الرئيسية تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والشعر: إبداع أم استنساخ؟

الذكاء الاصطناعي والشعر: إبداع أم استنساخ؟

بين الإلهام الإنسانيّ والخوارزميّات الذّكيّة، هل يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يكتب شعراً عربيّاً أصيلاً أم أنّه مجرّد محاكاةٍ خاليةٍ من الرّوح؟

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

في عصرٍ تتسارع فيه وتيرة الابتكار، ويصبح فيه الذكاء الاصطناعي جزءاً لا يتجزّأ من حياتنا اليوميّة، لم يكن الأدب العربيّ بمنأى عن موجة التّحوّلات الرّقميّة. وفيما كنّا نعتقد أنّ الشّعر -بما هو عليه من سموّ التّعبير الإنسانيّ- حصنٌ منيعٌ على الاختراق الآليّ، جاءت تقنيّات الذكاء الاصطناعي لتعيد تشكيل المشهد الشّعريّ، وتطرح سؤالاً وجوديّاً: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يبدع شعراً عربيّاً حقيقيّاً؟ أم أنّه مجرّد ناسخٍ لغويٍّ ماهرٍ؟ وهل نحن بصدد ولادة شاعرٍ رقميٍّ جديدٍ، أم أمام آلةٍ تجيد المحاكاة فقط؟

الشعر والذكاء الاصطناعي: تقاطع الإبداع والبرمجة

لقد ارتبط الشّعر العربيّ، منذ أزمنةٍ بعيدةٍ، بالعاطفة المتأجّجة، والذّوق الرّفيع، والعبقريّة اللّغويّة، فكيف لآلةٍ أن تدخل هٰذا المضمار؟ يعتمد الذكاء الاصطناعيّ في إنتاجه للنّصوص الشّعريّة على تحليل كمٍّ هائلٍ من القصائد والنّماذج اللّغويّة، وذٰلك عبر خوارزميّاتٍ متطوّرةٍ تندرج ضمن ما يعرف بـ"تعلّم الآلة"، حيث تعيد تركيب الأنساق اللّغويّة بشكلٍ يحاكي الأساليب التّقليديّة والحديثة على حدٍّ سواءٍ.

وتكمن قوّة هٰذه النّماذج في قدرتها على التّعرّف على الأوزان الشّعريّة، والقوافي، وصور البلاغة، وحتّى في ابتكار تعابير جديدةٍ تشبه في صياغتها قصائد الشّعراء البشر من حيث البنية والمفرداتولٰكن كثيراً من النّقّاد يرون أنّ ما ينتجه الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى "الرّوح"، ذٰلك الإحساس الإنسانيّ العميق الّذي يجعل الشّاعر يلتقط لحظة ألمٍ أو فرحٍ، ويجسّدها في كلماتٍ تنبض بالحياة؛ فهل يجوز لنا وصف هٰذه النّصوص بأنّها شعرٌ؟ أم أنّها مجرّد محاكاةٍ شكليّةٍ لجسدٍ يفتقد الرّوح؟ [1]

هل يستطيع الذكاء الاصطناعي كتابة الشعر العمودي؟

يعدّ الشّعر العموديّ أحد أصعب أنواع الأدب العربيّ، لما يتطلّبه من التزامٍ دقيقٍ بالبحور العروضيّة الّتي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيديّ، وما يفترضه ذٰلك من حسٍّ موسيقيٍّ داخليٍّ يتعذّر على كثيرٍ من الشّعراء أنفسهم أن يتملّكوه بسهولةٍ.

وعلى الرّغم من المحاولات العديدة لبرمجة خوارزميّاتٍ قادرةٍ على ضبط الوزن والقافية، إلّا أنّ الذكاء الاصطناعي لا يزال يخفق في كثيرٍ من الأحيان في ملامسة جوهر الشّعر العربيّ العموديّ؛ فهو إمّا أن يخلّ بالنّسق العروضيّ، وإمّا أن يقدّم نصوصاً تبدو مصطنعةً في موسيقاها الدّاخليّة، تفتقد للتّوازن والجمال الإيقاعيّ الّذي يميّز هٰذا النّمط من الشّعر.

وقد ذكرت بعض الدّراسات أنّ "الذكاء الاصطناعي غير قادرٍ على النّجاح في الشّعر العموديّ، لأنّه لا يمتلك قلباً"، في إشارةٍ ناقدةٍ إلى غياب الحسّ الشّعوريّ الذّاتيّ الّذي يسكن كلّ بيت شعرٍ حقيقيٍّ؛ فحتّى لو استطاعت الآلة أن تحكم البنية العروضيّة وتجيد التّركيب اللّغويّ، فإنّها تبقى بعيدةً كلّ البعد عن التّجربة الوجوديّة الّتي يفجّرها الشّاعر الإنسان من أعماقه.

بين الإبداع والاستنساخ: هل نواجه أزمة أصالةٍ؟

في هٰذا السّياق، يطرح سؤالٌ دقيقٌ يجمع بين البعدين: الأخلاقيّ والفنّيّ. هل يجوز لنا أن نعتبر ما ينتجه الذكاء الاصطناعي إبداعاً حقيقيّاً؟ أم أنّه لا يزيد عن كونه استنساخاً ذكيّاً لما سبقه من تراكمٍ شعريٍّ ومعرفيٍّ؟

فالإبداع، في جوهره، هو فعل تجاوزٍ للمألوف، واختراقٌ لحدود المتوقّع، وليس تكراراً أو إعادة إنتاجٍ لما هو قائمٌ. وفيما يتّسم الذكاء الاصطناعي بالقدرة المبهرة على المحاكاة، إلّا أنّه في الغالب يعتمد على نصوصٍ مسبقةٍ قد تمّ تغذيته بها، وهٰذا ما يجعل بعض الباحثين يرون أنّه يقدّم نماذج أقرب إلى "الكولاج اللّغويّ" منها إلى الشّعر الأصيل؛ لأنّها تجمّع ما هو قائمٌ بلا إضافةٍ جوهريّةٍ.

