في مهامّهم التّسويقيّة اليوميّة بالفعل.  [2] 

وبحسب تقريرٍ لشركة"سيلزفورس" (Salesforce)، فإنّ 61% من المسوّقين يستخدمون الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات ضمن أعمالهم اليوم، نظراً لكونه يوفّر السّرعة والدّقّة، مقارنةً بالأسلوب التّقليديّتجسّد هذه الأرقام واقعاً واضحاً: أصبح الذكاء الاصطناعي ركناً أساسيّاً في المشهد التّسويقيّ المعاصر، وليس مجرّد ترفٍ تقنيٍّ. [3] 

وفي هذا التّقرير، سنستعرض كيفيّة تسخير الذكاء الاصطناعي في توليد المحتوى وتحليل سلوك العملاء، مع أمثلةٍ عمليّةٍ وأدواتٍ رائدةٍ، بالإضافة إلى تنبيهٍ للتّحدّيات ومحاذير الاستخدام، مع توصياتٍ استراتيجيّةٍ للمبتدئين والمحترفين، لضمان تحقيق أقصى استفادةٍ من هذه التّقنيّات الثّوريّة.

بيانات وأرقام ترسم المشهد

تزوّدنا الدّراسات الحديثة برؤيةٍ أوضح حول تبنّي الذكاء الاصطناعي في التّسويق؛ فقد أفاد ثلاثةٌ من كلّ أربعة مسوّقين -تقريباً- بأنّهم إمّا قد بدؤوا بتجربة الذكاء الاصطناعي، أو دمجوه فعلاً في عمليّاتهم التّسويقيّة. ويعزى هذا الإقبال الكبير إلى ما يقدّمه الذكاء الاصطناعي من فوائد ملموسةٍ. على سبيل المثال، 85% من المسوّقين الّذين يستخدمونالذكاء الاصطناعي يؤكّدون أنّه قد رفع إنتاجيّتهم بشكلٍ ملحوظٍ، ونصفهم -تقريباًذكروا أنّه وفّر لهم الوقت وحسّن جودة وكمّيّة المحتوى الإبداعيّ الّذي ينتجونه [4]  

وفي سياقٍ ذات صلةٍ، أظهر استطلاعٌ حديثٌ أنّ 62% من المسوّقين يستخدمون روبوتات المحادثة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، مثل "شات جي بي تي" (‎ChatGPT)، في إنشاء المحتوى ضمن أعمالهم اليوميّة، وهذا ما يعزّز القناعة بتغلغل هذه الأدوات في نشاط التّسويق الرّقميّ اليوميّ.

ومن جهةٍ أخرى، صرّح 75% من المسوّقين بأنّ وجود استراتيجيّةٍ واضحةٍ للبيانات والذكاء الاصطناعي أصبح أمراً بالغ الأهمّيّة لنجاحهم؛ فلم يعد التّسويق المدعوم بالبيانات والذكاء الاصطناعي ميزةً تنافسيّةً فقط، بل أصبح ضرورةً لمواكبة تطلّعات العملاء المتزايدة في العصر الرّقميّ.

تسلّط هذه الأرقام الضّوء على مدى الإقبال والثّقة المتزايدة بالذكاء الاصطناعي بين المسوّقين. ومع ذلك، لا تخلو الصّورة من التّحدّيات، إذ يعترف 39% من المسوّقين بأنّهم لا يعرفون حتّى الآن كيفيّة استخدام الذكاء الاصطناعي بأمانٍ. ولكن الاتّجاه العامّ واضحٌ: يحقّق المسوّقون الّذين يتبنّون الذكاء الاصطناعي مبكّراً تقدّماً ملموساً على منافسيهم، ويستعدّون لعصرٍ جديدٍ يصبح فيه الذكاء الاصطناعي القلب النّابض للجهود التّسويقيّة. [5]

توليد المحتوى النصي بالذكاء الاصطناعي

توفّر تقنيّات الذكاء الاصطناعي اليوم قدراتٍ غير مسبوقةٍ لتوليد المحتوى النّصّيّ بشكلٍ تلقائيٍّ، ممّا يحدث نقلةً نوعيّةً في طريقة إنتاج الموادّ التّسويقيّة المكتوبة؛ فقد أصبحت نماذج اللّغة الذّكيّة قادرةً على تأليف المقالات، والتّدوينات، ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، وحتّى نصوص الإعلانات -وذلك في ثوانٍ معدودةٍ- وكلّ ما تحتاجه هو بعض التّوجيهات المباشرة من المستخدمعلى سبيل المثال، تعدّ أدوات توليد اللّغة الطّبيعيّة، مثل "شات جي بي تي"، و"جاسبر" (Jasper)، وسائل فعّالةً تسمح للمسوّق بإدخال أفكارٍ أو نقاطٍ رئيسيّةٍ، ليحصل في المقابل على محتوىً مكتوبٍ وجاهزٍ بصياغةٍ جذّابةٍ

قد أصبح هذا الاستخدام شائعاً بشكلٍ كبيرٍ؛ فقد ذكر79% من المسوّقين الّذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي أنّهم يوظّفونه في إنشاء محتوىً نصّيٍّ أساسيٍّ وكتابة النّسخ الإعلانيّة، ممّا يجعل توليد المحتوى أحد أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التّسويق اليوم، بل إنّ روبوتات الدّردشة -مثلشات جي بي تيتصنّف الآن كأكثر الأدوات شيوعاً في إنشاء المحتوى لدى المسوّقين، حيث يستخدمها62% منهم في العمل. [6]  

وقد أظهرت إحدى الدّراسات أنّ المسوّقين يتوقّعون أن توفّر عليهم أدوات المحتوى التّوليديّ ما يعادل 5 ساعاتٍ من العمل أسبوعيّاً -أي أكثر من شهرٍ كاملٍ من الوقت الموفّر سنويّاً- وهذا وقتٌ ثمينٌ يمكن استثماره في ابتكار حملاتٍ جديدةٍ، أو في تحسين العلاقة مع العملاءعلى سبيل المثال، يمكن لفريق تسويقٍ صغيرٍ أن يستخدم أداةً، مثل جي بي تي، لتوليد عدّة أفكارٍ لعناوين جذّابةٍ ومقدّماتٍ لمقالٍ تسويقيٍّ، ثمّ ينقح الفريق هذه المخرجات وتحسينها لتتلاءم مع هويّة العلامة التّجاريّةوبالشّكل نفسه، يوفّر جاسبر قوالب جاهزةً للمنشورات الإعلانيّة ومحتوى المدوّنات، تتماشى مع أسلوب "الصّوت" الخاصّ بكلّ علامةٍ، ممّا يمكّن الشّركات النّاشئة من إنتاج محتوى احترافيٍّ ومنسجمٍ، دون الاحتياج إلى ميزانيّاتٍ ضخمةٍ للتّأليف. [7]  

إذن، يساهم الذكاء الاصطناعي في إتاحة صناعة المحتوى، أي فتح فرصة الإنتاج المحترف لجميع المستخدمين، ممّا يمكّن روّاد الأعمال العرب من تسريع عجلة التّسويق بالمحتوى، وبناء حضورٍ رقميٍّ قويٍّ، حتّى مع فرق عملٍ محدودةٍ العددمع ذلك، يظلّ دور الإنسان مهمّاً في مرحلة المراجعة والإبداع النّهائيّ. على المسوّق أن يراجع المحتوى المولّد آليّاً للتّأكّد من دقّته، وملاءمته للجمهور المستهدف، وتطابقه مع صوت العلامة التّجاريّة.

عند استخدام الذكاء الاصطناعي بحكمةٍ -كأداةٍ مساعدةٍ في الكتابة، وليس بديلاً كلّيّاً- يمكن تحقيق أفضل النّتائج: إنتاج محتوىً متجدّدٍ وغزيرٍ يشدّ الانتباه، وفي الوقت نفسه، يحافظ على أصالة الرّسالة التّسويقيّة وإنسانيّتها.

تخصيص المحتوى وتجربة المستخدم بالذكاء الاصطناعي

توفّر خوارزميّات الذكاء الاصطناعي للمسوّقين قدرةً مذهلةً على تخصيص تجربة كلّ مستخدمٍ، وذلك من خلال تحليل تفضيلاته وسلوكه وتاريخ تعامله مع العلامة التّجاريّة، إذ تتيح أنظمة التّعلّم الآليّ عرض المحتوى المناسب للشّخص المناسب في الوقت المناسب، وذلك عبر القنوات الرّقميّة المختلفةعلى سبيل المثال، يمكن لمواقع التّجارة الإلكترونيّة المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تعرض توصيات منتجاتٍ مخصّصةٍ لكلّ زائرٍ، وفقاً لسجلّ تصفّحه ومشترياته السّابقة، بالضّبط كما يفعل "نتفلكس" (Netflix)، و"أمازون" (Amazon)، ولكن على نطاقٍ أوسع يشمل الشّركات الصّغيرة أيضاً.

وبالصّورة نفسها، تـمكّن أدوات التّسويق عبر البريد الإلكترونيّ -والمزوّدة بالذكاء الاصطناعي- من إرسال رسائل مصاغةٍ خصوصاً لكلّ شريحةٍ من العملاء، ممّا يمكّن العميل من تلقّي محتوىً يشعره بأنّه صُمّم له شخصيّاًوهذا المستوى من التّخصيص ليس ترفاً، بل ضرورةً؛ فقد أظهرت الدّراسات أنّ 80% من المستهلكين أكثر استعداداً للتّعامل مع الشّركات الّتي تقدّم لهم تجارب شخصيّةً ورسائل مصمّمةً حسب احتياجاتهم. ولا يقف الأمر عند ذلك، فالشّركات السّريعة النّموّ تحقّق -وفقاً للبيانات- إيراداتٍ أكثر بمقدار 40% بفضل التّخصيص، مقارنةً بمنافسيها. [8]  

يعمل الذكاء الاصطناعي في هذا السّياق كعقلٍ محلّلٍ للبيانات السّلوكيّة، حيث يراجع نشاط المستخدم عبر المواقع والتّطبيقات ووسائل التّواصل، ثمّ يبني ملفّاً تفضيليّاً فوريّاً لكلّ مستخدمٍ علىبناءً على هذا الملفّ، تستطيع نظم إدارة العلاقات مع العملاء (CRM) المزوّدة بالذكاء الاصطناعي، مثل "هاب سبوت" (HubSpot)، "وسيلزفورس أينشتاين" (Salesforce Einstein)، أن تقسّم الجمهور إلى شرائح دقيقةٍ، وتوجّه محتوىً خاصّاً لكلّ شريحةٍ بشكلٍ آليٍّ، دون حاجةٍ إلى تدخّلٍ بشريٍّ، وذلك بعد ضبط المعايير الملائمة.

على سبيل المثال، قد يرسل النّظام عروضاً ترويجيّةً مختلفةً بحسب اهتمام كلّ عميلٍ: يتلقّى القسم الرّياضيّ عرضاً لمنتجات اللّياقة، وعشّاق التّقنيّة يصلهم كوبون خصمٍ لمنتجاتٍ إلكترونيّةٍ، وهكذا -كلّ ذلك بدون أيّ تدخّلٍ يدويٍّ بعد ضبط القواعدتسهم هذه المستويات المتقدّمة من التّخصيص في تعزيز تفاعل العملاء وزيادة نسب التّحويل بشكلٍ ملموسٍ؛ فقد وجدت إحدى الدّراسات الحديثة أنّ أكثر من 92% من الشّركات تستعين بالتّخصيص المدعوم بالذكاء الاصطناعي لتحقيق النّموّ.  [9]

وهذا يعني أنّ غالبيّة الأعمال الرّائدة قد أدركت قوّة الذكاء الاصطناعي في تقديم التّجربة المناسبة لكلّ مستخدمٍ، ممّا يرفع سقف توقّعات العملاء على نحوٍ متزايدٍ في العصر الرّقميّولا يقتصر الأمر على توصيات المنتجات أو رسائل البريد الإلكتروني، بل يمتدّ إلى تجربة المستخدم الشّاملة على الموقع أو التّطبيقعلى سبيل المثال، يمكن لخوارزميّات الذكاء الاصطناعي أن تعدّل محتوى الصّفحة الرّئيسيّة ومظهرها وفقاً لاهتمامات الزّائر؛ فإذا كان الزّائر جديداً، يرى محتوىً تعريفيّاً، وإذا كان عميلاً متكرّراً، تعرض له عروض الولاء والمحتوى المخصّص لاهتماماته.

كما أنّ بعض المواقع قد بدأت تستخدم تقنيات توليد المحتوى آنيّاً لإنشاء صفحاتٍ مخصوصةٍ لكلّ مستخدمٍ، تجمع بين المنتجات أو المقالات الّتي تهمّه. وبذلك، يصبح لكلّ عميلٍ رحلته التّسويقيّة الفريدة، الّتي تقوده -تدريجيّاً- من الاهتمام، إلى الشّراء، إلى الولاءوكلّ ذلك يتمّ بفضل التّحليل المستمرّ، والتّنبّؤ الذّكيّ باحتياجات كلّ مستخدمٍبالتّأكيد، يتطلّب بناء تجربةٍ بهذه الدّرجة من التّفصيل قاعدة بياناتٍ متينةً، وجهوداً منظّمةً لضمان جودة المعلومات واتّصالها عبر الأقسام المختلفة.

ولكن العوائد مدهشةٌ، فالشّعور بالتّقدير والتّفهّم الّذي ينشأ لدى العميل، عندما تصله الرّسالة المناسبة في الوقت المناسب، يترجم إلى ولاءٍ طويل الأمد، وقيمةٍ أعلى للعميل على مدى الحياة؛ إنّه عصر "شخصنة التّسويق" (Marketing Personalization)، والذكاء الاصطناعي هو المحرّك الأساسيّ الّذي يجعل هذا التّخصيص الشّامل ممكناً، على نطاقٍ واسعٍ، ودون تعقيدٍ إداريٍّ كبيرٍ.

تحليل سلوك العملاء بالذكاء الصناعي

يعدّ تحليل سلوك العملاء واستخلاص الأفكار القابلة للتّنفيذ منه من أكثر المهامّ التّسويقيّة تعقيداً، وذلك نظراً لضخامة البيانات وتشعّب مصادرها. وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي كمنقذٍ، إذ يستطيع استيعاب كمّيّاتٍ هائلةٍ من بيانات تفاعل العملاء وتحليلها بسرعةٍ فائقةٍ، لكشف الأنماط والاتّجاهات الخفيّة الّتي يعجز البشر عن ملاحظتها بالعين المجرّدة.

تساعد تقنيات تعلّم الآلة في فهم القصّة وراء الأرقام، كحركة الزّوّار على الموقع أو التّطبيق: أين ينقر العملاء؟ في أيّ نقطةٍ يغادرون الصّفحة؟ ما المسار الشّائع الّذي يسلكونه قبل إتمام عمليّة الشّراء أو قبل التّخلّي عن عربة التّسوّق؟

على سبيل المثال، تستخدم أدوات تحليل تجربة المستخدم المتقدّمة -مثل "فول ستوري" (FullStory)- الذّكاء الاصطناعي بشكلٍ تلقائيٍّ لتحديد نقاط الاحتكاك في تجربة المستخدم، إذ يحلّل النّظام تسجيلات جلسات التّصفّح، ويبرز تلقائيّاً المواضع الّتي واجه فيها المستخدمون صعوباتٍ، كزرٍّ لم ينقر عليه، أو صفحةٍ تمّ إغلاقها بسرعةٍ، ممّا يمكّن فريق التّسويق أو التّصميم من تحديد المشاكل وإصلاحها سريعاً، فيساعد على تحسين نسب التّحويل وتجربة المستخدم بشكلٍ عامٍّ. [10]

في الآونة الأخيرة، برزت تقنيات "الخرائط الحراريّة" (Heatmaps) المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وهي توقع مواضع تركيز الانتباه في الصّفحة، حتّى قبل إطلاق التّصميم فعليّاً. تساعد هذه التّحليلات التّنبّئيّة المسوّقين على اختبار فعاليّة تصميمات صفحات الهبوط والإعلانات مسبقاً، وتعديلها لتحقيق أقصى درجةٍ من الجاذبيّة والتّفاعل.

في جانبٍ آخر، يُوظّف الذكاء الاصطناعي في "تحليل المشاعر" (Sentiment Analysis) عبر منصّات التّواصل الاجتماعيّ واستبيانات العملاء، حيث تعالج خوارزميّات اللّغة الطّبيعيّة بمسح آلاف التّعليقات والتّغريدات والتّقييمات، لاستنباط شعور الجمهور نحو علامةٍ تجاريّةٍ أو حملةٍ معيّنةٍ، أهو إيجابيٌّ أم سلبيٌّ أم محايدٌ؟ وذلك، يحصل المسوّق على مؤشّرٍ لحظيٍّ عن رضا العملاء وسمعة العلامة على الإنترنت.

على سبيل المثال، يمكن لنظام ذكاء اصطناعي تحليل سيلٍ من التّغريدات حول إطلاق منتجٍ جديدٍ، واكتشاف أنّ مشاعر العملاء إيجابيّةٌ بمقدار 70%، مع تحديد أبرز النّقاط الّتي أثنى النّاس عليها، وأيضاً الشّكاوى المتكرّرةتمكّن هذه المعلومات القيّمة -وفي اللّحظة نفسها- فريق التّسويق من اتّخاذ إجراءاتٍ سريعةٍ لتعزيز الجوانب الجيّدة، ومعالجة نقاط الضّعف قبل أن تتفاقم.

إضافةً إلى ذلك، تتفوّق تقنيات التّحليل التّنبّئيّ، على الأسلوب التّقليديّ في توقّع سلوك العملاء المستقبليّ، إذ تعتمد الشّركات الحديثة على نماذج تعلّمٍ آليٍّ لتوقّع -وفقاً لأنماط الاستخدام الحاليّة- من هو العميل الّذي يملك احتماليّةً أعلى للارتداد (Churn)، ومن منهم يرجّح أن يقدم على عمليّة شراءٍ كبيرةٍ في المستقبل القريب.

على سبيل المثال، قد يتنبّأ النّظام بأنّ عميلاً لم يجرِ شراءً منذ ثلاثة أشهرٍ، ولديه تقييمٌ منخفضٌ للتّجربة، هو عرضةٌ للفقدان؛ فيوصي النّظام بإجراءٍ استباقيٍّ -كإرسال عرضٍ خاصٍّ أو تواصلٍ شخصيٍّ- للاحتفاظ بهعلى الجهة المقابلة، قد يتوقّع النّظام أنّ عملاء معيّنين يظهرون سلوكاً إيجابيّاً مستمرّاً، وأنّهم أكثر قابليّةً لشراء خدمةٍ مميّزةٍ، فيتمّ استهدافهم بحملةٍ خاصّةٍتعتمد هذه التّنبيهات الاستباقيّة على تحليلٍ ذكيٍّ وعميقٍ لبحرٍ من البيانات، لاستخراج دلائل خفيّةٍ، ممّا يساعد على اتّخاذ قراراتٍ تسويقيّةٍ مبنيّةٍ على العلم، لا على الحدس.

والجدير بالذّكر أنّ منصّات التّحليل الشّهيرة قد دخلت هذا المضمار أيضاً. على سبيل المثال، يدمج "غوغل أناليتكس 4" (Google Analytics 4) ميزات ذكاءٍ اصطناعيٍّ تولّد رؤى تلقائيّةً حول سلوك الزّوّار، وتنشئ شرائح توقّعيّةً للمستخدمين بناءً على احتماليّة إجرائهم تصرّفاً معيّناً، كالشّراء، أو عدم الرّجوع. وهذا ما يمكّن المسوّق، وحتّى دون مهاراتٍ برمجيّةٍ، من فهم جمهوره على مستوىً أعمق، وتصميم حملاتٍ أكثر فعّاليّةً وتوجيهاًبالفعل،صرّح 61% من المسوّقين بأنّهم قد أصبحوا يعتمدون على الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات؛ لأنّه ينجز المهمّة بسرعةٍ أكبر ودقّةٍ أعلى. [11]

في الخلاصة، فإنّ الذكاء الاصطناعي قد منح المسوّقين "عدسةً مكبّرةً" يقرؤون بها سلوك العملاء بوضوحٍ غير مسبوقٍ، ويحصلون على تحليلاتٍ قابلةٍ للتّنفيذ الفوريّ، ممّا يجعل قرارات التّسويق أكثر علميّةً ونجاحاً.

إدارة حملات التسويق عبر البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي

تلعب أنظمة الذكاء الاصطناعي دوراً متزايد الأهمّيّة في أتمتة حملات التّسويق الرّقميّة وتحسينها بشكلٍ مستمرٍّ، إذ تساعد ـمنصّات التّسويق الحديثة المسوّقين على تشغيل حملات البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي شكلٍ تلقائيٍّ ودون تدخّلٍ يدويٍّ متكرّرٍ، إلى حدٍّ كبيرٍ، مع مراقبة الأداء في اللّحظة نفسها، وإجراء التّعديلات الفوريّة لتحقيق أفضل النّتائج.

على سبيل المثال، تستطيع أدوات التّسويق بالبريد الإلكتروني المعزّزة بالذكاء الاصطناعي تحديد الوقت الأمثل لإرسال الرّسالة لكلّ مشتركٍ على حدةٍ، بالاعتماد على تحليل تفاعله السّابق، ممّا يرفع احتماليّة فتح البريد والتّفاعل معه. وليس هذا فحسب، بل تستطيع هذه الأدوات اقتراح عناوين جذّابةٍ للبريد، مصمّمةٍ آليّاً، لرفع نسبة الفتح. وقد بيّنت التّجارب أنّ استخدام الذكاء الاصطناعي في صياغة عناوين البريد قد أدّى إلى زيادةٍ في معدّل الفتح بمقدارٍ يصل إلى 10%.

كما أنّ استخدام الذكاء الاصطناعي في حملات البريد الإلكتروني قد حقّق نتائج مبهرةً للشّركات؛ فقد أظهر تقريرٌ حديثٌ أنّ التّسويق بالبريد المدعوم بالذكاء الاصطناعي أدّى إلى زيادة نسبة النّقر على الرّوابط بمقدارٍ 13%، وارتفاع الإيرادات بـ41مقارنةً بالأسلوب التّقليديّ.  [12]  

أمّا في منصّات التّواصل الاجتماعيّ، فقد أصبح الذّكاء الاصطناعي الشّريك الخفيّ الّذي يساعد على إدارة المحتوى والإعلانات بذكاءٍ وفعّاليّةٍ، حيث تقترح الخوارزميّات، كتلك المستخدمة في أدوات إدارة الوسائط مثل "هوتسوت" (Hootsuite)، "وبَفر" (Buffer)  أفضل الأوقات للنّشر على كلّ منصّةٍ، وفقاً لتفاعل الجمهور، بل وتقترح أحياناً موادّ رائجةً أو وسوماً (هاشتاغ) ملائمةً لزيادة الوصول.

يستطيع الذكاء الاصطناعي أيضاً تتبّع أداء كلّ منشورٍ، وتحليل تعليقات الجمهور، وإرسال رسائل فوريّةٍ لتنبيه المسوّق إلى فرص الرّدّ، أو مواضع الأزمات المحتملة قبل أن تتصاعدوفي جانب الإعلانات المدفوعة، نجد أنّ أنظمة الإعلانات الرّقميّة -كإعلانات غوغل وفيسبوكمدعومةٌ بأدوات ذكاءٍ اصطناعيٍّ قويّةٍ، تتكفّل تلقائيّاً بتجربة آلاف التّركيبات من الاستهداف والمحتوى الإعلانيّ، وتعديل ميزانيّة الإنفاق لحظةً بلحظةٍ لتحقيق أفضل تكلفةٍ لكلّ نتيجةٍ.

على سبيل المثال، تستخدم منصّةٌ مثل"سمارتلي دوت آي أو" (Smartly.io) خوارزميّات ذكاءٍ اصطناعيٍّ لإدارة إعلانات منصّات التّواصل وتوجيهها ذاتيّاً، بما يحقّق لكلّ حملةٍ أفضل أداءٍ ممكنٍ مع أقلّ تكلفةٍ ممكنةٍ، ودون الاحتياج إلى تدخّلٍ بشريٍّ مستمرٍّ في ضبط الاستهداف أو الميزانيّة. [13] 

ومن التّطبيقات العمليّة أيضاً، استخدام الدّردشة الآليّة الذّكيّة (Chatbots) في منصّات الرّسائل ووسائل التّواصل، لتفعيل التّسويق بالمحادثة، حيث تستطيع هذه الدّردشة الذّكيّة الرّدّ الفوريّ على استفسارات العملاء، وإرشادهم ضمن حملةٍ ترويجيّةٍ، بل وحتّى اقتراح منتجاتٍ بالاستناد إلى أسئلة العميل، وكلّ ذلك ضمن سياقٍ شخصيٍّ تلقائيٍّ.

وتشير التّوقّعات إلى أنّ 80% من الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة سوف تعتمد على روبوتات المحادثة بحلول عام2025، وهذا يعني أنّ غالبيّة الحملات الرّقميّة ستمزج بين المحتوى الّذي ينشئه البشر، والتّفاعل الّذي تديره الآلات الذّكيّة، لتحقيق خدمةٍ سريعةٍ وتواصلٍ مستمرٍّ على مدار السّاعة. [14]

حسناً، يقوم الذكاء الاصطناعي بدور "مدير حملةٍ رقميّةٍ" لا يكلّ ولا ينام؛ فهو يراقب أرقام التّفاعل المفتاحيّة باستمرارٍ، ويوازن بين عناصر الحملة المختلفة -من جمهورٍ مستهدفٍ، وتوقيتٍ، ومحتوى- لتحقيق الأهداف بـأفضل كفاءةٍ. والنّتيجة؟ حملاتٌ أكثر مرونةً، وأعلى قدرةً على التّكيّف الفوريّ مع تفاعلات الجمهور، دون إهدار الإنفاق على تجارب يدويّةٍ طويلةٍ، أو تفويت فرصٍ بسبب الاستجابة البطيئة. ففي عالم التّسويق الرّقميّ اليوم، من يحصل على المعلومة الأسرع ويتصرّف بها فوراً، هو: الفائز. وهنا، يظهر تفوّق الفرق الّتي تعتمد على ذكاء الآلة جنباً إلى جنبٍ مع إبداع الإنسان في إدارة حملاتها.

أبرز الأدوات والبرامج المستخدمة في التسويق بالذكاء الاصطناعي

تتوافر اليوم مجموعةٌ واسعةٌ من الأدوات والبرامج الّتي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في دعم المسوّقين وصنّاع المحتوى في مختلف المهامّ، من توليد المحتوى، وتحليل البيانات، وحتّى الأتمتة وإدارة الحملاتيساعد التّعرّف على هذه الأدوات -ومطوّريها- على اختيار الحلّ الأنسب لكلّ غرضٍ ومهمّةٍ، وفقاً لاحتياجات الشّركة وخططهاومن بين أهمّ الأدوات في كلّ مجالٍ:  [15]

المجال

الأدوات

الاستخدام الرّئيسيّ

توليد المحتوى النّصّيّ

 (ChatGPT)، (Jasper)، (Claude)، (Copy.ai)

تقديم نصوصٍ جاهزةٍ ومتّسقةٍ خلال ثوانٍ

الفيديوهات التّسويقيّة

"رنواي" (Runway)، "سينثيزيا" (Synthesia)

إنشاء فيديوهاتٍ تشريحيّةٍ أو ترويجيّةٍ بشخصيّاتٍ ذكيّةٍ

التّحليل والرّؤى

"كوالتريكس" (Qualtrics)، "فول ستوري" (FullStory)، "مِكسبانِل" (Mixpanel)

فهم سلوك العملاء وقياس رضاهم

الأتمتة وإدارة العملاء

"هاب سبوت" (HubSpot)، "سيلزفورس أينشتاين" (Salesforce Einstein)، "ماركيتو" (Marketo)

توجيه الرّسائل، تصنيف الجمهور، وتحفيز التّفاعل

الإعلانات والمنصّات

"سمارتلي" (Smartly.io)، "توصيات إعلانات غوغل" (Google Ads Recommendations)

الاستهداف التّنبّؤيّ وتوزيع الميزانيّة آليّاً

المحتوى المصوّر والتّصميم

 "كانفا" (Canva)، "أدوبي فايرفلاي" (Adobe Firefly)

إنشاء صور ورسوم تتطابق مع الهويّة البصريّة للعلامة التّجاريّة  

لا تسدّ هذه الأدوات فجوات الكفاءة فقط، بل تفتح باباً جديداً للإبداع، وتساعد الشّركات -كبيرها وصغيرها- في التّوسّع بدون تعقيدٍ، وبموارد أقلّ ونتائج أكبر.

  • الأسئلة الشائعة

  1. ما المقصود باستخدام الذكاء الاصطناعي في التسويق؟
    يُقصد باستخدام الذكاء الاصطناعي في التسويق توظيف الخوارزميّات والتّقنيات الذّكيّة في تحليل البيانات، وتوليد المحتوى، وتخصيص التّجربة الإعلانيّة والتّواصليّة لكلّ عميل، بهدف رفع كفاءة الحملات التّسويقيّة، وزيادة التّحويلات، وتقليل الهدر الزمنيّ والمادّيّ.
  2. كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في توليد المحتوى؟
    يُتيح ‎AI إنشاء نصوصٍ تسويقيّةٍ، أو مقاطع فيديو، أو منشوراتٍ لوسائل التّواصل الاجتماعيّ خلال دقائق، مع الحفاظ على نبرة العلامة التّجاريّة، وتحسين الجودة، وتقليل زمن الإنتاج. كما يُمكن تدريبه على أسلوب الشّركة ومجالها لتحسين الملاءمة الدّلاليّة.
  3. ما هي أفضل أدوات الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى تسويقي؟
    من أبرز الأدوات في عام 2025: ‎ChatGPT-4o و‎Claude 3 لكتابة نصوص طويلة، و‎Jasper و‎Copy.ai لحملات تسويقيّة متكاملة، و‎Synthesia و‎Runway لصناعة الفيديو التّسويقيّ، و‎Grammarly و‎Wordtune لتحسين الأسلوب والتّصحيح.
  4. كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلّل سلوك العملاء؟
    يعتمد الذكاء الاصطناعي على تحليل كمّيّاتٍ ضخمةٍ من بيانات التّصفّح والسّلوك والشّراء، ويتوقّع بناءً عليها ما إذا كان العميل مستعدّاً للشّراء أو على وشك الانسحاب (Churn). وبذلك يُمكن تخصيص عروض واستراتيجيّات تواصلٍ تناسب كلّ مستخدم لحظيّّاً.
  5. ما هي الأدوات الذكية التي تساعد في تحليل سلوك العملاء؟
    من أهمّ الأدوات: ‎GA4 لتحليل الجماهير التّنبّؤيّة، و‎Mixpanel و‎Amplitude لمسارات الاستخدام الفعليّ، و‎FullStory لمتابعة تجربة المستخدم بصريّاً، ‎Salesforce Einstein 1 لتسجيل نقاط الفرص واقتراح الإجراء التّالي، و‎Segment و‎Synerise لتوحيد البيانات وتحليلها.
  6. هل يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين أداء المحتوى في محركات البحث؟
    نعم، يساعد الذكاء الاصطناعي هلى تحسين السيو من خلال اقتراح كلماتٍ مفتاحيّةٍ طويلة الذّيل (Long‑Tail Keywords)، وتوليد أوصافٍ جذّابةٍ، وتحسين بنية الرّوابط الدّاخليّة، وكذلك إعداد ترميز Schema للمحتوى كي يظهر في المقتطفات المميّزة (Featured Snippets).
  7. هل استخدام ‎AI يغني عن دور الإنسان تماماً؟
    أبداً، الذّكاء الاصطناعيّ أداةٌ داعمةٌ، لا بديلاً عن الإبداع البشريّ. وظيفته تسريع العمليّات وتقديم رؤىً جديدةً، لكن لمسة الإنسان ضروريّّةً لضمان الجودة، والأصالة، والتّوجيه الأخلاقيّ للمحتوى.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: