الثورتان المزدوجتان: الإعلان في زمن الذكاء الاصطناعي
حين يتحوّل الإعلان إلى حوارٍ بين الإنسان والآلة، يصبح التّفوّق للعلامات التّجاريّة القادرة على إتقان كلّ من استهداف البشر وصنع القرار الآلي بدقّةٍ وإبداعٍ

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة هنا.
في هذه اللّحظة، يعمل وكيل الذّكاء الاصطناعيّ على اقتراح منتجٍ لشخصٍ قد لا يرى إعلاناً تقليديّاً له أبداً. يوميّاً، تتشكّل ملايينٌ من قرارات الشّراء بصمتٍ عبر مساعدين آليّين يحلّلون البيانات ويُجرون العمليّات في الخلفيّة، بعيداً عن أعين البشر.
ومع ذلك، يظلّ معظم المسوّقين منشغلين بكيفيّة إعادة تشكيل الذّكاء الاصطناعيّ للحملات الموجّهة للبشر وطرق إيصالها. ولكن هذا ليس سوى نصف المعركة. فالعلامات التّجاريّة الّتي ستنتصر هي تلك القادرة على إتقان ثورتين في آنٍ واحدٍ: الثّورة الّتي تديرها الآلة، والثّورة الّتي ترتكز على تفاعل الإنسان، لتصبح قادرةً على التّنقّل بين الاثنين بحرفيّةٍ لا تضاهى.
ثورتان، جمهوران مختلفان
تركّز الثّورة المتمحورة حول الإنسان على استخدام الذّكاء الاصطناعيّ لتحسين نموذج الإعلان الحاليّ بكلّ تفاصيله. تُسرّع العمليّات وتقلّل التّكاليف، وتحسّن دقّة الاستهداف، وتُدير عمليّات الشّراء والقياس بشكلٍ أفضل، مع تحسينٍ مستمرٍّ في كلّ مرحلةٍ. وتمتدّ هذه الثّورة من التلفاز التّقليديّ إلى الحملات الرّقميّة البرمجيّة، متحدّةً بهدفٍ واضحٍ واحدٍ: جذب انتباه البشر وإقناعهم.
أمّا الثّورة المتمحورة حول الآلة، فتصمّم خصيصاً لأنظمة الذّكاء الاصطناعي نفسها، الّتي تقيّم الخيارات وتتّخذ قراراتٍ متزايدةً نيابةً عن المستهلكين والشّركات. هنا، الجمهور ليس إنساناً، بل خوارزميّةٌ تعمل بالنّيابة عنه، مهيمنةً على مسار اتّخاذ القرار.
تعتمد الثّورتان على وكلاء الذّكاء الاصطناعيّ، لكن يكمن الفارق الجوهريّ في طبيعة الجمهور المستهدف. الأولى توظّف الوكلاء لتحسين الإعلان للبشر، بينما الثّانية تؤثّر مباشرةً في أداء الوكلاء. وهاتان الثّورتان لا تتتابعان زمنيّاً، بل تتكشّفان معاً، وستكون العلامات التّجارية الرّابحة تلك القادرة على التّفوّق في كلا المسارين في آنٍ واحدٍ.
الجزء الأول
الثّورة الأولى: إتقان الإعلان الموجَّه للبشر
لإتقان الإعلان الموجَّه للبشر، لا بدّ من التّركيز على:
إعادة ابتكار دورة حياة الحملات الإعلانيّة
يعيد الذّكاء الاصطناعيّ رسم معالم دورة حياة الإعلان بالكامل، من التّخطيط وصولاً إلى التّوصيل والقياس والتّحسين المستمرّ. فبينما انشغل التّعلّم الآليّ طوال أعوامٍ في صقل الاستهداف والمزايدة بصمتٍ، جاء الذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ ليُفجّر ثورةً إبداعيّةً غير مسبوقةٍ.
يمكن توليد الأصول الإبداعيّة -الّتي كانت تستنزف أسابيع من عمل فرق التّصميم- في دقائق، وبمستوىً من الدّقّة والابتكار يكاد يضاهي الإبداع البشريّ نفسه. فقد وظّفت شركة "يونيليفر" (Unilever) -واحدةٌ من أكبر عمالقة السّلع الاستهلاكيّة عالميّاً- الذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ لإنشاء مئات النّسخ الإعلانيّة لماركاتها التّجميليّة، ممّا قلّص زمن الإنتاج بشكلٍ مذهلٍ. تشير هذه التّجربة إلى عالمٍ تتحكّم فيه الخوارزميّات، حيث تولّد النّسخ الإبداعيّة الشّخصيّة وتُختبر لحظيّاً، لتعيد تعريف مفهوم الإعلان الفعّال في عصر الذّكاء الاصطناعيّ، وتضع معايير جديدةً للسّرعة والابتكار والتّخصيص الشّخصيّ.
كما يُعيد الذّكاء الاصطناعيّ تعريف طرق اكتشاف الجمهور بالكامل؛ فقد فرضت انهيارات ملفّات تعريف الارتباط الخارجيّة والإصلاحات الشّاملة للخصوصيّة الّتي اعتمدتها شركة "آبل" (Apple) إعادة ضبطٍ جوهريّةً لطريقة فهم المسوّقين لجمهورهم؛ فلم يعد التّحدّي يقتصر على تتبّع المستخدمين عبر الشّبكة، بل أصبح بإمكان أنظمة الذّكاء الاصطناعيّ تحليل البيانات الأوّليّة، وقراءة الإشارات السّياقيّة، وفهم أنماط السّلوك، بهدف التّنبّؤ بالنّية وتحفيزها بدلاً من مجرّد تتبّعها. ونتيجة هذا التّحوّل هو تخصيصٌ فائقٌ على نطاقٍ واسعٍ، يجعل الإعلان أكثر دقّةً وملاءمةً لكلّ فردٍ، ويحوّل طريقة اكتشاف الجمهور من نشاطٍ تقليديٍّ إلى عمليّةٍ ذكيّةٍ مدفوعة بالتّحليل العميق للبيانات.
وربّما بشكلٍ أكثر تأثيراً، يواجه الذّكاء الاصطناعيّ أقدم تحدّيات الإعلان: كيف يمكن قياس النّتائج بدقّةٍ. فالنّماذج الاحتماليّة اليوم باتت قادرةً على تقدير الزّيادة الفعليّة في الأداء والعائد على الاستثمار (RoI) بمصداقيّةٍ أكبر، لتوجّه الميزانيّات نحو ما يحقّق نتائج حقيقيّةً، وتوقّف ما لا يثمر. تعمل هذه الأنظمة بلا توقّفٍ، فتتطوّر الحملات بشكلٍ مستمرٍّ ومتدرّجٍ بدلاً من إعادة إطلاقها على دفعاتٍ متقطّعةٍ، ممّا يحوّل إدارة الإعلان إلى عمليّةٍ ديناميكيّةٍ متواصلةٍ، تتكيّف مع سلوك الجمهور وتستجيب لتقلّبات السّوق بسرعةٍ فائقةٍ، مؤسِّسةً بذلك معياراً جديداً لدقّة وفعاليّة الحملات الإعلانيّة.
الإنسان في قلب العملية (حتّى الآن)
يثير هذا التّساؤل الأساس: ما المكانة الّتي سيحتفظ بها البشر مع اتّساع قدرات الذّكاء الاصطناعيّ؟ في الوقت الرّاهن، يسود تعاونٌ وثيقٌ بين الإنسان والآلة في دورة الإعلان كاملةً، حيث تتولّى الأنظمة الإبداع، والاستهداف، والشّراء، والقياس، والتّحسين المستمرّ، بينما يقدّم البشر الاستراتيجيّة والرّؤية الإبداعيّة والحكم النّهائيّ في اتّخاذ القرارات. ومع ذلك، يتضّح مسار التّطور: ستنتقل الأتمتة من مهامٍّ فرديّةٍ محدّدةٍ إلى إدارة سير العمل بالكامل، وصولاً إلى التّنسيق الشّامل من البداية للنّهاية، فتتطوّر العمليّة الإعلانيّة إلى نظامٍ متكاملٍ يُدار بذكاءٍ اصطناعيٍّ، مع بقاء دور الإنسان في التّوجيه والإبداع الاستراتيجيّ على مستوىً رفيعٍ.
تجسّد منصتا "غوغل بيرفورمانس ماكس" (Google Performance Max) و"ميتا أدفانتج +" (Meta Advantage+) اليوم ملامح هذه الرّؤية المستقبليّة للإعلان الآليّ. كما أوضح مارك زوكربيرغ خلال مؤتمر أرباح "ميتا" (Meta) للرّبع الأوّل، فإنّ الهدف هو تمكين أيّ شركةٍ من تحديد أهدافها بدقّةٍ، وتحديد المبالغ الّتي ترغب في استثمارها مقابل كلّ نتيجةٍ، لتتولّى الأنظمة الذّكيّة الباقي بكلّ كفاءةٍ. بهذه الطّريقة، يتحوّل الإعلان من عمليّةٍ تقليديّةٍ معقّدةٍ إلى نظامٍ آليٍّ متكاملٍ، يدمج بين تحديد الأهداف البشريّة وذكاء الآلة في التّنفيذ والتّوصيل والقياس، ليصبح الإعلان أكثر دقّةً وفعاليّةً وملاءمةً لاحتياجات الشّركات والجمهور في آنٍ واحدٍ
سيصل هذا المستقبل -حيث يُعامل الإنفاق الإعلانيّ باعتباره تكلفةً مباشرةً للبضائع المباعة- أوّلاً إلى الشّركات الصّغيرة والمتوسّطة، وإلى المعلنين في مجالات التّطبيقات والتّجارة الإلكترونيّة الّذين تتّسم أهداف أدائهم بالوضوح والبساطة. أمّا المعلنون الكبار في قطّاعاتٍ مثل السّلع الاستهلاكيّة سريعة التّداول (FMCG)، فسيظلّ البشر جزءاً من العمليّة لفترةٍ أطول، لضمان التّحكّم الدّقيق في الأداء وإدارة التّعقيدات المتعددة. ومع ذلك، يبدو المسار واضحاً: يضع البشر المعايير ويُراجعون النّتائج، بينما يضطلع وكلاء الذّكاء الاصطناعيّ بالباقي بفعاليّةٍ ودقّةٍ متواصلةٍ.
سيكون هذا التّحوّل في الوقت نفسه مروّعاً ومحرّراً؛ إذ يلغي الكثير من الأدوار التّقليديّة، لكنّه يجعل الإعلان المتقدّم متاحاً لأيّ عملٍ تجاريٍّ، مهما صغر حجمه أو قلّت موارده. وبينما نواصل استكشاف أثر الذّكاء الاصطناعيّ على الإعلان الموجَّه للبشر، تظهر ثورةٌ ثانيّةٌ في الأفق: ثورةٌ تتطلّب أن نعلِن للذّكاء الاصطناعيّ نفسه، ممّا يفتح آفاقاً جديدةً في كيفيّة صياغة الرّسائل والتّأثير على الجمهور الرّقميّ الأكثر ذكاءً.
الجزء الثّاني
الثّورة الثّانية: ظهور جمهور الآلة
للتّعامل مع ظهور جمهور الآلة:
من الرّوابط والنّقرات إلى التّوثيق والإدراج
بينما يتركّز الضّجيج على الثّورة الأولى وأثرها المباشر على الأفراد الّذين يبدعون وينفّذون الحملات الإعلانيّة، تنبعث الثّورة الثّانية بهدوءٍ من قلب التّحوّلات الجوهريّة في طريقة اكتشاف المعلومات ومعالجتها.
على مدى أكثر من عقدين، شكّل البحث وتحسين محركات البحث (SEO) العمود الفقريّ للظّهور الرّقميّ. ولكن هذه الحقبة بدأت تتلاشى، وما يحلّ محلّها يقدّم لنا أوّل لمحةٍ واضحةٍ عن مستقبلٍ متمحورٍ حول الآلة. فبدلاً من قائمة الرّوابط الزّرقاء التّقليديّة، أصبحت محرّكات الإجابة المدعومة بالذّكاء الاصطناعيّ، مثل "وضع الذّكاء الاصطناعي من غوغل" (Google’s AI Mode) وتشات "جي بي تي" (ChatGPT) و"بربلكسيتي" (Perplexity)، تُقدّم إجاباتٍ مركّبةً مباشرةً، تجمع المعلومات وتقدّمها بفهمٍ أعمق ودقّةٍ أكبر، لتغيّر جذريّاً طريقة وصولنا إلى المعرفة عبر الشّبكة.
وهنا يظهر مفهوم "تحسين محركات الذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ" (Generative Engine Optimization – GEO)، كمرحلةٍ جديدةٍ تتجاوز حدود تحسين محرّكات البحث التّقليديّ (SEO). ففي حين كان (SEO) يسعى للظّهور في مرتبةٍ متقدّمةٍ ضمن قائمة النّتائج، يهدف (GEO) إلى أن يتمّ إدراج المحتوى والاستشهاد به ضمن الإجابات الّتي يولّدها الذّكاء الاصطناعيّ، بغضّ النّظر عن عدد النّقرات. قواعد اللّعبة هنا مختلفةٌ تماماً؛ فبينما يركّز (SEO) الحديث على البيانات المنظّمة واللّغة الطّبيعيّة لتحسين الاكتشاف البشريّ وجذب النّقرات، يضع (GEO) نصب عينيه خوارزميّات الذّكاء الاصطناعيّ نفسها، لضمان ظهور المحتوى ومصداقيّته ضمن الإجابات التّوليديّة، حتّى في غياب أيّ تفاعلٍ بشريٍّ مباشرٍ.
لنتخيّل مثالاً واضحاً. عندما يُطرح سؤال مثل: «ما أفضل نظام إدارة علاقات العملاء (CRM) للشّركات الصّغيرة؟»، لا يكتفي الذّكاء الاصطناعيّ بالرّجوع إلى ترتيب المواقع في غوغل، بل يُعيد تركيب المعلومات من بياناته التّدريبيّة ومن مصادر الويب الحيّة، ليقدّم إجابةً متكاملةً ومتّسقةً. بدأت الشّركات الرّائدة في إعادة صياغة استراتيجيّات محتواها لتضمن ظهور منتجاتها ضمن هذه التّوصيات التّوليديّة، مع التّركيز على تقديم بياناتٍ منظّمةٍ قابلةٍ للمعالجة الآليّة، وحقائق يمكن التّحقّق منها، ومصادر موثوقةٍ، إضافةً إلى إشاراتٍ للسّلطة والتّجدّد، مع إعطاء الأوّلويّة لقابليّة الاقتباس والاستشهاد على مجرّد جذب النّقرات. فالغاية لم تعد أن يُكتشف المحتوى فحسب، بل أن يصبح محتوىً يُقتبس ويُعتمد عليه ضمن الإجابات الّتي يولّدها الذّكاء الاصطناعيّ، محوّلاً بذلك طرق التّواصل والمصداقيّة في العالم الرّقميّ إلى بعدٍ جديدٍ بالكامل.
هذا هو التّسويق المتمحور حول الآلة في بداياته، ولكنّه يشكّل أيضاً الرّكيزة الّتي سيبنى عليها المستقبل؛ فالممارسات الّتي تمنح النّجاح اليوم ضمن تحسين محرّكاتالذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ (GEO) ستزداد ثقلاً وأهميّةً غداً، حين يصبح وكلاء الذّكاء الاصطناعيّ -وليس البشر- هم من يحدّدون مسار القرارات، لتتغيّر بذلك معايير الوصول والتّأثير والنّجاح في المشهد الإعلاني الرّقميّ، وتُرسّخ قواعد جديدةٌ بالكامل لكيفيّة صياغة المحتوى واستهداف الجمهور في عالمٍ يقوده الذّكاء الاصطناعيّ.
حين تتحوّل الآلات إلى مشترين
يبدو أنّ مسار هذا التّطوّر يقودنا نحو نتيجةٍ حتميّةٍ لا محالة: لن يقتصر دور وكلاء الذّكاء الاصطناعيّ على مساعدة المستخدمين في البحث وتقييم الخيارات فحسب، بل سيتحوّلون إلى صانعي القرار الفعليّين في عمليّات الشّراء نفسها. تخيّل مساعداً يمتلك معرفةً دقيقةً باحتياجات أسرتك، وميزانيّتك، وتفضيلاتك الفرديّة؛ فيتفاوض مع وكلاء البائعين، ويوازن بين آلاف البدائل عبر مختلف المورّدين، ويتحقّق من مواعيد التّوصيل، ويشتري ما تحتاجه بكفاءةٍ ودقّةٍ، ليصبح امتداداً ذكيّاً لإرادتك وقرارك الشّرائيّ، ويحوّل تجربة الاستهلاك إلى عمليّةٍ سلسةٍ ذكيّةٍ قائمةٍ على البيانات والتّحليل الآليّ.
في هذا العالم الجديد، يتحوّل التّسويق إلى حوارٍ قائمٍ بين الأنظمة نفسها، بعيداً عن صياغة القصص العاطفيّة لجذب البشر. والهدف هنا هو التّأثير في صنع القرار الخوارزميّ، وقد يشمل ذلك ظهور نماذج اقتصاديّةٍ مبتكرةٍ، مثل تقديم حوافز مقابل الاقتباس والاستشهاد بالمحتوى، أو دفع عمولاتٍ مقابل كلّ عمليّة شراء، على نحوٍ يشبه ما يعرف بالتّسويق بالعمولة.
يتخيّل "أرافيند سرينيفاس" (Aravind Srinivas)، مؤسّس منصة "بربلكسيتي"، أسواقاً تتغيّر فيها قواعد اللّعبة تماماً: " لا يرى المستخدم أيّ إعلانٍ… والتّجّار لا يتنافسون على انتباهه، بل يتنافسون على انتباه الوكيل الذّكيّ". بهذا التّحوّل، يصبح التّركيز على الخوارزميّات وصنع القرار الآليّ محور المنافسة، مع إعادة تعريف العلاقة بين المستهلكين، والتّجّار، والذّكاء الاصطناعيّ على حدٍّ سواء.
هل سنشهد عالماً يُهيمن فيه التّسويق من آلةٍ إلى آلةٍ بالكامل؟ الجواب لا. فالحواجز الجوهريّة لا تزال قائمةً. فثغرات "حقن الأوامر النّصيّة" (prompt-injection) تمنح الجهات الخبيثة القدرة على التّلاعب بالوكلاء، في حين تقاوم عمالقة المنصّات -مثل "أمازون" (Amazon)- إمكانيّة الوصول إلى أنظمتهم، محافظين على مصالحهم من خلال بناء وكلائهم داخل بيئاتٍ مغلقةٍ. ويبرز أيضاً مأزق الثّقة: إذا تلقّى الوكلاء تعويضاً مقابل توصياتهم، فكيف يمكن للمستخدمين التّأكّد من موضوعيّتهم؟ ومع ذلك، ومع ضخ المليارات في تطوير هذه الوكلاء، تبدو هذه العقبات قابلةً للتّجاوز.
والحقيقة الأعمق تكمن في أنّ البشر لن يفوّضوا جميع القرارات للآلة، حتّى لو أصبح ذلك ممكناً، إذ يظلّ الحكم البشريّ حاضراً لضبط التّوازن، وضمان عنصر الثّقة والوعي الأخلاقيّ، في عالمٍ تتنامى فيه سيطرة الذّكاء الاصطناعيّ على كلّ تفاصيل العمليّات التّسويقيّة واتّخاذ القرار.
المستقبل ذو المسارات الثّلاثة
تكشف بيانات منصّة التّسويق متعدّد القنوات "أومني سيند" (Omnisend) أنّ 66% من المستهلكين في الولايات المتّحدة لن يسمحوا لأدوات الذّكاء الاصطناعيّ باتّخاذ قرارات الشّراء نيابةً عنهم. وهذا يبرز حقيقة جوهريّة: ترتبط هويّتنا ارتباطاً وثيقاً بخياراتنا الاستهلاكيّة. ومن المرجّح أن يفوّض البشر الوكلاء باتّخاذ القرارات الرّوتينيّة اليوميّة، بينما يظلّون حاضرِين في الخيارات ذات البعد العاطفيّ، مثل الملابس، السّيارات، أو التّجارب الّتي تمنح حياتهم قيمةً ومعنىً.
تفرض هذه الحقيقة تفريعاً ثلاثيّاً في استراتيجيّات الإعلان، يتطلّب من المسوّقين صياغة مقارباتٍ متباينةً لكلّ نوعٍ من القرارات: مقاربات آليّة بالكامل للرّوتين، وتدخلّ محدود للبنود العاطفيّة، وتفاعل مباشر حين تكون العاطفة والهويّة في صميم الاختيار. بهذا تصبح الاستراتيجيّة الإعلانيّة أكثر دقّةً وعمقاً، متوافقةً مع الطّبيعة المعقّدة لسلوك المستهلك في عصرٍ يتسارع فيه انتشار الذّكاء الاصطناعيّ.
الإعلان الموجّه للبشر
يستمر هذا النّوع من الإعلان في صقل العلامة التّجاريّة عبر البعد العاطفيّ وسرد القصص، بحيث لا يكتفي المستهلك بالبحث عن «أحذية الجري» فحسب، بل يتوجّه مباشرةً إلى «أحذية الجري من " نايكي" (Nike)» كما يتحتّم على العلامات التّجاريّة التّأثير في إدراك المستهلكين لقيمة فئتهم، وضمان بقائها في صدارة الوعي عند تخصيصهم لوكلائهم الذّكيّين. ويظلّ هذا الإعلان حاضراً في القنوات التّقليديّة مثل التّلفاز ووسائل التّواصل الاجتماعيّ، محافظاً على قدرته على تحريك المشاعر، وترسيخ العلامة التّجاريّة في وجدان الجمهور، ليبقى الاتّصال البشريّ العاطفيّ محور التّأثير حتّى في عصرٍ تتسارع فيه أتمتة القرارات.
الإعلان الموجّه للآلة
يندرج هذا النّمط الجديد من الإعلان ضمن المجالات التّقنية الدّقيقة، مع تركيزٍ كاملٍ على البيانات والمعلومات المنظّمة والمصمّمة لتغذية الخوارزميّات. ويشمل ذلك ملفّات المنتجات، والرّسوم البيانيّة المعرفيّة، وعلامات البيانات المنظمة، والتّكاملات البرمجيّة، وبيانات المقارنة، إلى جانب هياكل العمولات الّتي ذُكرت سابقاً. كما ستّتجه العلامات التّجاريّة لدفع مقابل أن تمنح الخوارزميّات تفضيلاً لمنتجاتها، تماماً كما تدفع مقابل المساحة على أرفف المتاجر، ما يخلق توتّراتٍ مزدوجةً بين بناء الثّقة لدى المستخدم وتجربة التّفاعل، مؤكّداً أنّ الإعلان في هذا العصر لم يعد مجرّد محتوىً مرئيٍّ، بل أصبح شبكةً معقّدةً من البيانات والعلاقات الخوارزميّة الّتي تحدّد من يصل ومن يُستثنى.
التّفاعل بين الإنسان والآلة
يركّز هذا النّوع من الإعلان على تحسين انسجام العلاقة بين البشر ووكلاء الذّكاء الاصطناعيّ، ليصبح اتّخاذ القرار أكثر دقّةً وملاءمةً لحاجات المستهلكين. على سبيل المثال، كنتُ أبحث مؤخّراً عن مقعد سيّارةٍ جديدٍ لابنتي. بعد أن شاهدت إعلاناً لمقعد الأطفال الجديد من "سايبكس" (Cybex) المزوّد بوسادةٍ هوائيّةٍ مدمجةٍ، طلبت من وكيل الذّكاء الاصطناعيّ (AI agent) أن يبحث عن المقعد ويقيّم أفضل البدائل. وبمعرفته بموقعي، ونوع سيارتي، وميزانيّتي، أجاب: "قد يكون "سايبكس أنوريس" (Cybex Anoris) خياراً مثاليّاً لك، وهذه ثلاثة بدائل أخرى قد تلائم احتياجاتك أيضاً…".
فالعلامات التّجاريّة الّتي تتفوّق في هذا المجال هي التي تبرع في الجمع بين القيمة العاطفيّة والتكّامل التّقنيّ؛ فهي تُثير رغبتي في اقتناء مقعد "سايبكس" بفضل تقنياته المبتكرة، وفي الوقت نفسه تضمن أن منتجاتها تظهر ضمن مقارنات وكلاء الذّكاء الاصطناعيّ مدعومةً ببياناتٍ دقيقةٍ وجاذبةٍ، لتصبح الاستراتيجيّة الإعلانيّة متكاملةً، تجمع بين التّأثير النّفسيّ للمستهلك والدّقة المعلوماتيّة للخوارزميّات.
عبر جميع نقاط التّفاعل هذه، ستّتجه العلامات التّجاريّة أكثر فأكثر نحو نشر وكلاء (Agents) يجسّدون قيمها الأساسيّة بكلّ أبعادها. لا يقتصر الأمر على روبوتات خدمةٍ تقليديّةٍ، بل يشمل ممثّلين متقنين قادرين على نقل كلّ جوانب العلامة التّجاريّة في كلّ تفاعلٍ، سواء عند مخاطبة البشر بصوتها الأصيل، أو التّأثير في الآلات عبر بياناتٍ مقنعةٍ وموثوقةٍ. وهنا تصبح العلامة التّجاريّة كياناً حيّاً، ينعكس في كلّ تجربةٍ، محافظاً على اتّساق رسالته وقوّته، سواء أمام أعين البشر أو أمام الخوارزميّات الّتي تتّخذ القرارات نيابةً عنهم.
الجزء الثّالث
إعادة تشكيل مسار التّسويق
مع بروز هذه الاستراتيجيّات الجديدة، يشهد مسار التّسويق التّقليديّ تحوّلاً جذريّاً. فالطّريق من الوعي بالعلامة التّجاريّة إلى تأييدها ومناصرتها يتفتّت ليصبح رحلةً معقّدةً وهجينةً، حيث يعتمد النّجاح على القدرة على إتقان التّفاعل والتّكامل بين العاطفة البشريّة والمنطق الخوارزميّ للآلة. ويتحوّل دور المسوّق هنا من مجرّد مصمّم حملاتٍ إلى مدير تناغم هذه القوى المتشابكة، ليضمن تجربةً سلسةً وفعّالةً تدمج بين التّأثير النّفسيّ والدّقّة التّحليليّة في كلّ مرحلةٍ من مراحل رحلة المستهلك.
الوعي: البعد الإنسانيّ وصدى الآلة
في قمّة مسار التّسويق، يظلّ الهدف الأساس ثابتاً: إشعال الرّغبة والاهتمام بالعلامة التّجاريّة. وتظلّ هذه المرحلة مهيمنةً على الحملات الموجّهة للبشر، حيث تتحوّل المنصّات الّتي تجذب انتباه الإنسان النّادر، مثل "إنستغرام" (Instagram) و"تيك توك" (TikTok) و"يوتيوب" (YouTube)، إلى ساحاتٍ استراتيجيّةٍ لسرد القصص الثّقافيّة الّتي تجعل المستهلك يطلب العلامة التّجاريّة باسمها، لا مجرّد المنتج.
ومع ذلك، فإنّ الجماهير الآليّة لا تزال حاضرةً في الخلفيّة. فالأثر الرّقميّ للحملات الموجّهة للبشر، مثل الإشارات والمناقشات على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، يتحوّل إلى بياناتٍ تدريبيّةٍ لوكلاء الذّكاء الاصطناعيّ. ومع تطوّر المساعدات الشّخصيّة الذّكيّة، قد تبدأ هذه الأنظمة في تشكيل الوعي بشكلٍ استباقيٍّ، عبر الكشف عن الاحتياجات قبل أن يدركها المستخدم ذاته، لتتحوّل رحلة المستهلك إلى تفاعلٍ متقنٍ بين التّأثير العاطفيّ البشريّ والدّقة التّحليليّة للآلة.
مرحلة الاعتبار: ظهور الوسيط الآليّ
في مرحلة الاعتبار، تنتقل المسؤوليّة تدريجيّاً من جمهور البشر إلى جماهير الآلة. بينما يظلّ انتباه البشر محدوداً ونادراً، فإنّ تركيز الآلة محكومٌ فقط بالقدرة الحاسوبيّة. يقدّم الوسيط الآليّ (AI Gatekeeper) الخيارات بمنطقٍ صارمٍ وموضوعيّةٍ خاليةٍ من الانفعال؛ فهو لا يتفاعل مع جمال إعلانك أو جاذبيّته البصريّة، بل يحلّل البيانات المنظّمة، ويقارن تقييمات السّلامة عبر استدعاءات الواجهة البرمجيّة (API Calls)، يوازن بين ميّزات منتجاتك المدرجة في ملف المنتجات، ويحوّل آلاف المراجعات إلى ملخصّاتٍ إحصائيّةٍ دقيقةٍ؛ فالعلامات التّجاريّة الّتي تحظى بتوصيات الذّكاء الاصطناعيّ ليست تلك الّتي تمتلك أذكى شعاراتٍ، بل تلك الّتي تزوّد النّظام بأكثر البيانات اكتمالاً ومصداقيّةً، وتكون أكثر قابليّةً للمعالجة الآليّة.
ومع ذلك، يفتح هذا الواقع فجوةً استراتيجيّةً للجمهور البشريّ غالبًا ما تُغفل. إذ إنّ محركات الإجابات تحتفظ بالمستخدمين على منصّاتها بدلاً من توجيههم بعيداً كما في البحث التّقليديّ، ممّا يتيح عرض إعلاناتٍ موجّهةٍ للبشر جنباً إلى جنبٍ مع توصيات الذّكاء الاصطناعيّ ، مقدماً فرصةً قويّةً للتّأثير في المستهلكين عند اللّحظة الحرجة لاتّخاذ القرار بعد تقييم الخيارات.
التّحويل: نهاية ثنائيّة المسار
في مرحلة التّحويل، يتفرّع المسار إلى مسارين متوازيين. بالنّسبة للمشتريات الرّوتينيّة، يتحرّك الوكيل الآليّ وفق معايير محدّدةٍ مسبقاً مباشرةً من المحفّز إلى الشّراء التّلقائيّ، ليصبح التّسويق الموجّه لجماهير الآلة العامل الحاسم في نجاح العمليّة. ويُقاس التّفوّق هنا بتكامل واجهات البرمجة، وبتصدّر المنتجات للمراتب العليا وفق معايير الخوارزميّات بشكلٍ مستمرٍّ ومتّسقٍ.
أمّا في حالة المشتريات الّتي تتطلّب دراسةً أكبر، فيعود دور البشر لتقرير القرار النّهائيّ. يقدّم الوسيط الآليّ قائمةً مختصرةً من الخيارات الموصى بها، وفي هذه اللّحظة الفاصلة يمكن للإعلانات الموجّهة للبشر أن تلعب دور الحسم. فقصّة علامةٍ تجاريّةٍ قويّةٌ أو عرضٌ مناسبٌ في توقيتٍ مدروسٍ قد يمنح الدّفع الأخير، مقنعاً المستهلك لاختيار أحد الخيارات الّتي صادقتها الآلة على حساب بديلٍ آخر.
الولاء والتّأييد: من الإعدادات الافتراضيّة إلى التّوصيات الشّخصيّة
في مجال الولاء، يميل التّسويق تدريجيّاً نحو الآلة. بالنّسبة للسّلع الرّوتينيّة، يضع الوكيل الآليّ الإعدادات الافتراضيّة ويعيد الطّلب تلقائيّاً بمجرّد أن تتجمع إشاراتٌ موثوقةٌ كافيةٌ. أمّا السلع التي تتطلّب تقييماً أكبر، فقد يبدأ قرار الشّراء بالبُعد البشريّ الدّقيق، لكنّه غالباً ما يعود تلقائيّاً إلى نفس العلامة عند عمليّة الاستبدال أو الشّراء المتكرّر. مثالٌ على ذلك حليب الأطفال: قد يكون الشّراء الأوّل نتاج دراسةٍ واعيةٍ، لكن إذا شعر الوالدان بالرّضا، يواصل الوكيل إعادة الطّلب بشكلٍ تلقائيٍّ. وتستثنى من هذا النّمط الفئات الّتي يرتبط فيها التّسوق بالهويّة الشّخصية أو المتعة، أو عندما تدفع تجربةٌ غير مرضيةٌ المستهلك للعودة لاتّخاذ القرار بنفسه.
أمّا التّأييد، فيتجسّد على كلا الجبهتين، إذ ينشره البشر عبر التّوصيات الشّفهيّة أو الإشادة الشّخصيّة، بينما تنشره الآلات أيضاً من خلال إبراز العلامات التّجاريّة في المقارنات وتقديمها عبر الشّبكات الرّقميّة. وهكذا، يصبح الولاء بشكلٍ متزايدٍ موجّهًا بالآلة، في حين يظلّ التّأييد مشتركاً بين الإنسان والآلة.
حين ينهار مسار التّحويل
مسار التّحويل ليس خطيّاً دوماً، وقد يتفكّك فجأةً في لحظةٍ حاسمةٍ، ليظهر تأثير الخوارزميّات بشكلٍ مباشرٍ على سلوك المستهلك. على تيك توك مثلاً، قد يُبرز النّظام المنتج الأنسب في الوقت الأمثل، ليكتشف المستخدم العلامة التّجاريّة خلال تمريرةٍ واحدةٍ، ويتفقد التّعليقات بحثاً عن دليلٍ اجتماعيٍّ، قبل أن ينقاد نحو الشّراء الفوريّ؛ من الوعي إلى التّحويل في دقائق معدودةٍ.
وبالمثل، قد يقوم الوكيل الآليّ بإعادة طلب المستلزمات المنزليّة بأمرٍ صوتيٍّ واحدٍ فقط، ما يعكس قدرة الذّكاء الاصطناعيّ على تسريع دورة الشّراء. ومن هذا المنطلق، تصبح استراتيجيّات التّسويق مطالبةً بالتّصميم لاستيعاب كلٍّ من الرّحلات الطّويلة ومتعدّدة الطّبقات بين الإنسان والآلة، مع تمكين القرارات اللّحظيّة الفوريّة، لضمان أقصى تأثيرٍ في كلّ نقطة تواصلٍ ضمن رحلة المستهلك.
احتضان الثورتين المزدوجتين
تخيل مسوّقين بعد عامٍ من الآن.
الأوّل يجلس في اجتماعٍ، يعرض حملاتٍ فائزةً بالجوائز، مشحونةً بالسّرد العاطفيّ والإبداع الّذي يفترض أن يميّز الإعلان العظيم. تبدو المؤشّرات مرضيةً: ارتفاع مستوى الوعي بالعلامة التّجاريّة، وتفاعل الجمهور، والمشاعر الإيجابيّة تجاهها. ومع ذلك، تتراجع الحصّة السّوقيّة بلا رحمةٍ؛ فهو لا يدرك أنّ وكلاء الذّكاء الاصطناعيّ يفضّلون باستمرارٍ المنافسين الّذين استثمروا في محتوىً مصمّمٍ للمعالجة الآليّة. وتكسب حملاته القلوب، بينما توجّه الخوارزميّات الإنفاق بعيداً عن محفظته.
في حين يتبنّى المسوّق الثّاني استراتيجيّاتٍ متوازيةً ومتقدّمةً. بالنّسبة للجماهير البشريّة، تولّد حملاته المدعومة بالذّكاء الاصطناعيّ آلاف النّسخ الشّخصيّة لكلّ مستخدمٍ، تُحسّن الإنفاق على مدار السّاعة، وتبني الرّغبة على نطاقٍ واسعٍ. أمّا بالنّسبة لجماهير الآلة، فتضمن بنيته التّحتيّة ظهور علامته التّجاريّة عند طلب العملاء توصيات من الذّكاء الاصطناعيّ. لقد أتقن هذا المسوّق المسار الجديد بالكامل: استقطاب انتباه البشر، كسب اعتبارات الخوارزميّات، وتمكين التّحويلات سواء عبر الإنسان أو الآلة.
فأين سيكون موقعك بين هذين المسوّقين؟
عن الكاتب
"جوناثان لابين" (Jonathan Labin) قياديٌّ تقنيٌّ يتمتّع بخبرةٍ تتجاوز 20 عاماً في بناء الشّركات وتوسيع نطاقها عبر الأسواق النّاشئة. شغل منصب المدير الإداريّ لشركة "ميتا" (Meta) في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا، حيث أسّس العمليّات الإقليميّة من الصّفر ووضع الأسس للنّموّ المستدام. ثم تولّى رئاسة "يونيفونيك" (Unifonic)، مساهماً بفعاليّةٍ في تحويل الشّركة من مزوّدٍ محليٍّ لخدمات الرّسائل القصيرة إلى منصّةٍ رائدةٍ للتّفاعل مع العملاء مدعومةً بالذّكاء الاصطناعيّ. واليوم، يواصل جوناثان دوره في دعم منظومة التّكنولوجيا، بصفته مستشاراً استراتيجيّاً لشركة يونيفونيك ، وعضو مجلس إدارة في "سستك" (Sestek)، وشريكاً استثماريّاً في "أنتلر" (Antler)، بالإضافة إلى نشاطه كمستثمر ملّاكٍ يسهم في تمكين شركاتٍ ناشئةٍ جديدةٍ.