ومع ذٰلك، فإنّ فريقاً آخر من النّقّاد والكتّاب يؤمن بأنّ معيار الإبداع الرّقميّ لا يكمن في المصدر فقط، بل في نوعيّة التّجربة الّتي يقدّمها النّصّ الجديد، وفي طريقة تلقّيه وتفسيره؛ فقد ينتج الذكاء الاصطناعي قصائد مفاجئةً تتضمّن صوراً مبتكرةً، وتخالف المألوف دون أن تقصد ذٰلك، وهٰذا ما يفتح باباً جديداً للتّأويل والقراءة الحرّة في فنّ الشّعر. [2]

الأدب العربي والذكاء الاصطناعي: هل يتنافسان أم يتكاملان؟

يرى بعض الكتّاب والمفكّرين أنّ الذكاء الاصطناعي لا يمثّل تهديداً حقيقيّاً للأدب العربيّ، بل يمكن أن يشكّل أداةً داعمةً تساعد الشّعراء والكتّاب على التّجربة والتّحرير وإعادة الصّياغة بشكلٍ أكثر فعاليّةً. فهو، في كثيرٍ من الحالات، قادرٌ على اقتراح مفرداتٍ بديلةٍ، أو إعادة بناء بيتٍ شعريٍّ بصورةٍ أدقّ وأكثر انسجاماً مع سياق النّصّ، خاصّةً في المراحل التّحريريّة الأخيرة.

وفي هٰذا السّياق، أشار بعض الباحثين إلى أنّ "الذكاء الاصطناعي في الأدب هو دعمٌ للمشروع، لا خصمٌ له، إذا ما أحسنّا استخدامه"، في تأكيدٍ على أنّ الآلة لا تزاحم المبدع، بل تساهم في تسهيل مهمّته، وتسرّع من وتيرة إنتاجه، دون أن تمسّ جوهر أصالتهوبذٰلك، يمكن النّظر إلى الذكاء الاصطناعي كشريكٍ في المسيرة الأدبيّة، لا كمنافسٍ، بشرط أن يظلّ الكتاب والشّعر مجالاً للتّجربة الإنسانيّة والوعي الذّاتيّ.

مستقبل الشعر في عصر الآلة: إلى أين نتجه؟

لا يمكن إنكار أنّ الذكاء الاصطناعي قد لا يستطيع أن يحلّ محلّ الشّاعر بكلّيّته، ولٰكنّه قادرٌ -ولعلّه يفعل- على تغيير طبيعة الشّعر نفسه؛ فكما غيّرت الطّباعة في القرون الماضية شكل القصيدة، وكما أعادت التكنولوجيا تعريف طرائق نشرها وتوسيع نطاق جمهورها، فإنّ الذكاء الاصطناعي سيؤثّر -ولا ريب- في آليّات الإبداع وأسلوب تكوّن النّصّ الشّعريّ.

ويبقى السّؤال المفتوح: كيف يمكننا أن نحافظ على جوهر الشّعر العربيّ، وفي الوقت نفسه نستفيد من إمكانات التّقنية المعاصرة، دون أن نفرّط في هويّتنا الأدبيّة؟ لعلّ الجواب يكمن في الجمع بين الإنسان والآلة، لا في المفاضلة بينهما، وفي تكريس دور الذكاء الاصطناعي كأداةٍ للإثراء، لا كبديلٍ للتّجربة الإنسانيّة الفريدة.

الخلاصة

ليس من العدل أن ندين الذكاء الاصطناعي لأنّه لا يمتلك قلباً، فهو  في الأساس أداةٌ، ونحن الّذين نملك منحه المقصد والمعنى. قد لا يصبح الذكاء الاصطناعي يوماً شاعراً بمعنى الكلمة، ولٰكنّه، وبالتّأكيد، سيكون رفيقاً جديداً في رحلة الشّعر العربيّ نحو المستقبل. فالأدب العربيّ المعاصر يقف اليوم على مفترق طرقٍ: إمّا أن يغلق على نفسه الباب باسم "الأصالة"، وإمّا أن ينفتح على فرص الإبداع الرّقميّ برؤيةٍ نقديّةٍ واعيةٍ. وربّما ليس التّحدّي الحقيقيّ فيما تكتبه الآلة، بل فيما نختار نحن أن نقرأه منها.

  • الأسئلة الشائعة

  1. هل يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تعليم الشعر العربي؟
    نعم، يمكن استخدامه كأداةٍ تعليميّةٍ لتوضيح الأوزان والتّراكيب وتحليل النّماذج الشّعريّة.
  2. هل هناك منصات عربية تسمح للذكاء الاصطناعي بإنشاء شعر؟
    نعم، ظهرت بعض التّطبيقات والمواقع التي تولّد قصائد عربيّةً باستخدام نماذج لغويّةٍ مدرّبةٍ.
  3. هل سيتسبب الذكاء الاصطناعي في اختفاء الشعراء مستقبلاً؟
    لا، لكنه قد يغير من دورهم ليكونوا موجهين ومحررين بدلاً من كتّاب تقليديّين فقط.
تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: